بوتين يبدأ خطوات توسيع الوجود العسكري في سوريا

أولى ثمار تعيينه «مبعوثاً رئاسياً» في دمشق

TT

بوتين يبدأ خطوات توسيع الوجود العسكري في سوريا

سارت موسكو خطوة مهمة نحو تعزيز قبضتها في سوريا بعد مرور أيام قليلة على تعيين السفير الروسي لدى دمشق مبعوثاً رئاسياً خاصاً، ما منحه مكانة وصلاحيات واسعة. ووقّع الرئيس فلاديمير بوتين أمس، مرسوماً يفوض وزارتي الدفاع والخارجية العمل مع الحكومة السورية لتوقيع بروتوكول إضافي يوسّع الوجود العسكري الروسي على الأراضي السورية.
وفي تطور بدا أنه مرتبط بخطوة تسمية السفير مبعوثاً رئاسياً، نص المرسوم الذي نشرت موسكو نصه على البوابة الإلكترونية المخصصة لنشر الوثائق والمعاهدات والاتفاقات على «موافقة الرئيس الروسي» على اقتراح الحكومة الروسية بوضع بروتوكول إضافي يحمل اسم «البروتوكول رقم واحد» ليكون ملحقاً بالاتفاقية الموقّعة مع دمشق في 26 أغسطس (آب) 2015، والتي سمحت بوجود عسكري روسي دائم على الأراضي السورية.
ووفقاً للبروتوكول الذي ستعمل الوزارتان لإقراره من جانب الحكومة السورية، سيتم «تسليم ممتلكات غير منقولة ومناطق بحرية إضافية» في استكمال وتوسيع للاتفاقية السابقة.
وأوكل المرسوم الرئاسي إلى وزارة الدفاع بالتعاون مع وزارة الخارجية «إجراء مفاوضات مع الجانب السوري، والتوقيع عليه لدى التوصل إلى اتفاق بين الجانبين نيابةً عن روسيا الاتحادية».
وسمح المرسوم للوزارتين بإدخال «تغييرات لا تحمل طابعاً مبدئياً» في مسودة البروتوكول التي صادقت عليها الحكومة الروسية.
وبدا التطور لافتاً في شكله ومضمونه، ومن ناحية الشكل، فإن وزارة الدفاع الروسية لن تبدأ مفاوضات مع دمشق للتوصل إلى اتفاق على توسيع السيطرة العسكرية الروسية على مناطق سورية، بل ستقدم إلى دمشق بروتوكولاً جاهزاً تم إقراره مسبقاً من جانب الحكومة الروسية. ومن ناحية المضمون يدل التطور على توجه موسكو نحو توسيع الوجود الثابت والدائم لقواتها العسكرية وممتلكات جيشها على الأراضي السورية. علماً بأن موسكو كانت قد قلّصت العام الماضي حجم وجودها العسكري بعد الإعلان عن «انتهاء المرحلة النشطة» من العمليات العسكرية، ما يضع تساؤلات عن آفاق وأهداف هذا التوسيع حالياً وفقاً لتعليق محلل روسي تحدثت إليه «الشرق الأوسط» أمس.
في الوقت ذاته، لا يمكن فصل هذا التطور عن التوجه الروسي العام إلى تشديد التعامل مباشرةً على الأرض وبشكل فوري مع التطورات الجارية داخل سوريا، وهو الأمر الذي استدعى تعيين «المبعوث الرئاسي» ليكون مشرفاً مباشراً وبصلاحيات واسعة على كل التحركات الروسية في سوريا.
وكان مصدر دبلوماسي تحدثت إليه «الشرق الأوسط» قد قال في وقت سابق، إن هذا التعيين يعني أن موسكو تتجه نحو تبني «ديناميكية دبلوماسية أكثر نشاطاً وقدرة على التعامل الفوري مع الأحداث على الأرض على ضوء بروز تباينات داخلية وتصاعد التنافس السياسي والاقتصادي بين أطراف سورية. فضلاً عن اتجاه الوضع السياسي نحو مزيد من التعقيد مع رغبة روسيا في إطلاق عملية سياسية جادة تكرس الشروع بتنفيذ كامل للقرار الدولي رقم 2254».
وكان الاتفاق الذي يستند إليه البروتوكول الجديد قد شكّل أساساً لبدء إرسال القوات الروسية إلى سوريا في 2015، ونص على نشر «تشكيلات عسكرية تابعة للقوات المسلحة الروسية، مع الأسلحة والمعدات العسكرية والخاصة والمنشآت الضرورية لضمان الأمن والمعيشة بكل المستلزمات المادية لها وكل الممتلكات الأخرى التي تقع في أماكن الانتشار على أراضي الجمهورية العربية السورية». كما وصف «ممتلكات المجموعات الجوية الروسية غير المتحركة» بأنها «الأراضي الواقعة في الجمهورية العربية السورية المسلمة إلى روسيا الاتحادية للاستخدام، وتشمل المنشآت والعقارات الواقعة في أماكن انتشار المجموعات الجوية الروسية، وبينها المباني وملحقاتها وكل المنشآت الأخرى القائمة على الأراضي والتي ستتعرض لأضرار في حال تم نقلها من أماكن انتشار المجموعات الجوية الروسية. والتي سيتم تسليمها للجانب الروسي أو أنها تقع أصلاً في ملكية روسيا الاتحادية، ويتم استخدامها لتنفيذ مهمات المجموعات الجوية الروسية».
وتم الاتفاق حينها على أن «يقدم الجانب السوري مطار حميميم (ريف اللاذقية) لتمركز المجموعات الجوية الروسية بكل منشآته التحتية وملحقاته وكذلك الأراضي اللازمة لتنفيذ المهمات، ويتم الاتفاق بشأنها بين الجانبين، وأن الجانب الروسي يستخدم مطار حميميم بكل منشآته وبناه التحتية وقطع الأراضي التي يُتفق عليها من دون أي مقابل».
كما نص الاتفاق على امتلاك الجانب الروسي «حق إدخال أو إخراج من وإلى أراضي الجمهورية العربية السورية أي أسلحة أو ذخائر أو معدات أو مواد أخرى لازمة لتلبية مهمات المجموعات الجوية الروسية وضمان أمن أفرادها ومتطلباتهم المعيشية من دون دفع أي ضرائب أو تعريفات للجانب السوري»، وأن «كل الممتلكات المتحركة والمنشآت التي ينشرها الجانب الروسي في مطار حميميم تعد ملكية لروسيا الاتحادية». كما شدد الباب التاسع في الاتفاق على أنه «يمكن إدخال تعديلات أو إضافات على هذا الاتفاق على شكل بروتوكول إضافي وباتفاق بين الجانبين».



مصر: «كشك باب النصر» يعيد الجدل بشأن «التعدي» على الآثار

مطالب بإعادة النظر في الصورة الجمالية للقاهرة التاريخية (تصوير: عبد الفتاح فرج)
مطالب بإعادة النظر في الصورة الجمالية للقاهرة التاريخية (تصوير: عبد الفتاح فرج)
TT

مصر: «كشك باب النصر» يعيد الجدل بشأن «التعدي» على الآثار

مطالب بإعادة النظر في الصورة الجمالية للقاهرة التاريخية (تصوير: عبد الفتاح فرج)
مطالب بإعادة النظر في الصورة الجمالية للقاهرة التاريخية (تصوير: عبد الفتاح فرج)

جدد بناء «كشك نور» بالطوب الأحمر، في مكان بارز بمنطقة الجمالية الأثرية في مصر، مطالب خبراء أثريين بتشديد الرقابة على المناطق الأثرية وحمايتها من الاعتداء بالاستناد إلى قانون حماية الآثار.

ويرى الخبير الأثري الدكتور محمد حمزة أن واقعة بناء كشك كهرباء داخل «حرم موقع أثري»، صورة من أوجه مختلفة للاعتداء على الآثار في مصر، حسبما يقول لـ«الشرق الأوسط»، ويضيف: «يمثل هذا الكشك مثالاً لحالات البناء العشوائي التي لا تراعي خصوصية المناطق الأثرية، وتشويهاً معمارياً مثل الذي شهدته بنفسي أخيراً ببناء عمارة سكنية في مواجهة جامع «الحاكِم» الأثري في نهاية شارع المعز التاريخي، بما لا يتلاءم مع طراز المنطقة، وأخيراً أيضاً فوجئنا بقرار بناء مسرح في حرم منطقة سور مجرى العيون الأثرية، وهناك العديد من الأمثلة الأخيرة الخاصة بهدم آثار كالتعدي على قبة الشيخ عبد الله بمنطقة عرب اليسار أسفل قلعة صلاح الدين الأيوبي، وتلك جميعها صور من الاعتداء التي تتجاهل تماماً قوانين حماية الآثار».

كشك كهرباء باب النصر (حساب د. محمد حمزة على فيسبوك)

وحسب الدكتور محمد عبد المقصود، الأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للآثار، فإن بناء هذا الكشك «هو حالة متكررة لمخالفة قانون حماية الآثار بشكل واضح»، حسبما يقول لـ«الشرق الأوسط»، مضيفاً: «يجب أن تتم إزالته، فهو يؤثر بشكل واضح على بانوراما المكان الأثري، علاوة على أنه كيان قبيح ولا يليق أن يتم وضعه في موقع أثري، ويتسبب هذا الكشك في قطع خطوط الرؤية في تلك المنطقة الأثرية المهمة».

ويضيف عبد المقصود: «المؤسف أن وزارة السياحة والآثار لم تعلق على هذا الأمر بعد، مثلما لم تعلق على العديد من وقائع الاعتداء على مواقع أثرية سواء بالبناء العشوائي أو الهدم قبل ذلك، رغم أن الأمر يقع في نطاق مسؤوليتهم».

قانون الآثار المصري يمنع بناء مبان أعلى من المنشآت الأثرية (تصوير: عبد الفتاح فرج)

وأثار تشويه بعض نقوش مقبرة مريروكا الأثرية في منطقة سقارة بالجيزة (غرب القاهرة) ضجة واسعة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وسط دعوات بضرورة تطبيق قانون حماية الآثار الذي تنص المادة 45 منه رقم 117 لسنة 1983 وتعديلاته، على أنه «يعاقَب كل من وضع إعلانات أو لوحات للدعاية أو كتب أو نقش أو وضع دهانات على الأثر أو شوّه أو أتلف بطريق الخطأ أثراً عقارياً أو منقولاً أو فصل جزءاً منه بالحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنية ولا تزيد على 500 ألف جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين».

الآثار الإسلامية تتوسط غابة من الكتل الخرسانية (تصوير: عبد الفتاح فرج)

وترى الدكتورة سهير حواس، أستاذة العمارة والتصميم العمراني بقسم الهندسة المعمارية بجامعة القاهرة، أن منطقة القاهرة التاريخية مسجلة وفقاً لقانون 119 لسنة 2008، باعتبارها منطقة أثرية لها اشتراطات حماية خاصة، وتقول في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «تشمل تلك الحماية القيام بعمل ارتفاعات أو تغيير أشكال الواجهات، وأي تفاصيل خاصة باستغلال الفراغ العام، التي يجب أن تخضع للجهاز القومي للتنظيم الحضاري ووزارة الثقافة».

شكاوى من تشويه صور الآثار الإسلامية بالقاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

وحسب القانون يجب أن يتم أخذ الموافقة على وضع أي كيان مادي في هذا الفراغ بما فيها شكل أحواض الزرع والدكك، وأعمدة الإضاءة والأكشاك، سواء لأغراض تجميلية أو وظيفية؛ لذلك فمن غير المفهوم كيف تم بناء هذا الكشك بهذه الصورة في منطقة لها حماية خاصة وفقاً للقانون.

ويرى الخبير الأثري الدكتور حسين عبد البصير أنه «لا بد من مراعاة طبيعة البيئة الأثرية، خاصة أن هناك العديد من الطرق التي يمكن بها تطويع مثل تلك الضرورات كتوسيع الطرق أو البنية التحتية أو إدخال تطويرات كهربائية بطريقة جمالية تلائم النسيج الجمالي والبصري للأماكن الأثرية».