تراشق حاد بالتصريحات بين أنقرة وأثينا

تتبادلان الاتهامات بـ«البربرية» في التعامل مع المهاجرين

TT

تراشق حاد بالتصريحات بين أنقرة وأثينا

دخلت تركيا واليونان في تراشق حاد بسبب أزمة المهاجرين وطالبي اللجوء على الحدود ووصف البلدان الجاران كل منهما الآخر بـ«الدولة البربرية» وسط مخاوف من جانب أثينا من أن تعيد أنقرة تصدير مشكلة طالبي اللجوء إليها. وانتقد المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية حامي أكصوي، بشدة، وزير الخارجية اليوناني نيكوس دندياس لوصفه تركيا بـ«الدولة البربرية». وقال، في بيان أمس (الخميس)، إن «وصف اليونان، «التي تمارس شتى أنواع الظلم بحق طالبي اللجوء الأبرياء المتواجدين على حدودها»، تركيا بالدولة البربرية، هو مدعاة للخجل، وعلى اليونان أن تتخلص أولا من بربريتها». وقال المتحدث التركي: «ندعو القيادة اليونانية، التي تتبنى عقلية «عدو عدوي صديقي»، إلى التعقل»، متهما اليونان بأنها تنتهك، بشكل صريح، حقوق طالبي اللجوء وحريتهم، مضيفا أن تلك الانتهاكات موثقة من قِبل منظمات حقوق الإنسان.
وحث أكصوي حكومة اليونان على احترام حقوق طالبي اللجوء، والتخلي عما سماه «ممارسة التعذيب بحقهم».
وكانت قد أعلنت قيادة الشرطة اليونانية أنها سترسل 400 شرطي إلى حدودها البرية مع تركيا في شمال شرقي البلاد في «إجراء وقائي» لمنع تدفق محتمل لمهاجرين إلى المنطقة. وقال المتحدث باسم الشرطة اليونانية، تيودوروس خرونوبولوس، لوكالة الصحافة الفرنسية إن «الهدف هو تعزيز دوريات الشرطة وقائياً» على طول نهر إيفروس الذي يشكل الحدود البرية مع تركيا.
وتخشى اليونان أن تمارس تركيا ضغوطاً جديدة على أوروبا عبر المهاجرين بعد انحسار وباء كورونا، وتعيد الدفع بتدفقات من المهاجرين وطالبي اللجوء إلى منطقة إيفروس على غرار ما فعلت في أواخر فبراير (شباط) الماضي. وكانت أنقرة أعلنت في 29 فبراير (شباط) أنها لن تمنع المهاجرين من التوجه إلى أوروبا بعد أن فتحت بالفعل حدودها أمامهم قبلها بيومين ونظمت حملة لنقلهم بحافلات إلى منطقة الحدود بعد هجوم للنظام السوري على نقطة مراقبة تركية في إدلب أدى إلى مقتل 36 جنديا، واستغلت تركيا الحادث للضغط على أوروبا من أجل الحصول على مزيد من المساعدات والامتيازات في ملف اللاجئين. وتجمع آلاف من طالبي اللجوء عند بوابة يارزا كوله (كاستانيس) الحدودية مع اليونان حيث منعت اليونان التدفقات إلى داخل أراضيها بنشر قوات من الشرطة والجيش وإقامة سور من الأسلاك الشائكة واستخدام قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريقهم. وطلبت اليونان مساعدة أوروبية لمنع المهاجرين من عبور الحدود، وحصلت على 700 مليون يورو، بينما أدانت منظمات للدفاع عن حقوق الإنسان طرد المهاجرين بطريقة غير قانونية. وأجبر تفشي فيروس كورونا تركيا على التراجع في نهاية مارس (آذار) وإعادة المهاجرين إلى مخيمات داخل أراضيها.
واتهمت اليونان تركيا بعدم تنفيذ تعهداتها بموجب اتفاقية الهجرة وإعادة قبول اللاجئين الموقعة مع الاتحاد الأوروبي في 18 مارس (آذار) 2016. وقال أكصوي إن الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا انخفضت بنسبة 92 في المائة بفضل تنفيذ تركيا لالتزاماتها في إطار الاتفاقية مع أوروبا وإن الاتحاد الأوروبي هو الطرف الذي لم ينفذ التزاماته في هذا الإطار.
وتابع: «بموجب الاتفاق تستقبل تركيا حصرا طالبي اللجوء الذين يصلون إلى الجزر اليونانية ويتم رفض طلباتهم في الحصول على حماية دولية أو الذين يثبت أنهم ليسوا بحاجة إلى حماية دولية... استقبلنا ألفين و139 مهاجرا غير شرعي من اليونان ممن تنطبق عليهم هذه الشروط».
وأشار إلى أن الانتقادات التي وجهت إلى قانون اللجوء الجديد في اليونان كونه لا يمتثل للمعايير الدولية وتوجيهات الاتحاد الأوروبي، صدرت بشكل صريح عن المنظمات الدولية أيضا. ونفت كل من تركيا واليونان، الأحد الماضي، معلومات تفيد بأن جنوداً أتراكاً احتلوا أراضي يونانية عند مجرى نهر إيفروس الحدودي.
وقال وزير الخارجية اليوناني نيكوس ديندياس إن المعلومات التي نشرتها وسائل إعلام بريطانية بأن القوات التركية احتلت قطعة أرض عادة ما تكون مغمورة بالمياه في هذا الوقت من العام، تقع في الجانب اليوناني من الحدود، «خاطئة تماماً». إلا أنه أقر في مقابلة مع تلفزيون «سكاي»، بأن «وجود القوات التركية لوحظ في قطاع من الأرض حيث كان الجيش اليوناني يقوم ببعض الأعمال التحضيرية بعد أن أعلنت أثينا أنها لن تعطي تركيا إحداثيات توسيع سياجها في إيفروس مسبقاً». ودعت تركيا جارتها اليونان إلى مناقشة جميع الأمور في إطار آلية اجتماعات الحوار السياسي بينهما.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟