أميركا... الاحتجاج بالسلاح على تدابير «كوفيد ـ 19»

بين حرية الاقتناء ومخاطر خرق النظام

أميركا... الاحتجاج بالسلاح على تدابير «كوفيد ـ 19»
TT

أميركا... الاحتجاج بالسلاح على تدابير «كوفيد ـ 19»

أميركا... الاحتجاج بالسلاح على تدابير «كوفيد ـ 19»

رجال يتمشّون على طرقات خالية من سكّانها، ملثّمين ومدجّجين بالسلاح، على وجوه بعضهم أقنعة قاتمة ونظارات شمسية تخفي معالمهم كلياً.
للوهلة الأولى، يتخيّل للناظر أن المشهد مصوّر في «ساحة حرب»، إذ إن الأسلحة الحربية تتراوح ما بين الرشاشات والبنادق الآلية والقاذفات الصاروخية (آر بي جي). غير أن الحقيقة مختلفة؛ فهؤلاء، من الناحية القانونية، مواطنون أميركيون يمارسون حقّين مشروعين يتصدّران الدستور الأميركي: حقّ التعبير عن الرأي، وحقّ حمل السلاح.
هؤلاء الرجال، وبرفقتهم نسوة لسن أقل تحمساً منهم لمطالبهم، كانوا يحتجّون على إجراءات حظر التجول التي فُرضت في العديد من الولايات الأميركية بهدف الحدّ من انتشار جائحة «كوفيد - 19». ورغم قرارات حكام هذه الولايات بمنع التجمّعات، فإن هؤلاء خرقوا أوامر الحكام وقرّروا التعبير عن رأيهم من خلال مظاهرات منظمة ومسلّحة، وصلت إحداها إلى حدّ اقتحام مبنى كابيتول ولاية ميشيغان (شمال الولايات المتحدة) في عاصمتها، مدينة لانسينغ.
إنه لمشهدٌ غريب أن ترى مسلّحين مقنّعين يتجوّلون في مدن آمنة على طرقات خاوية، لكنه يعكس بشكل كبير الجدل المحيط بحقّ حمل السلاح في الولايات المتحدة.
نعم، حق المواطن بحمل السلاح موجود في التعديل الثاني من وثيقة الحقوق في الدستور الأميركي، وهو ينصّ على التالي: «إن وجود ميليشيا منظّمّة هو أمر ضروري للحفاظ على أمن ولاية حرّة، ولهذا فإنّ حق الأشخاص في اقتناء أسلحة وحملها لا يجوز انتهاكه».
هذه الكلمات أثارت منذ صياغتها في عام 1789 جدلاً كبيراً في الأوساط الأميركية، إذ اعتبر المدافعون عن حق حمل السلاح أنّ تعبير «حق الأشخاص في اقتناء الأسلحة وحملها» يخلق حقاً دستورياً فردياً للأميركيين. وبناء عليه فإن هذه النظرية القاضية بالتركيز على «الحق الفردي» تؤمن بأن الدستور يمنع تدخلّ الدولة بهذا الحق ويعتبر أي تدخلٍ تدبيراً غير قانوني.
أما المعارضون لهذه النظرية، فينظرون إلى لغة التعديل بأعين مختلفة، ويركّزون على الجزء الأول الذي يقول «ميليشيا منظمة». ومن ثم، يعتبرون أن الآباء المؤسّسين أرادوا من خلال هذا التعبير التشديد على أهمية «تنظيم» حمل السلاح من خلال الولايات المختلفة، لكن من دون تدخل الكونغرس كسلطة فيدرالية في حق هذه الولايات للدفاع عن نفسها. وبالتالي، تصبح هذه النظرية بمثابة «نظرية الحقوق الجماعية»، ما يعني أن الولاية ومؤسساتها لديها الحق «بتنظيم» اقتناء الأسلحة وحملها من دون انتهاك حق الأميركيين الدستوري.
وعلى هذا الأساس، يقول داعمو «تنظيم حمل السلاح» إنّ الإحجام عن تنظيمه يعرقل جهود الحكومة في تنفيذ مسؤولياتها، الأمر الذي يهدد أمن المواطنين. وهذا، رأي يخالف وجهة نظر مناصري حمل السلاح، الذين يبرّرون اقتناء الأسلحة بحجة الدفاع عن النفس وممارسة رياضة الصيد، بل ويذهبون أبعد إلى حد القول إن امتلاك المواطنين للسلاح يحول دون ارتكاب جرائم.
قرابة 393 مليون قطعة سلاح
في أي حال، يُقدّر اليوم عدد قطع السلاح التي يمتلكها أميركيون مدنيّون بنحو 393 مليون قطعة، وهناك قطعة واحدة على الأقل فيما بين 35 في المائة و42 في المائة من المنازل. أضف إلى ذلك أن الولايات المتحدة تتمتع بأعلى نسبة أسلحة مخصصة لكل فرد، بمعدل يقارب الـ120 قطعة سلاح لكل 100 شخص.
ورغم أن حمل السلاح لم يكن موضوعاً مسيّساً في بداياته، فإنه أصبح سياسياً بامتياز خلال السنوات الأخيرة، فمناصرو الحزب الجمهوري في طليعة الداعمين الشرسين له، في حين يميل معظم الديمقراطيين إلى السعي لتنظيمه عبر سلطات الولايات. ولقد تجلّت الصورة بشكل واضح خلال المظاهرات الأخيرة. ففي ولاية مينيسوتا (شمال البلاد)، وقف المتظاهرون خارج منزل حاكم الولاية الديمقراطي تيم والتز، وهم يحملون يافطات مؤيدة للرئيس الأميركي دونالد ترمب، وأخرى تقول: «إن لم تحرّرنا صناديق الاقتراع، فالرصاص سيقوم بالمهمة...»، وهذه تصريحات استفزازية يتهم البعض ترمب بالتحريض عليها.
وللعلم، كانت التغريدات التي أطلقها الرئيس صباح الأول من مايو (أيار) الحالي، قد خلّفت أصداء صادمة لكثيرين، وبالأخص مناشداته: «حرّروا مينيسوتا!» و«حرّروا ميشيغان!» و«حرّروا فيرجينيا!... وأنقذوا التعديل الثاني في دستورنا! إنّه تحت الحصار!».
كل هذه كلمات فسّرها كثيرون على أنّها دعوة مفتوحة إلى المتظاهرين من مؤيديه لحمل السلاح والتظاهر في ولايات يحكمها ديمقراطيون معارضون لسياسات ترمب.
أيضاً، وصف الرئيس الأميركي المتظاهرين المسلّحين بأنهم «أشخاص جيدون جداً، لكنّهم غاضبون، ويريدون استعادة حياتهم، بأمان». ورغم أنّ بعض المتظاهرين واجهوا رجال الأمن، ولو من دون استعمال أسلحتهم، فإن البيت الأبيض لم يسحب دعمه لهم، بل شدّدت المتحدثة باسم البيت الأبيض كايلي ماكيناني على «حق» هؤلاء بالتظاهر، قائلة: «لديهم الحق في التظاهر دستورياً، لكن ضمن أطر القانون». مع ملاحظة أن هذا تصريح عام لم يتطرّق إلى تفاصيل القضية، أي: هل يعطي الدستور الأميركي المواطنين الأميركيين الحق المطلق بحمل السلاح؟
الجواب على هذا السؤال غالباً ما يعود إلى المحكمة العليا التي تنظر إلى كل قضية أمامها على حدة لتبتّ فيها. وفي حين يحق لبعض الولايات تحديد طرق حمل السلاح بشكل عام، فإن المحكمة العليا لم تحسم ما إذا كان هذا الحق مطلقاً. ولكنّ القرار الأهم بهذا الخصوص حصل في عام 2008 في قضية «مقاطعة كولومبيا ضد هيلر». يومذاك أكدت المحكمة العليا، لأول مرّة، أن التعديل الثاني في الدستور يضمن حق الفرد بامتلاك سلاح، بغضّ النظر عن كونه عنصراً في ميليشيا محلية، إضافة إلى حقّه في استعمال السلاح بطرق قانونية أبرزها للدفاع عن النفس في منزله. وبهذا تكون المحكمة (التي يشكل التيار المحافظ المؤيد للجمهوريين، حالياً، غالبية فيها) قد دعمت نظرية «الحق الفردي» وعارضت نظرية «الحق الجماعي» في تلك القضية.
نبذة تاريخية
في أعقاب اغتيال الرئيس الأميركي جون كينيدي ثم شقيقه وزير العدل السابق السيناتور روبرت كينيدي، وكذلك اغتيال الناشطَين في مجال حقوق الإنسان مالكوم إكس ومارتن لوثر كينغ الابن خلال عقد الستينات، مرّر الكونغرس قانون تنظيم حمل السلاح في عام 1967. ولقد نظّم هذا القانون نقل الأسلحة بين الولايات من خلال المصنّعين المرخّص لهم وتجار السلاح والمستوردين. كذلك منع القانون بيع السلاح لمجموعات حُدّدت بالمحظورة.
غير أنه في عام (المدعومة من اليمين والجمهوريين المحافظين) مرّر الكونغرس قانوناً آخر باسم «قانون حماية حاملي السلاح» أبطل مفعول القانون الأول، لكنه منع امتلاك البنادق الآليّة غير المسجّلة.
بعد ذلك، عام 1981 أدت محاولة اغتيال الرئيس الأميركي رونالد ريغان إلى دعوات لتمرير قانون جديد. لكن هذا لم يحصل إلا في عام 1993. عندما وقّع الرئيس الأميركي (حينذاك) بيل كلينتون على قانون «برايدي لمنع عنف السلاح»، وذلك تيمناً بالمتحدث باسم البيت الأبيض جيمس برايدي الذي تعرّض خلال محاولة اغتيال ريغان لإصابة بليغة أدت إلى شلله.
لقد حدّد القانون الجديد أطراً للتحقق من الخلفيات الجنائية للأشخاص الذين يسعون لامتلاك السلاح، كما حال دون شراء المجرمين والقاصرين للأسلحة. وفسّر وارين برغر، رئيس القضاء المتقاعد في المحكمة العليا، خلفيات القانون في مقال داعم له، فقال: «للأميركيين حق الدفاع عن بيوتهم، ولا يجوز تغيير هذا الحق، كما لا يحق لأحد التشكيك في أن الدستور يحمي حق الصيادين باقتناء أسلحة صيد، بالطريقة نفسها التي لا يجوز معها التشكيك بامتلاكهم لصنّارات ومعدات صيد أخرى. إن حق «امتلاك سلاح وحمله» للصيد يُعدّ اليوم نشاطاً ترفيهياً، وليس ضرورة للعيش كما كان الأمر منذ 200 سنة، ولكنّ الأسلحة الثقيلة لا تعتبر ترفيهية، وعليه، فنحن بحاجة لتنظيمها كما ننظم الماكينات السيّارة».
وحقاً، في عام 1994 مرّر الكونغرس قانوناً آخر باسم «الحظر الفيدرالي للأسلحة الهجومية»، وذلك بعدما فتح رجل النار على ملعب مدرسة كليفلاند الابتدائية في ولاية كاليفورنيا عام 1989. ويمنع هذا القانون «تصنيع ونقل الأسلحة الهجومية شبه الآلية ومخازن الذخائر الكبيرة السعة للاستعمال المدني». بيد أن مهلة القانون نفدت في عام 2004، ولم يتمكن الكونغرس من إعادة تفعيله.
وبعد ذلك أدّت سلسلة من جرائم القتل الجماعي إلى محاولات متعددة من الإدارات الأميركية المختلفة إلى تنظيم حمل السلاح بطريقة أو بأخرى.
إدارة أوباما وحمل السلاح
في ديسمبر (كانون الأول) 2012، فتح آدم لانزا (البالغ من العمر 20 سنة) النار في مدرسة ساندي هوك الابتدائية بولاية كونكتيكت (المتاخمة لولاية نيويورك)، فقتل 28 شخصاً جلّهم أطفال في حادثة هزّت الولايات المتحدة، وتحدّت عزيمة إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما. وفي يناير (كانون الثاني) 2013 أعلن أوباما عن خطة للحد من عنف السلاح مؤلفة من أربعة أجزاء: 1 - تصحيح العيوب في نظام التحقق من الخلفية الجنائية. 2 - حظر الأسلحة الهجومية ومخازن الذخيرة الكبيرة السعة. 3 - الحرص على أمن المدارس. 4 - تسهيل خدمات علاج الصحة العقلية.
وبينما تطلبت هذه الخطة موافقة الكونغرس، فإن الأخير لم ينجح في تمرير أي قانون يدعم الخطة بسبب عمق الانقسامات الحزبية ونفوذ «لوبي» السلاح، وبالذات الـ«إن آر آيه».
وبالفعل، أعرب أوباما عن استيائه من ملف السلاح خلال مقابلة مع شبكة «بي بي سي» في عام 2015. قال فيها: «إن ملف تنظيم السلاح هو أكثر ملف أحبطني، فالواقع هو أن الولايات المتحدة هي البلد المتقدم الوحيد على وجه الأرض الذي لا يتمتع بقوانين منطقية لحماية المواطنين من عنف السلاح... حتى في وجه جرائم القتل الجماعي. إذا نظرنا إلى عدد الأشخاص الذين قتلوا في هجمات إرهابية منذ اعتداءات 11 سبتمبر (أيلول)، لرأينا أنهم أقل من مائة. أما إذا نظرنا إلى عدد الأشخاص الذين قتلوا بسبب أحداث مرتبطة بعنف السلاح، فهم عشرات الآلاف. إن عجزنا عن حل هذه القضية يقلقني للغاية».
في عهد إدارة ترمب
في عهد الرئيس الحالي دونالد ترمب، وتحديداً في أكتوبر (تشرين الأول) 2017، فتح ستيفن بادوك النار من شرفة غرفته على الحضور في مهرجان موسيقي بمدينة لاس فيغاس في ولاية نيفادا، فقتل 58 شخصاً وجرح 413 آخرين. والأسوأ أن بادوك تمكن من إطلاق أكثر من ألف رصاصة من ذخيرته عبر استعمال 12 بندقية، أي أنه أطلق النار بوتيرة وصلت إلى تسع رصاصات في الثانية. ثم في فبراير (شباط) 2018، تمكن نيكولاس كروز من قتل 17 شخصاً عندما استخدم بندقيته شبه الآلية وفتح النار في مدرسة ستونمان دوغلاس الثانوية في بلدة باركلاند بولاية فلوريدا.
الحادثتان حفّزتا ترمب إلى التفكير بحظر جميع الأجهزة التي تحوّل الأسلحة المشروعة إلى بنادق آلية (أوتوماتيكية)، ومنها الجهاز الذي استعمله مطلق النار في لاس فيغاس. وحقاً، تمكنت وزارة العدل من تطبيق هذا الحظر في عام 2018 عبر أمر تنفيذي من دون السعي لموافقة الكونغرس. وللعلم، مرة تلو المرة، كان أبرز سبب يعرقل تمرير مشاريع من هذا النوع في الكونغرس هو النفوذ الواسع الذي تتمتع به «جمعية البنادق الوطنيّة» في أروقته.
الولايات والسماح بحمل السلاحً
أخيراً، الجدير بالذكر، أنه تختلف قوانين حمل السلاح في الولايات المتحدة من ولاية إلى أخرى. وكمثال على ذلك، هناك خمس ولايات أميركية فقط تمنع حمل المسدسات علناً و32 ولاية تسمح بذلك من دون رخصة مقابل 13 ولاية تتطلب ترخيصاً. أما الولايات التي تمنع حمل المسدسات علناً، فهي: كاليفورنيا، وفلوريدا، وإيلينوي، ونيويورك، وساوث كارولينا، ومقاطعة كولومبيا (أي العاصمة واشنطن). في حين أن الولايات التي تفرض الاستحصال على رخص لحمل المسدسات، فهي: جورجيا، وهاواي، وإنديانا، وآيوا، وماريلاند، وماساتشوستس، ومينيسوتا، ونيوجيرزي، وأوكلاهوما، ورود آيلاند، وتينيسي، وتكساس، ويوتاه.
جمعية البنادق الوطنية... و«لوبي» الأسلحة
> هذه الجمعية التي أسست عام 1871 لترويج امتلاك الأسلحة الفردية، تعد من أكثر المنظمات نفوذاً في الولايات المتحدة. وللعلم، لم تكن هذه الجمعية مسيّسة في بداياتها، إلا أنها في أواخر العام 1970 بدأت بتطوير أنشطتها، لتشمل السياسة وتغدو، من ثم، متناغمة مع الحزب الجمهوري. ثم بعد العام 1977 وسّعت الجمعية عضويتها لتركز بشكل أساسي على القضايا السياسية، وتشكل تحالفات وثيقة مع السياسيين المحافظين.
بحلول العام 1998، أصبحت الجمعية إحدى أبرز وأسخى المنظمات التي تموّل الانتخابات التشريعية. وعلى سبيل المثال، أنفقت الـ«إن آر آيه» قرابة مبلغ 11 مليون دولار في انتخابات عام 2012، ونحو 14 مليون في انتخابات عام 2014.
أيضاً، أخذت الجمعية على عاتقها الترويج للسياسات الداعمة لاقتناء السلاح وحمله، من خلال السعي جاهدة لفصل حق حمل السلاح عن سوء استخدامه في حوادث إطلاق النار. مع الإشارة إلى أنها تعرّضت لانتقادات واسعة عندما أخذت تروّج لفكرتي وجود عناصر أمنية داخل المدارس وتسليح المدرسين، بدلاً من تنظيم حمل السلاح. لكن اللافت، أن الجمعية لم تخسر أي معركة تشريعية منذ قانون العام 1994. وفي هذا دليل أكثر من كافٍ على نفوذها الواسع في الكونغرس.
وفي هذا السياق، تعطي الجمعية علامات مختلفة لأعضاء الكونغرس، فعلامة «أ+» تُعطى للنائب أو السيناتور الذي لديه «سجل تصويت ممتاز (لصالحها) في كل المسائل المتعلقة بالجمعية في الكونغرس، وبذل جهوداً فائقة للترويج للتعديل الثاني من الدستور والدفاع عنه». أما المشرعون الذين يحصلون على علامة «ف»؛ فهم «أعداء حقيقيون لحق حمل السلاح»، بحسب وصف الجمعية.
من جانب متصل، تظهر الأرقام أن 88 في المائة من الساسة الجمهوريين و11 في المائة من الديمقراطيين تلقوا مساهمات من الجمعيّة إبّان فترة عملهم السياسي، كما حصل أكثر من 50 في المائة من أعضاء الكونغرس على تبرعات منها.
وعلى صعيد معارك الرئاسة، أعلنت «إن آر آيه» لأول مرة عن تأييدها لمرشح رئاسي عام 1980. عندما دعمت المرشح (الرئيس) الجمهوري رونالد ريغان ضد منافسه الرئيس الديمقراطي جيمي كارتر. أنفقت 40 مليون دولار في انتخابات عام 2008 منها عشرة ملايين ضد حملة أوباما الانتخابية. وفي مايو 2016، أعلنت الجمعية تأييدها لترمب في الانتخابات، وتبرّعت بأكثر من 30 مليون دولار لحملته الانتخابية.

أبرز حوادث إطلاق النار في الولايات المتحدة
1 - 1991: مقهى لوبي في تكساس - 23 قتيلاً و27 جريحاً
2 - 1999: مدرسة كولومباين الثانوية في كولورادو - 13 قتيلاً و24 جريحاً
3 - 2007: جامعة فيرجينيا تك في فيرجينيا - 32 قتيلاً و23 جريحاً
4 - 2009: قاعدة فورت هود العسكرية في تكساس - 13 قتيلاً و32 جريحاً
5 - 2012: مدرسة ساندي هوك الابتدائية في كونكتيكت - 27 قتيلاً منهم 20 بين السادسة والسابعة من العمر، وجريحان
6 - 2013: القاعدة البحرية في واشنطن - 12 قتيلاً و8 جرحى
7 - 2015: سان برناندينو في كاليفورنيا - 14 قتيلاً و24 جريحاً
8 - 2016: حادثة الملهى الليلي في أورلاندو بولاية فلوريدا - 49 قتيلاً و53 جريحاً
9 - 2017: حادثة لاس فيغاس بنيفادا - 58 قتيلاً و413 جريحاً
10- 2018: مدرسة ستونمان دوغلاس الثانوية في فلوريدا - 17 قتيلاً و17 جريحاً
11 - 2019: متجر وولمرت في آل باسو بولاية تكساس - 23 قتيلاً و23 جريحاً



فريدريش ميرتس... محافظ وواقعي يقود سفينة الديمقراطيين المسيحيين الألمان في حقبة صعبة

ميرتس
ميرتس
TT

فريدريش ميرتس... محافظ وواقعي يقود سفينة الديمقراطيين المسيحيين الألمان في حقبة صعبة

ميرتس
ميرتس

انتظر فريدريش ميرتس 23 سنة قبل تحقيق طموحه بأن يصبح المستشار الألماني؛ إذ كان زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي المحافظ الذي قاد حزبه إلى الفوز بالانتخابات العامة الأحد الماضي، قد خسر معركة داخلية للسيطرة على الحزب أمام أنجيلا ميركل في عام 2002، بعدما تمكنت من تحييده والاستيلاء على زعامة الحزب. وانسحب ميرتس كلياً من السياسة عام 2009 ليعود بعد نهاية «حقبة ميركل» التي طالت حتى عام 2021. إلا أنه حتى عودته تلك لم تكن سهلة؛ ذلك أنه حاول الفوز بالزعامة 3 مرات، ولم ينجح إلا في المحاولة الثالثة بعد فشل الزعيمين السابقين اللذين فضلهما الحزب، آنغريته كرامب كرامباور وآرمين لاشيت، اللذين كانا مقرّبين من ميركل وينتميان لجناحها في الحزب. ولكن في عام 2022، نجح ميرتس أخيراً في كسب أصوات المندوبين للوصول في النهاية إلى مقر المستشارية وهو في سن السبعين. قصة ميرتس داخل حزبه تعكس شخصيته التي تثير انقسامات كبيرة، ليس فقط داخل حزبه، بل أيضاً على المستوى الوطني. فتحالفه مع حزب «البديل من أجل ألمانيا» لتمرير اقتراح داخل البرلمان عارضته كل الأحزاب الأخرى - ولم ينجح إلا جزئياً بسبب دعم الحزب اليميني المتطرف - أثار انقسامات كبيرة في ألمانيا، وكاد يكلفه طموحه الذي انتظر عقدين لتحقيقه. أما الآن وقد فاز حزبه بالانتخابات، ووقعت عليه مهمة تشكيل الحكومة الألمانية المقبلة، فسيتوجّب على الرجل الذي أمضى فترة «تقاعده» السياسي في عالم الأعمال، أن يقود ألمانيا التي تواجه تحديات كثيرة خلال الأشهر والسنوات الآتية.

يوصف فريدريش ميرتس، المستشار الألماني المكلّف، أحياناً بأنه «شعبوي» ويغازل قاعدة اليمين المتطرف. وهو صاحب عبارات اشتهرت وأثارت انتقادات كبيرة، بل رُميت أحياناً بـ«العنصرية»، كوصفه مرة طلاب مدارس من أصول عربية وتركية بأنهم «باشاوات صغار»، أو زعمه أن اللاجئين يأتون إلى ألمانيا لـ«إجراء عمليات تجميل لأسنانهم في حين أن الألمان عاجزون عن حجز مواعيد لدى أطباء الأسنان» (ادعاء نفته نقابة أطباء الأسنان التي قالت إن التأمين لا يغطي إلا العمليات الضرورية وليس التجميلية)، أو وصفه اللاجئين الأوكران الذين أتوا إلى ألمانيا في بداية الحرب مع روسيا بأنهم «لاجئون سيّاح»، قاصداً أنهم يأتون للاستفادة من التسهيلات المالية التي تقدمها لهم السلطات الألمانية.

فكر محافظ صريح

ميرتس هو أيضاً صاحب عبارة: «الثقافة الألمانية الطاغية» التي روّج لها منذ قبل «تقاعده الإجباري» المؤقت من البرلمان الذي دفعه إليه عصر ميركل. وبذلك كان يتعمّد انتقاد التعددية الثقافية التي لا يعتبرها «ألمانية»، مكرّراً «ضرورة» أن يتقبّل المهاجرون في ألمانيا «الثقافة الطاغية».

وفي صيف 2023، بعد انتخابه أخيراً زعيماً للديمقراطيين المسيحيين، وقف ميرتس أمام مجموعة من سكان غيلاموس، وهي بلدة صغيرة في ولاية بافاريا، قائلاً: «كرويتسبيرغ ليست ألمانيا. غيلاموس هي ألمانيا»، أمام هتافات الحاضرين وتصفيقهم. وللعلم، كرويتسبيرغ منطقة في برلين معروفة بتنوعها الثقافي، وتُعدّ معقل الجالية التركية في العاصمة الألمانية.

وأخيراً، في مطلع العام، قبل أسابيع من الانتخابات، كسر ميرتس قاعدة ذهبية تعتمدها الأحزاب الألمانية منذ هزيمة النازيين خوفاً من صعود اليمين المتطرف مرة جديدة ومنعاً لتكرار التاريخ... وهذه القاعدة غير المكتوبة تنص على رفض التعاون مع أحزاب يمينية متطرفة، في ما يُعرف ألمانيّاً بـ«جدار الحماية».

تشديد قوانين الهجرة

وفي الأسابيع التي سبقت الانتخابات، إثر تكرار الهجمات التي نفّذها لاجئون أفغان أو سوريون، خرج ميرتس غاضباً ليعلن طرحه اقتراحاً أمام البرلمان لتشديد قوانين الهجرة. ومع أن الاقتراح لم يكن مُلزماً للحكومة، قرّر ميرتس المضي بطرحه رغم اعتراض الأحزاب التقليدية عليه لمخالفته عدداً من القوانين الأوروبية، بحسب منظمات حكومية، مثل إغلاق الحدود مع «دول الشنغن»، ووقف استقبال اللاجئين غير الشرعيين. وأيضاً أصرّ ميرتس على طرح الاقتراح في «البوندستاغ» مع أن الحزب الكبير الوحيد الذي دعمه كان «البديل من أجل ألمانيا».

وحقاً، مرّ جزء من الاقتراح بفضل أصوات الحزب المتطرّف؛ ما أثار موجة من المظاهرات خرج فيها مئات الآلاف يصفون ميرتس بـ«الخائن». ومع إثارة ميرتس انقسامات داخل حزبه، توالت الدعوات من الأحزاب الأخرى له للانسحاب من السباق لمنصب المستشارية؛ لأنه «ما عاد مناسباً لقيادة ألمانيا». لكن الزعيم المحافظ سارع لاحتواء الأزمة والتعهد بأنه لن يتحالف مع «البديل» في حال فوز حزبه بالانتخابات. ورغم احتلال الحزب المتطرّف المرتبة الثانية في الانتخابات بـ20 في المائة من الأصوات ومضاعفته عدد مقاعده البرلمانية، رفض ميرتس الدخول في مباحثات لتشكيل الحكومة معه. واختار بدلاً منه الحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي) الذي حلّ ثالثاً بـ15 في المائة من الأصوات.

أهمية الملفات الدولية

وبسرعة بدا واضحاً، بعد فوز الديمقراطيين المسيحيين، أن زعيمهم الجديد يعي أهمية الملفات الدولية التي تنتظره؛ فهو قبل أن يبدأ المشاورات الرسمية لتشكيل حكومته، سافر إلى باريس في زيارة غير رسمية للقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وتناول العشاء معه لمناقشة ملفات لم يكشف عنها أي من الطرفين. وجاء اللقاء بُعيد عودة ماكرون من واشنطن حيث التقى الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وبدا الاختلاف بينهما واضحاً حول التعاطي مع أوكرانيا.

ومع أن ميرتس من كبار مؤيدي «العلاقات عبر الأطلسية» والمروّجين لها، فإنه بدا متشكِّكاً في الأيام الماضية من إنقاذ العلاقة المتغيّرة. وهو انضم بعد مغادرته البرلمان عام 2009 إلى «أتلانتيك بروكيه» (أو الجسر الأطلسي)، وهي جماعة ضغط تروّج للعلاقات عبر الأطلسية.

نظرة إلى سيرته

ميرتس الآتي من عالم القانون؛ إذ درس المحاماة في جامعة بون، انخرط في عالم الأعمال خلال السنوات التي ابتعد فيها عن السياسة. وعمل في شركة «بلاك روك» الأميركية، وجنى ثروة من جلوسه كذلك في مجالس إدارة عدة شركات ومصارف، بل اعتقد كثيرون أن خلفية ميرتس هذه قد تقرّبه من ترمب الآتي من خلفية مشابهة؛ فهو رجل أعمال ثري يملك حتى طائرته الخاصة التي يقودها بنفسه أحياناً؛ كونه طياراً هاوياً تدرب على الطيران خلال السنوات الماضية، ثم إن أفكاره المحافظة حول الهجرة والإجهاض مثلاً، وأفكاره الليبرالية حول السوق، قريبة جداً من أفكار الجمهوريين؛ ما عزز توقعات اقترابه فكرياً من الرئيس الأميركي.

ويُذكر أنه رغم انتقاد كثيرين مهاجمة مؤيدي ترمب مقر الكونغرس بعد فوز الرئيس السابق جو بايدن، ظل ميرتس مؤمناً حتى بعد عودة ترمب إلى البيت الأبيض بأنه يمكن ترميم العلاقات المتدهورة مع واشنطن. ولكن خطابه إزاء واشنطن بدأ يتغيّر بعد كلمة نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس في ميونيخ، وبدا وكأنه يُعدّ لعلاقة صعبة أساسها التركيز على تشكيل وبناء تحالفات أوروبية قوية. وبالفعل، انتقد ميرتس فانس لدعوة الأخير للأحزاب الألمانية إلى التعاون مع حزب «البديل»، مشدداً على أن هذا شأن داخلي.

بين روسيا وأوكرانيا

وكذلك، لم يتردّد ميرتس في انتقاد ترمب شخصياً بعد وصف الأخير للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بـ«الديكتاتور»؛ إذ اعتبر كلام ترمب «عكساً كلاسيكياً لرواية الجاني والضحية»، مضيفاً أن بوتين يصوّر الأمر بهذه الطريقة منذ سنوات، وأنه يشعر بـ«الصدمة» من استخدام ترمب الرواية نفسها اليوم.

ميرتس يُحسب من أشدّ المؤيدين لأوكرانيا، وكان يحثّ الحكومة الألمانية طوال السنوات الماضية على إظهار دعم أقوى لكييف، ودأب على انتقاد سلفه المستشار الاشتراكي أولاف شولتس لـ«تردده المتكرّر» في تزويد أوكرانيا بالمعدّات العسكرية التي كانت تطالب بها... وأكثر من هذا، ترك الباب مفتوحاً أمام أوكرانيا للانضمام إلى «حلف شمال الأطلسي» (ناتو).

وأيضاً، يؤيد ميرتس زيادة الإنفاق العسكري لفوق 2 في المائة من الناتج الإجمالي، وهو ما تنفقه ألمانيا حالياً في تحوّل منذ الحرب في أوكرانيا. وفي إشارة إلى أن هذا الأمر أولوية بالنسبة له، عقد ميرتس لقاء مع شولتس بعد يوم على الانتخابات لمناقشة زيادة الإنفاق العسكري قبل تشكيل الحكومة الجديدة، وفق وسائل إعلام ألمانية. ومعلوم أن تشكيل الحكومة قد يستغرق شهرين على الأقل.

كذلك قد يكون ميرتس ناقش مع ماكرون أيضاً مسألة الضمانات العسكرية التي يمكن لأوروبا أن تقدّمها، وبخاصة أنه يؤيد طرح الرئيس الفرنسي حول إنشاء جيش أوروبي قوي، وهو ما يطالب به الرئيس الأوكراني أيضاً.

وعليه، فهنا يعتبر ميرتس «أوروبياً» بامتياز، مع أنه لا يؤيد السياسات الأوروبية المتعلقة بالهجرة، مفضلاً تشديدها، حتى إنه يروّج لخطوات تعتبر غير قانونية داخل الاتحاد الأوروبي، مثل إغلاق الحدود، ووقف استقبال طالبي اللجوء.

تحدّيات مستقبلية صعبة

من ناحية أخرى، فرغم تعهّد ميرتس بتشديد القوانين المتعلقة بالهجرة، فإنه ربما يواجه عراقيل قانونية تمنعه من ذلك، وقد يرفض «شركاؤه» الاشتراكيون التوقيع على بيان حكومي يتعهد باتخاذ إجراءات مشددة، كإغلاق الحدود وغيره. لكن المستشار المكلّف يعي أيضاً أنه سيكون عليه التعامل بجدّية مع مسألة الهجرة - التي كانت في طليعة اهتمامات الناخبين – من أجل الحد من شعبية حزب «البديل من أجل ألمانيا» التي تضاعفت على المستوى الوطني خلال 4 سنوات، بشكل أساسي، بسبب الهجرة.

وفي مقابلة قبل أيام، حذّر ميرتس من أن زيادة شعبية الحزب المتطرف هي «الإنذار الأخير» لنا. وللتذكير، كان الرجل نفسه من أشد منتقدي ميركل حين قررت السماح لمئات آلاف السوريين بالدخول إلى ألمانيا عام 2015، وحمّلها في السنوات التي تلت مسؤولية صعود حزب «البديل».

في أي حال، الحزب المحافظ الذي قادته ميركل طوال 20 سنة، يبدو الآن مختلفاً كلياً تحت قيادة فريدريش ميرتس، مع أن القائد الجديد نفسه لم يتغيّر أو يغيّر الكثير من أفكاره منذ «تقاعده» قبل أكثر من 16 سنة؛ فهو لا يخالف ميركل في مسألة الهجرة فحسب، بل تراه يؤيد أيضاً إبقاء العمل بالمفاعلات النووية التي كانت ميركل قد قرّرت إغلاقها بعد حادثة فوكوشيما للتسرّب الإشعاعي عام 2011. وهو كان أيضاً من منتقدي توسيع مشروع «نورد ستريم» لإيصال الغاز الروسي مباشرة إلى ألمانيا، وكان يدعو إلى إيقاف المشروع حتى قبل غزو روسيا لأوكرانيا.