اتهام «النهضة» التونسية بـ«إرباك العمل الحكومي»

كشف تأخر التوقيع على «وثيقة التضامن الحكومي»، التي تجمع رؤساء الأحزاب السياسية التونسية، عن خلافات عميقة بين أحزاب الائتلاف الحكومي، ورئيس الحكومة، وأحزاب المعارضة حول تشخيص الوضع السياسي، وتحديد أسباب الأزمة التي أدت إلى تفاقم الخلافات داخل المشهد السياسي التونسي الحالي.
وكان من المفترض التوقيع على هذه الوثيقة، التي راهن عليها رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ لتنقية المناخ السياسي داخل ائتلاف السلطة، في العشرين من 20 مايو (أيار) الحالي، غير أن رفض حركة النهضة (إسلامية)، متزعمة المشهد السياسي، حال دون توقيع الوثيقة، رغم إبداء الحكومة استعدادها رسميا لتوقيعها، وإلزام جميع الأطراف السياسية على احترام بنودها، وهو ما جعل بعض الأطراف السياسية تتهم «النهضة» بمحاولة «إرباك العمل الحكومي».
وفاجأت حركة النهضة حلفاءها ومنافسيها بطلب توسيع دائرة الائتلاف الحكومي، وتشكيل حكومة وحدة وطنية تضم حليفها في البرلمان حزب «قلب تونس»، كشرط أساسي للتوقيع على الوثيقة، وهو ما رفضته عدة أحزاب في السلطة والمعارضة على حد سواء، بحجة وجود شبهات فساد مالي وتهرب ضريبي تلاحق قيادات «قلب تونس».
وقالت قيادات «النهضة» في تصريحات إعلامية إنها قبلت المشاركة في النقاشات الممهدة لتوقيع وثيقة «التضامن الحكومي»، إثر تعهد الفخفاخ بتوسيع دائرة الائتلاف بعد فترة من انطلاق عمل حكومته.
وعمل الفخفاخ من خلال هذه الوثيقة على تقوية ركائز حكومته، وتشكيل حزام سياسي داعم لقراراتها، للحد من الصراعات داخل الائتلاف الحاكم، قبل المضي قدما في إصلاحات اقتصادية واجتماعية كبرى، معربا عن انزعاجه من ارتفاع منسوب التوتر السياسي في تونس.
وأشرفت الحكومة قبل نحو أسبوعين على اجتماع سياسي هام، ضم رؤساء الأطراف المشاركة في الائتلاف الحكومي، وحضر هذا الاجتماع راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة، ويوسف الشاهد رئيس «تحيا تونس»، وزهير المغزاوي أمين عام حركة الشعب، إضافة إلى محمد عبو أمين عام حزب التيار الديمقراطي، وحسونة الناصفي رئيس «الإصلاح الوطني»، الكتلة البرلمانية الممثلة لعدد من الأحزاب الصغيرة الداعمة للحكومة.
وفي هذا الشأن، أكد رئيس حركة الشعب أن النهضة اشترطت توسيع الائتلاف الحكومي للتوقيع على الوثيقة، واعتبر أن مصيرها «أصبح مجهولا... ولا أعتقد أن مسألة توسيع الائتلاف الحكومي مطروحة الآن، خاصة أن عمر هذه الحكومة لم يتجاوز مائة يوم، وحتى الآن لم يتم تقييم أدائها بما يطرح فرضية توسيع أو تضييق الائتلاف الحكومي».
وانتقد المغزاوي موقف حركة النهضة، واتهمها بـ«محاولة إرباك العمل الحكومي»، قائلا إن الشرط الذي وضعته «ليس جديا لأنه طرح بعد نحو 90 يوم عمل حكومي، توجه في معظمه نحو مجابهة فيروس كورونا».
وحسب بعض المراقبين، فإنه يبدو أن حركة النهضة تسعى إلى توسيع دائرة النقاش السياسي بمحاولة كسر الطوق المفروض عليها، بعد تفاقم الخلافات داخل البرلمان وخارجه، وتوسع دائرة الأطراف المنتقدة لها، على خلفية ما وصف بـ«انحياز حركة النهضة لحكومة الوفاق الليبية، ومحاولة الزج بتونس في سياسة المحاور».
وبخصوص بمساءلة الغنوشي، رئيس حركة النهضة أمام نواب البرلمان، أكد عياض اللومي، رئيس لجنة المالية بالبـرلمـان والنائب عن حزب «قلب تونس»، أن الجلسة التي ستعقد في الثالث من يونيو (حزيران) المقبل، «ليست جلسة مساءلة، بل جلسة للحوار حول صلاحيات رئيس مجلس البرلمان، وحدود ممارسة الدبلوماسية البرلمانية».
وأوضح اللومي أن مساءلة الغنوشي تم حسمها، بحجة أن النظام الداخلي للبرلمان لا يخول مساءلة أي نائب، بما في ذلك رئيس البرلمان، بل يكتفي بتقديم لائحة لوم ضده ومساءلته عن طريقها. لافتا إلى أن هناك بعض الأطراف التي ترغب في توظيف هذه القضية واعتبارها جلسة مساءلة، «حتى تحقق بذلك انتصارا سياسيا ضد الطرف المقابل». في إشارة إلى الخلافات العميقة بين النهضة والحزب الدستوري الحر، الذي تتزعمه عبير موسي القيادية السابقة في حزب التجمع المنحل.
من جهة ثانية، تظاهر أمس مئات التونسيين في سبع مدن على الأقل للمطالبة بالتوظيف والتنمية، ليضعوا بذلك مزيداً من الضغوط على الحكومة.
وخرج في حاجب العيون وسيدي بوزيد، الواقعتين بوسط البلاد، مئات الشبان للمطالبة بالتنمية والاحتجاج على التهميش وغياب البنية التحتية
والمشاريع، بحسب تقرير بتثه وكالة «رويترز» للأنباء أمس.
وفي مدينة قفصة تجمع مئات من خريجي الجامعات أمام مقر الولاية، مرددين شعارات «التشغيل حقنا». ورفعوا لافتات كتب عليها «التشغيل استحقاق يا عصابة السراق»، مطالبين الوالي بالإنصات لمطالبهم وإيجاد حلول سريعة لهم. كما شهدت مدن باجة والقصرين وتوزر وصفاقس أيضاً احتجاجات لعاطلين، رافضين لخطط حكومية بتجميد التوظيف في القطاع العام.