يقفل السبت المقبل معرض الكتاب الدولي أبوابه، طاويا 10 أيام من الجدل الحامي بشأن الرقابة التي أعطت للمعرض حضورا ما كان سيناله بسبب تراجع مستواه.
كان العنوان الأبرز لمعرض الكتاب في الكويت قضية الرقابة على المصنفات الأدبية، ومنع عدد منها، وهي قضية ليست جديدة في الكويت، فقصة الرقابة على الكتب في الكويت بدأت قبل الاستقلال، وظلّت صامدة ولم تتهاوَ يوما من الأيام، رغم أنها تراجعت في الكثير من دول الخليج، ولكنها كانت تجدد شبابها في الكويت عاما بعد عام.
وبحسب الأديب والكاتب الكويتي عبد الله خلف، فإن الرقابة كانت موجودة منذ كانت البلاد خاضعة لمعتمد سياسي بريطاني، ويذكر خلف أن هارولد ريتشارد باتريك ديكسون (4 فبراير/ شباط 1881 - 14 يونيو/ حزيران 1959) الذي عُين حاكما سياسيا في العراق سنة 1916 ثم معتمدا في البحرين سنة 1920 وصار بعد ذلك وكيلا سياسيا في الكويت في مايو (أيار) 1929 ألف كتابا بعنوان «الكويت وجاراتها»، وكتابا آخر بعنوان «عرب الجزيرة».. وبسبب احتجاجات من فئات كويتية على «ترتيب تصنيفها بين الفئات الأخرى في كتاب (الكويت وجاراتها)» حيث تقدمت إلى وزير الإعلام الشيخ جابر العلي فاستشار بعض المسؤولين في الوزارة فتم وقف الكتاب ومنعه من العرض في المكتبات.. لكّن أمير البلاد الشيخ عبد الله السالم أجاز الكتاب، ثم طُلب منعه بعد وفاة الشيخ عبد الله السالم.
معرض الكويت الدولي الـ39 الذي تشارك فيه هذا العام نحو 520 دار نشر عربية وأجنبية، هيمنت عليه قضية الرقابة على الكتب، إذ تم منع كتب بينها رواية عبد الوهاب حمادي «لا تقصص رؤياك»، ورواية للكاتبة دلع المفتي بعنوان «رائحة التانغو»، ومجموعة قصصية بعنوان «بيضة على الشاطئ»، الفائزة بجائزة دبي الثقافية لشريف صالح، وكتب أخرى بعضها قديم وبعضها يُباع في مكتبات الكويت.
يقول عبد الوهاب حمادي، الذي يعُد واحدا من الأصوات الشبابية التي تعبر عن تجربة متميزة وصاعدة، وسط فضاء يجهد فيه الشباب للتعبير عن همومهم الثقافية والمعرفية، لجريدة «الشرق الأوسط»: «المنع أفاد هذه الروية وساهم في تعريفها للجمهور.. لقد أصبحت الرواية في متناول الأيدي، والقضية التي تتحدث عنها لم يمكن حجبها». ويضيف الروائي: «لقد تناولت في هذه الرواية واحدا من أكثر الأمراض الاجتماعية التي تفتك بالمجتمع، وهو الانقسامات الطائفية والعنصرية، ولم أحاول أن أجملها أو أبررها، أو أخرجها عن سياقها، جعلتها فاقعة دميمة كصورتها الحقيقية، ورصدت كيف تفتك بهذا المجتمع الصغير وتحوله نحو الاحتراب والتنافر».
يرى نقاد قرأوا الرواية إن «الثيمة» التي اشتغلت عليها رواية «لا تقصص رؤياك» كانت غياب العدالة الاجتماعية، وبالتالي أتاح غيابها لكل الفئات أن تبحث عن العدالة من داخلها، مما أيقظ الهويات الفرعية وحولها إلى متراس تحتمي داخله تلك الفئات.
بدأ الحمادي كاتبا للقصة القصيرة، وقدّم تجربة مهمة في أدب الرحلات، حين كتب «دروب أندلسية» التي تحاول المزاوجة بين هذا النوع من الأدب وبين التحقيق التاريخي عبر استنطاق شخصيات أندلسية لتكشف سرّ سقوط الأندلس، في قراءة مختلفة وغير تقليدية. أما عمله الأبرز، فكان روايته «الطير الأبابيل» عن دار «مدارك»، وهي رواية تتبع أحداثا مرّت بها الكويت والمنطقة العربية، شهدت صعود الحركات الدينية، ونشأة التيارات الجهادية، وصولا لأحداث الـ11 من سبتمبر (أيلول)، لكن رواية «لا تقصص رؤياك» تعتبر التجربة الأكثر جرأة في مسيرته الأدبية.
من جانبه، قال وزير الإعلام الشيخ سلمان الحمود الصباح معلقا في تصريحات صحافية على موضوع الرقابة: «نحن نطبق قوانين ملزمة، وهذه القوانين في محصلتها هي قوانين تنظيمية تسعى للنأي عن الدخول في كل ما يمس بالعقيدة أو الأديان أو الرموز (العامة) أو (يمس) بالعلاقات بين الدول».
في حين يشرح الناشر عيد الدويخ، لـ«الشرق الأوسط» آلية الرقابة على الكتب في الكويت، قائلا: «من حيث المبدأ لا يوجد تشدد رقابي، والرقابة الكويتية تنطلق من قانون». ويضيف: «الرقيب في الكويت لا يملك حق منع الكتاب.. ولكن يملك حق الفسح». أما كيف تتم عملية المنع فيقول: «في حال لاحظ الرقيب ما يستوجب المنع تبعا للقانون الذي ينفذه، فإنه يحيل الكتاب إلى لجنة مكونة من شخصيات تنتمي للمجتمع المدني، وهي تتولى الفصل في عملية المنع»، وفقا لملاحظات الرقيب.
هنا يستدرك عبد الوهاب الحمادي موضحا: «إن الرقيب هو الذي يحدد لهذه اللجنة المحاذير، وتتولى اللجنة قراءة الفقرات المستلة من النصّ ثم تتخذ القرار». الحمادي يقول إن اللجنة مسكونة بهاجس الخوف على السلم الاجتماعي أو عدم التعرض للأديان. وهناك من يرى أن الرقابة كانت الخشبة التي سمحت لمعرض الكويت أن ينجو من الإهمال، تقول الأديبة الكويتية هدى اشكناني، لـ«الشرق الأوسط»: «أعتقد أن معرض الكتاب قد بدأ يحتضر!».. وتضيف: «في كل مرة يكشف لنا مدى رداءته، إلا أن هذا العام قد اكتشفنا ما هو أسوأ، فالقرارات التعسفية الرقابية باتت تشكل خطرا كبيرا يهدد الحريات في الكويت».
تضيف هدى: «في السابق كانت الرقابة تمنع كتابا لأنه قد يحمل أحد رموز التابو الثلاثي: الدين، الجنس، السياسة، لكنها الآن قد شنت حملة عشوائية طالت أيضا الكتب الأدبية بما فيها روايات مضى على صدورها 15 عاما، دون أي أسباب حقيقية تذكر».
برأي هدى اشكناني: «هذا المؤشر يدل على أمرين، هما: قلة الوعي الرقابي، والأمر الآخر تهديدها للحريات في الكويت». وتضيف: «باعتقادي، الأمر لا يمكن السكوت عنه، فكيف يمكن منع كتاب وتتداوله معارض خليجية وهم في الجوار؟! وكأننا في حرب تحاول الرقابة التضييق على الكتّاب والكتاب».
وعن دور المثقفين في التصدي لهذه الظاهرة، تقول هدى اشكناني: «في السابق اهتم مجموعة من المثقفين بعمل اعتصامات مناهضة للرقابة، إلا أن كل هذه الحملات والاعتصامات لم تجد أي رد حقيقي، وبالتالي تكاسل المثقفون عن أخذ حقهم في قراءة ما يودون دون وصاية للعقل والفكر.. ولهذا سيطرت الرقابة بشكل تام على الكتب وحدث هذا التخبط الكبير في مصير الثقافة في الكويت.. وهو يدل على التراجع الذي لم تحافظ عليه الكويت بعد أن كانت منارة للفكر والثقافة، إذ الآن أصبحت منارة للتشدد والتعسف الرقابي دون أي سبب حقيقي».
ومن جانب آخر، يقول الروائي الكويتي بسام المسلم لـ«الشرق الأوسط»: «معرض الكتاب تظاهرة جميلة ومؤتمر سنوي لاجتماع المؤلفين والقراء، هو عيد الأدب والكتب بكل ما تحمله الكلمة من معنى، رغم كل ما قد يشوبه».
لكنه يستدرك بقوله: «لعل أبرز ما نغص علينا عيد الكتاب هذا العام هو التعسف الرقابي الذي طال مختلف شرائح الكتب سواء كانت عربية أم مترجمة»، ويمضي قائلا: «المفارقة الكبرى أن رقابة المعرض منعت كتبا متوفرة في مكتبات الكويت على مدار العام، مثل روايات «بول أوستر»، التي تمنع للعام الثاني على التوالي من عرضها في دار الآداب، باستثناء واحدة، رغم أنها تباع في مكتبة كويتية، فهل هناك تخبط أكبر من ذلك؟».
جدل الرقابة ينقذ معرض الكويت من الغرق في النسيان
وزير الإعلام الكويتي: نطبق قوانين تسعى للنأي عما يمس العقيدة والأديان
جدل الرقابة ينقذ معرض الكويت من الغرق في النسيان
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة