دراسات محاكاة «التهوية» تضع خطة لـ «التعايش الآمن» مع الفيروس

النمذجة الحاسوبية تظهر الانتشار المحتمل للفيروس في مطعم به وحدة تكييف
النمذجة الحاسوبية تظهر الانتشار المحتمل للفيروس في مطعم به وحدة تكييف
TT

دراسات محاكاة «التهوية» تضع خطة لـ «التعايش الآمن» مع الفيروس

النمذجة الحاسوبية تظهر الانتشار المحتمل للفيروس في مطعم به وحدة تكييف
النمذجة الحاسوبية تظهر الانتشار المحتمل للفيروس في مطعم به وحدة تكييف

دفعت الضغوط الاقتصادية أغلب دول العالم لاتخاذ قرارات تخفيف القيود التي فرضتها لمحاولة احتواء الفيروس، وهو ما يعني أن الناس سيصبحون أقرب بعضهم إلى البعض، ما قد يزيد من فرص حدوث العدوى؛ إذا لم يتم اتخاذ الإجراءات الوقائية المناسبة.
وأظهرت دراسات قديمة أُجريت في ثلاثينات القرن العشرين، أنه عندما يسعل شخص ما، فإن معظم القطرات التي يطلقها إما تتبخر أو تسقط على الأرض على مسافة متر واحد تقريباً، واستقرت «منظمة الصحة العالمية» لهذا السبب على قاعدة «متر واحد» للتباعد الاجتماعي، لكن بعض الحكومات اختارت حدّاً أكثر أماناً يبلغ 1.5 متر، كما هو الحال في المملكة المتحدة، بينما تفضل حكومات أخرى حداً أكبر من الحذر يبلغ مترين.
ويعني هذا التوجيه بشكل أساسي أنه كلما ابتعدنا عن بعض أكثر، فإننا سنكون أكثر أماناً، لكن ليست المسافة وحدها هي ما يهم، فالعامل الرئيسي الثاني هو التوقيت، فوفقاً للاشتراطات الصحية التي وضعتها حكومة المملكة المتحدة، فإن قضاء ست ثوانٍ مع شخص مصاب على بُعد متر واحد، يحمل المخاطر ذاتها مثل قضاء دقيقة واحدة معهم إذا كانوا على بُعد مترين.
وحيث إنه لا يمكن التحكُّم في عنصر الوقت بالنسبة لزميل لك في العمل أو شخص يجلس بالقرب منك في مطعم، فهنا تأتي أهمية التهوية، حيث يُعدّ تدفق الهواء النقي لتخفيف الفيروس أحد أبرز الإجراءات الوقائية، وفق مواصفات محددة أقرتها دراسات محاكاة التهوية.
ووفق هذا الإجراء الوقائي، فإن كونك موجوداً في مكان غير مغلق يحمل خطراً أقل؛ لأن أي فيروس يطلقه شخص مصاب سيتم تخفيفه في الهواء، لكن هذا لا يعني أن إمكانية الإرسال صفر، فالنصيحة التي يشدد عليها الخبراء هي البقاء على مسافة مترين من أي شخص، وإذا لم تنجح في الحفاظ على تلك المسافة، فحاول ألا تتحدث وجهاً لوجه. لكن في أماكن العمل والمطاعم وغيرها من الأماكن العامة، لا يوجد كثير من الهواء النقي، ومن الواضح أن فرص الإصابة بالعدوى أكبر.
تعقبت دراسة أجريت في مدينة قوانغتشو الصينية، ونشرتها مجلة «الأمراض المعدية الناشئة الأميركية» في أبريل (نيسان) الماضي، كيف حدثت مجموعة من الإصابات التي كان مصدرها أحد المطاعم في يناير (كانون الثاني) الماضي، حيث كان الناس يجلسون على طاولات تفصلها متر واحد.
وكان أحد رواد المطعم مصاباً بالفيروس التاجي لكنه لم يدرك أنه مصاب، لعدم وجود أعراض، وفي الأيام التالية، جرى تسجيل إصابة 9 أشخاص آخرين كانوا في المطعم في ذلك الوقت، بما في ذلك 5 كانوا يجلسون على طاولات أخرى على بعد عدة أمتار.
توصل العلماء الذين حققوا في العدوى لاستنتاج حول المسار الأكثر احتمالاً لانتقال العدوى، وهو أن القطرات التي تحتوي على الفيروس، التي يطلقها الشخص المصاب، تم تداولها بواسطة تكييف الهواء. وتقول دراستهم: «كان العامل الرئيسي للعدوى هو اتجاه تدفُّق الهواء»، حيث ألقت باللوم على وحدتين لتكييف الهواء مثبتتين على الحائط.
ورغم أن هذا ليس دليلاً مؤكداً على أن الإصابة جاءت بسبب انتقال الفيروس بهذه الطريقة، فإن فريقاً من جامعة أوريغون، متخصص في دراسة الميكروبات بالمباني، قام بمحاكاة أنواع مختلفة من التهوية في أحد المطاعم، لمحاولة فهم المخاطر.
في أحد السيناريوهات التي وضعها الفريق البحثي بالدراسة التي نشر تفاصيلها الموقع الإلكتروني للجامعة، يسعل شخص ما على طاولة دون تغطية فمه، ويطلق قطرات وجزيئات يتم إسقاطها عبر الهواء. تهبط أكبر قطرات على طاولته، لكن الأصغر منها يتجاوز المنطقة المجاورة ويقبض عليه تيار هواء من وحدة تكييف في الطرف الآخر من الغرفة.
والنتيجة مشابهة لما يُعتقد أنه حدث في المطعم في قوانغتشو بالصين، حيث انتقلت قطرات وجسيمات صغيرة إلى الناس على طاولات أخرى.
كما هو الحال مع الدراسة الصينية، يشدد الفريق البحثي على أنه لا يوجد ما يثبت أن انتقال الفيروس سيجعل أي شخص مريضاً، حيث يعتمد ذلك على ما إذا كان الفيروس لا يزال نشطاً، بعد أن يتم نقله عبر الغرفة، وعلى ما إذا كان الشخص الذي يتلقاه يحصل على «جرعة» كبيرة بما يكفي، ولكن لا يمكن استبعاد احتمال الإصابة.
ولجعل المطاعم أكثر أماناً، قام فريق جامعة أوريغون بمحاكاة سيناريو آخر في المطعم نفسه، حيث توجد نافذة مفتوحة بجانب الشخص الذي يسعل، ومخرج هواء على الجدار المقابل.
هذه المرة لا يتم دفع سحابة القطرات والجزيئات في جميع أنحاء الغرفة، لكن بدلاً من ذلك تنتقل في خط مباشر باتجاه نافذة التهوية، ومع هذه النتيجة، فإن عدداً أقل من الناس سيتعرض للفيروس.
وأظهرت عمليات المحاكاة كيف يمكن للهواء النقي من نافذة مفتوحة أن يحمل الفيروس إلى فتحة التهوية.
يقول الدكتور فان دين ويملنبرغ أستاذ الهندسة المعمارية في جامعة أوريغون، الذي قاد الدراسة، في تقرير نشرته، أول من أمس، شبكة «بي بي سي»: «من المستحيل القضاء على المخاطر تماماً، لكن ما أظهرناه كان مفهوماً لكيفية تقليل انتقال العدوى».
ويضيف: «بالإضافة لإدخال الهواء النقي من خلال النوافذ أو التهوية الميكانيكية، تشمل الخيارات الأخرى تحسين مستوى الترشيح، وكذلك ترطيب الهواء، وقد تشجع الظروف الرطبة القطرات على الهبوط أرضاً».
وإذا كان التباعد الاجتماعي ممكناً في المطاعم؛ فماذا عن المصانع والمكاتب؟ توصل الدكتور جوليان تانغ، استشاري أمراض الفيروسات في مستشفى جامعة ليستر البريطانية إلى «اختبار تنفُّس» سهل للتحقق مما إذا كنتَ قريباً جداً من الزملاء.
ويقول في التقرير الذي نشرته «بي بي سي»: «إذا استطعتَ شمّ رائحة أنفاس صديقك (الثوم أو الكاري أو التبغ)، فأنت قريب بما يكفي لاستنشاق أي فيروس تحمله أنفاسه».
وحتى الآن، تركز النصيحة العامة على ما تسمى طريق «القطيرات» التي يكون مصدرها شخصاً يسعل أو يعطس في عين أو أنف أو فم شخص قريب.
كما تم تسليط الضوء على مسار ثانٍ، وهو تلوُّث الأسطح، حيث يتسبب الشخص المصاب بالفيروس في تلوثها، فيصاب آخرون عند لمسها.
لكنّ هناك احتمالاً ثالثاً أيضاً، وهو قطرات صغيرة أو جسيمات تُحمَل في الهواء عن طريق الكلام، وقد يكون هو الأهم، وفقاً للدكتور تانغ.
يقول تانغ: «عندما تتحدث مع زميل فأنت لا تلمسه، فمعظم التفاعل يكون بالصوت والتنفس». ورغم أن انتقال الفيروس عن طريق الكلام، غير مؤكد بشكل علمي، وفق تصريحات «منظمة الصحة العالمية»، فإن ما أشار إليه جوليان وويملنبرغ يؤكد القاعدة الذهبية ثلاثية الأبعاد للوقاية من الفيروس بعد تخفيف القيود، كما يقول الدكتور خالد الحديدي، أستاذ الفيروسات بجامعة أسيوط (جنوب مصر) لـ«الشرق الأوسط».
ويضيف: «كل ما ذهب إليه الاثنان يصب في اتجاه: التباعد الاجتماعي، التهوية الصحيحة، ارتداء الكمامات».



هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».