«رقائق الثلج»... صراع المجتمع الياباني بين الشرق والغرب

«رقائق الثلج»... صراع المجتمع الياباني بين الشرق والغرب
TT

«رقائق الثلج»... صراع المجتمع الياباني بين الشرق والغرب

«رقائق الثلج»... صراع المجتمع الياباني بين الشرق والغرب

صدر حديثاً عن دار «المحروسة» بالقاهرة الجزء الأول من ثلاثية «رقائق الثلج» التي كتبها الأديب الياباني تانيزاكي جونيتشيرو في أربعينيات القرن العشرين، خلال فترة ما بين الحربين العالميتين، وهي واحدة من كلاسيكيات الأدب الياباني، وتدور أحداثها في ثلاثينيات القرن الماضي، حول أربع أخوات، هن تسوروقو وساتشيقو ويوكيقو وتائيقو، وتُظهر السطور الأولى من الرواية أن لكل واحدة منهن حكايتها، منها ما هو مصبوغ بأجواء الحب أو يتحرك وفق تقاليد الزواج والحياة العائلية.
ويتتبع جونيتشيرو العلاقات الأسرية التي تتأرجح بين المنفعة والمصلحة أو الاحتواء، الغيرة والضجر، وأيضاً -من جانب آخر- الأخوة والتعاطف الإنساني.
وترصد «الأخوات ماكي أوكا»، وهو الاسم الذي ظهر به الجزء الأول من الرواية التي قدمت نسختها العربية عن الأصل الياباني المترجمة المصرية آية حسن، حركة كل واحدة من الأخوات الأربع، وتلقي الضوء على حياة كل منهن بطبائعهن وطموحاتهن وتطلعاتهن المختلفة، واللائي رغم كل ذلك يظهرن أسيرات لأعراف وتقاليد المجتمع.
وخلال تصاعد الأحداث، يضع جونيتشيرو الذي كان عليه الانتظار حتى نهاية الحرب لنشر عمله بسبب الرقابة اليابانية المفروضة آنذاك، يده على الصراع المحتدم في المجتمع بين التقاليد اليابانية الأرستقراطية العريقة والتقاليد الغربية التي تغزوها، وذلك من خلال خيارات الحياة للأخوات الأربع، حيث يظهر أن الجميع على المحك بين تقاليد الماضي والانفتاح على الاتجاهات الجديدة.
ورغم أن المؤلف يركز على حياة شخصيات نسائية متنوعة، فإنه لا يمكن النظر للرواية على أنها عمل يعنى بمشكلات المرأة اليابانية في منتصف القرن الماضي، فنحن أمام أزمة مجتمع شبه ضائع أمام غزوات العالم الجديد.
فمن جهة، نرى زوج «تسوروقو» الأخت الكبرى، ويدعى «تاتسو أو»، يتولى شؤون العائلة، وينادونه «أخي الكبير»، وهناك «تينوسوكيه» زوج الأخت الثانية «ساتشيقو»، وهو عملي يهتم بوضعه الوظيفي على حساب من حوله، فضلاً عن مختلف شخصيات الرجال الذين يتقدمون لخطبة الأختين «يوكيقو» و«تائيقو».
وتسيطر على أجواء الرواية التي صدرت في ثلاثة أجزاء بداية من عام 1943 حتى عام 1948، مع رصدها حياة أسرة ماكي أوكا العريقة بـأوساكا، رغبة الأختين المتزوجتين وزوجيهما في تزويج الأختين الأخريين، ويظهر الكاتب أن عدم زواج الشقيقتين الثالثة والرابعة يعد هماً كبيراً لا بد من إنجازه، لذا عليهم الانتهاء من هذه القضية. ولأن أمور وتقاليد الزواج في العائلة توجب أن يأتي دور كل واحدة من الأخوات حسب ترتيب ولادتها وعمرها، لا يمكن للأخت الأخيرة أن تتزوج قبل الثالثة، وهذا يسبب كثيراً من المشكلات. ولكن طبقاً لتقاليد العائلة، فإن مفهوم الزواج بالترتيب عادي طبيعي غير مستغرب.
لذا يتم ترتيب عملية الاختيار والمقابلات والاجتماعات الأولية مع المتقدمين، ويصاحب ذلك نوع من التوازن البائس بين ما هو مستحق لشرف عائلة ماكي أوتا ونوع الرجال المتاحين بالفعل، وهذا ما يعرض العائلة لكثير من المصاعب والمشكلات والفضائح التي تصل إلى صفحات الجرائد بعد انتشار خبر هروب تائيقو، وهي الأخت الصغرى، مع أحد الشباب.
ولأن «يوكيقو»، الأخت الثالثة، تحرص على المحافظة على العادات القديمة، نراها ترفض واحداً تلو الآخر من المتقدمين لخطبتها، وتعدهم غير جديرين بالانتساب لعائلتها، لكنها في النهاية تتزوج من نجل أحد قضاة المحكمة القديمة. أما الصغرى التي تجري وراء الموضة وتقليد الحياة الغربية، فتبدو أقل انسجاماً مع التقاليد، وربما هذا ما جعلها تسعى للاستقلال والدخول في غمار مشروع اقتصادي صغير تحقق من خلاله ذاتها.
وتعطي الرواية، وهي ترصد حياة نسائها الأرستقراطيات، صورة بالغة التأثير لعائلة يابانية ومجتمع ينزلق بكليته نحو الاغتراب عن ذاته وهو يتجه في طريق الحياة الغربية.
كما تبرز الرواية الطقوس والتفاصيل التي تملأ أيام الأخوات الفارغة، وتضفي عليها مسحة من الإثارة والأهمية، ولكن الأكثر إثارة هو التباين بين حياتهم والعالم الحديث الذي يتشكل من ورائهن، فقد كانت طقوسهم اليومية وتقاليدهم الثقافية في عالم آخر. ففي حين أن العلاقات المختلفة بين الأخوات تبدو مألوفة، فإن بعض الجوانب الثقافية الغريبة تظل تطل برأسها.
لماذا اختارت المترجمة آية حسن هذه الرواية بالذات لتقديمها للقارئ العربي؟ تذكر في تقديمها أنها كانت تبحث عن عمل شهير معروف عالمياً، ووجدت ضالتها في «رقائق الثلج» التي تم تقديمها في مسلسل تلفزيوني في عام 1983، وأيضاً في 2017، وما زالت تلقى رواجاً شعبياً حتى الآن.
ولفتت حسن إلى أن السبب الثاني، وهو الأهم بالنسبة لها، أنها أرادت تقديم عمل يعطي صورة للمجتمع الياباني تتوافق مع عادات وتقاليد المجتمعات العربية، وتعرف القارئ بالثقافة اليابانية في فترة ضبابية من تاريخها، خاصة الصراع بين القيم الشرقية التقليدية والثقافة الغربية المعاصرة.


مقالات ذات صلة

«متحف البراءة»... جولة في ذاكرة إسطنبول حسب توقيت أورهان باموك

يوميات الشرق ذاكرة إسطنبول المعاصرة ورواية أورهان باموك الشهيرة في متحف واحد في إسطنبول (الشرق الأوسط)

«متحف البراءة»... جولة في ذاكرة إسطنبول حسب توقيت أورهان باموك

لعلّه المتحف الوحيد الذي تُعرض فيه عيدان كبريت، وبطاقات يانصيب، وأعقاب سجائر... لكن، على غرابتها وبساطتها، تروي تفاصيل "متحف البراءة" إحدى أجمل حكايات إسطنبول.

كريستين حبيب (إسطنبول)
كتب فرويد

كبار العلماء في رسائلهم الشخصية

ما أول شيء يتبادر إلى ذهنك إذا ذكر اسم عالم الطبيعة والرياضيات الألماني ألبرت آينشتاين؟ نظرية النسبية، بلا شك، ومعادلته التي كانت أساساً لصنع القنبلة الذرية

د. ماهر شفيق فريد
كتب ناثان هيل

«الرفاهية»... تشريح للمجتمع الأميركي في زمن الرقميات

فلنفرض أن روميو وجولييت تزوَّجا، بعد مرور عشرين سنة سنكتشف أن روميو ليس أباً مثالياً لأبنائه، وأن جولييت تشعر بالملل في حياتها وفي عملها.

أنيسة مخالدي (باريس)
كتب ترجمة عربية لـ«دليل الإنسايية»

ترجمة عربية لـ«دليل الإنسايية»

صدر حديثاً عن دار نوفل - هاشيت أنطوان كتاب «دليل الإنسايية» للكاتبة والمخرجة الآيسلندية رند غنستاينردوتر، وذلك ضمن سلسلة «إشراقات».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
ثقافة وفنون «شجرة الصفصاف»... مقاربة لعلاقة الشرق والغرب

«شجرة الصفصاف»... مقاربة لعلاقة الشرق والغرب

عن دار «بيت الياسمين» للنشر بالقاهرة، صدرتْ المجموعة القصصية «شجرة الصفصاف» للكاتب محمد المليجي، التي تتناول عدداً من الموضوعات المتنوعة مثل علاقة الأب بأبنائه

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

«حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»

«حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»
TT

«حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»

«حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»

صدر عن دار «السرد» ببغداد كتابان مترجمان عن الإنجليزية للباحثة والحكواتية الإنجليزية فران هزلتون. يحمل الكتابان العنوانين «حكايات من العراق القديم»، و«ملوك الوركاء الثلاثة»، وترجمهما الإعلامي والكاتب ماجد الخطيب، المُقيم في ألمانيا. وسبق أن نُشر الكتابان في لندن سنة 2006، وجذبا انتباه القراء بصياغتهما المعاصرة التي «تُقدم النصوص الرافدينية القديمة بشكل جذاب إلى جمهور واسع خارج دائرة المؤرخين والباحثين المتخصصين»، حسب رأي الشاعر الراحل سعدي يوسف في حوار معه بمجلة «بانيبال».

صدر الكتابان في طبعة أنيقة، بالورق المصقول، وغلافين ملونين، حافظا على تصاميم ورسومات وصور الكتابين الأصليين؛ تحقيقاً لرغبة الكاتبة فران هزلتون.

تُقدم لنا الباحثة في الكتابين حكايات وأساطير من العراق القديم؛ يعود تاريخ بعضها إلى أكثر من 4000 سنة. هي قصص نقلها الخبراء الإنجليز عن الألواح الطينية المكتوبة بالحروف المسمارية مباشرة من الأرشيف البريطاني الخاص ببلاد ما بين النهرين.

تكفي نظرة إلى عدد الأساتذة الذين أسهموا في ترجمة هذه النصوص من المسمارية إلى الإنجليزية، عن الألواح الطينية القديمة، لمعرفة الجهدين، الأدبي والفني، الكبيرين اللذين بذلتهما فران هزلتون في كتابة هذه النصوص، وتنقيحها وردم الثغرات في بعضها.

واعترافاً بهذا الجهد، قدَّمت المؤلفة شكرها في مقدمة الكتاب إلى قائمة من الأساتذة هم: البروفسور ثوركيلد جاكوبسون، والدكتور جيرمي بلاك، والدكتور غراهام كننغهام، والدكتورة إليانور روبسون، والدكتور غابور زويومي، والدكتور هرمان فانستفاوت، والبروفسور أندرو جورج، والدكتورة ستيفاني دالي والبروفسور بنجامين ر.فوستر.

يحتوي الكتاب الأول «حكايات من العراق القديم» على 13 حكاية وأسطورة سومرية وأكدية، تكشف للقارئ كثيراً من جوانب الحياة في بلاد الرافدين في تلك الأزمنة الغابرة، وتوضح لنا كيف كان الناس يعيشون، وعلاقتهم بالآلهة، وجوانب تفصيلية من الحياة الروحية والثقافية في أور ونيبور وأرتاتا وأريدو وكيش وشوروباك... إلخ.

كتبت الباحثة في تاريخ العراق القديم، ستيفاني دالي، في مقدمة الكتاب قائلة: «تخبرنا هذه الحكايات بالكثير عن المجتمع في ميزوبوتاميا في بواكيره الأولى. يحكم الملك الجالس على عرشه في القصر بصولجان يرمز إلى سلطته، ويبعث رسله للحوار حول صفقات تجارية، تعززهم تهديدات باستخدام القوة. كان الملوك والآلهة ما انفكوا يقيمون على الأرض، لأنهم لم ينسحبوا بعد إلى السماء، وكانت شهيتهم -وغضبهم ومتعتهم بالطعام والشراب، ورغباتهم وغرورهم- مماثلة لمثيلاتها بين الفانين، رغم أن معبوداً فقط قادر على تقرير مصائر المدن، والتصرف بصفته راعياً للملك في هذه المدينة أو تلك».

يتناول الكتاب الثاني قصص ملوك الوركاء الثلاثة إينْمركار ولوغالبندا وجلجامش؛ أي الجد والأب والحفيد. تحكي قصة إينمركار كيف أن هذا الملك أخذ حفنة من الطين النقي في يده وعجنه على شكل لوح، ثم سطر عليه رسالته إلى أينسوغريانا ملك مدينة أرتاتا الواقعة في الجبال القريبة (ربما إيران). هي أول إشارة في الأدب المكتوب إلى «كتابة رسالة»، ويعتقد العلماء، لهذا السبب، أن الكتابة اكتشفت في زمن هذا الملك.

ومن اللافت أيضاً في الكتابين التماثل الغريب بين بعض هذه الحكايات وحكايات «ألف ليلة وليلة»، رغم الفارق الزمني الكبير بين الاثنين. موضوعات السحر والآلهة، والسرد على لسان الطير، والطيران على ظهر نسر ومؤامرات النساء والخدم... إلخ. وتسرد إحدى القصص يوم نزول إنانا (عشتار) إلى الأرض، وقضاء ليلتها مع الملك، ومن ثم تصف الموكب الذي يجتاز شارع الموكب وبوابة عشتار، على هذا النحو:

«يظهر في البداية الفتيان الوسام، الذين يزينون شعورهم المصففة بالأطواق، ثم تأتي العجائز الحكيمات، فترافق الملك أكثرهن حكمة في موكب إنانا، ثم يأتي الطبالون يقرعون الطبول بعصي مقدسة، ويستعرضون في الموكب لإنانا. ثم يأتي الجنود بسيوفهم وحرابهم المشرعة يستعرضون في الموكب لإنانا، ثم يأتي أولئك الذين عباءاتهم بوجهين أحدهما أنثوي والآخر ذكري، يستعرضون في الموكب لإنانا، ثم يأتي أولئك الذي يتنافسون في الدوران والالتفاف والمناورة بمباخر من كل الألوان، يستعرضون في الموكب لإنانا، ثم يأتي الأسرى مقيدين بأطواق العنق الخشب ينشدون نشيدهم، يستعرضون في الموكب لإنانا، ثم تأتي بنات المعابد بشعورهن المتوجة، يستعرضن في الموكب لإنانا، ثم يأتي الكهنة يرشون الدم يميناً ويساراً من خناجر مغموسة بالدم، يستعرضون في الموكب لإنانا».

بأسلوب سلس؛ يجمع بين الفكاهة والمفارقة، يُقدم الكتابان حكايات وأساطير من تاريخ العراق القديم، شكّلت جذباً لجمهور واسع من القراء خارج دائرة المؤرخين والمختصين.

يشار إلى أنه بالتعاون مع جمعية «ZIPAG» سردت فيونا كولينز وتارا جاف وبديعة عبيد هذه القصص في كثير من الأمسيات التي أقامتها جمعية «إنهدوانا» في بريطانيا. وترى الناقدة ستيفاني ديلي، من معهد الاستشراق البريطاني، أن هذه الحكايات السومرية تمتعت بالقدرة على إسعاد قراء العصر الحديث بفكاهاتها ومفارقاتها ورؤيتها البراغماتية لأفعال الخالدين والفانين، التي يشتبك فيها الخير والشر. وتتساءل: كانت استجابة الجمهور الحديث مدهشة، رغم فارق العصور والثقافات الهائل، كيف يمكننا تفسير هذا التعاطف الذي يتجاوز كل الحدود؟ تكمن بعض الأجوبة في الثيمة الأساسية، التي تتعلق بالحياة والموت المُعبر عنها في الاستعارة الأسطورية؛ حيث تجسد الآلهة قوى الطبيعة، مثل الخصوبة والعقم والدهاء والغباء.

كتبت فران هزلتون في مقدمة الكتاب أن النسخة الأولى من «حكايات من العراق القديم صدرت سنة 2006، وكانت إشادة بأسلافنا الثقافيين المشتركين: قصصيي العراق القديم. ستسهم هذه الطبعة، كما أتمنى، في الإشادة ليس بحكواتيي العراق القديم فحسب، وإنما أن تصبح أيضاً أداة بيد الذين ارتضوا تحدي أن يصبحوا ساردي حكايات رافدينية حديثين».