فابيوس يدعو إلى استهداف قوات النظام السوري مباشرة بـ«ضربات جوية غامضة}

باريس تريد «إنقاذ حلب» وإقامة مناطق آمنة يحميها حظر جوي

سوري يقف بجوار طفلين يلعبان في المنطقة الخاضعة للمعارضة السورية في مدينة حلب أمس (أ.ف.ب)
سوري يقف بجوار طفلين يلعبان في المنطقة الخاضعة للمعارضة السورية في مدينة حلب أمس (أ.ف.ب)
TT

فابيوس يدعو إلى استهداف قوات النظام السوري مباشرة بـ«ضربات جوية غامضة}

سوري يقف بجوار طفلين يلعبان في المنطقة الخاضعة للمعارضة السورية في مدينة حلب أمس (أ.ف.ب)
سوري يقف بجوار طفلين يلعبان في المنطقة الخاضعة للمعارضة السورية في مدينة حلب أمس (أ.ف.ب)

عادت باريس لتركز الأضواء مجددا على مصير مدينة حلب، ثاني المدن السورية، ولتسعى لإنقاذها من براثن قصف النظام السوري وخطر تنظيم «داعش» على السواء، ولكن هذه المرة من خلال طرح إقامة منطقة آمنة فيها ومنطقة حظر جوي، لا بل أيضا عن طريق اقتراح استهداف قوات النظام السوري بضربات جوية. وهذه هي المرة الأولى التي يدعو فيها وزير خارجية دولة كبرى إلى ضرب قوات النظام السوري مباشرة، علما أن القوات الفرنسية الجوية المشاركة في التحالف الدولي ضد «داعش» تحصر عملياتها في العراق، بينما عمليات التحالف في سوريا مقصورة على الولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول العربية الخليجية.
وجاءت الدعوة الفرنسية على لسان وزير الخارجية لوران فابيوس في حديث إذاعي صباح أمس بإعلانه أن فرنسا «تعمل مع مبعوث الأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا في محاولة لإنقاذ حلب من جهة ومن أجل إقامة مناطق آمنة بحيث لا تتاح لطائرات بشار الأسد ولجماعة داعش (الاستمرار) في استهداف السوريين». وأضاف الوزير الفرنسي ردا على انتقادات عنيفة لعمليات التحالف التي تستهدف «داعش» ويستفيد منها النظام قائلا: «نقول إنه يتعين القيام بضربات نسميها، تقنيا (ضربات غامضة) التي من شأنها إلزام الأسد بالتراجع وبأن تقام في شمال سوريا مناطق آمنة حيث يستطيع المدنيون العيش بسلام».
وفي الواقع، إن الجديد في كلام فابيوس يتناول الدعوة إلى استهداف النظام مباشرة من قبل طائرات التحالف وتبني الرأي القائل إن تركيز القصف على مواقع «داعش» نفسها يقوي هذا التنظيم وهو الطرح الذي يتبناه الائتلاف السوري المعارض وخصوصا تركيا. فالدعوة الفرنسية لإنقاذ حلب ليست جديدة، إذ إن الرئيس هولاند طرحها خلال استقباله نظيره التركي رجب طيب إردوغان في قصر الإليزيه يوم 30 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. كما شدد فابيوس نفسه على هذه المسألة في مقالة صحافية نشرت يوم 3 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي. كذلك يجدر التنويه إلى أن موضوع المناطق الآمنة ومناطق حظر الطيران طرح منذ عامين على الأقل تحت مسميات متعددة أحدها الممرات الآمنة. لكن هذه المقترحات لم تجتز يوما عتبة مجلس الأمن، وخصوصا وأن الـ«فيتو» الروسي كان دائما مطروحا. بيد أن فابيوس يستفيد هذه المرة من مقترح المبعوث الدولي دي ميستورا الذي عرضه في مجلس الأمن أولا ثم تناوله مع الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق قبل 15 يوما للعودة إلى الواجهة.
ويدعو دي ميستورا إلى «تجميد» الوضع العسكري في حلب، بمعنى أن تتوقف المعارك وتبقى الخطوط العسكرية على حالها. وبحسب مصادر فرنسية رسمية تحدثت إليها «الشرق الأوسط»، فإن فكرة دي ميستورا هي دعوة «مقنعة» لوقف النار تدريجيا في مجموعة من مناطق القتال في سوريا بدءا بحلب بين النظام والمعارضة بشكل يفتح الطريق لإيصال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحتاجة والمعزولة من جهة، ومن جهة أخرى التمهيد لوصل خيوط الحوار السياسي المنقطعة منذ فشل اجتماعات «جنيف 2» قبل 11 شهرا. بيد أن ثمة فروق واسعة بين ما يدعو إلى فابيوس وما يقترحه ميستورا، إذ إن الثاني يريد ويسعى وراء تعاون النظام الذي أبدى «اهتمامه» بعرض المبعوث الدولي بينما الطرح الفرنسي هو في واقعه دعوة «لفرض» مناطق آمنة ومنطقة حظر جوي على النظام، لا بل إنه دعوة لاستهدافه عسكريا وإضعافه ومنعا لوقوع المعارضة المسلحة المعتدلة بين مطرقة النظام من جهة وسندان «داعش» من جهة أخرى.
وقالت مصادر فرنسية رسمية تحدثت إليها «الشرق الأوسط» إن العقبة الأولى لفرض مناطق آمنة داخل سوريا ومنطقة حظر جوي تكمن في الحاجة لتوفير الحماية العسكرية الجوية والميدانية لها. والحال أن تدبيرا كهذا يحتاج لقرار صعب المنال من مجلس الأمن الدولي بسبب المعارضة الروسية والصينية المنتظرة، خصوصا أن موسكو تعمل على مبادرة سياسية لجمع أفرقاء المعارضة في مرحلة أولى ومحاولة جمعهم بالنظام في مرحلة ثانية والعودة إلى مظلة بيان جنيف. ولذا سيكون من الصعب، إن لم يكن من المستحيل إقناع موسكو بقبول حظر جوي وخصوصا «تمرير» ضربات جوية ضد نظام وفرت له الحماية منذ نحو 4 سنوات.
وتضيف المصادر الفرنسية أنه قد يكون من الممكن تجاوز محطة مجلس الأمن كما حصل في استهداف «داعش» و«النصرة» في عين العرب كوباني أو في غيرها من المناطق السورية، ولكن هناك عقبة ثانية، وهي من الجهة التي ستفرض احترام منطقة الحظر الجوي؟ الجواب البديهي هو الولايات المتحدة. والحال أن واشنطن رفضت علنا وجهرا الطلب التركي وهو ما كرره نائب الرئيس الأميركي جو بايدن للمسؤولين الأتراك نهاية الأسبوع الماضي في أنقره وما لا يفتأ المسؤولون الأميركيون من تأكيده على كل المستويات وما سمعه مسؤولو المعارضة السورية من أن هدف واشنطن اليوم هو «داعش» وأن دعمها للمعارضة يتم عبر تأهيل قواتها ومدها بالسلاح. أما فرنسا، فإنها أصلا ترفض المشاركة في الضربات الجوية في سوريا لسببين: الأول، مبدئي إذ تعتبر أن تطورا كهذا يحتاج لضوء أخضر من مجلس الأمن، والثاني عسكري عملي لأنها ترى أن ضرب «داعش» وحدها يؤدي خدمة للنظام ويضعف المعارضة التي تخسر مواقعها بوجهه وبوجه «داعش» و«النصرة». أما طرح دي ميستورا لإغن باريس فتدعمه «من الناحية المبدئية» لكنها تقرن دعمها بمجموعة من المطالب والضمانات التي تريدها المعارضة كذلك ومنها ألا تنتهي الأمور في حلب كما انتهت في حمص وألا يستفيد منها النظام لنقل قواته للقتال في مناطق أخرى، وأخيرا أن يضمن الاقتراح التواصل مع مناطق المعارضة الأخرى وخصوصا باتجاه الحدود التركية.
ويقول الوزير الفرنسي إن «الحفاظ على حلب هو حفاظ على إمكانية رؤية سوريا منفتحة، متعددة وديمقراطية». وبحسب فابيوس، فإن دبلوماسية بلاده تعمل في كل اتجاه وأنه يتعين عليها إقناع الكثيرين «وعلى رأسهم بالطبع الأميركيون لكن هذا موقفنا وأكرر أن هدفنا اليوم هو إنقاذ حلب». وكان يفترض بالوزير فابيوس أن يلتقي أمس رئيس الائتلاف الوطني السوري هادي البحرة لكن الاجتماع أجل، والمرجح بسبب الخلافات التي تعصف بالائتلاف، كما ظهر ذلك في الاجتماعات الأخيرة التي عقدها في إسطنبول. وفي كل تصريحاتها واتصالاتها، تكرر باريس أن النظام كان ولا يزال جزءا من المشكلة ولا يمكنه أن يكون جزءا من الحل وأن سعيه للظهور بمظهر السد المنيع بوجه التنظيمات الإرهابية من باب ذر الرماد في العيون، ولذا يتعين البقاء إلى جانب المعارضة المعتدلة ودعمها بكل الوسائل. وتذكر باريس بأنه لو لم تتراجع لندن وواشنطن عقب استخدام النظام للسلاح الكيماوي لكن كان الوضع على ما هو اليوم. وأخيرا، فإن باريس تقول لمن يسعى لتسويق صيغة حل يقوم على بقاء الأسد في السلطة لمرحلة انتقالية «تطول أو تقصر» أو التحالف معه في الحرب على الإرهاب إنه «يجانب الصواب ويسلك الطريق الخطأ».



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.