أحلام إردوغان السلطانية.. وتهشيم جمهورية أتاتورك

رئاسته تكلف الأتراك مليار دولار.. وتثير غضب المعارضة

أحلام إردوغان السلطانية.. وتهشيم جمهورية أتاتورك
TT

أحلام إردوغان السلطانية.. وتهشيم جمهورية أتاتورك

أحلام إردوغان السلطانية.. وتهشيم جمهورية أتاتورك

ينشغل الأتراك، والعالم، هذه الأيام بمتابعة أخبار «القصر الأبيض» الذي انتقل إليه رئيس الجمهورية التركي رجب طيب إردوغان الشهر الماضي. والسبب في ذلك، ليس القصر بحد ذاته، بل النقاش الذي انطلق من فخامة هذا المبنى ليصل إلى أحلام إردوغان «السلطانية» وعزمه تهشيم جمهورية أتاتورك مؤسس الجمهورية العلمانية، انطلاقا من الرمزية التي اختارها الرجل القوي في البلاد، عندما قرر أن يتخذ قصرا من قطعة أرض اشتراها أتاتورك لبناء مزرعة تحولت بعد وفاته إلى محمية تحمل اسمه «غابات أتاتورك». ويعد هذا القصر أكبر القصور الرئاسية في العالم، حيث يحتوي على 1000 غرفة وقاعة، وتبلغ مساحته 280 ألف متر مربع، أي أكبر من البيت الأبيض الأميركي بـ30 مرة، ومن قصر فرساي الفرنسي بأربع مرات.
يقول مسؤول تركي سابق لـ«الشرق الأوسط» إن إردوغان كان يعمل في رئاسة الوزراء، وعينه على رئاسة الجمهورية، وربما لهذا يناديه خصومه بـ«السلطان».. فإردوغان رسم كل شيء، لصالح وصوله إلى الرئاسة؛ ففي البداية رفع ولاية الرئيس من 5 إلى 7 سنوات، ثم سعى إلى تعديل الدستور لتحويل النظام رئاسيا، وهو مشروع لم يتخل عنه، وإن كان أرجأه إلى ما بعد الانتخابات البرلمانية المقبلة في عام 2015.
وأعد إردوغان كل شيء فيما خص رئاسة الجمهورية على مقاسه، فهو أوصى على طائرة خاصة للرئاسة قبل 4 سنوات، وتعمد أن يكون موعد تسليمها في موعد تسلمه منصب الرئيس. وقالت صحيفة «سوزجو» المعارضة إنه تم تحديث طائرة من طراز «Airbus A330» جذريا بناء على طلب إردوغان لاستخدامها بعد تسلم منصب رئيس الجمهورية، لافتة إلى أن إردوغان أصدر أوامره بتجهيز هذه الطائرة في عام 2010 أي قبل انتخابات الرئاسة بـ4 أعوام. وذكرت الصحيفة أن الطائرة أضيفت إليها غرفة عمل وغرفة نوم، وزودت بنظام مضاد للصواريخ، وأن إردوغان لم يكتف بالطائرة (Airbus A319CJ) التي اشتراها من إيطاليا عام 2005 عندما كان رئيسا للوزراء.
وكان إردوغان قد اتخذ أكثر من خطوة مثيرة للجدل، فهو بعد شرائه الطائرة، حول مشروع «القصر الأبيض» الذي بني لصالح مجلس الوزراء ومن موازنته، إلى مقر إقامة له، بالإضافة إلى عدد آخر من القصور التاريخية التي حولت إلى مقرات لإردوغان في مدينة إسطنبول. ويقال إن رغبة إردوغان كانت في مغادرة قصر تشانقايا واستبدال قصر جديد به كإشارة إلى الانتقال من نظام إلى نظام، خصوصا أنه يحمل مشروعا لتحويل النظام السياسي إلى نظام رئاسي يمتلك فيه إردوغان صلاحيات أكبر. ويقال أيضا إنه أراد تسميته «القصر الأبيض» (آك سراي) تماهيا مع الاسم المختصر لـ«حزب العدالة والتنمية» «آك بارتي»، لكن الاسم تغير بعد الانتقادات إلى «قصر رئاسة الجمهورية».
ومن المفارقات أيضا، أن معظم هذه المشاريع نفذت من موازنة رئاسة الوزراء عندما كان إردوغان يتولاها، ثم استفاد منها عندما أصبح رئيسا للبلاد. وكشفت مصادر تركية معارضة أن إردوغان زاد مخصصات رئاسة الجمهورية في الموازنة الجديدة لعام 2015 ضعفين. لكن رئاسة الجمهورية أعلنت عن زيادة ميزانيتها ومخصصاتها للعام المقبل 2015 بنسبة 49 في المائة مقارنة مع ميزانية العام الحالي. وذكر بيان صادر عن رئاسة الجمهورية أن ميزانية الرئاسة في عام 2014 بلغت نحو 266 مليونا و500 ألف ليرة تركية، وأن المخطط يشير إلى رفع الميزانية للعام المقبل 2015 بنسبة 49 في المائة، لتصل إلى 397 مليون ليرة (نحو 200 مليون دولار).
وكان إردوغان قد اتخذ أكثر من خطوة مثيرة للجدل، فهو بعد شرائه طائرة خاصة تسلمها مع وصوله إلى الرئاسة، حول مشروع «القصر الأبيض» الذي بني لصالح مجلس الوزراء ومن موازنته، إلى مقر إقامة له، بالإضافة إلى عدد آخر من القصور التاريخية التي حولت إلى مقرات لإردوغان في مدينة إسطنبول. ويقال إن رغبة إردوغان كانت في مغادرة قصر تشانقايا واستبداله قصر جديد به كإشارة إلى الانتقال من نظام إلى نظام، خصوصا أنه يحمل مشروعا لتحويل النظام السياسي إلى نظام رئاسي يمتلك فيها إردوغان صلاحيات أكبر. ويقال أيضا إنه أراد تسميته بالقصر الأبيض «آك سراي» تماهيا مع الاسم المختصر لـ«حزب العدالة والتنمية» «آك بارتي»، لكن الاسم تغير بعد الانتقادات إلى «قصر رئاسة الجمهورية».
وسخر الكاتب جنكيز تشاندار في صحيفة «راديكال» من تشييد المبنى الرئاسي الجديد، مشبها إياه بقصر الزعيم الروماني الراحل نيكولاي تشاوشيسكو في بوخارست. وقال تشاندار إن «التشابه المعماري بين القصر الأبيض وقصر تشاوشيسكو في بوخارست لا يعطي رسائل خير من زاوية الهوية السياسية لتركيا الجديدة أو للنظام في تركيا». وأضاف: «يقول البعض إن هندسة القصر الجديد خليط من العثمانية والسلجوقية. لكن الحقيقة أنها هندسة هجين لا تمت بصلة لهما، وهي تهدف للعودة إلى ما قبل قصر تشانقايا مقر أتاتورك وخلفائه، وإلغاء المرجعية الأتاتوركية. هندسة القصر الجديد تعكس بشكل واضح خصائص الأنظمة التوتاليتارية التي يمكن رؤيتها في القصور الرئاسية التي بناها موسوليني وهتلر وفي الأنظمة الشيوعية».
ورأى الكاتب التركي طارق توروس أن إردوغان يبالغ في الإسراف، معتبرا ألا حاجة لهذا القصر الجديد. وأشار إلى أن الدولة تمتلك بالفعل الكثير من القصور، فهناك «قصر (تشانقايا) الرئاسي المشيد على أرض تبلغ مساحتها 438 ألف متر مربع، وهناك قصر (هوبر) بإسطنبول، ومساحة أرضه تصل إلى 34 هكتارا، وهناك قصر الضيافة في شاطئ أوكلك المطل على بحر إيجه بمدينة مارماريس بنسيجه الطبيعي الخلاب، ومساحته تبلغ 16 ألف متر مربع»، موضحا أن إردوغان أضاف إلى هذه القصور، قصر «بيلربيي» على مضيق البوسفور من أجل الاجتماعات والمشاورات، وهو يضم 5 قصور؛ اثنان منها صغيران، بالإضافة إلى القصر الكبير الذي يقع على شاطئ البحر مباشرة ويتكون من 24 غرفة، كما أضاف (إردوغان) قصر السلطان وحيد الدين الواقع في غابة مساحتها 50 ألف متر مربع (المطل على مضيق البوسفور أيضا) ليكون مكتب أعمال، وبعد ذلك أضاف القصر الأبيض».
وإذ كشف توروس عن أنه في رئاسة الجمهورية 718 موظفا فقط، وفقا لما أدلى به الأمين العام لرئاسة الجمهورية فخري قاصرجا في جلسات مناقشة الميزانية بالبرلمان، قال توروس: «لو وزعنا 718 موظفا على عدد الغرف في القصر الأبيض لحصل كل موظف على أكثر من غرفة».
كما رأى الكاتب طورخان بوزكورت أن التصريحات التي أدلى بها إردوغان حول القصر الأبيض وقال فيها إن القصر ليس إسرافا، «ليست مقنعة»، مشيرا إلى أنه يتم صرف 1.1 مليار ليرة تركية (نحو 500 مليون دولار) في السنة من أجل الإيجارات فقط، وهذا يعادل تقريبا ما أنفق على القصر. وقال: «حن نخصص مبنى لمنصب رئاسة الجمهورية الشرفي من جهة، ونحاول تلبية حاجة المباني اللازمة لمواصلة تقديم الخدمات العامة عن طريق الاستئجار من جهة أخرى. فإذا لم يكن هذا إسرافا في الموارد فما هو إذن؟»، وسأل: «ما دام مبنى رئاسة الوزراء غير كاف، وتغلق الطرق والشوارع حين يستقبل أصحاب الفضيلة من الشخصيات الرسمية، فلماذا تم نقل رئاسة الجمهورية إلى أفخم مبنى في العالم؟ ففي الوقت الذي يعيش فيه رئيس الجمهورية في قصره فرحا فخورا، تظل الدولة تستأجر مقرات، ذلك أن المؤسسات التابعة لرئاسة الوزراء والوزارات والدوائر الريفية والبلديات تقدم خدماتها في مبان مستأجرة».
وأثار نواب المعارضة كذلك موضوع تراخيص البناء والإسكان الخاصة بالقصر. وتساءل محمد جونال نائب حزب الحركة القومية عن مدينة أنطاليا: «هل هناك ترخيص للسماح بالبناء على هذه الأرض؟ ومن أين تم الحصول عليها؟»، وقال: «قمت بنفسي بتوجيه هذه الأسئلة، إلا أنهم لم يجيبوا عنها بشكل جاد، وكيف لإردوغان الذين يلقب بـ(رجل الشعب) أن يقيم في قصر يضم ألف غرفة، وأصبح له قصر في كل مكان؟ لقد بدأ عهد السلاطين والقصور»، معتبرا أنه «ليس من الممكن أن يتم تشييد مقر لرئاسة الجمهورية من ميزانية رئاسة الوزراء من الناحية القانونية».
وقال أوكتاي فورال نائب رئيس الكتلة البرلمانية لحزب الحركة القومية: «هل ترتبون في قصر ذي ألف غرفة ليالي مثل التي في قصص ألف ليلة وليلة؟ أصبح هذا القصر الذي بني بطريقة غير قانونية رمزا جديدا لتركيا كما هو رمز للتكبر والتباهي بما يصرف عليه من ضرائب الشعب، ومقولة (تركيا الجديدة) رمز لبناء قصر غير قانوني بملايين من الدولارات ومطالبة العاملين بالحد الأدنى للأجور أن يكتفوا بما يكفي فقط لشراء السميط (الكعك(».
ولم يكن الوسط المحيط بإردوغان موفقا كثيرا في الدفاع عن المشروع، فقد قال بدوره المتحدث الرسمي باسم الحكومة التركية نائب رئيس الوزراء بولنت آرينج، خلال رده على أسئلة نواب المعارضة في لجنة مناقشة ميزانية العام المالي الجديد 2015 بالبرلمان: «إذا قلتم إنه ليس من المعقول صرف كل هذا المبلغ، فيمكننا مناقشة ذلك، نعم فالمبلغ ليس بالقليل، لأن القصر أنشئ على طراز خاص وبمواد أنتجت خصيصا له، باستخدام عمالة محترفة ودقيقة، كل هذه الأمور صحيحة، لكنها مكلفة وباهظة، أنا أيضا أرفض الإسراف، فقد كنت أسأل عن المياه التي تجري دون فائدة، إبان فترة رئاستي للبرلمان، ولم أستخدم السكن الحكومي، وهذا هو اختياري الشخصي.. لو كنت أنا رئيس الجمهورية كيف كنت أتصرف؟ ولكن لا داعي ولا معنى للحديث عن شيء لم يحدث، أما الرقم فهو مرتفع فعلا، ويمكن مناقشته».
بدوره، دافع نائب رئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم محمد علي شاهين، في لقاء تلفزيوني عن المشروع، معتبرا أن «مثل هذه البنايات تعتبر هيبة للدولة ورمزا لرونقها، وليس المبلغ الذي أنفق على القصر، مهما كان، بالأمر المهم». وقال شاهين: «مبارك على دولتنا قصر رئاسة الجمهورية الجديد، وكما تعلمون أن مثل هذه البنايات تعتبر هيبة للدولة، وليس من المهم على الإطلاق المبلغ الذي أنفق على القصر، لأنه شيد من أجل دولتنا وأمتنا وشعبنا». وأضاف: «رجب طيب إردوغان الذي يعتبر أول رئيس منتخب من قبل الشعب هو الذي يستخدم هذا القصر الأبيض، وربما سيتم اختيار رئيس آخر غيره في انتخابات 2019 ليستخدم هو هذا القصر بدلا من إردوغان، ولهذا فالقصر ليس ملكا لرؤساء الجمهورية، وهو ملك الشعب وحده».
أما وزير المالية التركي محمد شيمشك، فقد قال إن الخطوط الجوية التركية هي التي اشترت الطائرة الرئاسية الجديدة لرئيس الجمهورية رجب طيب إردوغان، مؤكدا أنه لم يتم حتى الآن دفع أي شيء من ميزانية الدولة للطائرة. وأضاف شيمشك، ردا على أسئلة نواب المعارضة خلال مناقشة الميزانية الجديدة بالبرلمان، أنه سيتم دفع المبلغ خلال هذا العام من رئاسة الوزراء، مضيفا أن التكلفة الإجمالية لأسعار الشراء وصلت إلى 185 مليون دولار.
ولم يقتصر النقاش حول القصر على الداخل التركي؛ إذ نال الموضوع حقه من النقاش في الصحف العالمية، فرأت صحيفة «ديلي تلغراف» البريطانية، أن قصر الرئاسة التركي الجديد «يتجاوز عظمة وبهاء قصر ملك فرنسا لويس الرابع عشر». وأجرت الصحيفة في مقال نشر على صفحتها الأولى مقارنة بين كل من قصر الرئاسة التركي الجديد وقصر «فرساي» في فرنسا، فأشارت إلى أن القصر الأبيض أكبر من الأخير 4 مرات»، معتبرة أنه بذلك أفقد قصر الملك لويس الرابع عشر ملك فرنسا هيبته ورونقه.
أما صحيفة «دي فيلت» الألمانية فقد نشرت خبرا بعنوان: «تكلفة إردوغان للأتراك مليار دولار»، تناولت فيه المبالغ التي أنفقتها الحكومة التركية لإنشاء قصر رئاسة الجمهورية. وأعادت الصحيفة إلى الأذهان أن الحكومة التركية أعلنت في مستهل إنشاء القصر الجمهوري الجديد أن تكاليفه ستكون 250 مليون دولار، إلا أنها بلغت الضعفين، لافتة إلى أن إجمالي التكاليف سيصل إلى 615 مليون دولار. ومن المتوقع أيضا تخصيص ميزانية بقيمة 178 مليون دولار لمصاريف رئاسة الجمهورية، فضلا عن أنه تم صرف 185 مليون دولار لشراء طائرة جديدة من طراز «A330 - 200»، وإجمالي هذه التكاليف يصل إلى 978 مليون دولار. وأشارت إلى أن هذا لا يشمل تكاليف الترميم للقصرين المخصصين لرئاسة الجمهورية الذي يقع أحدهما على مضيق البوسفور بإسطنبول والآخر على بحر إيجة.
يقول مسؤول تركي سابق لـ«الشرق الأوسط» إن إردوغان كان يعمل في رئاسة الوزراء، وعينه على رئاسة الجمهورية، وربما لهذا يناديه خصومه بـ«السلطان».. فإردوغان رسم كل شيء، لصالح وصوله إلى الرئاسة؛ ففي البداية رفع ولاية الرئيس من 5 إلى 7 سنوات، ثم سعى إلى تعديل الدستور لتحويل النظام رئاسيا، وهو مشروع لم يتخل عنه، وإن كان أرجأه إلى ما بعد الانتخابات البرلمانية المقبلة في عام 2015.
وأعد إردوغان كل شيء فيما خص رئاسة الجمهورية على مقاسه، فهو أوصى على طائرة خاصة للرئاسة قبل 4 سنوات، وتعمد أن يكون موعد تسليمها في موعد تسلمه منصب الرئيس. وقالت صحيفة «سوزجو» المعارضة إنه تم تحديث طائرة من طراز «Airbus A330» جذريا بناء على طلب إردوغان لاستخدامها بعد تسلم منصب رئيس الجمهورية، لافتة إلى أن إردوغان أصدر أوامره بتجهيز هذه الطائرة في عام 2010 أي قبل انتخابات الرئاسة بـ4 أعوام. وذكرت الصحيفة أن الطائرة أضيفت إليها غرفة عمل وغرفة نوم، وزودت بنظام مضاد للصواريخ، وأن إردوغان لم يكتف بالطائرة (Airbus A319CJ) التي اشتراها من إيطاليا عام 2005 عندما كان رئيسا للوزراء.
وكان إردوغان قد اتخذ أكثر من خطوة مثيرة للجدل، فهو بعد شرائه الطائرة، حول مشروع «القصر الأبيض» الذي بني لصالح مجلس الوزراء ومن موازنته، إلى مقر إقامة له، بالإضافة إلى عدد آخر من القصور التاريخية التي حولت إلى مقرات لإردوغان في مدينة إسطنبول. ويقال إن رغبة إردوغان كانت في مغادرة قصر تشانقايا واستبدال قصر جديد به كإشارة إلى الانتقال من نظام إلى نظام، خصوصا أنه يحمل مشروعا لتحويل النظام السياسي إلى نظام رئاسي يمتلك فيه إردوغان صلاحيات أكبر. ويقال أيضا إنه أراد تسميته «القصر الأبيض» (آك سراي) تماهيا مع الاسم المختصر لـ«حزب العدالة والتنمية» «آك بارتي»، لكن الاسم تغير بعد الانتقادات إلى «قصر رئاسة الجمهورية».
ومن المفارقات أيضا، أن معظم هذه المشاريع نفذت من موازنة رئاسة الوزراء عندما كان إردوغان يتولاها، ثم استفاد منها عندما أصبح رئيسا للبلاد. وكشفت مصادر تركية معارضة أن إردوغان زاد مخصصات رئاسة الجمهورية في الموازنة الجديدة لعام 2015 ضعفين. لكن رئاسة الجمهورية أعلنت عن زيادة ميزانيتها ومخصصاتها للعام المقبل 2015 بنسبة 49 في المائة مقارنة مع ميزانية العام الحالي. وذكر بيان صادر عن رئاسة الجمهورية أن ميزانية الرئاسة في عام 2014 بلغت نحو 266 مليونا و500 ألف ليرة تركية، وأن المخطط يشير إلى رفع الميزانية للعام المقبل 2015 بنسبة 49 في المائة، لتصل إلى 397 مليون ليرة (نحو 200 مليون دولار).



كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
TT

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة اقتصادها المتدهور. رجل وصفه المستشار بأنه «أناني»، وشن عليه هجوماً شخصياً نادراً ما يصدر عن شولتس المعروف بتحفظه وهدوئه. ذلك الرجل كان وزير ماليته كريستيان ليندنر، زعيم «الحزب الديمقراطي الحر» الذي كان شريكاً في الحكومة الائتلافية الثلاثية منذ عام 2021، برئاسة «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (الاشتراكي)، ومشاركة حزب «الخضر». ولقد طرده شولتس من الحكومة بعد خلافات حول ميزانية سنة 2025، ما تسبب بخروج الوزراء المتبقين من «الحزب الديمقراطي الحر»، ليبقى المستشار يقود حكومة أقلية حتى إجراء الانتخابات المبكرة في 23 فبراير المقبل. ثم إن شولتس تعرض لانتقادات كثيرة لهجومه الشخصي على ليندنر، خاصة من المستشارة السابقة أنجيلا ميركل التي وصفته بأنه كان «خارجاً عن السيطرة». لكن مع ذلك، فإن الصورة التي رسمها المستشار عن وزيره قد تحمل شيئاً من الواقع؛ إذ خرجت انتقادات من أوساط الديمقراطيين الأحرار لليندنر و«تصرفه بشكل أحادي» في دفع المستشار لإقالته. وقبل ذلك طالته انتقادات بعدما أصبح «الوجه الأوحد» لـ«الحزب الديمقراطي الحر» إبان الانتخابات الماضية عام 2021 وقبلها عام 2017. ولعل الحزب تسامح مع تصرفات ليندنر «الأنانية» تلك لنجاحه بإعادة الحزب إلى الخارطة السياسية بعد انهياره تقريباً عام 2013 وفشله بدخول البرلمان للمرة الأولى في تاريخه. إلا أن مستقبل الرجل الذي أعاد حزبه إلى الحياة... هو نفسه في خطر. فهل يستمر ليندنر بالبناء على تاريخه حتى اليوم للنهوض مجدداً؟

قد يكون كريستيان ليندنر أصغر زعيم انتُخب ليرأس حزبه «الديمقراطي الحر»، عن عمر 34 سنة فقط عام 2013، بيد أنه لم يكن ناجحاً على الدوام. وبعكس حياته السياسية وصعوده السريع إلى القمة، فشل ليندنر في مشاريع أعمال أطلقها عندما كانت السياسة ما زالت هواية بالنسبة إليه. واعترف لاحقاً بإخفاقاته تلك، مستعيناً بعبارة «المشاكل هي مجرد فرص شائكة» لكي يدفع نفسه إلى الأمام.

وبين عامَي 1997 و2001 أسس شركات خاصة مع أصدقاء له، انتهت بالفشل آخرها شركة «موماكس» التي انهارت وأفلست بعد أقل من سنة على إطلاقها.

هذه «الإخفاقات» التي طبعت مغامراته التجارية وهو في مطلع العشرينات قد تكون دفعته للتوجه إلى السياسة بجدية أكبر. وبالفعل، نجح عام 2001 بدخول البرلمان المحلي في ولايته شمال الراين-وستفاليا وهو ابن 21 سنة ليغدو أصغر نائب يدخل برلمان الولاية. ولصغر سنه وقسمات وجهه الخجولة كسب ليندنر آنذاك لقب «بامبي» بين أعضاء الحزب نسبة للغزال الصغير عند «ديزني».

«بامبي» في «البوندستاغ»

في عام 2009، فاز ليندنر بمقعد في البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) ليعود عام 2012 إلى ولايته أميناً عاماً للحزب في الولاية ونائباً محلياً مرة أخرى.

وبعدها ساعدت إخفاقات الديمقراطيين الأحرار في الانتخابات العامة عام 2013 بتسليط الضوء على ليندنر، الشاب الكاريزماتي الطموح الذي وجد فرصة سانحة أمامه للصعود داخل الحزب. ويومذاك فشل الحزب بتخطي عتبة الـ5 في المائة من أصوات الناخبين التي يحددها القانون شرطاً لدخول «البوندتساغ». وعقد أعضاؤه اجتماعاً خاصاً لمناقشة النتائج الكارثية التي لم يسبق للحزب أن سجلها في تاريخه، وانتخب ليندنر، وهو في سن الـ34، زعيماً للحزب مكلفاً بتأهيله وإعادته للحياة... وبذلك بات أصغر زعيم ينتخب لـ«الحزب الديمقراطي الحر».

شاب أنيق وجذّاب

شكّل سن ليندنر وأناقته وشخصيته عاملاً جاذباً للناخبين الشباب خاصة. وقاد حملة مبنية على أساس جذب الشباب ونفض صورة الحزب القديم التقليدي عنه، كما ساعده حضوره على وسائل التواصل الاجتماعي في التواصل مع مستخدميها من الشباب وتقريبهم إلى الحزب.

وغالباً ما نُشرت له صور من حياته الشخصية على «إنستغرام»، منها صورة لإجازة مع فرانكا ليهفيلدت، زوجته الصحافية التي كانت تعمل في قناة «دي فيلت»، ولقد عقدا قرانهما وهو في الحكومة عام 2022 في حفل ضخم وباذخ بجزيرة سيلت حضره عدد كبير من السياسيين. وينتظر الزوجان مولودهما الأول في الربيع المقبل.

للعلم، كان ليندر متزوجاً قبل ذلك من صحافية أخرى كانت نائبة رئيس تحرير «دي فيلت» أيضاً، هي داغمار روزنفلت، التي تكبره سناً ولم ينجبا أطفالاً معاً. لكنهما ظلا متزوجين من 2011 وحتى 2018 عندما أعلن طلاقهما وكشف عن علاقته مع ليهفيلدت.

أيضاً، لا يخفي ليندنر حبه للسيارات السريعة، وكان قال غير مرة قبل دخوله الحكومة مع حزب «الخضر» بأنه يهوى السيارات القديمة ويملك سيارة بورشه قديمة ومعها يملك رخصة للسباقات. وبجانب هذه الهواية يحب اليخوت ويملك رخصة للإبحار الرياضي وأخرى للصيد.

صورة شبابية عصرية

هذه الصورة التي رسمها ليندنر لنفسه، صورة الرجل الأنيق الذي يهتم بمظهره (لدرجة أنه خضع لزرع شعر) ويمارس هوايات عصرية، ساعدته على اجتذاب ناخبين من الشباب خاصة، وجعلته ينجح بإعادة حزبه إلى البرلمان عام 2017 بحصوله على نسبة أصوات قاربت 11 في المائة.

في حينه دخل في مفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية مع المستشارة أنجيلا ميركل التي فاز حزبها بالانتخابات، وكانت تبحث عن شركاء للحكم إثر حصولها على 33 في المائة من الأصوات. وفعلاً، بدأت ميركل مفاوضات مع الديمقراطيين الأحرار و«الخضر»، لكن ليندنر انسحب فجأة من المفاوضات بعد 4 أسابيع، ليعلن: «أفضل عدم الحكم من الحكم بشكل خاطئ».

ليندنر كان يختلف آنذاك مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين قبل سنتين. ويومها واجه الانتقاد لتفويته على حزبه فرصة الحكم، وهي فرصة خشي بعض الحزبيين ألا تُتاح مُجدداً.

ائتلاف مع اليسار

غير أن الفرصة أتيحت مرة أخرى في الانتخابات التالية عام 2021 عندما حقق «الحزب الديمقراطي الحر» نتائج أفضل من الانتخابات السابقة، حاصلاً على نسبة 11.5 في المائة من الأصوات. ومع أن «الحزب الديمقراطي الحر» حزب وسطي ليبرالي يؤيد الحريات الاقتصادية، ويعدّ شريكاً طبيعياً لحزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (يمين معتدل)، قرر ليندنر عام 2021 الدخول في ائتلاف حاكم مع الاشتراكيين و«الخضر»؛ ذلك أن الأخير يعتبر نقيضاً فكرياً للديمقراطيين الأحرار الذين يرون سياساته البيئية مكلفة وكابحة للتقدم الاقتصادي.

وهكذا تسلم ليندنر إحدى أهم الوزرات؛ إذ عُيّن وزيراً للمالية وثاني نائب للمستشار. وحقق بذلك حلمه الذي غالباً ما كرره خلال الحملات الانتخابية بأنه يريد أن يصبح وزيراً للمالية، وحتى إنه عرّف نفسه في إحدى الحملات ممازحاً: «تعرّفوا على وزير ماليتكم المقبل!».

خلفيته العلمية والفكرية

اهتمام ليندنر بالسياسة الاقتصادية ينبع من اهتماماته منذ تخرّجه من الجامعة؛ حيث درس العلوم السياسية ثم القانون والفلسفة في جامعة بون المرموقة (واسمها الرسمي جامعة راينيشه فريدريش - فيلهامز).

ثم إنه لم ينضم فور مغادرته المدرسة للخدمة العسكرية التي كانت إجبارية آنذاك، وأجّلها للدراسة وإكمال مغامراته التجارية، لكنه عاد لاحقاً وانضم إلى جنود الاحتياط ووصل لرتبة رائد. ورغم فشل مغامراته التجارية، بقيت اهتماماته السياسية منصبّة على الجانب المالي، ومن هنا جاء طموحه بأن يصبح وزيراً للمالية في الحكومة الفيدرالية.

وفكرياً، يؤمن ليندنر وحزبه بتقليص الإنفاق العام وخفض الضرائب وفتح الأسواق أمام الشركات الخاصة. ودائماً عارض خططاً عدّها متطرفة يدعمها «الخضر» لاستثمارات أكبر في الطاقة النظيفة بحجة تكلفتها العالية وتأثيرها على الشركات والأعمال. وكانت المفارقة أنه تسلّم حكومة كانت مسؤولة عن تطبيق سياسات تروّج للطاقة البديلة وتزيد من النفقات الاجتماعية وترفع من الضرائب.

هذا الأمر كان صعباً عليه تقبّله. ورغم وجود اتفاق حكومي حدّدت الأحزاب الثلاثة على أساسه العمل خلال السنوات الأربع من عمرها، عانى عمل الحكومات من الخلافات منذ اليوم الأول. وطبعاً لم تساعد الحكومة الأزمات المتتالية التي اضطرت لمواجهتها وكانت لها تأثيرات مباشرة على الاقتصاد، بدءاً بجائحة كوفيد-19 إلى الحرب الأوكرانية.

ولذا كان شولتس غالباً ما يعقد خلوات مع ليندنر وزعيم «الخضر»، روبرت هابيك، ويطول النقاش لساعات بأمل التوصل لحلول وسط يمكن للحكومة أن تكمل فيها عملها. وفي النهاية، كان من أبرز نقاط الخلاف التي رفض ليندنر المساومة فيها هي ما يُعرف في ألمانيا بـ«مكابح الدَّين العام»؛ إذ يرفض الدستور الألماني الاستدانة إلا في حالات الطوارئ، ولقد استخدمت الحكومة كوفيد-19 كطارئ للتخلي عن «مكابح الدَّين العام»، وبالتالي، الاستدانة والإنفاق للمساعدة عجلة الاقتصاد.

وأراد شولتس تمديد العمل بحالة الطوارئ كي تتمكن حكومته من الاستدانة وتمويل الحرب في أوكرانيا من دون الاقتطاع من الخدمات العامة، لكن ليندنر رفض مقترحاً تخفيض الإنفاق العام في المقابل، الأمر الذي اعتبره شولتس «خطاً أحمر».

تهم وشكوك

وحقاً، اتُّهم ليندنر بعد طرده بأنه كان يخطط للانسحاب من الحكومة منذ فترة، وبأنه وضع خطة لذلك بعدما وجد أن حزبه منهار في استطلاعات الرأي وأن نسبة تأييده عادت لتنخفض إلى ما دون عتبة الـ5 في المائة.

أيضاً، كُشف بعد انهيار الحكومة عن «وثيقة داخلية» أعدّها ليندنر وتداولها مع نفر من المقرّبين منه داخل الحزب، تحضّر للانسحاب من الحكومة بانتظار الفرصة المناسبة. وقيل إنه بدأ يخشى البقاء في حكومة فقدت الكثير من شعبيتها بسبب المشاكل الاقتصادية وارتفاع التضخّم خلال السنوات الثلاث الماضية، ما أثر على القدرة الشرائية للألمان. وبناءً عليه، خطّط ليندنر للخروج منها قبل موعد الانتخابات واستخدام ذلك انتخابياً لإعادة رفع حظوظ حزبه الذي يبدو الأكثر تأثراً من الأحزاب المشاركة في الحكومة، بخسارة الأصوات. وطرحت «الوثيقة» التي كُشف عنها مشكلة أخرى بالنسبة لليندنر - داخل حزبه هذه المرة - فواجه اتهامات بالتفرّد بالقرارات وحتى دعوات لإقالته.

طامح لمواصلة القيادة

حتى الآن، يبدو كريستيان ليندنر مصراً على قيادة حزبه في انتخابات فبراير (شباط)، وما زال لم يفقد الأمل العودة حتى إلى الحكومة المقبلة وزيراً للمالية في حكومة يقودها زعيم الديمقراطيين المسيحيين، فريدريش ميرتز، الذي يتقدّم حزبه في استطلاعات الرأي ومن المرجح أن يتولى المستشارية. وللعلم، ميرتز نفسه أبدى انفتاحاً على ضم ليندنر إلى حكومته المحتملة، وشوهد الرجلان بعد أيام من إقالة ليندنر يتهامسان بتفاهم ظاهر داخل «البوندستاغ».

ولكن عودة ليندنر للحكومة ستتطلب منه بدايةً تخطي عقبتين: الأولى أن يبقى على رأس حزبه لقيادته للانتخابات. والثانية أن ينجح بإقناع الناخبين بمنح الحزب أصواتاً كافية لتخطي عتبة الـ5 في المائة الضرورية لدخول البرلمان.