ميتش ماكونيل.. عقدة أوباما

السيناتور الجمهوري أتقن معارضة الرئيس في الكونغرس.. وحقق حلمه بتولي منصب زعيم الأغلبية

ميتش ماكونيل.. عقدة أوباما
TT

ميتش ماكونيل.. عقدة أوباما

ميتش ماكونيل.. عقدة أوباما

يبرز السيناتور الجمهوري ميتش ماكونيل كنجم صاعد في سماء الفوز التاريخي للحزب الجمهوري في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس التي جرت الأسبوع الماضي. فمن المتوقع بقوة أن يتم انتخاب ماكونيل ليكون زعيما للأغلبية في مجلس الشيوخ الأميركي عندما يبدأ المجلس جلساته رسميا في 3 يناير (كانون الثاني) المقبل. ويحقق ماكونيل بذلك حلما استمر معه أكثر من 6 عقود منذ كان طفلا صغيرا، وقصة نجاح وصعود داخل الحزب الجمهوري داخل أروقة الكونغرس استمرت 3 عقود.
يستمتع الجمهوريون بموجة الانتصارات التي تحققت لهم بالسيطرة على الكونغرس الذي يحمل رقم 114 في تاريخ الكونغرس الأميركي. وقد فاز الجمهوريون بـ52 مقعدا مقابل 45 للديمقراطيين في مجلس الشيوخ (المكون من 100 عضو) وقد يزيد عدد الجمهوريين وفقا لنتائج الانتخابات في كل من ألاسكا ولويزيانا، وحصل المرشحون الجمهوريون على 242 مقعدا في مجلس النواب مقابل 173 مقعدا للديمقراطيين (الذي يضم 435 عضوا)، وبات نصب أعينهم التحضير للانتخابات الرئاسية لعام 2016.
ويقول المحللون إن الجمهوريين لم يقدموا جدول أعمال ولا خطة أو رؤية جديدة خلال انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، وإنما اعتمدوا في السباق الانتخابي على 3 كلمات فقط هي «سياسات أوباما فاشلة»، بينما أمضى الديمقراطيون الكثير من الوقت والجهد للابتعاد عن أوباما، وسياساته وهو ما كان بارزا في السباق بين ميتش ماكونيل، ومنافسته الديمقراطية اليسون غرايمز.
وسيقود السيناتور الجمهوري عن ولاية كنتاكي ميتش ماكونيل (73 عاما) دفة مجلس الشيوخ في سن القوانين والتشريعات بداية من العام المقبل، وسيكون الرجل الأكثر أهمية في الدوائر السياسية الأميركية كزعيم للأغلبية.
ويواجه ماكونيل السبعيني تحديات على عدة مستويات أولها قدرته على إدارة الحزب الجمهوري، وإظهاره قادرا على إدارة الحكم، وإبقاء الجمهوريين على مختلف توجهاتهم سعداء، وهي مهمة ليست بالسهلة. والتحدي الآخر هو ملاحقة الحزب الديمقراطي وتقليص قدرات الإدارة الأميركية في عدة قضايا. ومن المتوقع أن يشهد المسرح السياسي الأميركي اتفاقا أحيانا وخلافا أحيانا أكثر بين الإدارة والكونغرس.
القضايا التي تجد مساحة من الاتفاق هي التوافق على ضرورة تحفيز الاقتصاد وإبرام الاتفاقات التجارية مع دول العالم وخلق مزيد من فرص العمل والإصلاح الضريبي وتعزيز جهود مكافحة مرض الإيبولا. وقد أعلن السيناتور ميتش ماكونيل أنه لن يكون هناك إغلاق للحكومة الفيدرالية عند مناقشة الكونغرس للميزانية الأميركية وسقف الدين، والتوجه نحو تبسيط الضرائب للشركات والموافقة على خط أنابيب كيستون.
وفي القضايا الخارجية، من المتوقع أن يوافق الكونغرس على التصويت على قوانين تتيح مزيد من التدريب والتسليح للمعارضة السورية والموافقة على تفويض يخول للإدارة الأميركية استخدام القوة ضد تنظيم داعش.
لكن هناك أيضا قضايا خلافية عميقة مثل قانون الرعاية الصحية (أوباما كير) فالجمهوريون ليست لديهم الأصوات الكافية في مجلس الشيوخ لإلغاء قانون «أوباما كير» ويتطلب الأمر 67 صوتا بينما عدد الجمهوريين 52 عضوا فقط في مجلس الشيوخ.
وتعد قضية إصلاح الهجرة من أكبر القضايا الخلافية التي تنذر بالصدام والصراع بين إدارة أوباما والكونغرس. ويرفض الجمهوريون سعي أوباما لتقنين أوضاع ملايين من المهاجرين غير الشرعيين ومنحهم عفوا عن خرق القانون وتعهد أوباما باستخدام سلطته التنفيذية لتعديل قوانين الهجرة.
ويطالب بعض الجمهوريين باستخدام ورقة إغلاق الحكومة الفيدرالية كورقة ضغط لمطالبة إدارة أوباما بتقديم تنازلات بشأن قانون الرعاية الصحية ووقف أوباما عن تنفيذ خططه في إصلاح نظام الهجرة من خلال أمر تنفيذي، لكن بعض المعتدلين من الحزب الجمهوري يرون أن القيام بذلك قد يبدد المكاسب التي حظي بها الحزب وثقة الناخبين.
ومن المتوقع أن تتأثر السياسة الخارجية الأميركية بنتيجة انتخابات التجديد النصفي وسيطرة الجمهوريين على الكونغرس، وسيكون ملف التفاوض الأميركي مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية من أول القضايا التي ستشهد خلافا بين الإدارة والكونغرس، فالحزب الجمهوري يرفض طريقة إدارة أوباما للمفاوضات مع إيران. وقد سبق لمجلس النواب الذي يسيطر عليه الجمهوريون التصويت لصالح فرض مزيد من العقوبات على إيران العام الماضي، وتمكن زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ هاري ريد من منع التصويت لصالح فرض هذه العقوبات وإتاحة الفرصة للمفاوضات مع طهران.
لكن سيكون على الحزب الجمهوري أولا توحيد صفوفه وتجميع النواب الجمهوريين الذين ينقسمون ما بين معتدلين ومحافظين وحشد مزيد من الأصوات من الجناح المتطرف لتيار حزب الشاي، لمواجهة خطة أوباما الصحية (أوباما كير) والقيام بمزيد من التقييد على سياسات إدارة أوباما.
السيناتور ماكونيل الذي يعد أبرز مهندسي الحزب الجمهوري في سحق تيار حزب الشاي، عاد وأبدى استعداده للعمل مع غريمه من تيار حزب الشاي تيد كروز. وأعلن استعداد حزبه للتعاون مع إدارة أوباما بما يحقق مصلحة الناخبين الأميركيين. وفي ظل سيطرة الجمهوريين على غرفتي الكونغرس فإنه من المتوقع أن يعمل ماكونيل بشكل متناغم مع رئيس مجلس النواب الجمهوري جون بوينر لتحقيق أهداف الحزب في إصلاح النظام الضريبي، والحد من مشكلة النفقات الحكومية وسن قوانين اقتصادية تحقق النمو.
ويرتبط اسم السيناتور ماكونيل بكثير من المعارك السياسية والقوانين التي تدخل لحصد التصويت لها أو منع التصويت عليها بداية من قوانين حول إنتاج الألبان إلى قوانين تتعلق باستخدام القوة العسكرية الأميركية.
وخلال أكثر من 3 عقود أمضاها ماكونيل في الكونغرس، لم يكن ذلك السياسي المحبوب ذا الشعبية الجارفة بل استمتع ماكونيل بالسمعة التي بناها باعتباره الشخص الشرير وصاحب القبضة الحديدية في خلق الانضباط، واللعب بدهاء في الدوائر السياسية الأميركية.
ويظهر ماكونيل دائما بوجه جامد خال من التعبير، وعيون منتفخة من وراء نظارته، والمرات التي ظهر فيها السيناتور ماكونيل مبتسما وسعيدا كانت اللحظات التي حقق فيها انتصارا في الانتخابات، أو اللحظات التي تمكن فيها من منع الديمقراطيين من تمرير قوانين وقطع الطريق على الرئيس أوباما وسياساته.
وقد فاز ماكونيل في 8 انتخابات، ولم يخسر مرة واحدة مند أن ترشح للانتخابات مسؤولا تنفيذيا في ولاية كنتاكي في السبعينات من القرن الماضي.
وخلال انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأسبوع الماضي، حقق السيناتور ميتش ماكونيل فوزا كبيرا على منافسته الديمقراطية اليسون غرايمز (35 عاما) مسجلا 56 في المائة من الأصوات لصالحة مقابل 41 في المائة لغرايمز، ليصبح بذلك عضو مجلس الشيوخ لـ6 دورات والسيناتور الأطول خدمة في تاريخ ولاية كنتاكي.
وانتصر ماكونيل الرجل العجوز بطيء الحركة، على منافسته الشابة اليسون غرايمز ذات الجمال والكاريزما الطاغية والمتحدثة اللبقة. وكان انتصار ماكونيل مغايرا لكافة الإحصاءات واستطلاعات الرأي التي أكدت قدرة اليسون على الانتصار.
وقد قادت غرايمز حملة شرسة ضد ماكونيل، وشنت حملة إعلانات بمبلغ 50 مليون دولار للهجوم عليه وعلى سياساته، وعقدت 23 مؤتمرا في أنحاء ولاية كنتاكي في الأيام الثلاثة السابقة على الانتخابات مطالبة ماكونيل بالتقاعد، لكنها ارتكبت خطأ عندما رفضت قول ما إذا كانت صوتت لأوباما في الانتخابات الرئاسية عام 2008 أم لا، حيث تشير الإحصاءات إلى انخفاض شعبية أوباما بدرجة كبيرة.
قال الرئيس أوباما معلقا على فوز الحزب الجمهوري بأنه «ليلة عظيمة للجمهوريين» وهي أيضا لحظة عظيمة لميتش ماكونيل الذي أثبت موهبته في تحقيق الانتصارات في الانتخابات، وتطويع الظروف السياسية لصالحه والاقتراب من تحقيق حلم رافقه طوال حياته، وهو أن يكون رئيسا للأغلبية في مجلس الشيوخ.
وقد سخر أوباما في عام 2012 من الحزب الجمهوري ووصفة بأنه «حزب لا» أي أنه حزب يعارض دون أن يملك أفكارا، وتهكم أوباما من الانتقادات لعدم تودده مع أعضاء الكونغرس قائلا: «إنهم يريدونني أن أتناول الشراب مع ميتش ماكونيل!!».
واليوم أصبح على الرئيس أوباما أن يتناول الشراب والغذاء والعشاء مع ميتش ماكونيل وأن يستقبله في البيت الأبيض ويجلس ليتشاور معه ومع بقية قادة الكونغرس حول القضايا المختلفة.
ويقول جون اشبروك المتحدث باسم السيناتور ماكونيل إن السلاح الأقوى في حملة السيناتور الجمهوري كانت زوجته «ايلين تشاو» التي تزوجها عام 1993 وظهرت بجواره في عدد لا يحصى من الإعلانات ووسائل الإعلام والمؤتمرات الانتخابية.
ويقول اشبروك إن تشاو (61 عاما) عقدت 50 مؤتمرا انتخابيا خلال العامين الماضيين لمساندة زوجها وحشد الدعم من الناخبين ونجحت في توفير 30 مليون دولار من التبرعات لدعم ماكونيل، كما قامت بدور البطولة في العديد من الإعلانات للدفاع عن زوجها ضد هجمات منافسته اليسون غرايمز التي اتهمته بأنه معاد للمرأة. وتحدثت تشاو في العديد من الدعايات الانتخابية عن سجل ماكونيل في مساعدة المرأة، وجابت مختلف أنحاء ولاية كنتاكي لحشد الحلفاء السياسيين.
ويضيف اشبروك: «السيناتور ماكونيل كان يعاني من شلل الأطفال في طفولته، مما ترك أثرا يسبب الآلام لظهره، لذا كانت زوجته تشاو تقوم بكثير من مهام التعامل مع الناخبين، وهو أيضا يعاني من صعوبة السمع وعادة لا يسمع ما يقوله الناس إذا كانت الغرفة مزدحمة وصاخبة لذا كانت تشاو تعوض أوجه القصور لدى زوجها».
وتعد إيلين تشاو من الوجوه السياسية البارزة وقد تقلدت منصب وزيرة العمل من عام 2001 إلى 2009 في عهد الرئيس جورج بوش لتصبح أول امرأة أميركية من أصل آسيوي تعين في هذا المنصب. وتملك واحدة من أبرز قصص نجاح المهاجرين حيث هاجرت مع أسرتها من تايوان عندما كانت في الثامنة من عمرها هربا من الثورة الشيوعية في الصين وجاءت إلى الولايات المتحدة عام 1961 على متن سفينة شحن. وحصلت على شهادة البكالوريوس في الاقتصاد ثم ماجستير في إدارة الأعمال من جامعة هارفارد.
وبقدر ما يكره الليبراليون ماكونيل ويعتبرونه شخصا معيقا للعمل، فإن المحافظين أيضا يتشككون فيه ويعتبرونه مستعدا لتقديم التنازلات، وقد برز ذلك خلال عمل ماكونيل مع نائب الرئيس جو بايدن لإبرام اتفاق مالي لتفادي الانهيار الاقتصادي ورفع سقف الدين الأميركي في عام 2013.
ويقول اليك ماكغيليز مراسل صحيفة «واشنطن بوست» السابق، في كتابه الصادر حديثا حول ماكونيل تحت عنوان «المتهكم» (the Cynic) إنه أقوى الجمهوريين داخل ولاية كنتاكي لكنه لا يزال يشكل لغزا ويحتفظ بأوراقه الشخصية بعيدا عن تطفل الباحثين والإعلام وليست لديه اهتمامات خارج الدوائر السياسية.
ويدور الكتاب (140 صفحة) حول بدايات ماكونيل السياسية وأفكاره منذ ترشحه كمسؤول تنفيذي في مقاطعة جيفرسون بولاية كنتاكي عام 1977 وسط منافسة لعدد كبير من المرشحين الديمقراطيين. ويقول ماكغيليز: «في مرحلة ما أدرك ميتش أنه لكي يطول بقاؤه على الساحة السياسية فإن عليه أن يتعامل مع النظام السياسي المثقل بالمصالح المتضاربة ونفوذ المال والمصالح التي تبحث عن الفوز في الانتخابات بدلا من حل مشاكل الناس وأن عليه الفوز بغض النظر عن تكلفة هذا الفوز».
ويقدم ماكغيليز أدلة على ولاء السيناتور ماكونيل لشركات الفحم والشركات الأخرى التي لها صوت عال في واشنطن، بل يذهب الكاتب إلى أن زواج ماكونيل وإيلين تشاو (ابنة أحد كبار رجال الأعمال الصينيين ووزيرة العمل في عهد جورج بوش) ساعد في تدفق التبرعات السخية من رجال الأعمال أصحاب المصالح التجارية الأميركية الصينية.
وخلال عمله زعيما للجمهوريين في مجلس الشيوخ أعلن ماكونيل أن أهم شيء يريد تحقيقه هو أن يكون أوباما رئيسا لفترة ولاية واحدة. ويقول الكاتب إن ماكونيل أتقن معارضة سياسيات أوباما داخل المجلس وعقد الصفقات خلف الكواليس، متمسكا بكل ما يلزم للحفاظ على قبضته على السلطة وتحقيق انتصار آمن في الانتخابات.
ويصف السيناتور الجمهوري السابق غود غريغ شخصية ميتش ماكونيل قائلا: «إنه براغماتي ماهر، بارد الأعصاب مثل لاعب الكوتشينة الذي يترك لك الفرصة أن تلقي بأوراقك معتقدا أنك ستفوز، حتى يأتي الدور عليه فيلقي بأوراقه ويفوز». ويضيف: «هذه البراعة تستدعي صفات مثل القدرة على الالتواء والتلاعب وهدوء الأعصاب».
ويقول العضو الديمقراطي لمجلس النواب عن ولاية كنتاكي جون يارموث: «ميتش ماكونيل كما عرفته لمدة 46 عاما هو نفس الشخص البارد القلب المتعطش للسلطة السياسية، إنه مثل طاحونة الهواء يتجه إلى الاتجاه الذي تسير فيه الرياح، وليس لديه قيم بل يريد أن يكون شيئا ولا يفعل أي شيء».
وتشير حياة ماكونيل المبكرة إلى منعطفات وتحديات تمكن من التغلب عليها، فقد ولد اديسون ميتشل ماكونيل (ميتش ماكونيل) في20 فبراير (شباط) 1942 في مقاطعة شيفيلد بولاية ألاباما، وعانى في طفولته من مرض شلل الأطفال وتمكن من التغلب عليه في شبابه، بفضل والدته التي سعت للحصول على أفضل المشورة الطبية ووضعت برنامجا قاسيا للعلاج الطبيعي.
وفي شبابه، حصل ماكونيل على بكالوريوس في العلوم السياسية عام 1964 وبعد 3 سنوات تخرج من كلية الحقوق بجامعة كنتاكي وتدرب في مكتب السيناتور الجمهوري عن ولاية كنتاكي جون شيرمان كوبر وعمل مساعدا للسيناتور الجمهوري مارلو كوك وانتخب كمسؤول تنفيذي في مقاطعة جيفرسون عام 1977 وأعيد انتخابه عام 1981.
ولم يعرف ماكونيل الهزيمة في أيه انتخابات خاضها منذ بداية حياته، فقد تطلع ماكونيل ليكون عضوا بمجلس الشيوخ الأميركي وفي عام 1984 خاض المنافسة ضد السيناتور الديمقراطي والتر دي هدلستون وفاز ماكونيل بهامش ضئيل بلغ 0.4 في المائة على منافسه. وفي عام 1990 تمكن ماكونيل من إعادة انتخابه والفوز أيضا بفارق ضئيل بلغ 4.4 في المائة. وفي عام 1996 هزم ماكونيل منافسة ستيف باشير بفارق كبير بلغ 12.6 في المائة وفي عام 2002 حقق ماكونيل فوزا كبيرا ضد منافسه لويس كومز وينبرغ بفارق 26.4 في المائة مسجلا أكبر أغلبية لصالح الجمهوريين في تاريخ ولاية كنتاكي. وفاز ماكونيل مرة أخرى في عام 2008 ثم حديثا في انتخابات التجديد النصفي لعام 2014.
أما أفكاره ومواقفه السياسية، فوفقا لصحيفة «نيويورك تايمز» كان ماكونيل في سنواته الأولى كسياسي في ولاية كنتاكي، أكثر ميلا إلى الوسط وفي السنوات اللاحقة اتبع ماكونيل سياسات أكثر تحفظا، وتغيرت آراؤه حول عدد من المواضيع بما في ذلك التخلي عن مواقفه في زيادة الحد الأدنى للأجور التي كان يدعمها في السابق.
فبعد فوزه في انتخابات مجلس الشيوخ لعام 1984 عمل ماكونيل في هندسة قرض من صندوق النقد الدولي لحماية المساعدات الأميركية لمصر وإسرائيل، كما عمل على تشجيع إجراء انتخابات حرة ومعاملة أفضل للمسلمين في ميانمار كمبوديا، لكنه أصبح أكثر تحفظا فيما بعد حول المساعدات الخارجية الأميركية.
وينتمي ماكونيل للطائفة المعمدانية وقد تزوج من شيريل ريدمون وأنجب 3 فتيات ثم وقع الطلاق وتزوج لاحقا من إيلين تشاو عام 1993. وفي عام 2010 اعتبرته مجلة «أوبن سيكريت» واحدا من أغنى أعضاء مجلس الشيوخ بعد الأموال التي تلقاها من والد زوجته جيمس تشاو والتي تقدر ما بين 5 إلى 25 مليون دولار.
وتقدر القيمة الصافية لثروة السيناتور ماكونيل ما بين 9 ملايين دولار و44 مليون دولار في عام 2010 ويحتل المرتبة الـ11 بين أغنى أعضاء مجلس الشيوخ.



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.