السودان يطلب من مجلس الأمن عدم إشراك عسكريين في البعثة الأممية

الخرطوم تتوقع مساعدة في بناء السلام تحت «البند السادس»

TT

السودان يطلب من مجلس الأمن عدم إشراك عسكريين في البعثة الأممية

أبدت الحكومة السودانية عدم رغبتها في «مشاركة أي مكون عسكري أو شرطي» في البعثة الأممية التي كانت الخرطوم قد طلبتها من مجلس الأمن الدولي تحت «البند السادس» لتقديم الدعم الفني والمساعدة في جهود إعادة بناء السلام وترسيخ الديمقراطية في السودان. وأعلنت وزارة الخارجية السودانية تلقيها عبر بعثتها الدائمة لدى الأمم المتحدة، مسودة لقرار من مجلس الأمن الدولي، بخصوص البعثة المختلطة لحفظ السلام في دارفور المعروفة اختصاراً بـ«يوناميد»، والآلية التي ستحل محلها في البلاد. وعقدت وزيرة الخارجية، أسماء محمد عبد الله، اجتماعاً عاجلاً مع طاقم وزارتها، استعرضت فيه المسودة المقدمة من مجلس الأمن الدولي، ومدى تقيد مشروع القرار بثمانية مطالب جاءت في رسالة السودان للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومجلس الأمن الدولي.
وقال وزير الدولة في وزارة الخارجية، عمر قمر الدين، في بيان صحافي أمس، إن التعديلات التي تطالب بها الحكومة الانتقالية على مسودة القرار الأممي، الهدف منها توافقه مع نص الخطاب الذي بعث به رئيس الوزراء عبد الله حمدوك بطلب مساعدات فنية من المنظمة الدولية. وبحسب قمر الدين، فإن المساعدات التي يطالب بها السودان، تشمل تقديم العون في جهود تحقيق السلام بالبلاد، والمساعدة في دعم المؤتمر الاقتصادي المزمع عقده، وعودة اللاجئين والنازحين طوعاً، والمشاركة في عمليات التعداد السكاني، وعقد الانتخابات نهاية الفترة الانتقالية.
وشدد المسؤول، الذي يشغل في الوقت ذاته منصب المتحدث باسم «اللجنة الوطنية العليا للتعامل مع الأمم المتحدة»، على مبدأ السيادة الوطنية في التعامل مع المنظمة الدولية، وحفظ حق البلاد الأصيل في طلب الدعم بصفته عضواً فاعلاً في هيئة الأمم المتحدة. وأوضح أن الطلب يراعي سيادة واستقلال البلاد، «لذا فبرنامج المساعدات المطلوب لا يتضمن أي مكون عسكري أو شرطي، وأن حفظ الأمن والسلم مسؤولية من صميم أعمال الحكومة السودانية». وقال قمر الدين إن وزارته أحالت مسودة القرار إلى كل من مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين، وإن اجتماع طاقهما الدبلوماسي أرسل حزمة مقترحات لبعثته لدى الأمم المتحدة، للتحرك الفوري لإدراج التعديلات في مسودة القرار المرتقب.
وأوضح قمر الدين أن البعثة وفور تلقيها المقترحات دخلت في اجتماعات مكثفة مع الدول الأعضاء في مجلس الأمن، تحت إسناد قيادة الوزارة بإجراء اتصالات مع قيادة الاتحاد الأفريقي، ومخاطبة وكيل الوزارة صديق عبد العزيز لاجتماع مجلس السلم والأمن بشأن القرار. وكثفت الوزارة من متابعاتها لمشاورات مجلس الأمن من أجل إصدار قرار يلبي مطالب الخرطوم الثمانية التي قدمتها نهاية فبراير (شباط) الماضي، إلحاقاً بخطاب رئيس الوزراء للطلب بإنشاء بعثة أممية سياسية تحت البند السادس من ميثاق الأمم المتحدة. (تحت الفصل السادس من الميثاق).
وينتظر أن يصدر مجلس الأمن الدولي نهاية الشهر الحالي قراره بشأن البعثة الجديدة، وما إن كانت ستنشأ وفقاً للفصل السابع الذي يخول استخدام القوة العسكرية، أم البند السادس الذي يقتصر على المساعدات والاستشارات الفنية والسياسية.
وكان حمدوك قد بعث بخطاب للأمم المتحدة يطلب فيه ولاية سياسية لبعثة أممية على السودان، تتضمن تنفيذ الإعلان الدستوري، ودعم مفاوضات السلام الجارية في جوبا، وتقديم مساعدات اقتصادية، والمساعدة في الإصلاحات الدستورية وفي المنظومة القضائية والأجهزة الأمنية، ومعالجة النزاعات، والمساهمة في إعادة دمج وتسريح القوات، وعودة اللاجئين والنازحين، والمساعدة على بناء خطة طويلة المدى تساعد السودان في تحقيق أهداف التنمية المستدامة. بيد أن الخطاب واجه اعتراضات من قبل المكون العسكري وقوى سياسية، على نشر قوات عسكرية في البلاد بمبادرة من رئيس الوزراء، وهو ما أجمعت الحكومة على رفضه، وتم تداركه بخطاب ثانٍ تراجع فيه رئيس الوزراء عن بعض ما جاء في خطابه الأول.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم