الطفرات النادرة تقصر العمر

متغيرات الحامض النووي يمكن أن تؤثر في عملية الشيخوخة

يظهر المخطط البياني عملية النسخ والترجمة من الحامض النووي المنقوص الأكسجين «دي إن إيه» إلى الحامض النووي الريبي «آر إن إيه»، وإلى البروتين وكيفية تكونه
يظهر المخطط البياني عملية النسخ والترجمة من الحامض النووي المنقوص الأكسجين «دي إن إيه» إلى الحامض النووي الريبي «آر إن إيه»، وإلى البروتين وكيفية تكونه
TT

الطفرات النادرة تقصر العمر

يظهر المخطط البياني عملية النسخ والترجمة من الحامض النووي المنقوص الأكسجين «دي إن إيه» إلى الحامض النووي الريبي «آر إن إيه»، وإلى البروتين وكيفية تكونه
يظهر المخطط البياني عملية النسخ والترجمة من الحامض النووي المنقوص الأكسجين «دي إن إيه» إلى الحامض النووي الريبي «آر إن إيه»، وإلى البروتين وكيفية تكونه

اكتشف العلماء حديثا عددا من «الطفرات الفائقة» الموجودة في خلايا الإنسان منذ الولادة، التي من المحتمل أن تحذف سنوات من حياة الشخص.
الجينات والبيئة
ويقدر العلماء أن كلا من متغيرات الحامض النووي هذه، تكون على الأرجح موروثة من الآباء ويمكنها أن تقلل من مدى الحياة بما يصل إلى ستة أشهر. كما يمكن أن تحدد التوليفات المختلفة منها طول عمر الناس حتى قبل إصابتهم بالأمراض المرتبطة بالعمر مثل السرطان والسكري والخرف.
لا تحدد جينات الشخص وحدها عمراً طبيعياً معيناً، إذ يلعب النظام الغذائي والعديد من العوامل الأخرى أدواراً كبيرة أيضاً. وتظهر الدراسات أن متغيرات الحامض النووي يمكن أن تؤثر على عملية الشيخوخة. ويضع علماء الأحياء أقل من ثلث هذا التأثير على الجينات التي يرثها الإنسان. أما مصدر الاختلافات الأخرى في الحامض النووي التي تؤثر على العمر فهي البيئة مثل ضرر أشعة الشمس والتعرض للمواد الكيميائية والأشكال الأخرى من الأذى التي تخلق آلاف الطفرات العشوائية. وتختلف مجموعة كل خلية من، هذه الطفرات البيئية ولا تؤثر معظمها بشكل كبير على عمر الشخص.
طفرات نادرة
يتطلب البحث عن الطفرات النادرة التي توجد في أقل من واحد من كل 10 آلاف شخص، جهداً جماعياً كبيرا. وقد شارك عالم الوراثة في جامعة هارفارد فاديم غلاديشيف وهو أحد كبار المؤلفين المشاركين في الدراسة الجديدة التي نشرت في موقع eLife في أبريل (نيسان) 2020. مع زملائه الأكاديميين وشركة التكنولوجيا الحيوية الروسية في موسكو Gero LLC للبحث في «البنك الحيوي البريطاني» الذي يعتبر قاعدة بيانات عامة تحتوي على الأنماط الجينية لحوالي 500 ألف شخص، مما سهل التحقيق في العلاقة بين علم الوراثة وطول العمر.
ورغم أنه ليس من الممكن حتى الآن دراسة طول العمر بشكل مباشر مع البيانات الموجودة في البنك الحيوي البريطاني لكن العديد من دراسات الارتباط على نطاق الجينوم استخدمت هذه البيانات لدراسة السمات البديلة المتعلقة بفترة الحياة life span مثل العمر الأبوي وصحة الأفراد.
وتعرف فترة الحياة بأنها عدد السنوات التي عاشها الفرد في غياب الأمراض المزمنة الرئيسية. وقد نجحت هذه الدراسات بشكل معقول في تحديد المتغيرات الجينية الجديدة التي تؤثر على عمر الإنسان لكنها لا يمكن أن تفسر سوى 5 بالمائة فقط من وراثة السمات المتعلقة بالعمر.
وعلى نفس الصعيد يقول جورس ديلن الباحث من معهد ماكس بلانك لبيولوجيا الشيخوخة في ألمانيا في دراسة أجريت على أكثر من 40 ألف فرد ونشرت في موقع eLife أيضا في أبريل (نيسان) 2020 إلى أن حمل عدد صغير من المتغيرات الجينية النادرة للغاية يرتبط بعمر أطول.
ومن الممكن أن تكون المتغيرات النادرة قادرة على تفسير ما يسمى أحياناً «التوريث المفقود» missing heritability.
إعاقة عمل الجينات
ويمكن أن يؤثر أحد أنواع المتغيرات الجينية النادرة التي تسمى «متغير اقتطاع البروتين PTVs» بشكل كبير على التعبير الجيني (أي نشاط الجينات في إنتاج البروتين) من خلال تعطيل قراءة التسلسل الجيني للبروتين. وقد قام فريق غلاديشيف بحساب عدد هذه المتغيرات النادرة لاقتطاع البروتين والتي كانت موجودة في جينوم كل فرد، ووجد أنها مرتبطة سلبياً بالصحة والعمر. وهذا ما يشير إلى أن الأفراد الذين لديهم عدد صغير منها هم أكثر احتمالا لحياة أطول وصحه أفضل.
وأما الطفرات الضارة ودورها في الشيخوخة، فقد لاحظ الباحثون أنه في المتوسط يولد كل شخص بستة خيارات مختلفة يمكن أن تقلل من العمر الافتراضي وفترة الحياة وحسبما أفاد الفريق كلما زاد عدد الطفرات زاد احتمال إصابة الشخص بمرض مرتبط بالسن في عمر أصغر أو الموت مبكرا.
وظهر أن الطفرات الضارة النادرة الموروثة والمتراكمة طوال الحياة تساهم في عملية الشيخوخة. ويضيف غلاديشيف أنه ورغم أن التركيبة الدقيقة مهمة، لكن وبشكل عام فإن كل طفرة تقلل ستة أشهر من فترة الحياة، وشهرين من فترة التعافي من الأمراض.
جدل علمي
تعتمد النتائج على ما هو معروف مسبقا عن الشيخوخة والمعروف بمصطلح «جينات العائلة» Family genes. لكن بدلاً من دراسة الطفرات الشائعة الموجودة لدى الأشخاص الذين عاشوا عمراً طويلاً يمكن للباحثين الآن استهداف المتغيرات النادرة الموجودة لدى الجميع. ويأمل غلاديشيف أن تستخدم هذه المعلومات في التجارب السريرية لتصنيف المشاركين حسب طفراتهم بالإضافة إلى أشياء مثل الجنس والعمر الفعلي.
هذه النتائج قد تكون مثيرة للجدل لأنها تقلل من المساهمة الملموسة في الشيخوخة بسبب الطفرات البيئية «الجسدية» المكتسبة طوال الحياة. إضافة إلى أن التغيرات في الهرمونات والتغيرات في التعبير الجيني تأتي أيضاً مع تقدم العمر. وأنها جميعا تساهم في عملية الشيخوخة وليس بسبب أي منها لوحده.
ويتفق جان فيج عالم الوراثة في كلية ألبرت أينشتاين للطب في الولايات المتحدة الذي يدرس دور الطفرات الجسدية في الشيخوخة، مع غلاديشيف رغم قوله إن الطفرات الجسدية يمكن أن تسبب أمراضا مثل سرطان الجلد. وهي تقلل من فترة الحياة. ويضيف أنه قد يكون هناك حد لمدة حياة البشر مستندا على ما نشره سابقا في مجلة «نتشر» حيث وضع الحد الأقصى لطول العمر عند 115 عاماً. لكن الكسيس باتل مهندسة الطب الحيوي في كلية الطب بجامعة جونز هوبكنز في الولايات المتحدة لديها تحفظات هامة على ما جاء به جان فيج، مفادها أن البحث الجديد لم ينظر إلا إلى «الإكسوم» «exome،» وهو 1 في المائة من الجينوم الذي يبني بنشاط البروتينات التي توجه الخلايا، والباقي غير معروف إلى حد كبير رغم أن الأدلة المتزايدة تظهر أنه يمكن أن يؤثر على التعبير الجيني.
وأخيرا ومما تقدم فإننا نستنتج إن المتغيرات الجينية التي تم تحديدها حتى الآن يمكن أن تفسر جزءاً صغيراً فقط من الوراثة لدى البشر، وأن الطفرات الضارة النادرة الموروثة والمتراكمة طوال الحياة تساهم في عملية الشيخوخة.



«إعادة التحريج»... عوائد إيجابية للمجتمعات الأفريقية

دراسة تؤكد زيادة النشاط الاقتصادي في المناطق القريبة من مزارع الأشجار بأفريقيا (رويترز)
دراسة تؤكد زيادة النشاط الاقتصادي في المناطق القريبة من مزارع الأشجار بأفريقيا (رويترز)
TT

«إعادة التحريج»... عوائد إيجابية للمجتمعات الأفريقية

دراسة تؤكد زيادة النشاط الاقتصادي في المناطق القريبة من مزارع الأشجار بأفريقيا (رويترز)
دراسة تؤكد زيادة النشاط الاقتصادي في المناطق القريبة من مزارع الأشجار بأفريقيا (رويترز)

شهدت السنوات الأخيرة تصاعداً ملحوظاً في الاهتمام بمبادرات «إعادة التحريج» بصفتها استراتيجية فعّالة لمواجهة آثار تغيّر المناخ وتحسين سبل معيشة السكان المحليين.

«إعادة التحريج»

تعني «إعادة التحريج»، وفق الأمم المتحدة، استعادة الأراضي التي كانت مغطاة بالغابات من خلال زراعة أشجار جديدة لتعويض الغطاء الحرجي المفقود، بخلاف التشجير الذي يركّز على زراعة أشجار في مناطق لم تكن غابات أصلاً.

وتهدف هذه العملية إلى معالجة تحديات بيئية كبيرة، مثل: التغير المناخي وتآكل التربة، كما تعزّز التنوع البيولوجي، فضلاً عن فوائدها البيئية، مثل تحسين جودة الهواء. وتُسهم «إعادة التحريج» في خلق فرص عمل وتحسين الأمن الغذائي.

ومن أبرز هذه المبادرات «تحدي بون» (Bonn Challenge)، الذي أُطلق عام 2011 بوصفه حملة عالمية، تهدف إلى إعادة تأهيل 350 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة والغابات بحلول عام 2030.

وتشمل هذه المبادرة أساليب متعددة؛ مثل: الزراعة المكثفة لتكوين غابات جديدة لأغراض بيئية أو إنتاجية، والزراعة المختلطة التي تدمج الأشجار مع المحاصيل، أو تربية الحيوانات لزيادة الإنتاجية، بالإضافة إلى التجدد الطبيعي حيث تترك الطبيعة لاستعادة الغابات ذاتياً دون تدخل بشري.

وفي دراسة أُجريت من قِبل فريق بحث دولي من الدنمارك وكندا والولايات المتحدة، تم تحليل تأثير «إعادة التحريج» في تحسين مستويات المعيشة لدى 18 دولة أفريقية، ونُشرت النتائج في عدد 20 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، من دورية «Communications Earth & Environment».

واعتمدت الدراسة على بيانات أكثر من 200 ألف أسرة بين عامي 2000 و2015. واستخدم الباحثون أساليب إحصائية دقيقة لتحديد العلاقة الإيجابية بين إعادة التحريج وتحسّن مستويات المعيشة.

واستندوا إلى مؤشرات متنوعة لقياس الفقر تشمل التعليم والصحة ومستويات المعيشة؛ حيث أظهرت النتائج أن زراعة الأشجار أسهمت بشكل مباشر في تحسين الدخل وتوفير فرص عمل، بالإضافة إلى آثار اقتصادية غير مباشرة. كما أظهرت أن مناطق زراعة الأشجار كان لها تأثير أكبر من مناطق استعادة الغابات الطبيعية في تخفيف حدة الفقر.

يقول الباحث الرئيس للدراسة في قسم علوم الأرض وإدارة الموارد الطبيعية بجامعة كوبنهاغن، الدكتور باوي دن برابر، إن الدراسة تطرح ثلاث آليات رئيسة قد تُسهم في تقليص الفقر، نتيجة لتوسع مزارع الأشجار أو استعادة الغابات.

وأضاف، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن الآليات تتمثّل في توفير الدخل من خلال بيع منتجات الغابات، مثل: المطاط أو زيت النخيل، ما يسمح للأسرة بزيادة مواردها المادية. كما أن زراعة الأشجار قد تؤدي إلى خلق فرص عمل للسكان المحليين، في حين يمكن أن تُسهم مناطق التجديد البيئي في تحسين الظروف البيئية، ما يفيد الأسر المحلية من خلال النباتات والحيوانات التي يمكن بيعها وتوفير دخل إضافي للسكان.

ووفقاً لنتائج الدراسة، هناك مؤشرات من بعض البلدان؛ مثل: أوغندا، وبنين، أظهرت زيادة في النشاط الاقتصادي في المناطق القريبة من مزارع الأشجار مقارنة بتلك التي لا تحتوي عليها.

تأثيرات الاستدامة

كما أشارت الدراسة إلى أن برامج التشجير في أفريقيا التي تهدف إلى استعادة أكثر من 120 مليون هكتار من الأراضي عبر مبادرات، مثل: «السور الأخضر العظيم»، و«الأجندة الأفريقية لاستعادة النظم البيئية»، تمثّل جهداً كبيراً لمكافحة الفقر وتدهور البيئة.

وتُسهم نتائج الدراسة، وفق برابر، في النقاش المستمر حول استدامة تأثيرات زراعة الأشجار في التنوع البيولوجي والمجتمعات المحلية، من خلال تسليط الضوء على الفوائد المحتملة لهذه المبادرات عندما يتمّ تنفيذها بشكل مدروس ومتوازن. كما أظهرت أن مبادرات زراعة الأشجار، مثل «تحدي بون»، يمكن أن تؤدي إلى نتائج إيجابية للمجتمعات المحلية، سواء من حيث تحسين مستوى المعيشة أو تعزيز التنوع البيولوجي.

وتوصي الدراسة بأهمية مشاركة المجتمعات المحلية في هذه المبادرات بصفتها شرطاً أساسياً لضمان استدامتها ونجاحها، فالتفاعل المباشر للمجتمعات مع المشروعات البيئية يزيد من تقبلها وفاعليتها، مما يعزّز فرص نجاحها على المدى الطويل.