مساعي «سائرون» لإقالة رئيس البرلمان العراقي تصطدم بالتوافقات السياسية

غالبية القوى الشيعية والسنية والكردية أحجمت حتى الآن عن دعمها

TT

مساعي «سائرون» لإقالة رئيس البرلمان العراقي تصطدم بالتوافقات السياسية

رغم الاتهامات التي وجهتها كتلة «سائرون» المدعومة من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر لرئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، بتعطيل عمل المجلس من خلال عدم عقد الجلسات، فإن الرد الجاهز والذي يبدو منطقياً للغالبية من أعضاء البرلمان هو أن «كورونا» السبب.
«سائرون» التي لم تعلن كتلة أخرى غيرها، سواء من الكتل المكونة للبيت الشيعي أو الأكراد أو السنة، ماعدا نواب ما بات يعرف بالمناطق المحررة، مساندتها في مسعاها، تبرر ما تريد القيام به بعد عطلة العيد من خلال جمع تواقيع لإقالة الحلبوسي، بعدم وجود حجة مقنعة لعدم استئناف جلسات البرلمان طوال الفترة الماضية.
وتضيف «سائرون» عبر تصريحات لنوابها أن البرلمان تمكن من عقد جلسة حضرها أكثر من 260 نائباً في السادس من الشهر الحالي، للتصويت على حكومة مصطفى الكاظمي.
تحالف القوى العراقية الذي يتزعمه الحلبوسي، والذي بات يشكل كتلة أكبر من «سائرون» في البرلمان، قرر رسمياً تجاهل مطالبات الصدريين بإقالة زعيمهم، من منطلق أنهم لا يريدون فتح جبهة مع «سائرون»، طالما لم يتمكن الصدريون من إقناع كتل أخرى بالمضي معهم باستثناء خصوم الحلبوسي. فخصوم الحلبوسي من نواب المناطق المحررة أنعشت محاولات الصدريين لإقالة الحلبوسي آمالهم، بعد أن فشلوا هم في النيل منه طوال الفترة الماضية.
نواب من «سائرون»، وفي خطوة بدت تراجعية عما كانوا قد أعلنوه من عزم على إقالة الحلبوسي، دعوه إلى تصحيح مساره. وقال النائب عن الكتلة جواد الموسوي، في بيان له، إن «تحالف (سائرون) سيقدم ورقة مطالب إلى السيد الحلبوسي لتصحيح مساره في رئاسة مجلس النواب، وتقويم عمله التشريعي والرقابي، وأداء لجانه النيابية، بعد عيد الفطر المبارك». وأضاف: «سيتم إعطاء سقف زمني لتحقيق هذه المطالب، وبعكسه سيكون لنا كلام آخر». والكلام الآخر المقصود به هو إقالة الحلبوسي التي لا تبدو مستحيلة من الناحية الدستورية، طبقاً لما يقوله الخبير القانوني طارق حرب؛ لكنها غير ممكنة سياسياً، مثلما يقول النائب عن تحالف القوى في البرلمان العراقي محمد الكربولي.
وقال حرب في بيان بشأن دستورية إقالة رئيس البرلمان، إنه «تجوز إقالة رئيس مجلس النواب من منصبه كرئيس بالأغلبية البسيطة»، مبيناً أن «المادة 12- ثانياً، من النظام الداخلي، أجازت لمجلس النواب إقالة رئيس مجلس النواب، ولم تحدد أي سبب، وأكدت ذلك المادة 12- ثامناً من قانون مجلس النواب، رقم 13 لسنة 2018، بالنسبة لإقالة النائب؛ حيث يشمل مصطلح النائب رئيس البرلمان باعتباره نائباً». وأضاف حرب أن إقالة رئيس المجلس تكون بقرار «عبر جلسة يتحقق بها النصاب الدستوري، أي لا بد من حضور 165 نائباً على الأقل، باعتبارهم الأغلبية بالقياس إلى عدد النواب البالغ عددهم 329 نائباً». وبين حرب أنه «إذا كان عدد النواب الحاضرين 165، فإن موافقة 84 كافية لإقالة رئيس مجلس النواب، وإذا كان عدد الحاضرين 200 نائب، فإن تصويت 101 نائب كافٍ لإقالته».
لكن الأمر بالنسبة لتحالف القوى العراقية ليس بهذه البساطة؛ طبقاً لما يراه النائب محمد الكربولي الذي يقول لـ«الشرق الأوسط»، إن «موضوع إقالة رئيس البرلمان أمر يتعلق بالتوافقات السياسية التي تشمل الرئاسات الثلاث، وبالتالي فإن التوافقات التي تجيء بهذا الرئيس أو ذاك هي من تقيله لو أرادت»، مبيناً أن «أي طريق آخر لن ينجح». وحول استئناف جلسات البرلمان، يقول الكربولي إن «هذا الأمر كان بسبب جائحة (كورونا) وهو أمر يعرفه الجميع، وليس بسبب قرار من البرلمان».
لكن القيادي الآخر في تحالف القوى العراقية، رعد الدهلكي، ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، حين عد أن محاولات «سائرون» إقالة الحلبوسي إنما تتعلق بأخذ مكاسب سياسية. وقال الدهلكي في بيان، إن «الغاية من الدعوات والتحركات النيابية لإقالة الحلبوسي هي ليست أكثر من محاولة لأخذ مكاسب سياسية، لا سيما ونحن على وشك اكتمال الكابينة الوزارية لحكومة مصطفى الكاظمي». وأكد الدهلكي أن «الجميع يعلم بأن البرلمان لم يستأنف جلساته بسبب تفشي فيروس (كورونا)»، موضحاً أن «الدعوات بشأن ذلك غير صحيحة، وهي حجة غير مقبولة، والغاية منها استخدامها كورقة ضغط للحصول على مكاسب سياسية، وتمرير بعض المرشحين، وإكمال الكابينة الوزارية».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم