«تركيا إردوغان» تؤجّج الحرب في ليبيا

جسر جوي لنقل الأسلحة تحت ستار مناورات في البحر المتوسط

«تركيا إردوغان» تؤجّج الحرب في ليبيا
TT

«تركيا إردوغان» تؤجّج الحرب في ليبيا

«تركيا إردوغان» تؤجّج الحرب في ليبيا

باتت ليبيا الموضوع الأول المطروح على أجندة الحكومة التركية، برئاسة رجب طيب إردوغان. ووسط انشغال العالم بجائحة «كوفيد - 19» التي استحوذت على الاهتمام، وهبطت بمستوى أداء الحكومات، وجمدت ساحات الحروب، نشطت تركيا في إشعال الحرب الليبية ومواصلة إرسال السلاح والمرتزقة، لدعم رئيس «حكومة الوفاق» فائز السراج وعرقلة تقدم قوات «الجيش الوطني الليبي» باتجاه طرابلس.
وما عادت ليبيا موضوعاً متداولاً فقط في الاجتماعات الاعتيادية لإردوغان مع حكومته واللجنة المركزية لحزب العدالة والتنمية الحاكم، التي ظلت تعقد لأكثر من شهرين عبر الفيديو كونفرنس، بل انتقل الأمر إلى مرحلة أعلى. إذ عقد إردوغان قمة أمنية، مساء الأربعاء الماضي، هي أول اجتماع مباشر مع وزيري الدفاع والخارجية وقادة القوات المسلحة ورئيس جهاز الاستخبارات، وجاءت التطورات الليبية في المقدمة، ومعها التطورات في العراق وسوريا، وخاصة في إدلب.

انعكس حجم الاهتمام الذي توليه تركيا للتطورات في ليبيا، في تصريح للمتحدث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، عمر تشيليك، يوم 5 مايو (أيار) الحالي. وفيه أكد تشيليك أن إردوغان يتابع «شخصياً» التطورات العسكرية في ليبيا، وأن هناك تقدماً كبيراً يتحقق خلال التطورات في ليبيا، بما يتوافق مع الأمن القومي التركي. ولفت المتحدث إلى أن إردوغان شدد على الدعم التركي القوي للتطورات في ليبيا، بما يخدم المصالح القومية، وأن القوات المسلحة التركية تواصل موقفها الحازم بهدف حماية تلك المصالح.
ثم إن إردوغان نفسه ذهب بعيداً جداً، وتحدث قبل ذلك بيوم واحد، عقب اجتماع لحكومته، قائلاً إنه «خلال الأيام المقبلة ستكون هناك أخبار سارة وبشرى لمن يهمه الأمر في ليبيا». وسبقت تصريحات إردوغان بأسبوعين فقط سيطرة قوات «الوفاق» على قاعدة الوطيّة الجوية الاستراتيجية (عقبة بن نافع سابقاً)، التي جرت محاولات كثيرة للسيطرة عليها على مدى الأشهر الماضية، لكنها فشلت، إلى أن دفعت تركيا بأسلحة نوعية عبر جسر جوي. وكشف موقع «إتيمال رادار» المتخصص في رصد حركة الطيران العسكري أن طائرات شحن من طراز «سي 130» حملت أسلحة تركية إلى ليبيا، وأن 12 طائرة «إف 16» تابعة لسلاح الجو التركي قامت بمناورات للتغطية على شحنة الأسلحة، وكاد يقع اشتباك بين المقاتلات اليونانية والتركية مرتين على الأقل، وأن المقاتلات التركية دخلت إلى غرب ليبيا، وشاركت في العمليات العسكرية. ومن جهتها، أصدرت وزارة الدفاع التركية بياناً مختصراً تحدثت فيه عن مناورات جوية وبحرية أجريت يوم 27 مارس (آذار) في التاريخ نفسه الذي أشار فيه الموقع إلى هذه التحركات.

سلاح ومرتزقة

بعدها كشفت تقارير في صحف جنوب أفريقيا، الأسبوع الماضي، عن تصاعد الأصوات المطالبة بتطبيق بريتوريا حظراً كاملاً على بيع الأسلحة إلى تركيا، التي تشحنها بدورها إلى كل من ليبيا وسوريا، ليستخدمها الجيش التركي وميليشيات مسلحة موالية له في كلا البلدين. وتعدّ جنوب أفريقيا إحدى الدول التي تعارض تدخل تركيا في ليبيا، وسبق لرئيسها، سيريل رامافوزا، أن حذّر تركيا من إرسال أسلحة وقوات إلى ليبيا. وكانت تقارير لصحيفة «ديلي مافريك» الجنوب أفريقية كشفت أن كثيراً من طائرات الشحن العسكرية التركية نقلت بعض المعدّات الطبية إلى مدينة كيب تاون، في إطار مكافحة جائحة «كوفيد - 10»، لكنها عادت إلى تركيا تحمل أسلحة وذخائر عسكرية من شركة «راينميتال دينيل مونيتيون»، وذلك على الرغم من أن لوائح الحظر المحلية تسمح فقط بنقل إمدادات الغذاء والدواء. وبموجب التدابير المتخذة في جنوب أفريقيا لمواجهة الجائحة، يُسمح باستخدام النقل الجوي لنقل المواد الضرورية فقط كالإمدادات الطبية والمواد الغذائية، إضافة إلى المواطنين الذين تقطعت بهم السبل خارج البلاد عبر الحدود.
من جانبها، أعلنت وزارة الدفاع التركية عن إرسال طائرة شحن واحدة تحمل مساعدات طبية لجنوب أفريقيا، لكن وسائل إعلام في جنوب أفريقيا ذكرت أن 6 طائرات شحن عسكرية تركية نقلت أسلحة وذخيرة. وتساءل المحلل السياسي شانون إبراهيم، وهو محرّر مجموعة أجنبية لمنصّة وسائل الإعلام المستقلة، في مقال الأحد الماضي: «كيف يمكن السماح لـ6 طائرات شحن عسكرية تركية بدخول البلاد والعودة مليئة بالمعدات العسكرية من جنوب أفريقيا؟»، وقال إن تلك الشحنات أثارت تساؤلات جدّية حول الشفافية في البلاد، وحول أسباب قيام جنوب أفريقيا بمثل هذه المعاملات، بينما تشارك تركيا في عمليات عسكرية في سوريا وليبيا. وحذّر من أن «اللجنة الوطنية لمراقبة الأسلحة التقليدية» في جنوب أفريقيا، فشلت في تفويضها ومهامها بمنع تصدير الأسلحة إلى تركيا، التي من المؤكد أنها تستخدم في مناطق الحرب لأغراض تدميرية.
وإلى جانب السلاح، واصلت تركيا بشكل مكثف خلال الأشهر الأخيرة، عقب توقيع مذكرة التفاهم مع حكومة السراج في مجالي التعاون الأمني والعسكري، وتحديد مناطق النفوذ البحرية، نقل آلاف المرتزقة من مقاتلي الفصائل السورية المسلحة الموالية لها في شمال سوريا إلى ليبيا. يذكر أن «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، ذكر قبل أيام أن تركيا نقلت ما يقرب من 10 آلاف من المرتزقة السوريين، بينهم أطفال تتراوح أعمارهم بين 14 و18 سنة، إلى ليبيا للقتال إلى جانب قوات السراج. وأكد إردوغان في فبراير (شباط) الماضي إرسال تركيا مقاتلين سوريين إلى ليبيا قائلاً: «جنودنا موجودون في ليبيا لدعم الحكومة الشرعية» إلى جانب مقاتلين سوريين.
وأفاد «المرصد» أن تركيا بدأت ترسل أيضاً عناصر مرتزقة أجانب غير السوريين، بعد حدوث تذمر عند بعض الفصائل السورية، ورفض مقاتليها الانتقال إلى ليبيا، على الرغم من الإغراءات التركية، سواء المالية أو منح الجنسية التركية لهم ولعائلاتهم.

قلب الموازين

بدأت أنقرة تتحدث عن دورها في «قلب الموازين العسكرية في ليبيا» بعد التقدم الذي أحرزته قوات «حكومة الوفاق» أخيراً. وهو السيطرة على مدن الساحل الغربي، وصولاً إلى السيطرة على قاعدة الوطية، وبدء الهجوم على ترهونة. وبدا الأمر وكأنه نوع من التفاخر من جانب المسؤولين الأتراك، وفي مقدمتهم وزيرا الدفاع خلوصي أكار والخارجية مولود جاويش أوغلو، اللذان تحثا مراراً خلال الأسبوعين الأخيرين عن «قلب الموازين» العسكرية في ليبيا لصالح «حكومة الوفاق» وضد «الجيش الوطني الليبي»، بقيادة المشير خليفة حفتر.
جاويش أوغلو قال صراحة: «لو لم نحقق التوازن لكانت الحرب قد دخلت طرابلس، وكان يمكنها أن تستمر 10 سنوات أخرى على الأقل». وتكرر هجوم جاويش أوغلو على كل من مصر ودولة الإمارات العربية المتحدة وفرنسا، بشكل خاص. وزادت حدته بعد اجتماع وزراء خارجية مصر والإمارات وفرنسا وقبرص واليونان، عبر الفيديو كونفرنس، الاثنين الماضي، وإصدار بيان يندد بالتدخل العسكري التركي في ليبيا، و«انتهاكاتها التي زعزعت الاستقرار»، فضلاً عن تحركاتها غير القانونية للتنقيب عن النفط والغاز في شرق البحر المتوسط. لكن أنقرة توقفت عن الهجوم على روسيا، التي تقف في صف الدول الداعمة للمشير حفتر، ما أرجعه مراقبون إلى مخاوف تركيا من إغضاب موسكو التي تنسق معها في ملف إدلب السورية. وحاول إردوغان ترسيخ فكرة أنه هو مَن يقوم بإدارة الميدان في ليبيا عبر الاتصالات الهاتفية المتكررة مع السراج حيث اتصل به هاتفياً مرتين في الأسبوع الماضي، آخرهما عشية السيطرة على قاعدة الوطية، فضلاً عن مناقشة التطورات هاتفياً مع كل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. وبعيداً عن مخاطر الانزلاق في مستنقع ليبي، تؤكد المعارضة التركية، أن التدخل العسكري التركي «غير المبرّر» في ليبيا أدى إلى تصعيد التوتر مع مصر والسعودية والإمارات التي تدهورت علاقات تركيا معها خلال السنوات الأخيرة، فضلاً عن الاتحاد الأوروبي.

تحذير أوروبي وأممي

في هذه الأثناء، واصل الاتحاد الأوروبي تحذيراته من تدخل تركيا وقوى أجنبية في الحرب في ليبيا، وقال المنسق الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية بالاتحاد، جوزيب بوريل، الثلاثاء الماضي: «أشعر بالقلق جراء الوضع في ليبيا، وليس سراً أو شيئا جديداً القول إن تركيا وقوى أجنبية أخرى تتدخل في القتال في ليبيا... رغم (عملية برلين) لم يوقف إطلاق النار، بل على العكس من ذلك زاد القتال حدة خلال الأسابيع الماضية، وأنا قلق، ليس فقط بسبب دور تركيا، وإنما بسبب القوى الأجنبية الأخرى التي تتدخل في الحرب الليبية». وأضاف الاتحاد الأوروبي أنه يراقب التصعيد المستمر للعنف في ليبيا، وجدّد الدعوة إلى هدنة، مثلما فعلت الأمم المتحدة عشية بداية رمضان، ووقف القتال في جميع أنحاء ليبيا.
أما خلوصي أكار، وزير الدفاع التركي، فهاجم عملية «إيريني» (السلام باللغة اليونانية) التي أطلقها الاتحاد الأوروبي في 7 مايو (أيار) الحالي لمراقبة ومنع وصول الأسلحة إلى ليبيا، معتبراً أن الهدف منها هو دعم حفتر. وعلى المنوال ذاته، انتقدت حكومة السراج العملية الأوروبية. وردّ بوريل بأن مهمة «إيريني» هي وسيلة للسيطرة عن طريقي البحر والجو على حركة الأسلحة لتنفيذ حظر الأسلحة المفروض على ليبيا، بناء على قرار الأمم المتحدة، مشدداً على أن المهمة ليست ضد جهة معينة.
الأمم المتحدة حذّرت بدورها من أن التدفق «الهائل» للأسلحة والمرتزقة سيتسبب في توسيع وإطالة أمد الحرب الدائرة في ليبيا. وقالت ستيفاني ويليامز، رئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، في إحاطة خلال جلسة لمجلس الأمن حول ليبيا عقدت عبر دائرة تلفزيونية، الثلاثاء الماضي، إن «ما نشهده من التدفق الهائل للأسلحة والمعدات والمرتزقة، يجعل الاستنتاج الوحيد الذي يمكننا استخلاصه هو أن هذه الحرب ستشتد وستتسع وستتعمق أكثر».

أطماع النفط والثروة

تضغط تركيا لتسريع سيطرة قوات «الوفاق» المتهمة بأنها آيديولوجيا قريبة من تنظيم «الإخوان» الذي يهلل للدور التركي في ليبيا، حتى تطلق الشق الآخر من أهدافها من التدخل العسكري لدعم السراج، وهو المتعلق بالنفط والغاز. وكشف وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي، فاتح دونماز، عن تقدم شركة النفط الوطنية التركية بطلب إلى حكومة السراج لبدء التنقيب عن النفط والغاز قبالة سواحل ليبيا، بموجب مذكرة التفاهم بين الجانبين الموقعة في إسطنبول في 27 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. ولقد حدد دونماز تاريخ بدء عمليات التنقيب التي ستقوم بها السفينة التركية «فاتح» بيوليو (تموز) المقبل.
هذا، وكان إردوغان أكد عقب توقيع هذه المذكرة أنه لا أحد بعد ذلك سيستطيع التحرك في المنطقة من دون موافقة تركيا، وكرر في تصريحات، يوم الاثنين الماضي، أن أي مشروع سياسي أو اقتصادي بالمنطقة يستبعد تركيا مصيره الفشل، و«أدعو كل من ينهج سياسة دعم معارضي تركيا من سوريا إلى ليبيا لمراجعة سياستهم في أقرب وقت... لا وجود لفرصة نجاح أي مشروع أو خطة أو تجمع اقتصادي وسياسي بالمنطقة والعالم، تستبعد تركيا منه، وتمكن رؤية هذه الحقيقة من البلقان إلى البحر المتوسط ومن شمال أفريقيا إلى جنوبها».
وحقاً، أكد مراقبون أن التفاهمات بين إردوغان والسراج فحواها حصول «حكومة الوفاق» على الدعم السياسي والعسكري التركي، وفي المقابل مساعدة تركيا على تحقيق أهدافها في ملف الطاقة في شرق البحر المتوسط. كذلك تسعى أنقرة للحفاظ على مصالحها الاقتصادية في ليبيا، وبخاصة في قطاع البناء، إذ ستكون مهددة في حال انتصار حفتر.
وللعلم، لدى المقاولين الأتراك مشروعات في ليبيا تصل قيمتها إلى 28.9 مليار دولار، ولعل هذا هو الهدف الحقيقي وراء الدعم التركي الكبير لحكومة فائز السراج، وخلال الأشهر الأخيرة، وصلت المحادثات التركية الليبية بشأن الجوانب الاقتصادية إلى ذروتها، قبل أن تعطلها معركة طرابلس التي أعلنها الجيش الليبي، لاستعادة العاصمة من قبضة حكومة السراج والميليشيات الموالية لها. وفي فبراير الماضي، قبل إعلان الجيش انطلاق معركة تحرير طرابلس، اتفقت مجموعة عمل تركية ليبية لمقاولين على استكمال المشروعات غير المنتهية للشركات التركية في ليبيا.
ويشكل البعدان الاقتصادي والآيديولوجي دافعين أساسيين لحكومة العدالة والتنمية، برئاسة إردوغان، في غالبية تدخلاتها في شؤون الدول العربية ومنطقة الشرق الأوسط، وقد يفهم البعض دوافع تركيا للتدخل في سوريا أو العراق، لجهة الحدود المشتركة التي تجمع البلدين، لكن ليبيا التي تبعد آلاف الكيلومترات عن الأراضي التركية، تؤكد أطماع «تركيا إردوغان» في المنطقة، والتي يرمز إليها بـ«العثمانية الجديدة».


مقالات ذات صلة

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

حصاد الأسبوع تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني

براكريتي غوبتا (نيودلهي (الهند))
حصاد الأسبوع تشون دو - هوان (رويترز)

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
حصاد الأسبوع الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

شرق السودان... نار تحت الرماد

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق

أحمد يونس (كمبالا (أوغندا))
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

اختارت مجلة تايم الأميركية دونالد ترمب الذي انتخب لولاية ثانية على رأس الولايات المتحدة شخصية العام 2024.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
حصاد الأسبوع شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت

فاضل النشمي (بغداد)

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.