قوات «فجر ليبيا» تعترف بخسارتها مدينة ككلة الاستراتيجية غرب طرابلس

مقربون من اللواء حفتر لـ(«الشرق الأوسط»): لا صحة لوجود مفاوضات سرية مع المتطرفين في بنغازي

قوات موالية للواء خليفة حفتر قائد «عملية الكرامة» التي تشنها قوات الجيش الليبي في بنغازي أمس (رويترز)
قوات موالية للواء خليفة حفتر قائد «عملية الكرامة» التي تشنها قوات الجيش الليبي في بنغازي أمس (رويترز)
TT

قوات «فجر ليبيا» تعترف بخسارتها مدينة ككلة الاستراتيجية غرب طرابلس

قوات موالية للواء خليفة حفتر قائد «عملية الكرامة» التي تشنها قوات الجيش الليبي في بنغازي أمس (رويترز)
قوات موالية للواء خليفة حفتر قائد «عملية الكرامة» التي تشنها قوات الجيش الليبي في بنغازي أمس (رويترز)

بينما نفى مسؤول مقرب من اللواء خليفة حفتر قائد «عملية الكرامة» التي تشنها قوات الجيش الليبي ضد المتطرفين في ليبيا، وجود أي مفاوضات سرية بين اللواء حفتر والجماعات المتطرفة في بنغازي، أعلن مجلس النواب الليبي أنه ليس في حاجة إلى الاعتراف مجددا بشرعية العملية العسكرية التي يشنها حفتر منذ شهر مايو (أيار) الماضي ضد المتطرفين والإرهابيين في شرق البلاد.
وأثار أمس علي التكبالي عضو مجلس النواب عن العاصمة طرابلس جدلا واسعا بعدما لمح عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» إلى بيان لمن وصفهم بـ«الثوار» في بنغازي، يتنصلون فيه من «أنصار الشريعة»، ويعلنون فيه تسليم سلاحهم مقابل عفو عام، على حد زعمه.
لكن مصادر مقربة من اللواء حفتر نفت وجود أي مفاوضات سرية مع الجماعات المتطرفة، وقالت في المقابل إن أعضاء هذه الجماعات رفضوا في السابق كل النداءات التي أطلقها حفتر ودعاهم خلالها لإلقاء السلاح وتجاهلوها تماما.
وقال ناطق باسم الجيش الليبي إنه لا صحة على الإطلاق لحدوث أي اجتماعات سرية بين قادة الجماعات الإرهابية وأي من المسؤولين العسكريين في الجيش، مشيرا إلى أن المتطرفين ليسوا بحاجة سوى إلى إلقاء السلاح ورفع الراية البيضاء والاستسلام لقوات الجيش الليبي لتقديمهم لمحاكمات عادلة ونزيهة.
كما سخر الناطق من إعلان المكتب الإعلامي لـ«عملية فجر ليبيا» تسلم مكتب المباحث الجنائية العامة تكليفا رسميا من مكتب النائب العام يقضي بإلقاء القبض على اللواء خليفة حفتر وقائد سلاح الطيران الليبي العميد صقر الجروشي، بالإضافة إلى محمد حجازي الناطق السابق باسم «عملية الكرامة»، وإحالتهم لمكتب النائب العام لمباشرة التحقيق معهم في جرائم حرب وإبادة المدن الآمنة. وقال إن الجيش الليبي لا يعتد بمثل هذه القرارات التي تصدر عن جهات غير شرعية ولا تمثل الشعب الليبي بأي حال من الأحوال.
وقبل إطلاق «فجر ليبيا» مزاعمها، سرب أعضاء في البرلمان معلومات عن أنهم أقروا الأسبوع الماضي قرارا يقضي بإعادة حفتر من جديد للخدمة العسكرية بالجيش.
وقال مسؤول ليبي إن مجلس النواب لم يكن في حاجة إلى صدور مثل هذا القرار، مشيرا إلى أن المجلس أصدر بيانا بخصوص «عملية الكرامة» في 17 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي قال فيه إن هذه العملية عملية عسكرية شرعية تابعة لرئاسة الأركان والحكومة الليبية المؤقتة وتستمد شرعيتها من الشعب الليبي.
ودعا المجلس في بيانه أيضا المجتمع الدولي إلى اتخاذ موقف صريح وعلني من الحرب على الإرهاب في ليبيا التي يخوضها الجيش تحت اسم «عملية الكرامة» بقيادة حفتر، وفق ما سماها «آلية قانونية محلية لا نسمح ولا نقبل أي تدخل دولي فيها».
إلى ذلك، اعترفت قوات ما يسمى «عملية فجر ليبيا» بسقوط مدينة ككلة التي تبعد نحو 80 كيلومترا جنوب غربي العاصمة طرابلس في أيدي قوات الجيش الليبي وميليشيات الزنتان وما يسمى «جيش القبائل» المتحالف معها.
وزعم مكتبها الإعلامي في بيان بث عبر صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي أن قوات «فجر ليبيا» اضطرت على الأثر للانسحاب من مواقعها داخل أغلب أحياء المدينة حفاظا على سلامة الأفراد ولسحب العتاد. واعتبرت أن سقوط ككلة «مؤشر خطير جدا على حجم التآمر على ثورتنا وبلادنا وقادتنا الأنقياء الأحرار الذين يراد لهم السقوط في مهدهم»، معتبرة أن «كل ما ترونه من تباطؤ في أداء العمل العسكري طيلة الفترة الماضية الذي تسبب في نهايته بسقوط مدينة ككلة هو نتيجة لتخاذل بعض ممن حسبوا على (عملية فجر ليبيا)، والذين تآمروا عليها من داخلها من أجل الكراسي والمناصب».
ووضعت سقوط ككلة في إطار ما وصفته بحملة شرسة لإسقاط عمر الحاسي رئيس ما يسمى بحكومة الإنقاذ الوطني.
وتسيطر «قوات فجر ليبيا»، المؤلفة من عناصر إسلامية وثوار من مدينة مصراتة (شرق طرابلس)، على العاصمة منذ طرد ثوار الزنتان منها بعد معارك عنيفة استمرت أكثر من 45 يوما وخلفت 250 قتيلا وأكثر من ألف جريح. ومنذ مطلع شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تدور اشتباكات عنيفة بين قوات «فجر ليبيا» وثوار الزنتان وجيش القبائل، للسيطرة على ككلة، وهي بلدة استراتيجية متاخمة للزنتان، وتعد نقطة عبور.
من جهة أخرى، أعلن مجلس النواب الليبي إقالة رئيس ديوان المحاسبة خالد شكشك، أحد أبرز قيادات حزب العدالة والبناء، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، حيث أعلن فرج أبو هاشم المتحدث الرسمي باسم المجلس أن القرار تم اتخاذه خلال جلسة عقدها البرلمان مساء أول من أمس بمقره المؤقت في مدينة طبرق بأقصى شرق البلاد، مشيرا إلى أنه سيتم اختيار أحد المرشحين لشغل المنصب لاحقا مطلع الشهر المقبل.
وكان شكشك قد أمر في سبتمبر (أيلول) الماضي، بتجميد أرصدة المؤسسات العامة والسيادية للدولة، وكذلك إيقاف الصرف أو التحويل من الحسابات المصرفية الخاضعة لرقابة الديوان، والمتمثلة في مجلس الوزراء والوزارات وكل الهيئات والمصالح والمؤسسات والأجهزة العامة والمكاتب التابعة للدولة وما في حكمها.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.