انسحاب عباس من الاتفاقات مع إسرائيل يواجه آليات معقدة

يحتاج إلى قرارات تفصيلية قد تنهي السلطة

حديث جانبي بين عباس وأشتية في اجتماع القيادات الفلسطينية ليل أول من أمس (أ.ف.ب)
حديث جانبي بين عباس وأشتية في اجتماع القيادات الفلسطينية ليل أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

انسحاب عباس من الاتفاقات مع إسرائيل يواجه آليات معقدة

حديث جانبي بين عباس وأشتية في اجتماع القيادات الفلسطينية ليل أول من أمس (أ.ف.ب)
حديث جانبي بين عباس وأشتية في اجتماع القيادات الفلسطينية ليل أول من أمس (أ.ف.ب)

يختبر التطبيق على الأرض، إعلان الرئيس الفلسطيني محمود عباس التحلل من كافة الاتفاقات مع إسرائيل والولايات المتحدة، لأن تطبيق هذه الجملة القصيرة معقد ومكلف للغاية.
ورغم أن مسؤولين فلسطينيين في منظمة التحرير قالوا إن التطبيق بدأ فورياً، لكن على الأرض لا توجد توقعات بتغييرات سريعة، ناهيك عن أن البعض يرى في الإعلان مناورة جديدة ما لم تلحقها قرارات تفصيلية. ويبدو أن السلطة الفلسطينية بدأت حملة دولية لإقناع العالم بمسببات قرارها والتفاصيل المتوقعة، قبل البدء في التطبيق العملي، ويمثل هذا ما يشبه «إنذاراً أخيراً» للعالم.
وأجرى أمس الرئيس الفلسطيني مكالمة هاتفية مع أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، واطلعه على مسببات قرار القيادة بالانسحاب من كل الاتفاقات الموقعة مع قوة الاحتلال. وقال مكتب عباس، إن الرئيس سيواصل اتصالاته كل المستويات مع القيادات العربية والدولية والأممية لإطلاع جميع دول العالم على فحوى هذه الخطوة وحشد مواقف دولية قوية ضد قرار الضم.
كما اتصل أمين سر اللجنة التنفيذية صائب عريقات، مع وزير الدولة الألماني للشؤون الخارجية ميغال بيرغر، ووزير خارجية الفاتيكان المطران بول كاليغر، وأجرى معهم مباحثات متعلقة بالقرارات الفلسطينية، فيما هاتف رئيس الوزراء الفلسطيني محمد أشتية، وزيرة خارجية النرويج إيني إريكسون. وقال عريقات إن قرار القيادة بأن تكون في حل من التزاماتها مع الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأميركية، دخل حيز التنفيذ بشكل فوري وبمجرد انتهاء خطاب الرئيس محمود عباس وإعلانه عن القرار.
وهذا الموقف أكده مسؤولون بارزون آخرون بينهم عضو اللجنتين التنفيذية لمنظمة التحرير والمركزية لحركة فتح عزام الأحمد، الذي قال إن اتفاق أوسلو وكل ما يترتب عليه، أصبح في خبر كان، بما فيه التنسيق الأمني واتفاق باريس. ويعني إنهاء أوسلو وملاحقها، عملياً، «انتهاء السلطة الفلسطينية»، لكن لا يبدو أن ذلك هو الطريق التي تسير فيه السلطة الآن.
وقالت مصادر مسؤولة لـ«الشرق الأوسط»، إن الإعلان الكبير ستتبعه اجتماعات تفصيلية لبحث كيفية تنفيذه، وسيكون ذلك بالتدرج وليس سريعاً، إذ لا يمكن القفز في الهواء. وعقد رئيس الوزراء الفلسطيني اجتماعاً طارئاً أمس لحكومته من أجل بحث الاتفاقات مع إسرائيل وكيفية التفكك منها. وسيجتمع أيضاً مع الأجهزة الأمنية الفلسطينية لبحث الاتفاقات الأمنية، فيما تجتمع مركزية حركة فتح اليوم لدراسة الإعلان وتطبيقه وتبعاته. وقال أشتية: «قررنا الانفكاك من كل اتفاق مع إسرائيل لأنها أعلنت في العديد من المناسبات بأنها ستضم أجزاء من الضفة الغربية، الأمر الذي يلغي كافة الاتفاقيات الموقعة وينهي حل الدولتين». وأشار أشتية إلى إجراء سلسلة من الاتصالات الداخلية لبحث تنفيذ القرار السياسي بوقف الاتفاقيات مع الجانب الإسرائيلي، إضافة إلى إجراء سلسلة من الاتصالات واللقاءات مع العديد من ممثلي الدول والبعثات الدبلوماسية العربية. وتستند السلطة إلى رأي استشاري في خطوتها هذه. وأكد وزير العدل محمد شلالدة، أنه واستناداً لما أكده القضاء الدولي في الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية، فإن من حق دولة فلسطين أن تقوم بإلغاء اتفاقية أوسلو، باعتبار أن الاتفاقية التي أنشأت السلطة الوطنية لا تنتقص من الأهلية القانونية لدولة فلسطين ومنظمة التحرير اللتين وقعتا الاتفاقية نيابة عن الشعب الفلسطيني. وأضاف، أن اتفاقية فينا تمنح الحق للطرف المتضرر الرد، وأن إخلال السلطة القائمة بالاحتلال، باتفاق أوسلو وعدم الوفاء بالتزاماتها، يمنح فلسطين حق الرد على ما يضر بالمصلحة العامة للشعب الفلسطيني ويمس بالسيادة الفلسطينية على أراضيها.
لكن من غير المعروف كيف يمكن التحلل من الاتفاقات مع بقاء السلطة على الأرض، إذ تشتري السلطة من إسرائيل أو عبرها، كل شيء، بما في ذلك الماء والكهرباء والوقود والمواد المختلفة، كما أنها تحتاج إلى تنسيق أمني ومدني من أجل خدمة مصالح الفلسطينيين وتحركهم وسفرهم.
ورفض عباس الإجابة عن أسئلة كهذه في الاجتماع الذي أعلن فيه خطواته. وعلى الهيئات القيادية الآن حسم عدة مسائل جوهرية تتعلق بوضع الاعتراف السابق بإسرائيل، ومصير التنسيق الأمني على الأرض، والعلاقة الاقتصادية، كذلك، وإمكانية مد الولاية القانونية والسياسية والسيادية لدولة فلسطين على كامل الأراضي الفلسطينية، واسترداد سجل السكان والأراضي من الإدارة المدنية للاحتلال، ومقاطعتها.
ويجعل تحكم إسرائيل بكل مفاصل الحياة الفلسطينية، من تطبيق القرارات مسألة معقدة للغاية. وطرح المحلل السياسي هاني المصري من رام الله، تساؤلاً حول: «ماذا يعني أننا بحل من الاتفاقات والعلاقات، من دون آليات وإجراءات ملموسة وواضحة وفورية؟» وأضاف في منشور على صفحته على «فيسبوك»: «هل يعني حل السلطة التي استندت إلى هذه الاتفاقات، أم تغييرها أم بقاءها كما هي، أم تعايشها مع الواقع الاستعماري الاستيطاني الجديد وترويضها أكثر؟ وهل يعني (ذلك) سحب الاعتراف بإسرائيل، ووقف التنسيق الأمني والاجتماعات الأمنية، وإلغاء بروتوكول باريس؟ وماذا عن أموال المقاصة، والقرض الذي اتفق عليه مؤخراً؟»
وأردف: «باختصار إذا لم نشهد إجراءات جديدة بدءاً من الغد، فهذا يعني عدم مغادرة مربع الانتظار والمراوحة في نفس المكان».



أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
TT

أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)

دفعت الأحداث المتسارعة التي شهدتها سوريا الحوثيين إلى إطلاق العشرات من المعتقلين على ذمة التخطيط للاحتفال بالذكرى السنوية لإسقاط أسلافهم في شمال اليمن، في خطوة تؤكد المصادر أنها تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية ومواجهة الدعوات لاستنساخ التجربة السورية في تحرير صنعاء.

وذكرت مصادر سياسية في إب وصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن الحوثيين أطلقوا دفعة جديدة من المعتقلين المنحدرين من محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) بعد مضي ثلاثة أشهر على اعتقالهم بتهمة الدعوة للاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بنظام حكم الإمامة في شمال البلاد عام 1962.

الكثيري والحذيفي بعد ساعات من إطلاق سراحهما من المعتقل الحوثي (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن معتقلين آخرين من صنعاء تم إطلاق سراحهم أيضاً، ورأت أن هذه الخطوة تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية على إثر انكشاف حجم الجرائم التي ظهرت في سجون النظام السوري، الذي كان حليفاً للحوثيين.

وبحسب هذه المصادر، تم إطلاق سراح محمد الكثيري، وهو أول المعتقلين في محافظة إب، ومعه الناشط الحوثي سابقاً رداد الحذيفي، كما أُطلق سراح المراهق أمجد مرعي، والكاتب سعيد الحيمي، والطيار الحربي مقبل الكوكباني، مع مجموعة من المعتقلين الذين تم نقلهم إلى السجون السرية لمخابرات الحوثيين في صنعاء.

وتوقعت المصادر أن يقوم الحوثيون خلال الأيام المقبلة بإطلاق دفعة من قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» الذين اعتقلوا للأسباب ذاتها.

امتصاص النقمة

كان الحوثيون، وفقاً للمصادر السياسية، يرفضون حتى وقت قريب إطلاق سراح المعتقلين الذين يُقدر عددهم بالمئات، وأغلبهم من محافظة إب، ومن بينهم قيادات في جناح حزب «المؤتمر الشعبي»، أمضوا أكثر من ثلاثة أشهر في المعتقل واتُهموا بالتخطيط لإشاعة الفوضى في مناطق حكم الجماعة من خلال دعوة السكان للاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم الإمامة.

تعنت حوثي بشأن إطلاق سراح قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن الجهود التي بذلتها قيادة جناح حزب «المؤتمر» المتحالف شكليّاً مع الحوثيين، وكذلك الناشطون والمثقفون والشخصيات الاجتماعية، وصلت إلى طريق مسدود بسبب رفض مخابرات الحوثيين الاستجابة لطلب إطلاق سراح هؤلاء المعتقلين، على الرغم أنه لا يوجد نص قانوني يجرم الاحتفال بذكرى الثورة (26 سبتمبر 1962) أو رفع العلم الوطني، فضلاً عن أن الجماعة فشلت في إثبات أي تهمة على المعتقلين عدا منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو للاحتفال بالمناسبة ورفع الأعلام.

وتذكر المصادر أنه عقب الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد وانكشاف حجم الانتهاكات والجرائم التي كانت تُمارس في سجونه، ووسط دعوات من أنصار الحكومة المعترف بها دولياً لإسقاط حكم الحوثيين على غرار ما حدث في سوريا وتفكك المحور الإيراني في المنطقة، سارعت الجماعة إلى ترتيب إطلاق الدفعات الجديدة من المعتقلين من خلال تكليف محافظي المحافظات باستلامهم والالتزام نيابة عنهم بعدم الاحتفال بذكرى الإطاحة بالإمامة أو رفع العلم الوطني، في مسعى لامتصاص النقمة الشعبية وتحسين صورتها أمام الرأي العام.

مراهق أمضى 3 أشهر في المعتقل الحوثي بسبب رفع العلم اليمني (إعلام محلي)

ورغم انقسام اليمنيين بشأن التوجهات الدينية للحكام الجدد في سوريا، أجمعت النخب اليمنية على المطالبة بتكرار سيناريو سقوط دمشق في بلادهم، وانتزاع العاصمة المختطفة صنعاء من يد الحوثيين، بوصفهم أحد مكونات المحور التابع لإيران.

وخلافاً لحالة التوجس التي يعيشها الحوثيون ومخاوفهم من أن يكونوا الهدف المقبل، أظهر قطاع عريض من اليمنيين، سواء في الشوارع أو على مواقع التواصل الاجتماعي، ارتياحاً للإطاحة بنظام الحكم في سوريا، ورأوا أن ذلك يزيد من الآمال بقرب إنهاء سيطرة الحوثيين على أجزاء من شمال البلاد، ودعوا الحكومة إلى استغلال هذا المناخ والتفاعل الشعبي للهجوم على مناطق سيطرة الحوثيين.