معاناة عاملات أجنبيات في لبنان جراء ظروف اقتصادية صعبة

عاملات من إثيوبيا أمام مقر سفارتهن في بيروت (أ.ف.ب)
عاملات من إثيوبيا أمام مقر سفارتهن في بيروت (أ.ف.ب)
TT

معاناة عاملات أجنبيات في لبنان جراء ظروف اقتصادية صعبة

عاملات من إثيوبيا أمام مقر سفارتهن في بيروت (أ.ف.ب)
عاملات من إثيوبيا أمام مقر سفارتهن في بيروت (أ.ف.ب)

بعد أسبوع على طردها من منزل مشغليها، بلا جواز سفر أو راتب، لا ترغب العاملة الإثيوبية صوفيا اليوم بأكثر من العودة إلى بلدها، مع بدء لبنان تسيير رحلات لإعادة العمال المتضررين من الأزمة الاقتصادية.
وتروي صوفيا بينما كانت تنتظر أمام قنصلية بلادها قرب بيروت بحزن شديد لوكالة الصحافة الفرنسية أن مخدومتها «فتحت باب المنزل ورمتني خارجاً»، من دون أن تمنحها راتبها المستحق لها «منذ ستة أشهر ونصف».
وتضيف السيدة الهزيلة البنية وهي أم لطفلتين لم تلتق بهما منذ نحو ثلاث سنوات: «أريد فقط الآن أن أسافر إلى إثيوبيا».

ويشهد لبنان منذ نهاية الصيف انهياراً اقتصادياً متسارعاً هو الأسوأ منذ عقود. ويتزامن مع شحّ في الدولار وقيود مصرفية مشددة على سحبه، مما جعل شريحة واسعة من اللبنانيين الذين يستقدمون عمالاً أجانب للخدمة المنزلية أو لمؤسساتهم، عاجزين عن دفع الرواتب بالدولار. وبات بعضهم يدفع بالليرة اللبنانية التي تدهورت قيمتها وبات تحويلها إلى الدولار عملية خاسرة للعمال الذين يرسلون الأموال إلى عائلاتهم.
وبحسب ناشطين ومجموعات مدافعة عن حقوق العمال الأجانب، تكررت مؤخراً ظاهرة تسريح العاملات أو إعادتهن إلى المكاتب التي استقدموهم عبرها مع العجز عن دفع رواتبهم حتى بالعملة المحلية، وبعد فقدان عشرات الآلاف من اللبنانيين عملهم أو جزءاً من رواتبهم.
ويبدأ لبنان الأربعاء تسيير رحلات «عودة طوعية» للعمال الأجانب المتضررين جراء الأزمة إلى بلدانهم بالتنسيق مع سفارات بلادهم. وتنقل أولى الرحلات رعايا إثيوبيين ومصريين.

أمام القنصلية الإثيوبية، تجمّعت عشرات العاملات الاثنين، بعضهن مع أرباب عملهن، في محاولة لحجز مقعد في طائرة الأربعاء. إلا أن قوات الأمن أبعدت الجميع عن الباب وطلبت منهم العودة بعد تسعة أيام، وأعلنت أن على أرباب العمل دفع تذاكر سفر العاملات.
وتقول إيفا عوض التي رافقت عاملتها الإثيوبية لوكالة الصحافة الفرنسية: «لم يعد بإمكاننا تأمين الدولار وعليها أن تسافر إلى بلدها».
على بعد أمتار، كانت عاملة إثيوبية تبكي قرب حقيبتها. وتقول إنها لم تقبض راتبها منذ نصف عام ولا تملك جواز سفرها بعدما طردها مخدوموها وليس لديها أي مكان تلجأ إليه. وكانت تأمل في البقاء في قنصلية بلادها، إلا أنّ المركز المخصص لاستضافة الرعايا الإثيوبيين بات مكتظاً، وفق عنصر أمن، ولن يتوفر فيه أي مكان حتى مغادرة أولى الطائرات اليوم.
ويعيش في لبنان أكثر من 250 ألفاً من عمال الخدمة المنزلية، بينهم أكثر من 186 ألف امرأة يحملن تصاريح عمل تتحدر غالبيتهن العظمى من إثيوبيا، بالإضافة إلى الفلبين وبنغلاديش وسريلانكا وسواها.
وغالباً ما تندّد منظمات حقوقية بنظام الكفالة المتبع في لبنان والذي يمنح أصحاب العمل «سيطرة شبه كاملة» على حياة عاملات المنازل المهاجرات، ويجعلهن عرضة لكل أشكال الاستغلال وسوء المعاملة مقابل رواتب ضئيلة تتراوح بين 150 دولاراً و400 دولار. ويعادل المبلغ الأخير حالياً وفق سعر صرف السوق السوداء، راتب موظف في القطاع العام تقريباً.

وفاقمت الأزمة الاقتصاديّة ثم إجراءات الإغلاق التي اتُخذت لمنع انتشار فيروس كورونا المستجدّ من معاناة اللبنانيين والعمال الأجانب على حد سواء.
وازدادت مؤخراً الشكاوى المقدمة من عاملات وجدن أنفسهن محجورات مع العائلات المشغلة لهن. وانتشر قبل نحو أسبوعين شريط مصوّر يظهر اعتصام عمال جمع القمامة داخل باحة شركتهم للمطالبة بالحصول على رواتبهم بالدولار.
وتقول إحدى الناشطات في حملة «هذا هو لبنان»، المدافعة عن حقوق العاملات لوكالة الصحافة الفرنسية: «بلغ مستوى اليأس حدّه الأقصى. نلاحظ ارتفاعاً كبيراً في عدد الاتصالات التي نتلقاها بشأن عدم الحصول على الرواتب».
وأثار نشر شخصين، أوقف أحدهما في وقت لاحق، في الأسابيع الأخيرة إعلاناً عن «بيع» عاملة في الخدمة المنزلية امتعاض ناشطين وحقوقيين. وحذّرت وزارة العمل من نشر إعلانات مماثلة تحت طائلة الملاحقة «بجرم الاتجار بالبشر».
ويوضح رئيس نقابة أصحاب مكاتب استقدام العاملات في الخدمة المنزلية علي الأمين لوكالة الصحافة الفرنسية أنّ النقابة تتلقى اتصالات متزايدة من مشغلين غير قادرين على الدفع بالدولار. ويقول «دخل الموظفين لدى الدولة اللبنانية بالليرة اللبنانية، ووضعهم لم يعد يحتمل»، لكنه يؤكد في الوقت ذاته «إذا كان الاتفاق بالدولار، فعلى الناس أن يدفعوا للعاملة حقها».

ويعفي الأمن العام من انتهت إقاماتهم منذ نوفمبر (تشرين الثاني) من تسديد الغرامات، وفق مصدر أمني.
وتروي صوفيا أنها التقت في الشارع بعد أن طردها مشغلوها ولم تأخذ معها شيئاً من أغراضها أو ملابسها، آلا (29 عاماً) التي أقنعت ربّ عملها اللبناني بإيوائها.
وتقول آلا: «هناك ناس جيدون جداً، يدفعون تكلفة سفرك ويعاملونك على أنك فرد من العائلة».
وتؤوي مؤسسة «إنيا لينيا» غير الحكومية التي أسّستها عاملات مهاجرات بينهن بانشي يمير، العديد من العاملات اللواتي تقطعت بهن السبل، وانضممن إلى أخريات يعملن على حسابهن وتراجع مدخولهن منذ إعلان حالة الإغلاق العام.
وتقول يمير التي عملت لسنوات في الخدمة المنزلية في لبنان وهي موجودة حالياً في كندا لوكالة الصحافة الفرنسية إنه مع بدء الإغلاق «كان الآلاف من عاملات المنازل وأطفالهن بحاجة إلى مساعدة طبية وغذائية». وخلال الأسابيع الأخيرة، جمعت مع أصدقائها عبر حملة على الإنترنت أكثر من 12 ألف دولار كتبرعات لتوفير الطعام والإيجار للمئات من هؤلاء. إلا أن ذلك لا يبدّد قلقها إزاء مصير الآلاف اللواتي لا يمكن الوصول إليهن، عدا عن نفاد المساعدات وازدياد أعداد المنتظرات أمام قنصلية بلادها. وتقول: «انا خائفة جداً ولا أقوى حتّى على النوم».


مقالات ذات صلة

صحتك «كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

«كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

يؤثر على 6 : 11 % من المرضى

ماثيو سولان (كمبردج (ولاية ماساشوستس الأميركية))
صحتك أطباء يحاولون إسعاف مريضة بـ«كورونا» (رويترز)

«كورونا» قد يساعد الجسم في مكافحة السرطان

كشفت دراسة جديدة، عن أن الإصابة بفيروس كورونا قد تساعد في مكافحة السرطان وتقليص حجم الأورام.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
أوروبا الطبيب البريطاني توماس كوان (رويترز)

سجن طبيب بريطاني 31 عاماً لمحاولته قتل صديق والدته بلقاح كوفيد مزيف

حكم على طبيب بريطاني بالسجن لأكثر من 31 عاماً بتهمة التخطيط لقتل صديق والدته بلقاح مزيف لكوفيد - 19.

«الشرق الأوسط» (لندن )
الاقتصاد السعودية تصدرت قائمة دول «العشرين» في أعداد الزوار الدوليين بـ 73 % (واس)

السعودية الـ12 عالمياً في إنفاق السياح الدوليين

واصلت السعودية ريادتها العالمية بقطاع السياحة؛ إذ صعدت 15 مركزاً ضمن ترتيب الدول في إنفاق السيّاح الدوليين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

ما فرص الوساطة الكينية - الأوغندية في إنهاء توترات «القرن الأفريقي»؟

اجتماعات مجموعة شرق أفريقيا في تنزانيا (وكالة أنباء الصومال)
اجتماعات مجموعة شرق أفريقيا في تنزانيا (وكالة أنباء الصومال)
TT

ما فرص الوساطة الكينية - الأوغندية في إنهاء توترات «القرن الأفريقي»؟

اجتماعات مجموعة شرق أفريقيا في تنزانيا (وكالة أنباء الصومال)
اجتماعات مجموعة شرق أفريقيا في تنزانيا (وكالة أنباء الصومال)

دخلت مبادرة وساطة كينية - أوغندية على خط محاولات دولية وإقليمية لتهدئة التوترات بين الصومال وإثيوبيا التي نشبت بعد مساعي الأخيرة للحصول على منفذ بحري في إقليم «أرض الصومال» الانفصالي، وسط رفض حكومة مقديشو.

وتدهورت العلاقات بين الصومال وإثيوبيا، إثر توقيع أديس أبابا مذكرة تفاهم مع إقليم «أرض الصومال» الانفصالي بداية العام الحالي، تسمح لها باستخدام سواحل المنطقة على البحر الأحمر لأغراض تجارية وعسكرية، مقابل الاعتراف باستقلال الإقليم، وهو ما رفضته الحكومة الصومالية بشدة.

وعلى هامش اجتماعات قمة رؤساء دول شرق أفريقيا بتنزانيا، أعلن الرئيس الكيني ويليام روتو، السبت، «اعتزامه التوسط بمشاركة نظيره الأوغندي يوري موسيفيني، لحل الخلافات بين الصومال وإثيوبيا». وقال في مؤتمر صحافي، إنه «سيبحث عقد قمة إقليمية تضم زعماء الدول الأربعة (كينيا وأوغندا والصومال وإثيوبيا)، لمعالجة التوترات في منطقة القرن الأفريقي».

وأشار روتو إلى أن «أمن الصومال يُسهم بشكل كبير في استقرار المنطقة». لكن خبراء تحدّثوا لـ«الشرق الأوسط» يرون أن «التدخل الكيني الأوغندي لا يمكن التعويل عليه كثيراً، في ظل عدم استجابة أطراف الخلاف لهذا المسار حتى الآن، بالإضافة إلى عدم وجود دعم إقليمي ودولي».

ومنذ توقيع مذكرة التفاهم، حشد الصومال دعماً دولياً لموقفه ضد إثيوبيا؛ حيث وقّع في فبراير (شباط) الماضي اتفاقية تعاون دفاعي مع تركيا، ووقّع مع مصر بروتوكول تعاون عسكري في أغسطس (آب) الماضي، أرسلت بموجبه القاهرة مساعدات عسكرية إلى مقديشو. كما تعتزم إرسال قوات عسكرية بداية العام المقبل بوصفه جزءاً من قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي، وهو ما أثار غضب إثيوبيا، التي اتهمت مقديشو «بالتواطؤ مع جهات خارجية لزعزعة استقرار الإقليم».

والتقى الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، مع نظيريه الكيني والأوغندي، على هامش اجتماعات مجموعة شرق أفريقيا. وعلى الرغم من أنه لم يتحدث عن وساطة محتملة، نقلت «رويترز» عن وزير الخارجية الصومالي أحمد معلم فقي، أن «القرارات السابقة التي اتخذها زعماء إقليميون لم تلق آذاناً مصغية في أديس أبابا»، مشيراً إلى أنه «يثق بأن جهود الوساطة الجارية من جانب تركيا ستكون مثمرة».

وكانت العاصمة التركية أنقرة قد استضافت جولات من الوساطة بين الصومال وإثيوبيا، لإنهاء الخلاف بين البلدين، كان آخرها في سبتمبر (أيلول) الماضي، غير أن المحادثات دون التوصل لاتفاق.

وبينما تنظر مديرة البرنامج الأفريقي في مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، أماني الطويل، إلى التدخل الكيني - الأوغندي بـ«إيجابية»، ترى أن «نجاح تلك الوساطة مرهون بأبعاد أخرى تتعلّق بأجندة تحرك الوسطاء ومواقفهم تجاه الخلاف القائم بين مقديشو وأديس أبابا».

وقالت إن «القضية مرتبطة بموقفَي كينيا وأوغندا من السلوك الإثيوبي تجاه الصومال، ومن وحدة الأراضي الصومالية، وإلى أي مدى تؤيّد أو تعارض الاعتراف الإثيوبي بإقليم (أرض الصومال)».

وتعتقد أماني الطويل أن «التحرك الكيني - الأوغندي لا يمكن التعويل عليه كثيراً في حلحلة الخلاف بين الصومال وإثيوبيا، لأن الخلاف بين الطرفين معقد»، مشيرة إلى أن «الإشكالية في نهج الدبلوماسية الإثيوبية التي تركز على أهدافها دون الوضع في الاعتبار الأمن والتعاون الإقليميين».

ورفض الصومال مشاركة إثيوبيا في البعثة الأفريقية الجديدة لحفظ السلام، وأمهل أديس أبابا حتى نهاية العام الحالي، لانسحاب قواتها من البعثة الحالية التي ستنتهي مهامها بنهاية العام الحالي، وقال وزير الخارجية الصومالي، إن «بلاده ستعد وجود قوات إثيوبيا بعد نهاية العام، احتلالاً لأراضيها».

وترى أماني الطويل أن «الوساطة التركية قد تكون أكثر تأثيراً في النزاع بين الصومال وإثيوبيا». وقالت إن «أنقرة لديها تفهم أكثر للخلاف. كما أنها ليست دولة جوار مباشر للطرفين، وبالتالي ليست لديها إشكاليات سابقة مع أي طرف».

وباعتقاد الباحث والمحلل السياسي الصومالي، نعمان حسن، أن التدخل الكيني - الأوغندي «لن يحقّق نتائج إيجابية في الخلاف الصومالي - الإثيوبي»، وقال إن «مبادرة الوساطة يمكن أن تقلّل من حدة الصراع القائم، لكن لن تصل إلى اتفاق بين الطرفين».

وأوضح حسن أن «أديس أبابا لديها إصرار على الوصول إلى ساحل البحر الأحمر، عبر الصومال، وهذا ما تعارضه مقديشو بشدة»، مشيراً إلى أن «العلاقات الكينية - الصومالية ليست في أفضل حالاتها حالياً، على عكس علاقاتها مع إثيوبيا»، ولافتاً إلى أن ذلك «سيؤثر في مسار التفاوض». واختتم قائلاً: إن «نيروبي تستهدف أن يكون لها دور إقليمي على حساب الدور الإثيوبي بمنطقة القرن الأفريقي».