تفاعل «الاحتياطي الفيدرالي» الأميركي مع تفشّي فيروس «كورونا» بصورة عدّها الخبراء الألمان أسرع من الإجراءات التي باشر المصرف الأوروبي المركزي دراستها من دون تنفيذها بعد، مما آل إلى تقلّص فارق المردود بين أذون الخزينة الأميركية ونظيرتها الألمانية المعروفة باسم «بوند». وبذلك، تعزّز اليورو أمام الدولار الأميركي، في الآونة الأخيرة، إلى أكثر من 1.12 دولار لكل يورو.
ولا يخفي الخبراء في العاصمة برلين أن سعر صرف اليورو أمام الدولار الأميركي خرج عن مسار كان مألوفاً عالمياً في العامين الأخيرين. عادة، يصل إجمالي حركة شراء الدولار باليورو أو العكس بالعكس إلى 5 تريليونات دولار يومياً حول العالم. وقفزت قيمة اليورو أمام الدولار الأميركي من 1.07 في شهر فبراير (شباط) من عام 2020 إلى ما لا يقلّ عن 1.12 في شهر مارس (آذار) من عام 2020، الذي شهد تفشياً وبائياً عالمياً لفيروس «كورونا». لذا رست الزيادة عند 0.05 دولار. وهذا قد يُسبب هزة قوية في أسواق الصرف العالمية. تقول الخبيرة الألمانية رامونا غرابر، التي تتعاون مع فريق من المشغّلين في بورصة فرنكفورت، إنّ قوة اليورو حالياً تدعمها 3 أسباب. ويتمحور السبب الأول حول التقلّبات القوية التي ضربت البورصات العالمية، مما جعل المشغلين يبتعدون عن تجارة الـ«كاري تريد» carry trade وهي، باختصار، إحدى أكثر الاستراتيجيات المُستعملة من طرف المتداولين لتداول العملات الأجنبية في سوق الـ«فوركس»، والتي تعتمد على الفرق في نسب الفائدة بين العملات لجني الأرباح. وتنتعش تجارة «الكاري تريد» عندما تكون تقلّبات البورصات عند أدنى مستوياتها. ويستغلّ المشغلون ضُعف هذه التقلّبات للاستدانة باليورو من أجل الاستثمار بالدولار. هكذا، يتمكّنون من جني الأرباح بسبب فارق الفوائد بين اليورو والدولار. لكن التوقّف عن تجارة «الكاري تريد»، كما يحصل الآن، يجعلهم يعيدون شراء اليورو. وبصورة آلية، ازدادت قيمة اليورو نظراً للإقبال المُكثّف على شرائه.
وتضيف الخبيرة أن السبب الثاني يعود إلى قرار «الاحتياطي الفيدرالي»، في 3 مارس الماضي، قطع أسعار الفائدة بنسبة 50 نقطة أساس في تدبير استثنائي باغت الجميع. علماً بأن آخر تدبير استثنائي لهذا المصرف سُجّل قبل 12 عاماً. أما السبب الثالث فيكمن في تراجع مردود أذون الخزينة الأميركية، التي تستحق بعد عامين، من 1.57 في المائة إلى 0.63 في المائة، أي تراجعاً بنسبة 100 نقطة أساس.
وتختم: «في وقت قرّر فيه (الاحتياطي الفيدرالي) الأميركي ضخّ 1.5 تريليون دولار في الأسواق الأميركية، لم يُرصد بعد، للآن، أي تحرّك لـ(المركزي الأوروبي). وفي موازاة انتقال فيروس (كورونا) من الصين إلى الخارج وانتشاره كبقعة الزيت في أكثر من 100 دولة، في أول أسبوعين من شهر مارس (آذار) من العام، تقلّص الفارق بين مردود أذون الخزينة الأميركية ونظيرتها الألمانية من 206 إلى 145 نقطة أساس». وفيما يتعلّق بالتوقعات حول سعر صرف الدولار أمام اليورو، تقول الخبيرة المالية الألمانية مارغيت ديتريش إنّ الموقع التقدّمي لـ«الاحتياطي الفيدرالي» الأميركي أمام التكاسل الواضح من قبل إدارة المصرف المركزي الأوروبي في ملف تأمين أكبر قدر ممكن من السيولة النقدية وضخّها في رئة الاقتصاد الوطني والدولي المشلول، سيكون له ثقل في تحديد سعر الصرف في الأشهر القليلة المقبلة. علماً بأن الدولار الأميركي لم يتراجع أمام اليورو فحسب إنما أمام سُلّة من العملات الصعبة الأخرى.
وتختم: «لغاية فصل الصيف المقبل من المتوقع أن ترسو قيمة اليورو أمام الدولار بين 1.14 و1.15. لكن المخاطر التي تعصف بمنطقة اليورو ستكون أقوى مما ستشهده الولايات المتحدة، اقتصادياً. لذا، فإنه من الصعب جداً، في ظل الانكماش الاقتصادي العالمي، أن تصبح قوة اليورو خارقة أمام الدولار. بيد أن بعض الخبراء الأوروبيين المخضرمين يتوقع أن ترسو قيمة اليورو أمام الدولار عند 1.20 إن حقّقت الجهود الأوروبية أهدافها في القضاء على فيروس «كورونا» في الأشهر الثلاثة المقبلة.
مستقبل اليورو في قبضة «كورونا»
مستقبل اليورو في قبضة «كورونا»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة