الدول المشاركة في مؤتمر «سيدر» تخفض تمويل المشاريع في لبنان

عدم التزام سياسة النأي بالنفس وراء تردد حكومات عربية في المساعدة

TT

الدول المشاركة في مؤتمر «سيدر» تخفض تمويل المشاريع في لبنان

انتهى الاجتماع التنسيقي الأول لسفراء الدول المشاركة في مؤتمر «سيدر»، برعاية رئيس الحكومة حسان دياب، إلى تثبيت مجموعة من النقاط؛ أبرزها التأكيد على التلازم بينه وبين المفاوضات الجارية مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض لتمويل خطة التعافي المالي، لجهة دمج الإصلاحات المالية والإدارية في رزمة واحدة، وخفض القيمة التمويلية للمشاريع المتفق عليها بين لبنان و«سيدر»، وإصرار الحكومة على تبنّي البرامج الإصلاحية التي تقدّمت بها حكومة الرئيس سعد الحريري والتي قوبلت بتعطيل من قبل «التيار الوطني الحر» من دون أن يتدخل رئيس الجمهورية ميشال عون لترجمتها إلى خطوات عملية تدفع باتجاه استفادة لبنان من المقررات للنهوض من أزماته المالية والاقتصادية. ومع أن المشاركة العربية في الاجتماع التنسيقي سجّلت غياب عدد من سفراء الدول التي كانت تعهدت بتمويل عدد من المشاريع المتفق عليها بين لبنان ومؤتمر «سيدر» واستعيض عنهم بمشاركة دبلوماسيين على غرار ما حصل في الاجتماع الذي عقدته سابقاً «مجموعة أصدقاء لبنان» بدعوة من دياب، فإن الحكومة توخّت من الاجتماع التنسيقي إعادة تعويم مقررات «سيدر». لكن التعهد الفرنسي بتعويم «سيدر» لم يصرف الأنظار عن التذكير بالإصلاحات المالية والإدارية التي التزم بها لبنان أمام المؤتمرين في باريس، مما اضطر السفراء الذين شاركوا في الاجتماع إلى ربطها بالمفاوضات الجارية مع صندوق النقد باعتبار أنها نسخة عن تلك التي يصر عليها الصندوق تأكيداً منهم على أنها المعبر الإلزامي لإحياء مقررات «سيدر» وللحصول من الصندوق على قرض مالي لتمويل خطة التعافي.
وفي هذا السياق، سأل مصدر سياسي عن الأسباب وراء تخفيض القيمة التمويلية للمشاريع، وقال: هل لهذا القرار علاقة بانشغال العالم بمكافحة تفشي وباء «كورونا» أم إن من أسبابه عدم التزام لبنان بسياسة النأي بالنفس؟ ولفت المصدر لـ«الشرق الأوسط» إلى أن لبنان يدفع حالياً ثمن تعطيل إقرار الإصلاحات الذي أعاق تنفيذ «سيدر»، وقال: «لو التزمنا بكل ما تعهدنا به، لكنا واجهنا (كورونا) ونحن في وضع اقتصادي أفضل مما هو عليه الآن»، وأضاف أن «لبنان تردد قبل أن يبدأ مفاوضاته مع صندوق النقد للحصول على تمويل لوقف الانهيار، لأن (سيدر) لم يعد كافياً، هذا قبل خفض القيمة التمويلية للمشاريع».
وعدّ المصدر نفسه أن هناك أزمة تطغى حالياً على علاقة لبنان بعدد من الدول العربية وتحديداً الخليجية التي كانت وافقت على تمويل مشاريع واردة في الخطة التي تبناها «سيدر»، وسأل: «إذا لم تكن هناك أزمة؛ فلماذا تتعاطى هذه الدول ببرودة مع حكومة دياب؟»، وقال إن «الحكومة لم تحرك ساكناً حيال هذه الدول مع أنها تراهن على أن موافقة الصندوق على تمويل خطة التعافي ستفتح الباب أمام تدفّق دعمها المالي على لبنان»، وأكد أن رهانها لم يكن في محله لأن الحكومة ما زالت تراعي «حزب الله» إلى أقصى الحدود ولم تثبت التزامها بسياسة النأي بالنفس.
وأكد أن هناك حاجة ملحة لمبادرة الحكومة إلى تحقيق الإصلاح السياسي وترجمة التزامها النأي بالنفس بأفعال ملموسة، وسأل: «هل كان الأمين العام لـ(حزب الله) حسن نصر الله مضطراً للقول إن انتقال السلاح والمقاتلين من لبنان إلى سوريا غير مشمول بضبط الحدود بين البلدين لوقف التهريب، وما الجدوى من التذكير بذلك؟».
واستغرب ما أخذ يروّج له البعض بأن هناك في الحكومة من يراهن على بدء المفاوضات بين طهران وواشنطن مع استعداد الرئيس الأميركي دونالد ترمب لخوض معركة التجديد لولاية رئاسية ثانية، ونُقل عن السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي قولها إن هذا الرهان ليس في محله.
وعدّ أن الإصلاح السياسي هو الممر الإلزامي لتصحيح العلاقات اللبنانية - العربية شرط أن يقوم على خروج لبنان من صراع المحاور في المنطقة وإلزام «حزب الله» التقيُّد بسياسة النأي بالنفس التي باتت مطلباً دولياً بدءاً بـ«سيدر» وانتهاءً بـ«صندوق النقد».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.