«حجر» و«وباء» و«كوفيد»... مفردات فرضت نفسها على منابر التواصل

«حجر» و«وباء» و«كوفيد»... مفردات فرضت نفسها على منابر التواصل
TT

«حجر» و«وباء» و«كوفيد»... مفردات فرضت نفسها على منابر التواصل

«حجر» و«وباء» و«كوفيد»... مفردات فرضت نفسها على منابر التواصل

غيّر فيروس «كورونا المستجد» احتياجات الجمهور على المنصات الرقمية، فبعد أن كان البحث يتعلق بكلمات عن أغانٍ، أو أفلام، أو فيديوهات أثارت «ضجة» من قبل، أو أسماء مشاهير في السياسة، أو الفن، أو الرياضة، أصبحت كلمات «كورونا»، و«وباء»، و«حجر»، و«عزل»، و«كوفيد»، الأكثر تداولاً على محركات البحث. كما رصد محرك «غوغل» عدداً من الأسئلة التي تعلق أغلبها بـ«فترات العزل أو الحجر الصحي في المنازل». وقال خبراء الإعلام إن «وسائل التواصل الاجتماعي أعلنت عن كثافة استخدام الإنترنت خصوصاً خلال فترة الحجر المنزلي». ووفق الدكتور عادل عبد الصادق، مدير المركز العربي لأبحاث الفضاء الإلكتروني، فإن «الجمهور بطبيعتهم يبحثون عن القضايا الأكثر إلحاحاً، فما بالنا بفيروس (كورونا المستجد)، لذا سارع الجميع بالبحث عن أي معلومة أو شيء يتعلق بالفيروس»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «كما كان للمنصات الرقمية دور في مواجهة الأخبار الزائفة التي تعلقت بالفيروس، أسهمت في نشر الوعي بالتعاون مع الدول»، مؤكداً: «تصاعد دور الشركات التقنية بشكل عام والتواصل الاجتماعي بشكل خاص، كفاعل جديد في مجال الصحة العامة؛ إلا أنه برزت مخاوف حول انتهاك الخصوصية وحرية الأفراد».
ويرى أحمد عصمت، خبير الإعلام الرقمي، مدير منتدى الإسكندرية للإعلام، أنه «مع ظهور (كورونا) ظهرت مشكلتان أساسيتان: الأولى، انتشار المعلومات غير المدققة والمضللة، في مقابل (الإنفوديمكس) أو الزخم المعلوماتي الحقيقي». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هذا الزخم المعلوماتي جاء نتيجة لشغف وتعطش العالم للمعرفة، ما دفع المستخدمين لتداول المعلومات بكثافة على مدار الساعة حول الكلمات التي تتعلق بالفيروس، ومن ثم تحوّل هذا الزخم لتغذية الهلع والخوف من الوباء، ومن ثم التسبب في صدمة، ما دفع البعض للانخراط في موجات شراء المستلزمات الغذائية والسلع، غير المبررة، وتخزين الطعام، خوفاً من المجهول، كما خلق الفيروس عدوى بيولوجية واجتماعية عبر المعلومات المضللة».
وفيما يتعلق بدور شبكات التواصل الاجتماعي خلال «أزمة كورونا». أوضح عصمت أن «(فيسبوك)، و(تويتر)، و(غوغل) و(بينترست) اتخذت مجموعة خطوات حازمة تجاه تقنين عملية انتشار المعلومات المضللة، وإن كانت تلك الخطوات غير حاسمة؛ بمعنى أنها لم توقف الوباء المعلوماتي أو المعلومات المضللة».
وحول تأثيرات «كورونا» على قطاع تكنولوجيا المعلومات وشبكة الإنترنت العالمية، قال الخبير التكنولوجي يوسف صلاح، مدير قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصال بمكتبة الإسكندرية لـ«الشرق الأوسط»، إن «تأثيرات (كورونا) تركت أثراً كبيراً على قطاع تكنولوجيا المعلومات، إما بسبب استخدام الشبكات حول العالم، بشكل مكثف في أثناء الحجر المنزلي، وإما بسبب التحول نحو (العمل عن بُعد) و(التعليم عن بُعد)، وكل الخدمات التي تحولت للاستمرار عبر الإنترنت أدت إلى ضغوط كبيرة جداً عليها»، موضحاً: «اتضح أن الجمهور شغوف بالمعرفة، وبحث في كل المجالات عبر الإنترنت، سواء الصحية، أو الثقافية، والتعليمية، وهذا من إيجابيات الإنترنت التي دعمت الإنسانية خلال أزمة (كورونا)».
وعن تأثير «أزمة كورونا» على مواقع شبكات التواصل الاجتماعي، ذكر صلاح: «ساهمت بالطبع في صياغة محتوى ضخم، كما أنها تعمل بخطوات حثيثة لتصميم تطبيقات نافعة، تسهم في تتبع المرضى عبر خاصية تحديد المواقع، وبالتالي تتبع نشاط الفيروس، والمخالطين، أو وجود مصابين حولنا، وهي أمور سيعمل على تطويرها قطاعات تكنولوجيا المعلومات حول العالم».
«نجحت الصين في تجنب الآثار السلبية لـ(السوشيال ميديا)»، هكذا ذكر الدكتور عادل عبد الصادق، مؤكداً: «توظيف الشبكات الاجتماعية مرده الأساسي قدرتها على السيطرة والرقابة، وهو ما مكّن الصين من توظيفها في مجال التعبئة الاجتماعية ضد الفيروس، وعدم ترك الفرصة لتطبيقات الحرب النفسية من خارج البلاد»، موضحاً أنه «من ناحية أخرى، لم تمنع نشرات منظمة الصحة العالمية، انتشار ورواج الأخبار الكاذبة حول الوباء، وكان أغربها على الإطلاق ترويج لـ(نظرية المؤامرة) للربط بين انتشار الوباء وبدء تأسيس شبكات الجيل الخامس في أوروبا».
هذه المزاعم دفعت الباحث البريطاني الدكتور وسيم أحمد، المحاضر في مجال شبكات التواصل الاجتماعي وعلوم البيانات بجامعة نيوكاسل، لإجراء دراسة بعنوان «كوفيد - 19 ونظرية مؤامرة شبكات الجيل الخامس... تحليل بيانات لشبكة (تويتر)»، بمشاركة عدد من الباحثين وهم: جوزيف داونينغ، وجوسيب فيديل آلبال، وفرنسوا لوبيز سيجيو. وقال أحمد لـ«الشرق الأوسط»، إنه «مع بداية انتشار فيروس (كورونا المستجد) زادت المناقشات على المنصات حول الفيروس، وتم تحليل محتوى التغريدات على (تويتر) لمدة 7 أيام خلال الفترة من 27 مارس (آذار) الماضي، حتى 4 أبريل (نيسان) الماضي، وكشف تحليل المحتوى أن من بين 233 عينة من التغريدات، فإن 34.8% من التغريدات، أي نحو 81 تغريدة، احتوت على آراء مفادها أن الجيل الخامس و(كوفيد - 19) مرتبطان، في مقابل 75 تغريدة شجبت نظرية المؤامرة، أي ما يعادل نسبة 32.2% من التغريدات، في حين أن نسبة 33.0%، أي 77 تغريدة، جاءت عامة ولا تعبر عن أي آراء، أي على الحياد».
وخلصت الدراسة إلى أنه «رغم الزخم الكبير لشائعة (نظرية المؤامرة)؛ فإن تحليل المحتوى أظهر أن النسبة الكبرى، وهي 65.2%، أي 152 تغريدة كانت مستمدة من النظرية؛ لكنها لا تؤيد فكرة المؤامرة، أو الارتباط بين شبكات الجيل الخامس والفيروس».
وكشفت الدراسة عن أن «مواقع الأخبار، التي وصفتها بالزائفة، كانت المصدر الأكثر شيوعاً بين التغريدات، التي شاركها المستخدمون، فيما كانت مقاطع الفيديو من (يوتيوب) أقل انتشاراً، كما رصدت الدراسة حساباً، كان هدفه الوحيد نشر (نظرية المؤامرة) على (تويتر)». ويشار إلى أن «تلك التغريدات التي تروّج لـ(نظرية المؤامرة) دفعت (تويتر) لحذفها، خصوصاً عقب تدمير عدة أبراج تابعة لشركات الاتصالات البريطانية».



«هدنة غزة»: لماذا تتضارب عناوين التغطيات الإعلامية؟

من جلسات التفاوض حول وقف الحرب على غزة (آ ف ب)
من جلسات التفاوض حول وقف الحرب على غزة (آ ف ب)
TT

«هدنة غزة»: لماذا تتضارب عناوين التغطيات الإعلامية؟

من جلسات التفاوض حول وقف الحرب على غزة (آ ف ب)
من جلسات التفاوض حول وقف الحرب على غزة (آ ف ب)

طوال الأشهر الماضية، حظي مسار المفاوضات الرامية إلى تحقيق «هدنة» في قطاع غزة، باهتمام وسائل الإعلام العربية والأجنبية. واحتلت الأخبار المتعلقة بالمباحثات مساحات واسعة في التغطيات الإعلامية، وسط تضارب في العناوين والتفسيرات بين «التفاؤل» بقرب الوصول إلى اتفاق حيناً، والحديث عن «فشل» المفاوضات حيناً آخر. وبين هذا وذاك تنشر وسائل الإعلام يومياً تقارير متباينة، إما عن عثرات وعقبات تقف في طريق الهدنة، أو عن جهود تمنح دفعة نحو الحل، الأمر الذي يثير تساؤلات بشأن أسباب هذه التضارب في العناوين، والمعلومات، ومدى تأثيره على مصداقية الإعلام.

وفي حين أرجع خبراء هذا التضارب إلى غياب المعلومات من مصدرها الأصلي والاعتماد على التسريبات، حذّروا من «تأثير النقل عن مصادر مُجهّلة على ثقة الجمهور في وسائل الإعلام».

يوان ماكساكيل (جامعة غلاسغو)

الواقع أنه يعتمد معظم الأخبار المتعلقة بمفاوضات «هدنة غزة»، سواءً عربياً أو غربياً، على «تسريبات» من مصادر «مُجهّلة» تتكلم عن تفاصيل مقترحات التهدئة، إضافة إلى بعض التصريحات الرسمية، إما من الوسطاء (مصر وقطر والولايات المتحدة)، أو من طرفي المفاوضات (إسرائيل وحماس).

ولكن بحسب مراقبين، فإن «أطراف المفاوضات لا تدلي بمعلومات بقدر ما تسرب من تفاصيل تعبّر عن وجهة نظرها، بهدف التأثير على مسار المفاوضات أو تحسين موقفها فيها».

الصحافي والمدرّب الأردني خالد القضاة، نائب رئيس شعبة الاتصال بجامعة الدول العربية لشؤون الحريات الصحافية والسلامة المهنية، عدّ في لقاء مع «الشرق الأوسط» الإعلام «طرفاً» في المفاوضات الدائرة حالياً، وقال: «أطراف التفاوض تستخدم الإعلام سلاحاً في المعركة، لتعزيز وجهة نظرها وخلق رأي عام مناصر لها، فكل طرف يستخدم الإعلام لتحقيق مصالحه».

وأضاف أن «طبيعة المفاوضات التي تجري دائماً في غرف مغلقة تفرض هذه الصيغة، بحيث يعتمد الإعلام على ما يصل إليه من تسريبات أو معلومات من أطراف التفاوض».

وتابع القضاة أن «ما ينشر يسبِّب ارتباكاً للجمهور، الذي بات مضطراً للبحث عن المعلومات من أكثر من مصدر أو وسيلة إعلامية، لتكوين صورة أقرب للواقع في ظل انحيازات إعلامية واضحة».

من جهة ثانية، وفق كتاب نشر عام 2003 وحرّره البروفسور الراحل جون دربي بجامعة نوتردايم الأميركية وروجر ماكغينتي البروفسور حالياً بجامعة درام البريطانية، فإن «إحدى الفرضيات الأكثر شيوعاً في جميع مفاوضات السلام، أنه من الضروري إبقاء وسائل الإعلام خارجاً، حيث يقال إنه كلما زاد مستوى المشاركة الإعلامية، زاد احتمال فشل المباحثات».

وبحسب الكتاب، فإن «هذه الفرضية صحيحة في معظمها، لأن إجراء المفاوضات تحت وهج الأضواء أصعب بكثير من إجرائها خلف الأبواب المغلقة، لكن في الوقت ذاته من المهم لصانعي السياسة النظر للمسألة بشكل أعمق... ثم إن الإعلام يشكل حلقة في أحجية المفاوضات، فعندما يلعب الإعلام دوراً بنّاءً في نقل أنباء المفاوضات التي تجري في مناخ داعم، لا يعود من المحتمل أن يكون له تأثير سلبي على نتائجها».

الإعلام وصانع السياسة بينهما مصالح متبادلة

أيضاً ورد في الكتاب أن «العلاقة بين الإعلام وصانع السياسة تعتمد على مصالح متبادلة، فالأول يريد معلومات لصناعة قصة جاذبة للجمهور يتمتع فيها بأكبر مساحة من النقد والتحليل وحرية العرض، والثاني يريد نقل سياساته لقطاع أكبر من الجمهور، مع السيطرة الكاملة على نوع وحجم وطريقة نقل المعلومات دون نقد». واستخلص أن «هذه العلاقة الجدلية هي التي تحدد دور الإعلام في العملية السياسية».

على الجانب العملي، قال يوان ماكاسكيل، الصحافي البريطاني الاستقصائي ومراسل صحيفة «الغارديان» البريطانية السابق، لـ«الشرق الأوسط»، إن «واحدة من كبرى المشاكل التي تواجه الصحافيين، هي انعدام ثقة الجمهور... وأن إحدى الطرق للبدء في استعادة الثقة هي الالتزام بالشفافية في نقل المعلومات بقدر الإمكان، وهذا يعني تجنب المصادر المجهولة كلما كان ذلك ممكناً».

ماكاسكيل شرح أن «الأخبار التي تنشر وقت المفاوضات تعتمد في معظمها على مصادر مُجهّلة، ما قد ينتج عنه تضارب في المعلومات، وربما يقوض الثقة في الإعلام»، لافتاً إلى أنه خلال عمله صحافياً حاول فقط استخدام اقتباسات من أشخاص تكلم إليهم فعلاً، وعند النقل من وكالة أنباء أو صحيفة أخرى، أو متى من مواقع التواصل الاجتماعي، كان يحرص على نسبة الاقتباسات لمصدرها.

أيضاً ذكر ماكاسكيل أنه «في كل الأحوال ينبغي استخدام المصادر المجهولة بشكل مقتصد جداً... وهذا مع أن استخدامها قد يكون ضرورياً في ظروف استثنائية، لا سيما إن كان الكشف عن هوية المصدر قد يعرض حياته أو وظيفته للخطر».

بالتوازي، كانت دراسة نشرتها جامعة أكسفورد عام 1974، أسهم فيها الباحث و. فيليبس دافيسون، قد أشارت إلى أن «التسريبات يمكن أن تعرقل المفاوضات الدولية، ولكن في الوقت ذاته قد يسهم الإعلام في تحقيق الاتفاق عبر تسليط الضوء على القضايا قيد التفاوض، ما يساعد في ضمان التنسيق بين أطراف التفاوض، ويربط الحكومات بالجماهير، عبر قنوات اتصال تكميلية للدبلوماسية».

مراعاة المعايير المهنية

وفي حوار مع «الشرق الأوسط»، ألقى الدكتور محمود خليل، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، باللائمة على الصحافيين في تضارب المعلومات التي تنشر على لسان مسؤولين رسميين، بيد أنه شدد على «ضرورة أن يراعي الصحافي المعايير المهنية في نقل التصريحات، فلا يتزيد أو يغير فيها، ولا يعالجها بشكل يتضمن نوعا من الانحياز». وتابع أن «الصحافي دوره هنا ناقل للسياسة وليس صانعاً لها. وبالتالي فهو ينقل تفاعلات الأطراف المختلفة في الحدث ويعرض وجهات نظرها جميعاً».

وقياساً على مفاوضات «هدنة غزة»، لفت خليل إلى أنه «في جولات التفاوض المتعددة، كان معظم ما نشرته وسائل الإعلام معتمداً على تسريبات من مصادر مُجهَّلة». وأردف: «لا بد للصحافي أن يلتزم الحذر في التعامل مع التسريبات التي تهدف إلى الترويج لوجهة نظر ما بهدف التأثير على مسار المفاوضات». وعزا انتشار التسريبات إلى نقص المعلومات، وغياب القوانين التي تكفل حرية تداولها.

من ثم، لمواجهة التضارب في المعلومات وتداعياته من تراجع للثقة في وسائل الإعلام، ينصح الدكتور خليل بـ«الالتزام بالمعايير المهنية في نقل المعلومات والتوازن في عرض التحليلات، من دون انحياز لوجهة نظر على حساب أخرى، لأن تلك الانحيازات تؤثر على التغطية، وعلى المصداقية أيضاً». وشدد على «ضرورة إعطاء مساحة أكبر للمعلومات مقارنة بالتحليلات والتفسيرات، لا سيما أن بعض التحليلات قد ينطوي على خداع للجمهور». واستطرد أن «مساحة التحليل في الإعلام العربي أكبر من مساحة المعلومات التي تراجع وجودها لصالح التسريبات في ظل غياب حرية تداول المعلومات».