«سبعة أيام حُب»... رواية أحوازية تجمع بين الاستذكارات والسيرة الذاتية

تتخذ من انتفاضة 2005 الإيرانية خلفية للأحداث

«سبعة أيام حُب»... رواية أحوازية تجمع بين الاستذكارات والسيرة الذاتية
TT

«سبعة أيام حُب»... رواية أحوازية تجمع بين الاستذكارات والسيرة الذاتية

«سبعة أيام حُب»... رواية أحوازية تجمع بين الاستذكارات والسيرة الذاتية

يمزج الروائي الأحوازي محمد عامر، في روايته الثالثة «سبعة أيام حُب»، الصادرة عن دار «أروقة» في القاهرة، بين الاستذكارات والرواية المُحاذية للنص السيري التي تستمد موضوعها ومادتها الأساسية من الشخصيتين المركزيتين اللتين تناصفتا البطولة، وهما الراوي الأحوازي وسُعاد المغربية، وكلاهما يروي بضمير المتكلم الذي يتوافق كُلياً مع السيرة الذاتية التي تفحص الأنا الساردة، وتنتهك أسرارها المخبّأة، وتحاول قدر الإمكان أن تُتيح للقارئ رؤية الأوجه المتعددة لهرم كل شخصية رئيسية على انفراد.
ينفرد الهيكل المعماري لهذه الرواية ببنية زمانية متميّزة لا تتجاوز السبعة أيام، لكنها تنفتح على الماضي بتقنية استرجاعية، لتصوِّر لنا اختطاف الشيخ خزعل الكعبي عام 1925 بتواطؤ بريطاني مع رضا خان ثم اغتياله لاحقاً في طهران. كما تتخذ الرواية من انتفاضة 15 أبريل (نيسان) 2005 خلفية للأحداث التي شارك فيها الراوي مع ثُلّة من أصدقائه ومعارفه المناوئين للاحتلال الفارسي، ويمتلكون خبرة في التعاطي مع المحققين الإيرانيين الذي لا يدّخرون وسعاً لانتزاع الاعترافات من ضحاياهم بالترغيب والترهيب. وبالمقابل تقودنا شخصية سُعاد إلى طفولتها وحياتها في طنجة قبل ثلاثة عقود من الوقت الحاضر، ونتعرّف على خلفيتها الاجتماعية والثقافية وهجرتها مع أخيها الأكبر عبد الغني إلى إيطاليا، وما صادفته من مِحن كثيرة أوشكت أن تُودي بها إلى الانتحار لولا محاسن الصُدف التي أعادت إليها رُشدها.
يدخل الهاتف المحمول، ورسائله النصيّة، وصوره كوسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي التي جمعت بين الراوي وصديقته سُعاد، وأحبّا بعضهما بعضاً من دون أن يلتقيا وجهاً لوجه. تتطوّر هذه القصة العاطفية إلى انجذاب روحي يفضي بهما إلى الزواج في اليوم الأول من وصوله إلى مدينة كيوزي كيانشانو الإيطالية.
ينجح محمد عامر في خلق موازٍ موضوعي للحُب بواسطة تقنية الاستذكارات التي تُعيده إلى سنوات السجن بسبب مشاركته في التحريض على الانتفاضة والمساهمة فيها، وهذا الانتقال السلس من فضاء الحُب إلى أجواء التمرّد يؤكد على قدرة الكاتب في إدارة النسق السردي للرواية من دون أن يشعر القارئ بأي فجوة تعيق تدفّق الأحداث بشقّيها الرومانسي والفجائعي. وبَغية توسيع الأحداث وتشظيتها، يلجأ الروائي إلى رصد قصص ثانوية تعزّز موضوعة الانتفاضة مثل قصة الأم التي تحاول إنقاذ ابنها من أيدي العناصر الأمنية الذين دهموا حي الملاشيّة في الأحواز، أو قصة محمد علي الذي اعتقل وحُكم عليه بالإعدام بسبب نشاطاته الثقافية المناهضة للاحتلال الفارسي. كما تلعب القصص الجانبية المنبثقة عن شخصية سُعاد دوراً كبيراً في توسعة النص السردي الذي تُهيمن على فصوله السبعة شخصيتا العاشق والمعشوقة.
يحتل السجن مساحة كبيرة من الفصل الثاني على الرغم من أنّ بدايته تتمحور على سفر الزوجين إلى مدينة فالنسيا الإسبانية للاستمتاع بالبحر الذي تحبه سُعاد على وجه التحديد. وثمة قصة جانبية شديدة الأهمية وهي قصة «تقي» الذي تعرّض للقصف بالأسلحة الكيمياوية في أثناء الحرب العراقية - الإيرانية، فتشوهت ملامح وجهه وتحوّل إلى شخص عنصري بغيض يكره العرب وكل ما يمتّ لهم بصلة. فلا غرابة أن يعذِّب المعتقل عبد الله بطريقة خارجة عن المألوف، الأمر الذي يدفع السجين لأن يسحبه داخل الزنزانة، ويشبعه ضرباً مبرحاً، لكنهم يصعقون عبد الله ويخرجونه إلى المجهول.
لا ينطوي الفصل الثالث على قصص جانبية كثيرة، لكنه يكشف من خلال قصة واحدة عن مسعى محمد عامر لتوظيف الأساطير الشعبية، فسلوى التي ماتت غرقاً في النهر من دون أن ينقذها أحد قِيل عنها بأنها تزوجت من «عِبيد الماء»، وهو نوع من جن البحر وفقاً للأساطير المحلية.
يمجِّد الفصل الرابع دور المرأة الأحوازية في مقاومة العدو بطريقتها الخاصة، فأم جندل هي التي أوهمت جنود الاحتلال وحرفت انتباههم حينما أشاعت قصة المصوغات الذهبية التي عثرت عليها في منطقة «الملاقط»، التي ذهبت إليها للبحث عن واحدة من أغنامها الضائعة. وحينما تقدم الرتل العسكري في اليوم الثاني فوجئ الضباط بهذا العدد الكبير من النساء اللواتي يفتشن عن الذهب في المنطقة الأثرية المحاذية للوكر، الذي يختبئ فيه حاتم، فأقفلوا عائدين إلى معسكراتهم الخلفية.
تروي سُعاد حكايتها في الفصل الخامس، فنعرف عنها كل شيء تقريباً، فقد ولدت في مدينة طنجة، وتنحدر من أبوين تربطهما آصرة القرابة. تتألف الأسرة من ثمانية أبناء، أربع بنات وهن كريمة ومروة وبثينة و«سعاد»، وثلاثة ذكور وهم عبد الغني وعبد الودود وشكري، ورجل واحد وهو داود، فهي تستكثر على الأخوة الثلاثة الأوائل كلمة رجل لأنهم لا يستحقوننا من وجهة نظرها. تفككت العائلة وهي في سنّ العاشرة. لم ترتبط سُعاد بعلاقة عاطفية مع أحد رغم أنّ جارهم المهندس كان يراقبها، وثمة شاب آخر كان يلاحقها بنظراته لكنه كان خجولاً مثل المهندس. بعد تخرجها من الجامعة يقرر أخوها عبد الغني أن يسافرا إلى إيطاليا عبر البحر، وما إن يصلا إلى هناك حتى تتلقفها المحن تباعاً. فيطردها الإخوة والأخوات باستثناء داود الذي يفتح لها غرفته المتواضعة، ويستقبلها بمحبة كبيرة. تتعرض لمحاولة اغتصاب لكنها تنجو منها بأعجوبة. تحاول العثور على عمل لكنها تفتقر إلى الأوراق الرسمية، ولا تجيد اللغة الإيطالية. يقدّمها مؤمن، وهو قريب مغربي، إلى عربي، صاحب مزرعة، يدعوها في اللقاء الثاني إلى فندق ويغتصبها بعد أن يدسَّ المخدِّر في كأس العصير. تتزوج من ريزو، وهو إيطالي في الخمسين من عمره لكنها تكتشف عنفه وقذارته فيذهب في اليوم التالي إلى السلطات المعنية، ويباشر بإلغاء معاملة الزواج وسحب أوراق الإقامة. تسافر إلى سويسرا بعد أن تجمع بعض النقود وتعمل نادلة في مقهى وتقفل راجعة إلى إيطاليا، لتتزوج زواجاً صورياً تشتري فيه الإقامة بسبعة آلاف يورو. ثم ترتبط بممدوح، وهو مستشار جزائري يعمل في السلك الدبلوماسي جاء إلى إيطاليا في إجازة قصيرة، ثم دعاها إلى باريس لتكتشف أنه متزوج ولديه بنت وولد، وقد أحبّته هي الأخرى، ولكنها لم ترِد أن تقوّض حياته الأسرية، فغادرت باريس من دون أن تترك له وسيلة للتواصل، خصوصاً وأنها تغيّر سكنها بين آونة وأخرى.
يسافر الراوي وزوجته في اليوم السادس إلى النورماندي، ويستقران في فندق «لا شابيلا»، ويستمتعان بكل لحظة تمرّ. وفي اليوم السابع يتواصل بينهما الحوار الشائق، فنفهم أنها تستمد الطاقة التي تجدّد روحها من الحُب الرومانسي الذي تعيشه مع زوجها، وسبق لها أن عاشته مع ممدوح الجزائري، وتوارت عنه في ظرف غامض، مع أنها لم تغادر مدينة كيانشانو. وبينما هي منغمسة في حوارها مع زوجها تذكرت أنها نسيت أدوات زينتها في المقهى، فاستأذنته، لكي تجلبها وتعود سريعاً. انتظرها ساعة، ولم تأتِ، وحينما يئس عاد إلى المقهى فلم يجد لها أثراً، ثم ذهب إلى الفندق فأخبروه بأنها لم تعد ثانية، وحينما لجأ إلى الشرطة استنتجوا أنها عادت من حيث أتت. ولما عاد إلى كيانشانو وجد سيدة إيطالية أخبرته بأنّ سُعاد قد استأجرت الشقة لمدة أسبوع، وقد انقضت تلك المدة أمس. عاد الراوي إلى لندن بعد سبعة أيام حُب، ولم يعرف كيف اختفت سُعاد، وإلى أي جهة ذهبت، ولماذا توارت عن ناظريه مثل حلم خاطف؟



رواية أميركية تمزج البهجة بالتاريخ

رواية أميركية تمزج البهجة بالتاريخ
TT

رواية أميركية تمزج البهجة بالتاريخ

رواية أميركية تمزج البهجة بالتاريخ

«لا أتذكر آخر مرة اكتشفت فيها رواية ذكية ومبهجة كهذه وعالماً واقعياً، إلى درجة أنني ظللت أنسى معها أن هؤلاء الأبطال ليسوا أصدقائي وجيراني الفعليين، كافئوا أنفسكم بهذا الكتاب من فضلكم حيث لا يسعني إلا أن أوصي بقراءته مراراً وتكراراً».

هكذا علقت إليزابيث جيلبرت، مؤلفة كتاب «طعام صلاة حب» الذي تحول إلى فيلم شهير بالعنوان نفسه من بطولة جوليا روبرتس، على رواية «جمعية جيرنزي وفطيرة قشر البطاطس» التي صدرت منها مؤخراً طبعة جديدة عن دار «الكرمة» بالقاهرة، والتي تحمل توقيع مؤلفتين أميركيتين، هما ماري آن شيفر وآني باروز، وقامت بترجمتها إيناس التركي.

تحكي الرواية كيف أنه في عام 1946 تتلقى الكاتبة جوليت آشتون رسالة من السيد آدامز من جزيرة جيرنزي ويبدآن في المراسلة ثم تتعرف على جميع أعضاء جمعية غير عادية تسمى «جمعية جيرنزي للأدب وفطيرة قشر البطاطس».

من خلال رسائلهم، يحكي أعضاء الجمعية لجوليت عن الحياة على الجزيرة وعن مدى حبهم للكتب وعن الأثر الذي تركه الاحتلال الألماني على حياتهم، فتنجذب جوليت إلى عالمهم الذي لا يقاوم فتبحر إلى الجزيرة لتتغير حياتها إلى الأبد.

وفي ظلال خيوط السرد المنسابة برقة تكشف الرواية الكثير عن تداعيات الحرب العالمية الثانية في إنجلترا، وهي في الوقت نفسه قصة حب غير متوقعة وتصوير للبطولة والنجاة وتقدير رقيق للرابطة التي يشكلها الأدب.

وتسلط الرسائل التي يتألف منها العمل الضوء على معاناة سكان جزر القنال الإنجليزي في أثناء الاحتلال الألماني، لكن هناك أيضاً مسحة من الدعابة اللاذعة إثر انتقال جوليت إلى «جيرنزي» للعمل على كتابها؛ حيث تجد أنه من المستحيل الرحيل عن الجزيرة ومغادرة أصدقائها الجدد، وهو شعور قد يشاركها فيه القراء عندما ينتهون من هذا النص المبهج.

وأجمع النقاد على أن المؤلفتين ماري آن شيفر وآني باروز أنجزا نصاً مدهشاً يقوم في حبكته الدرامية على الرسائل المتبادلة ليصبح العمل شبيهاً بأعمال جين أوستن من جانب، ويمنحنا دروساً مستفادة عبر قراءة التاريخ من جانب آخر.

عملت ماري آن شيفر التي توفيت عام 2008 محررة وأمينة مكتبة، كما عملت في متاجر الكتب وكانت «جمعية جيرنزي للأدب وفطيرة قشر البطاطس» روايتها الأولى. أما ابنة شقيقها «آني باروز» فهي مؤلفة سلسلة الأطفال «آيفي وبين» إلى جانب كتاب «النصف السحري» وهي تعيش في شمال كاليفورنيا.

حققت هذه الرواية العذبة نجاحاً كبيراً واختارتها مجموعة كبيرة من الصحف والمجلات بوصفها واحدة من أفضل كتب العام، كما تحولت إلى فيلم سينمائي بهذا الاسم، إنتاج 2018. ومن أبرز الصحف التي أشادت بها «واشنطن بوست بوك وورلد» و«كريستشيان ساينس مونيتور» و«سان فرانسيسكو كورنيكل».

ومن أجواء هذه الرواية نقرأ:

«لم يتبق في جيرنزي سوى قلة من الرجال المرغوبين وبالتأكيد لم يكن هناك أحد مثير، كان الكثير منا مرهقاً ومهلهلاً وقلقاً ورث الثياب وحافي القدمين وقذراً. كنا مهزومين وبدا ذلك علينا بوضوح، لم تتبق لدينا الطاقة أو الوقت أو المال اللازم من أجل المتعة. لم يكن رجال جيرنزي يتمتعون بأي جاذبية، في حين كان الجنود الألمان يتمتعون بها. كانوا وفقاً لأحد أصدقائي طويلي القامة وشُقراً ووسيمين وقد اسمرّت بشرتهم بفعل الشمس ويبدون كالآلهة. كانوا يقيمون حفلات فخمة ورفقتهم مبهجة وممتعة، ويمتلكون السيارات ولديهم المال ويمكنهم الرقص طول الليل.

لكن بعض الفتيات اللواتي واعدن الجنود أعطين السجائر لآبائهن والخبز لأسرهن، كن يعدن من الحفلات وحقائبهن مليئة بالخبز والفطائر والفاكهة وفطائر اللحم والمربى، فتتناول عائلاتهن وجبة كاملة في اليوم التالي. لا أعتقد أن بعض سكان الجزيرة قد عدوا قط الملل خلال تلك السنوات دافعاً لمصادقة العدو، رغم أن الملل دافع قوي كما أن احتمالية المتعة عامل جذب قوي، خاصة عندما يكون المرء صغيراً في السن. كان هناك، في المقابل، الكثير من الأشخاص الذين رفضوا أن يكون لهم أي تعاملات مع الألمان، إذ إنه يكفي أن يلقي المرء تحية الصباح فحسب حتى يُعد متعاوناً مع العدو».