أكدت خلال الشهر الماضي أن رابطة الدوريات الإنجليزية الأدنى من الدوري الممتاز تواجه أكثر الأوقات حرجاً وخطورة في تاريخها، حيث تعاني من أجل التغلب على تداعيات توقف النشاط الرياضي بسبب تفشي فيروس كورونا. وفي الحقيقة، فإن ما رأيناه منذ ذلك الحين يعكس بوضوح عدم قدرة اللعبة على التصرف بشكل حاسم لحماية مستقبل كرة القدم على المستوى الاحترافي.
ويجب التأكيد على أن هذا ليس انتقاداً للأفراد المشاركين في المفاوضات التي تسعى لاستئناف المنافسات الرياضية، فهم يبذلون قصارى جهدهم، لكن ما يحدث في الوقت الحالي يعكس وجود عيوب هيكلية بالشكل الذي يمنع العمل بشكل متماسك. وبكل بساطة، من الواضح أن رابطة الدوريات الأدنى من الدوري الممتاز ورابطة اللاعبين المحترفين لم تنجحا في إحضار الأطراف الرئيسية الأخرى إلى طاولة المفاوضات.
وتميزت المرحلة الأولى من المفاوضات بالقتال من أجل الحصول على الأموال، في ظل توقف العائدات المالية التي كانت تحصل عليها الأندية من عائدات بيع تذاكر المباريات. ورغم وجود اتفاق سريع على أن تأجيل دفع رواتب اللاعبين قد يساهم في حل هذه الأزمة، فقد تُرك الأمر للأندية واللاعبين لكي يتوصلوا إلى اتفاق معا بهذا الشأن. وقد وافق بعض اللاعبين على تأجيل الحصول على مستحقاتهم المالية، في حين لم يوافق آخرون، كما أن الأمر يختلف من نادٍ لآخر. وكانت الحصيلة، من وجهة نظري، قليلة جداً ومتأخرة جداً بالنسبة للعديد من الأندية. وعلاوة على ذلك، فإن الصعوبة في تأجيل دفع رواتب اللاعبين تشير بوضوح إلى أن صناعة كرة القدم ليست في وضع جيد لمواجهة المرحلة الثانية الأكثر تعقيداً من أزمة تفشي وباء كورونا.
لقد بدأت كرة القدم في التخطيط لكيفية البقاء على قيد الحياة لفترة طويلة بدون دخل، وفي ظل الكساد الكبير الذي يتوقع أن تواجهه بعد انتهاء أزمة فيروس كورونا. وبالنسبة لدوري الدرجة الثانية ودوري الدرجة الثالثة في إنجلترا، فإن الأندية في حاجة ملحة للغاية للحصول على عائدات تذاكر المباريات مرة أخرى، وبدون تدخل خارجي فإنني أجد صعوبة كبيرة في رؤية كيفية تعويض هذه الأندية لخسارتها من تذاكر المباريات في ظل استئناف المباريات بدون جمهور! وتشير العديد من التقارير إلى أنه من الصعب للغاية عودة الجمهور إلى الملاعب قبل نهاية العام الجاري. وفي ظل توقف هذه الإيرادات، فإن الأندية تواجه صعوبة كبيرة في دفع أجور اللاعبين.
وإذا لم تحصل الأندية على دعم نقدي من مصدر آخر، فإنها ستضطر إلى تسريح عدد من اللاعبين، بمجرد انتهاء الدعم الحكومي الذي تحصل عليه الآن لكي تتمكن من الاستمرار في دفع رواتب اللاعبين والعاملين. ومن المحتمل أن تبدأ الأندية بتسريح العمالة الزائدة في المكاتب في بادئ الأمر، نظرا لأن عقود اللاعبين - التي تلتهم الجانب الأكبر من الموارد - غير قابلة للمس!
ونظراً لأن عقود اللاعبين محددة المدة، فحتى لو اضطرت الأندية للاستغناء عن اللاعبين فإنها ستدفع قيمة عقودهم بالكامل ولن تحقق أن توفير. وما لم يتغير الوضع الحالي، فإن العديد من الأندية لن تتمكن من دفع رواتب لاعبيها. وحتى بالنسبة للأندية التي تستطيع دفع رواتب اللاعبين في ظل هذه الظروف، فإنه سيكون من غير المنطقي أن يواصل اللاعبون الحصول على رواتبهم بالكامل، رغم أنهم لا يلعبون، في الوقت الذي يفقد فيه زملاؤهم من ذوي الأجور المنخفضة سبل معيشتهم.
ويبدو من غير المحتمل أن يتم إنهاء الموسم الجاري. وما لم يتغير الوضع الحالي، فسيكون هناك نحو 1400 لاعب تنتهي عقودهم بنهاية يونيو (حزيران) المقبل، ومن المؤكد أن عددا قليلا جدا من هؤلاء اللاعبين سيتمكنون من الانتقال إلى أندية أخرى. وأعتقد أن معظم الأندية - خاصة تلك التي تقاتل من أجل الصعود للدوريات الأعلى أو تلك التي تقاتل من أجل تجنب الهبوط - سوف تسمح بانتهاء عقود لاعبيها بغض النظر عما سيحدث بعد ذلك. وإذا كان هناك احتمال لاستكمال الموسم خلال فصل الصيف، فإن النتيجة المحتملة ستتمثل في وجود أندية ضعيفة يتم تدعيمها باللاعبين الشباب من أجل تقليص النفقات إلى أدنى مستوى ممكن. وإذا حدث ذلك، فإن الفكرة القائلة بأن لعب الموسم حتى نهايته يحمي نزاهة المنافسة الرياضية، ستكون مجرد وهم كبير.
إنني أعتقد أن هناك وجهة نظر قوية للغاية تقول إن الظروف الاستثنائية لوباء كورونا وحظر جميع أنشطة كرة القدم تعني أن عقود اللاعبين قد أصبحت ملغاة بحكم القانون. وإذا كان هذا صحيحاً، فإن هذه العقود تصبح باطلة ولا يتعين على الأندية الالتزام ببنودها. ومع ذلك، فإنني لا أرى أي دليل على إجبار الأطراف المعنية على مواجهة هذا السيناريو. في الحقيقة، هناك حاجة إلى حلول جذرية سريعة، لأنه لا يمكن حل المشكلة إلا إذا تم تخفيض أجور اللاعبين، على الأقل حتى عودة الجماهير إلى الملاعب وقدرة الأندية على الحصول على موارد مالية من بيع تذاكر المباريات. وقد يتطلب الأمر استخدام رابطة اللاعبين المحترفين لبعض احتياطياتها النقدية الكبيرة لدعم الأندية في دفع أجور اللاعبين، حتى تتمكن الأندية من الحصول على مواردها المالية المعتادة مرة أخرى. وما فائدة هذه الاحتياطيات إذا لم تستخدم في مساعدة اللاعبين في وقت عصيب مثل الوقت الحالي؟
وهناك المزيد من المخاطر التي تنتظرنا، حيث أعتقد أن تمويل ملاك الأندية سينخفض كثيراً بسبب التأثير الكبير لأزمة كورونا على شركاتهم ومؤسساتهم التجارية. ولعل الأمر الأكثر خطورة هو أن المُلاك قد يفكرون في بيع الأندية بمقابل مادي قليل، وبالتالي قد نرى هذه الأندية في نهاية المطاف تحت ملكية جهات أو أشخاص لا يرتقون لمستوى كرة القدم الإنجليزية. وإذا كنا نريد استمرار كرة القدم، فيتعين علينا أن نفكر في جميع التفاصيل المتعلقة بهيكل هذه اللعبة. وقبل كل شيء، هناك حاجة لإعادة التفاوض بشأن عقود اللاعبين في الأندية الإنجليزية. كما يتطلب الأمر النظر في عناصر أخرى، مثل إلغاء المبالغ الضخمة التي تحصل عليها الأندية التي تهبط من الدوري الإنجليزي الممتاز، وإصلاح شامل للقوانين المنظمة لملكية الأندية، ومراقبة الصحة المالية للأندية؛ وإلغاء قانون الدائنين في كرة القدم، لأنه بغيض من الناحية الأخلاقية، على سبيل المثال.
وقبل تفشي فيروس كورونا، كانت أندية الدوريات الإنجليزية الأدنى من الدوري الممتاز تبحث عن طرق تساعدها على الاستمرار في دفع أجور اللاعبين والاستدامة من الناحية المالية. لكن التأثير السلبي لتفشي الفيروس - في ظل معاناة الأندية من الناحية المالية وتحملها لديون ثقيلة وحاجتها لدعم مالي من أجل الاستمرار - يعني أننا بحاجة إلى لوائح فعالة على الفور. ورغم أن التركيز على الاستدامة على المدى الطويل أمر ضروري، فإننا بحاجة إلى البساطة على المدى القصير، وبحاجة إلى لوائح صارمة لا يمكن خرقها بسهولة، مثل وضع حد أقصى للأجور، وربما وضع حد أقصى لعدد اللاعبين في كل فريق.
وفي ظل عدم قدرة الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم على قيادة دفة الأمور في تلك الأوقات الصعبة، فإنني أعتقد أن الوقت قد حان للبحث عن جهة أخرى قادرة على وضع وتنفيذ القوانين من أجل مصلحة هذه اللعبة.
لقد أظهرت الأشهر القليلة الماضية أن أندية الدوريات الإنجليزية الأدنى من الدوري الممتاز ليست قادرة على القيام بهذا الأمر بنفسها، بسبب تضارب المصالح، والتفاوت المالي الكبير بين بعضها البعض، بالإضافة إلى «السلطة المزعومة» لرابطة اللاعبين المحترفين، إن جاز التعبير. لقد تم تهميش الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم لسنوات طويلة من قبل اللعبة الاحترافية التي كانت تريد أن تعمل بمفردها وأن تحل مشاكلها بنفسها، وبالتالي لم يكن لدى الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم القوة أو الرغبة لإيجاد حلول مناسبة. لكن الآن، يجب أن تكون هناك جهة قادرة على القيام بهذا الأمر من أجل مصلحة الأندية ومصلحة اللعبة ككل.
أجور النجوم الباهظة ستؤدي إلى إفلاس أندية... وعلى رابطة اللاعبين المحترفين التدخل
من غير المنطقي أن يواصلوا الحصول على رواتبهم كاملة رغم أنهم لا يلعبون
أجور النجوم الباهظة ستؤدي إلى إفلاس أندية... وعلى رابطة اللاعبين المحترفين التدخل
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة