خاسرون ورابحون في الحرب على «كوفيد ـ 19»

TT

خاسرون ورابحون في الحرب على «كوفيد ـ 19»

في كل حرب هناك خاسر ورابح، وبما أن البعض شبّه الصراع العالمي الحالي لمواجهة فيروس «كورونا» بحرب عالمية من نوع جديد، فإن ما خلّفته حتى الآن من خسائر بشرية واقتصادية، لا تُقدر بثمن. المأساة أنه لا أحد يعرف متى ستنتهي هذه الحرب، والأغلبية تُشكك فيما إذا كانت الحياة ستعود إلى سابق عهدها في يوم ما. كل ما يعرفونه أن المؤشرات لا تُبشر بخير ولسنوات. نظرة سريعة إلى الخاسرين في هذه الحرب تؤكد انتماء أغلبهم إلى قطاعات معنية بالترف مثل السيارات والساعات والسياحة والسفر والموضة، بينما الرابحون هم الذين استثمروا في الأونلاين، مثل «نتفليكس» التي ارتفع عدد مشتركيها في الفترة الممتدة بين يناير (كانون الثاني) ومارس (آذار) إلى 15,8 مليون و«أمازون» التي حققت أرباحاً هائلة في الأشهر الأخيرة.
هناك استثناءات أخرى تشمل شركات الأغذية مثل «دانون» بفضل الإقبال الكثيف على الألبان المخصصة للأطفال، وعلامات «كنور» و«ليبتون» و«دوف» و«ماغنوم»، التي تمكّنت من زيادة إيراداتها بشكل طفيف بفضل إقدام الزبائن على الطبخ، كما على التخزين. ومع اقتراب الإعلان عن النتائج الفصلية، من المتوقع أن يكشف العديد من الشركات عن بيانات في غاية السلبية مثل مجموعة «أكور» الفندقية الفرنسية العملاقة التي سجلت تراجعا بنسبة 17% بعد إغلاق ثلثي فنادقها البالغ عددها الإجمالي 5 آلاف فندق حول العالم، فيما تتوقّع مجموعة «سوديكسو» للمطاعم «تداعيات كبرى» للجائحة على نتائجها. كما يتوقّع اتحاد النقل الجوي الدولي «أياتا» تراجع الإيرادات بـ314 مليار دولار في عام 2020، حتى مجموعة «هيرميس» التي تعد منتجاتها حلم كل متابع للموضة في العالم، أعلنت أن مبيعاتها «ستتأثر بقوة» في الفصل الثاني من العام. مجموعة «كيرينغ» التي تضم بيوت أزياء مثل «غوتشي» و«سان لوران» و«بالنسياغا» و«بوتيغا فينيتا» وغيرها، هي الأخرى شهدت تراجع إيراداتها بأكثر من 15% في الفصل الأول من العام. ويتوقع أن تتراجع إيراداتها، ومجموعة «ريشمون» المالكة للعديد من شركات الساعات السويسرية، ودار «كلوي» للأزياء بنسبة 25 إلى 30%. غنيٌّ عن القول الإشارة إلى المحلات والمتاجر التي تعرضت لخسائر فادحة بسبب إغلاقها لأشهر الآن، وهو ما أدى إلى إعلان بعضها إفلاسها وإغلاقها للأبد مثل «ديبنهامز» في لندن و«نيمان ماركوس» في الولايات المتحدة وغيرهما.
لكن يبقى برنار أرنو، أغنى رجل في فرنسا ومالك العديد من بيوت الأزياء وشركات العطور التي تنضوي تحت مجموعته العملاقة «إل في إم إتش» من أكثر الخاسرين في عالم الترف لحد الآن. فقد خسر نحو 30 مليار دولار أميركي، وهو ما يعادل ما حققه جيف بيزوز صاحب «أمازون» من أرباح في الفترة نفسها. ومع ذلك يُعلق الخبراء أن برنار أرنو قد يكون متضرراً لكن لا يمكن نعته بالخاسر، لأنه تعوّد على تذبذبات السوق ويعرف كيف يتجاوزها بحنكة وصبر. فالمعروف عنه أنه رجل أعمال من الطراز الأول، ويعرف كيف يتصيد الفرصة، الأمر الذي دفع البعض إلى إطلاق لقب «القرش» عليه. لقب حاول تغييره في بداية الأزمة عندما حوّل مصانع عطور «جيفنشي» و«ديور» وورشات «لويس فويتون» إلى معامل لصناعة المطهرات والكمامات لصالح العاملين في القطاع الصحي. انتبه إلى أن حقيبة من «ديور» أو عطراً من «جيفنشي» لا أهمية له مقارنةً بكمامة تقي من عدوى «كوفيد - 19». ما يُعرف عنه منذ الثمانينات قُدرته على تطويع الأزمات الاقتصادية لصالحه بشرائه أسهم علامات تاريخية مهمة، كان آخرها شركة «تيفاني آند كو» التي استحوذ عليها مقابل 16 مليار دولار، في أكبر عملية من نوعها في تاريخ المجوهرات. أرنو أيضاً يمتلك العديد من الفنادق والمنتجعات الفخمة، وعلى الرغم من أن قطاع السياحة والسفر من أكبر القطاعات المتضررة من «كوفيد - 19» فإن خسارته لـ30 مليار دولار من الإيرادات لن توقفه عن تنفيذ مشاريع في هذا المجال. فهو عازم على افتتاح مجمع «ساماريتان» الذي صممه كمتجر وكفندق فخم على بُعد دقائق من اللوفر، علماً بأن المشروع كلّفه مليار دولار لحد الآن واستغرق تصميمه وترميمه أعواماً.

كذلك الأمر بالنسبة إلى التحضيرات الجارية لافتتاح فندق «شوفال بلون» بروديو درايف بلوس أنجليس. هذا الإصرار، أو المكابرة، تشمل أيضاً بيوت أزياء مثل «جيفنشي»، التي تجري فيها التحضيرات على قدم وساق استعداداً للمشاركة في أسبوع باريس في شهر سبتمبر (أيلول) المقبل رغم أنها تفتقر لمدير إبداعي بعد أن غادرتها المصممة البريطانية كلير وايت كيلر منذ أشهر.


مقالات ذات صلة

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

آسيا أحد أفراد الطاقم الطبي يعتني بمريض مصاب بفيروس كورونا المستجد في قسم كوفيد-19 في مستشفى في بيرغامو في 3 أبريل 2020 (أ.ف.ب)

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

قالت منظمة الصحة العالمية إن زيادة حالات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي الشائعة في الصين وأماكن أخرى متوقعة

«الشرق الأوسط» (لندن )
صحتك جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)

بعد «كوفيد»... هل العالم مستعد لجائحة أخرى؟

تساءلت صحيفة «غارديان» البريطانية عن جاهزية دول العالم للتصدي لجائحة جديدة بعد التعرض لجائحة «كوفيد» منذ سنوات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

فيروس مدروس جيداً لا يثير تهديدات عالمية إلا إذا حدثت طفرات فيه

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية play-circle 01:29

فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية

فيروس تنفسي معروف ازداد انتشاراً

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أحد الأرانب البرية (أرشيفية- أ.ف.ب)

الولايات المتحدة تسجل ارتفاعاً في حالات «حُمَّى الأرانب» خلال العقد الماضي

ارتفعت أعداد حالات الإصابة بـ«حُمَّى الأرانب»، في الولايات المتحدة على مدار العقد الماضي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

كندا: ترودو يستقيل من زعامة الحزب الليبرالي

TT

كندا: ترودو يستقيل من زعامة الحزب الليبرالي

ترودو متأثراً خلال إعلان استقالته في أوتاوا الاثنين (رويترز)
ترودو متأثراً خلال إعلان استقالته في أوتاوا الاثنين (رويترز)

أعلن رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو (53 عاماً) استقالته من منصبه، الاثنين، في مواجهة ازدياد الاستياء من قيادته، وبعدما كشفت الاستقالة المفاجئة لوزيرة ماليته عن ازدياد الاضطرابات داخل حكومته.

وقال ترودو إنه أصبح من الواضح له أنه لا يستطيع «أن يكون الزعيم خلال الانتخابات المقبلة بسبب المعارك الداخلية». وأشار إلى أنه يعتزم البقاء في منصب رئيس الوزراء حتى يتم اختيار زعيم جديد للحزب الليبرالي.

وأضاف ترودو: «أنا لا أتراجع بسهولة في مواجهة أي معركة، خاصة إذا كانت معركة مهمة للغاية لحزبنا وبلدنا. لكنني أقوم بهذا العمل لأن مصالح الكنديين وسلامة الديمقراطية أشياء مهمة بالنسبة لي».

ترودو يعلن استقالته من أمام مسكنه في أوتاوا الاثنين (رويترز)

وقال مسؤول، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إن البرلمان، الذي كان من المقرر أن يستأنف عمله في 27 يناير (كانون الثاني) سيتم تعليقه حتى 24 مارس، وسيسمح التوقيت بإجراء انتخابات على قيادة الحزب الليبرالي.

وقال ترودو: «الحزب الليبرالي الكندي مؤسسة مهمة في تاريخ بلدنا العظيم وديمقراطيتنا... سيحمل رئيس وزراء جديد وزعيم جديد للحزب الليبرالي قيمه ومثله العليا في الانتخابات المقبلة... أنا متحمّس لرؤية هذه العملية تتضح في الأشهر المقبلة».

وفي ظل الوضع الراهن، يتخلف رئيس الوزراء الذي كان قد أعلن نيته الترشح بفارق 20 نقطة عن خصمه المحافظ بيار بوالييفر في استطلاعات الرأي.

ويواجه ترودو أزمة سياسية غير مسبوقة مدفوعة بالاستياء المتزايد داخل حزبه وتخلّي حليفه اليساري في البرلمان عنه.

انهيار الشعبية

تراجعت شعبية ترودو في الأشهر الأخيرة ونجت خلالها حكومته بفارق ضئيل من محاولات عدة لحجب الثقة عنها، ودعا معارضوه إلى استقالته.

ترودو وترمب خلال قمة مجموعة العشرين في هامبورغ 8 يوليو 2017 (رويترز)

وأثارت الاستقالة المفاجئة لنائبته في منتصف ديسمبر (كانون الأول) البلبلة في أوتاوا، على خلفية خلاف حول كيفية مواجهة الحرب التجارية التي تلوح في الأفق مع عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض.

وهدّد ترمب، الذي يتولى منصبه رسمياً في 20 يناير، بفرض رسوم جمركية تصل إلى 25 في المائة على السلع الكندية والمكسيكية، مبرراً ذلك بالأزمات المرتبطة بالأفيونيات ولا سيما الفنتانيل والهجرة.

وزار ترودو فلوريدا في نوفمبر (تشرين الثاني) واجتمع مع ترمب لتجنب حرب تجارية.

ويواجه ترودو الذي يتولى السلطة منذ 9 سنوات، تراجعاً في شعبيته، فهو يعد مسؤولاً عن ارتفاع معدلات التضخم في البلاد، بالإضافة إلى أزمة الإسكان والخدمات العامة.

ترودو خلال حملة انتخابية في فانكوفر 11 سبتمبر 2019 (رويترز)

وترودو، الذي كان يواجه باستهتار وحتى بالسخرية من قبل خصومه قبل تحقيقه فوزاً مفاجئاً ليصبح رئيساً للحكومة الكندية على خطى والده عام 2015، قاد الليبراليين إلى انتصارين آخرين في انتخابات عامي 2019 و2021.

واتبع نجل رئيس الوزراء الأسبق بيار إليوت ترودو (1968 - 1979 و1980 - 1984) مسارات عدة قبل دخوله المعترك السياسي، فبعد حصوله على دبلوم في الأدب الإنجليزي والتربية عمل دليلاً في رياضة الرافتينغ (التجديف في المنحدرات المائية) ثم مدرباً للتزلج على الثلج بالألواح ونادلاً في مطعم قبل أن يسافر حول العالم.

وأخيراً دخل معترك السياسة في 2007، وسعى للترشح عن دائرة في مونتريال، لكن الحزب رفض طلبه. واختاره الناشطون في بابينو المجاورة وتعد من الأفقر والأكثر تنوعاً إثنياً في كندا وانتُخب نائباً عنها في 2008 ثم أُعيد انتخابه منذ ذلك الحين.

وفي أبريل (نيسان) 2013، أصبح زعيم حزب هزمه المحافظون قبل سنتين ليحوله إلى آلة انتخابية.

وخلال فترة حكمه، جعل كندا ثاني دولة في العالم تقوم بتشريع الحشيش وفرض ضريبة على الكربون والسماح بالموت الرحيم، وأطلق تحقيقاً عاماً حول نساء السكان الأصليين اللاتي فُقدن أو قُتلن، ووقع اتفاقات تبادل حرّ مع أوروبا والولايات المتحدة والمكسيك.