«بن لادن الصحراء» سيرة لشاب مغمور أصبح أبرز قادة «القاعدة» بالساحل

مراسل سابق لـ«بي بي سي» عايش يوميات التنظيم.. وواجه الاتهام بالتجسس

مؤلف الكتاب الأمين محمد سالم مع أحد قيادات القاعدة
مؤلف الكتاب الأمين محمد سالم مع أحد قيادات القاعدة
TT

«بن لادن الصحراء» سيرة لشاب مغمور أصبح أبرز قادة «القاعدة» بالساحل

مؤلف الكتاب الأمين محمد سالم مع أحد قيادات القاعدة
مؤلف الكتاب الأمين محمد سالم مع أحد قيادات القاعدة

لم يكن الصحافي العربي محمد الأمين الذي خبر منطقة الساحل والصحراء يخطط عندما زار مالي أول مرة، أن يقدم للعالم شخصية تعتبر الأكثر تأثيرا في التنظيمات المتشددة في المنطقة. لكن مهماته الصحافية قادته إلى نقاط مظلمة وغير معروفة من تاريخ تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» من خلال تتبع سيرة أهم قادته.
اختار المراسل السابق للخدمة الفرنسية في «بي بي سي» أن يسلط الضوء على التنظيم المتشدد عبر زاوية من يعتبر أبرز قادته ورجله القوي والفاعل في منطقة الساحل والصحراء، الجزائري مختار بلمختار (المعروف بخالد أبو العباس و«الأعور»)، القائد الحالي لكتيبة «الموقعين بالدماء»، والتي عرفت أيضا بـ«المرابطين» و«الملثمين»، ومن أعنف عملياتها هجوم «عين أميناس» في الجزائر، العام الماضي.
«بن لادن الصحراء» كتاب هو الأول من نوعه، يقدم في 208 صفحات؛ صورة مقربة لتنظيم شهد توسعا كبيرا خلال العقدين الأخيرين، وكان وراء ذلك بلمختار الذي انتقل من شاب مغمور عائد من القتال في أفغانستان (ذهب إليها 1991 وعمره 19 عاما)، إلى القيادي الأبرز في المجموعات المتشددة في المنطقة.
الكتاب الصادر باللغة الفرنسية، عن منشورات «لا مارتنيير» في فرنسا أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، يعتبر «تحقيقا غير مسبوق حول شخصية مشهورة، لكنها غير معروفة»، بحسب الناشر.
يضم الكتاب 10 فصول أساسية، و4 أخرى تمهيدية وختامية، ويحمل الفصل العاشر عنوان «على خطى بن لادن الصحراء»، بينما تروي الفصول الأولى يوميات التنظيم وتاريخه.
ويقول مؤلف الكتاب الصحافي الموريتاني المقيم في فرنسا الأمين ولد محمد سالم إنه يقدم «بروفايل» عن أقدم قائد سلفي متشدد في منطقة الصحراء الكبرى، والعقل المدبر لأكثر العمليات، وصاحب الخبرة والتأثير والنفوذ، على الرغم من أنه لم يكن معروفا خلال السنوات الأخيرة، حيث صبت الصحافة اهتمامها باتجاه قائد تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» عبد المالك درودكال، والقيادي الآخر عبد الحميد أبوزيد؛ وتغاضت عن بلمختار.
ويقول الأمين، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إنه اعتمد على عمل ميداني خلال أشهر من الإقامة المتقطعة في تمبكتو وغاو وكيدال شمال مالي بين 2010 و2013 قبل سيطرة الجماعات المتشددة عليها وأثناء سيطرتها وبعد طردها.
الصحافي المغامر، والذي يعمل حاليا مراسلا لصحيفتي «لا تربين دو جنيف» السويسرية و«سيد إست» الفرنسية، يقول إنه حاول قدر المستطاع ألا يعتمد على المصادر الرسمية (المخابرات ورجال الأمن)، مع أنه لجأ مرات لمسؤولين سياسيين وأمنيين، لكنه ركز في تحقيقه الاستقصائي، على عناصر من مقربي بلمختار في مقدمتهم الحسن ولد الخليل (المعروف بجليبيب) الناطق باسمه وساعده الأيمن. وكذلك عمر ولد حماها القائد العسكري للتنظيم وصهر بلمختار، وحمادة محمد خيرو مؤسس «جماعة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا» ورئيس «مجلس القضاء» في غاو، إضافة إلى تجار ومهربين ووجهاء قبليين تعايشوا وعملوا مع بلمختار ويعرفونه عن قرب.
تعود البدايات الأولى لظهور قوة بلمختار حين باغت نقطة عسكرية للجيش الموريتاني على الحدود مع الجزائر وقت صلاة الفجر، يوم 4 يونيو (حزيران)، فقتل 15 جنديا وقائدهم وأصيب 17 بجروح، من أصل 53 عسكريا، بينما قتل 6 متشددين من أصل أكثر من 150 شنوا الهجوم.
تحولت «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» في الجزائر إلى «القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي» فكان لبلمختار دور محوري في الفصل الجديد، وبدأ عملية توغل داخل الأراضي المالية ولم تعد الجزائر هي القاعدة الارتكازية الوحيدة. ويوم 24 ديسمبر (كانون الأول) 2007، كان عناصر من أتباع بلمختار ينفذون أول هجوم ضد الفرنسيين في المنطقة، حيث قتلوا 4 سياح قرب مدينة آلاك الموريتانية (نحو 260 كلم جنوب شرقي نواكشوط)، وبعدها بيومين نفذ مسلحون آخرون هجوما قتلوا خلاله جنديا موريتانيا في منطقة «الغلاوية» في ولاية آدرار شمال البلاد. فكان الهجومان المتتاليان سببا مباشرا في إلغاء سباق باريس - داكار الشهير وتحويله إلى أميركا الجنوبية، بعد 28 سنة في أفريقيا.
يروي الكتاب، كيف كان بلمختار غامضا في بدايته، لكنه تمكن من توطيد قدميه في منطقة كانت عصية، وتمكن من «اختراق» الصحراء، وقيادة أكثر العمليات الإرهابية إثارة.
يقول المؤلف في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إن الجزائري بلمختار (المولود 1972 بغرداية جنوب الجزائر) مقتنع أنه «على حق» ويطمح في تجسيد حلم أن يكون بن لادن آخر في عمق الصحراء. ويصفه بأنه «إنسان جهادي متشدد ومتعصب، لكنه مؤمن جدا بكل ما يقوم به».

* البداية.. زواج مصلحة

* عرف الجزائري المتشدد كيف يعزز وجوده في منطقة أغلب سكانها من العرب والطوارق المحافظين. فاختار الزواج من فتاة تنتمي لإحدى الأسر النبيلة من «أولاد إدريس» وهم من قبيلة البرابيش العربية، في منطقة «لرنب» شمال مالي، والتي يغلب عليها الطابع البدوي. وتعيش على الأسواق الأسبوعية المتنقلة في المنطقة الحدودية بين موريتانيا ومالي.
ويشير الكتاب إلى أن هذا الزواج شكل نقطة تحول كبرى لبلمختار، ولكن عقد القران لم يمر مرور الكرام، فقد اعتاد السكان المحليون أن يكون الزواج داخليا فقط، ورغم أن بلمختار ينتمي لقبيلة «الشعانبة» العربية بالجزائر وأحد فروع «بني سليم»، فإنه بالنسبة للبرابيش هو رجل من بيئة مختلفة. «فكانت هذه المرة الأولى في التاريخ التي تتزوج فيها فتاة نبيلة من البرابيش مع رجل ليس من مقامها»، يقول محمد محمود أحد الشهود على الزواج.
كانت تلك البداية الفعلية ليصبح «بن لادن الصحراء» نافذا، معتمدا على تحالف قائم على «زواج مصلحة»، فبات يعرف المنطقة وتفاصيلها أكثر من أهلها. ومن ثم استطاع تجنيد المئات من مختلف البلدان المحيطة من العرب والطوارق والزنوج، ولم يعد يركز على العناصر الجزائرية فقط.
ويروي الكتاب عن مصدر حكومي مالي، كيف أن هذا الزواج شكل «صفقة جيدة» لكلا الطرفيين، فبلمختار أصبح في حماية واحدة من أقوى القبائل بشمال مالي، كما أن أسرة زوجته غنية. وبالتالي أصبح هناك «تبادل للأعمال»، حيث كان هو وتنظيمه يجدون سوقا جيدة للتبييض، وبيع السيارات المسروقة من الجزائر، كما أنه اشترك في أعمال تجارية مع أصهاره.
ويتقصى الكتاب أسطور «السيد مالبورو» التي كان يوصف بها بلمختار في إشارة لبيعه السجائر المهربة؛ قائلا إن كل التحقيقات والمقابلات تؤكد أنه لا يعمل في تهريب المخدرات والسجائر، وإنما يعتمد على الأموال التي يجنيها من الفديات التي تقدمها الدول الغربية لإطلاق سراح مواطنيها المختطفين. بحسب عمر ولد حماها القائد العسكري لجماعة بلمختار، وعم زوجته. والذي أجرى معه المؤلف مقابلة مطولة.
ويؤكد أحد كبار المسؤولين في منطقة الساحل هذه المعلومات. لكنه يضيف أن بلمختار عمل طويلا في تهريب المحروقات من الجزائر، حيث اللتر الواحد يباع بـ10 سنتيمات من اليورو داخل الجزائر، ويباع بضعف هذا المبلغ 10 مرات في دول المنطقة.
الصحافي مؤلف الكتاب، والذي عمل لسنوات مع مؤسسات إعلامية عريقة من بينها صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية، يؤكد أنه في نهاية 2010 زار موريتانيا وشمال مالي لإنجاز تقرير استقصائي لقناة «فرانس 2» بعنوان «على خطى القاعدة في الساحل» ضمن برنامج «مبعوث خاص»؛ حينها لم يفكر في تأليف كتاب، بل في سلسلة مقالات.
لكن في أبريل (نيسان) 2012 بعد دخول الحركة الوطنية والجماعات الإسلامية المتشددة إلى تمبكتو وغاو. ذهب إلى غاو، لإنجاز عمل تلفزيوني عن الحركة الوطنية لتحرير أزواد، وقضية الطوارق. «وبعد وصولنا اكتشفت أن المدينة تسيطر عليها جماعة التوحيد والجهاد وجماعة بلمختار، ومن هذه النقطة بدأ الاهتمام، حيث كان الكل يتحدث حول بلمختار»، يقول ولد محمد سالم. وترسخت فكرة الكتاب عندما عاد الصحافي - المؤلف في أغسطس (آب) من العام نفسه عن طريق تمبكتو، حيث «أنصار الدين» و«القاعدة». واستمر في البحث والتنقل بين المدن التي تسيطر عليها الجماعات المتشددة، وبعد طرد القوات الفرنسية لها عاد إلى المنطقة، وسافر إلى النيجر وبوركينا فاسو، ثم إلى موريتانيا عبر الجزائر والسنغال.
وبدأ العمل على الكتاب يناير (كانون الثاني) من العام الحالي، وعاد إلى المنطقة في فبراير (شباط) الموالي. ليبدأ فعليا الكتابة في مايو (أيار) الماضي، «وفرضت على نفسي نمطا صعبا من العمل. فكنت أمضي 15 ساعة يوميا متواصلة في الكتابة، حتى نهاية يوليو (تموز)»، يقول المؤلف.

* صحافي أم جاسوس؟

* يقول مؤلف «بن لادن الصحراء»، إنه لم يواجه «مخاطر» مباشرة، وإنما عاش «هواجس ومخاوف». ففي سفره الأول إلى شمال مالي في 2010، رتب كل شيء مع الطوارق (الحركة الوطنية)، ولكن صادف يوم خروجهم من كيدال إلى غاو اختطاف شابين فرنسيين في نيامي عاصمة النيجر، قتلا لاحقا في اشتباك بين قوات فرنسية خاصة، وجماعة بلمختار.
وفي المرة الثانية ربيع 2012، كان برفقته مصور فرنسي، وكان يخشى عليه من الاختطاف رغم أن الطوارق وفروا لهما الحراسة بـ40 مسلحا.
وفي صيف 2012 خلال زيارته الثالثة، كان يواجه نظرات الاتهام بـ«التجسس» التي تلاحقه، بما أنه صحافي موريتاني يعمل في فرنسا، وهما بلدان في حرب مع هذه التنظيمات. وقد قبل الأمين ولد محمد سالم الالتزام بـ15 شرطا مكتوبا قدمتها «أنصار الدين» في تمبكتو. وأكد لهم أنه لا يريد أن يرى الأشياء «الحساسة»، وإنما يسعى لمتابعة الحياة اليومية في ظل سيطرتهم. ويقول: «في الأيام الأولى كانت نظرات الريبة تلاحقني، وكنت تحت المراقبة. وكان بعضهم (خصوصا من الموريتانيين) ينظر إلى على أنني جاسوس. ولكن تبين لهم أنني مجرد صحافي يقوم بعمله».
يقول ولد محمد سالم، إن كتابه ليس فقط حول بلمختار وسيرته الشخصية، وإنما أخذه ليكون مفتاحا للمنطقة والأحداث التي وقعت خلال 20 سنة الأخيرة. من عمليات الاختطاف والعنف والتمرد.
ويعرب عن أمله الكبير في أن يترجم بأسرع وقت إلى اللغة العربية، وقد تواصل معه أشخاص من مختلف الدول العربية يتساءلون عن الترجمة العربية، حتى قبل صدور الكتاب. ويقول إنه يبحث الآن عن آلية لذلك. وقد أبلغ الناشر بأن الطلب كبير على الترجمة العربية. ويشير إلى أنه تواصل قبل أيام مع دار نشر عربية بهذا الخصوص، لكن لا نتائج حتى الآن.
ويضيف: «إنها خسارة إن لم يترجم إلى العربية. أنا لا أكتب للفرنسيين فقط، وإنما لضرورات تتعلق بالعمل. فأنا عندما أكتب أفكر بكل من قد يقرأ. وهذا الكتاب موجه للجميع».



«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.