«داعش» سك عملته.. ويتعامل بالدولار

القطعة النقدية بقيمة 5 دانانير الأكثر قيمة تتضمن 21.25 غرام من الذهب عيار 21 وتساوي 694 دولارا

«داعش» سك عملته.. ويتعامل بالدولار
TT

«داعش» سك عملته.. ويتعامل بالدولار

«داعش» سك عملته.. ويتعامل بالدولار

أعلن «داعش»، الذي يسعى إلى إقامة دولة مكتفية ذاتيا، عن نيته بدء سك عملته الخاصة. رغم هذا الإعلان الذي يمكن وصفه بالطموح، يبقى التنفيذ العملي صعبا إن لم يكن مستحيلا، مع العديد من الخبراء الذين يشككون في إمكانية نجاح هذه الخطة على المدى البعيد.
يعتبر لؤي الخطيب، مدير معهد الطاقة في العراق وزميل زائر في مركز بروكنجز في الدوحة أن «العملة بحد ذاتها لا تعني شيئا، وهي مجرد مظهر آخر من مظاهر القوة. فتنظيم داعش يريد أن يعطي انطباعا بأنه دولة شرعية ويملك المؤسسات والمقوّمات التي تتمتع بها باقي الدول».
كان موقع مجموعة الاستخبارات «سايت» المعنية بتتبع مواقع الإنترنت المتطرفة، ورصد التهديدات الصادرة عن جماعات إرهابية قد أورد تفاصيل عن العملة الجديدة التي أطلقها «داعش». وذكر الموقع نقلا عن جهاديين أن القطع النقدية المسكوكة من الذهب والفضة والنحاس «ستسهم في رفع قيمة هذه المعادن في العالم، وتؤدي إلى تراجع قيمة العملات الورقية مثل الدولار الأميركي».
تتضمن عملة داعش الجديدة 7 مسكوكات؛ اثنتان من الذهب تشمل فئة الدينار الواحد والـ5 دنانير، و3 من الفضة تشمل فئة الدرهم الواحد وفئة الـ5 دراهم وفئة الـ10 دراهم، وأخيرا اثنتان من النحاس.
يقول الخبير الاقتصادي في بنك «بيبلوس» نقلا عما نشرته صحيفة «فاينانشيال تايمز»، إن القطعة النقدية بقيمة 5 دنانير، وهي الأكثر قيمة، تتضمن 21.25 غرام من الذهب عيار 21، وتساوي 694 دولارا تقريبا، في حين تحتوي القطعة النقدية الأقل قيمة أي فئة الـ10 فلوس على 10 غرامات من النحاس، وتساوي نحو 7 سنتات. أما الدراهم الفضية المقترحة، فتتراوح قيمتها بين 45 سنتا إلى 4.50 دولار، وفق الأسعار العالمية الحالية.
يشير هوارد شاتز باحث في «راند كوربوريشن» في واشنطن إلى أن «العملات المعدنية هذه قد تحظى بمعدل صرف مقابل عملات أخرى، على أساس سعر المعدن. فمن الناحية النظرية، فإن تم تصنيع القطع النقدية من الذهب والفضة والنحاس، كما يزعم التنظيم، فستستمد هذه القطع قيمتها من قيمة المعدن»، أما الخطيب، فيرى أنه حتى لو كان الذهب مصدرا مفيدا لتعزيز قيمة عملة «داعش»، إلا أنه لن يعترف أحد بشرعيتها.
وعملية سك النقود ليست بالأمر السهل حتى بالنسبة لأغنى منظمة إرهابية في العالم.. «فمن أجل إصدار كميات كافية من العملات المعدنية، لا بد أن يتأكد التنظيم من نفاذه إلى كميات كبيرة المعادن، ويضمن وتيرة ثابتة للإمدادات، وأن المعدن المستعمل ليس مزورا.. وهذه شروط ضرورية قد يواجه التنظيم صعوبة في استيفائها. أضف إلى أن تبادل السلع والخدمات في المناطق الخاضعة لسيطرة (داعش) يجري في بيئة خطرة للغاية تعمها الفوضى، ولا تتمتع بأي ثقة دولية أو محلية».
وعليه، يضع غبريل هذه الخطوة في إطار العملية التسويقية البحتة، مستبعدا أن تتحول إلى إجراءات جدية ومستدامة.
وفي محاولة لإضفاء طابع قانوني على خطته، أعلن «داعش» عن إنشاء منظمة «بيت المال» التي ستشرف على إصدار وتوزيع العملة الجديدة. غير أن سك العملات يتطلب أكثر بكثير من مؤسسة تنظيمية واحدة، بل يفترض وجود نظام نقدي شامل غير متوفر حتى تاريخه، في المناطق الخاضعة لـ«داعش». فوفق غبريل «لا بد من تأمين بنية تحتية قانونية وتكنولوجية ومالية وبشرية ضخمة للتمكن من إصدار أي عملة، بالإضافة إلى شرط أساسي بديهي يتمثل في دولة مُعترف بها». إن سك النقود وإدارتها سيضع على عاتق «داعش» مزيدا من النفقات، ناهيك عن ضرورة تأمين أشخاص مختصين بهذا العمل. أما في حال قررت المنظمة الانتقال إلى العملة الورقية، فمن المرجح أن تشهد سوء إدارة وتؤدي إلى معدلات تضخم هائلة، مما سيفاقم الأضرار التي يعاني منها أصلا الاقتصاد المحلي، وفقا لشاتز.
فضلا عن ذلك، تأتي مسألة ثقة الناس بهذه العملة وبالجهة التي تصدرها الفاقِدة أصلا لأي شكل من المصداقية، في مقدمة المشاكل التي تعترض خطة «داعش». ولكن نظرا للممارسات العنيفة في المناطق الخاضعة لسيطرة التنظيم قد يضطر البعض إلى قبول التعامل بها، من دون أن تشهد رواجا خارج مناطق التنظيم العاجز عن تأمين الحاجات الأساسية للسكان باستثناء النفط والتحف الأثرية المسروقة والقمح. «والسؤال المهم الذي يطرح نفسه (وفق شاتز) هو ما إذا كان (داعش) نفسه سيستخدم هذه العملة. وهل سيقبل مقاتلوه بها وسيلة لتسديد رواتبهم؟ وإلا فسيجد التنظيم نفسه مضطرا إلى متابعة تعامله بالدولار أو العملات الأخرى المشروعة».
ويبدو أن العوائق التي تواجه العملة «الداعشية» لا تتوقف عند هذا الحد، بل هي متجذرة في التاريخ. فقيمة أي عملة نقدية تتدهور بشكل كبير عند تخفيض كمية الذهب أو الفضة الموجودة فيها. حالة كانت شائعة في عهد الأباطرة الرومان حين كان يجري «تقليم العملة»، من خلال سرقة أجزاء صغيرة جدا من المعادن الثمينة المستخدمة في النقد لإعادة بيعها لاحقا من دون إجراء أي تغيير على قيمتها الاسمية. كما قد تخسر العملة النقدية قيمتها في حال تغير وزن القطعة أو نوعية المعدن المستعمل، من دون تغيير القيمة الفعلية.
أما بالنسبة إلى عملة «داعش» من «المستحيل التأكيد ما إذا كانت ستتدهور قيمتها أم لا»، وفقا لشاتز. إنما يبقى التحدي الرئيسي فيما إذا كانت هذه العملة ستكسب ثقة أي جهة، لا سيما إذا بدأ زخم التنظيم ينحسر أو بدأت سيطرته تتقلص، وبالتالي قدرته على جمع الإيرادات تتدهور.
غير أن الأمر المؤكد في هذه المسألة أن معظم الحكومات الشرعية ستحظر استخدام عملة «داعش» على أراضيها، مما يجعل من المستحيل التداول بها حتى في السوق السوداء، وقد تعمد الحكومات إلى فرض عقوبات على الأشخاص الذين يقبلونها. مع ذلك قد يتمكن التنظيم «من إجبار بعض الجهات الموجودة خارج نطاق سيطرته على استعمالها، مثلا إن اضطر البعض إلى شراء كميات القمح الهائلة التي يضع التنظيم يده عليها»، وفقا لشاتز.
بالنظر إلى حالة عدم اليقين السائدة، لا شك أن التجار يفضلون أن تسدد فواتيرهم بالدولار أو بالدينار العراقي، خصوصا أن العملة العراقية لم تفقد قيمتها، وهي ترتبط بسعر الدولار، فضلا عن أن البنك المركزي العراقي يملك نحو 83 مليار دولار من احتياطيات العملة الأجنبية، مما يسمح له بالحفاظ على الاستقرار النقدي.
بالتالي، يعتبر الدينار العراقي عملة مرغوبة في العراق، واستعماله مأمون ومنشود أكثر بكثير من «العملة النقدية»، ولا شك أيضا أن الدولار الأميركي سيبقى العملة المفضلة نظرا لإمكانية صرفه الواسعة. ويختتم غبريل قائلا إنه «لربما بدأ (داعش) التسويق لهذه العملة بعد أن شح مخزون الدولار لديه».



فرنسا في مواجهة الإرهاب بالساحل الأفريقي

تشييع جثامين الجنود الفرنسيين الذين لقوا حتفهم في تصادم بطائرتي هليكوبتر أثناء ملاحقة متشددين بمالي بداية الشهر (أ.ف.ب)
تشييع جثامين الجنود الفرنسيين الذين لقوا حتفهم في تصادم بطائرتي هليكوبتر أثناء ملاحقة متشددين بمالي بداية الشهر (أ.ف.ب)
TT

فرنسا في مواجهة الإرهاب بالساحل الأفريقي

تشييع جثامين الجنود الفرنسيين الذين لقوا حتفهم في تصادم بطائرتي هليكوبتر أثناء ملاحقة متشددين بمالي بداية الشهر (أ.ف.ب)
تشييع جثامين الجنود الفرنسيين الذين لقوا حتفهم في تصادم بطائرتي هليكوبتر أثناء ملاحقة متشددين بمالي بداية الشهر (أ.ف.ب)

غداة إعلان باريس مصرع 13 جندياً من مواطنيها، في حادث تحطم مروحيتين عسكريتين في جمهورية مالي الأفريقية، كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يعلن في مؤتمر صحافي أن بلاده تدرس جميع الخيارات الاستراتيجية المتعلقة بوجودها العسكري في منطقة الساحل الأفريقي.
في تصريحاته، أكد ماكرون أنه أمر الجيش الفرنسي بتقييم عملياته ضد المسلحين في غرب أفريقيا، مشيراً إلى أن جميع الخيارات متاحة، وموضحاً أن بلاده «ترغب في مشاركة أكبر من قبل حلفائها في المنطقة من أجل مكافحة الإرهاب».

هل يمكن عد تصريحات ماكرون بداية لمرحلة فرنسية جديدة في مكافحة الإرهاب على أراضي القارة السمراء، لا سيما في منطقة دول الساحل التي تضم بنوع خاص «بوركينا فاسو، ومالي، وموريتانيا، والنيجر، وتشاد»؟
يتطلب منا الجواب بلورة رؤية واسعة للإشكالية الأفريقية في تقاطعاتها مع الإرهاب بشكل عام من جهة، ولجهة دول الساحل من ناحية ثانية.
بداية، يمكن القطع بأن كثيراً من التحديات الحياتية اليومية تطفو على السطح في تلك الدول، لا سيما في ظل التغيرات المناخية التي تجعل الحياة صعبة للغاية وسط الجفاف، الأمر الذي يولد هجرات غير نظامية من دولة إلى أخرى. وفي الوسط، تنشأ عصابات الجريمة المنظمة والعشوائية معاً، مما يقود في نهاية المشهد إلى حالة من الانفلات الأمني، وعدم مقدرة الحكومات على ضبط الأوضاع الأمنية، وربما لهذا السبب أنشأ رؤساء دول المنطقة ما يعرف بـ«المجموعة الخماسية»، التي تدعمها فرنسا وتخطط لها مجابهتها مع الإرهاب، والهدف من وراء هذا التجمع هو تنسيق أنشطتهم، وتولي زمام الأمور، وضمان أمنهم، من أجل الحد من تغلغل الإرهاب الأعمى في دروبهم.
على أنه وفي زمن ما يمكن أن نسميه «الإرهاب المعولم»، كانت ارتدادات ما جرى لتنظيم داعش الإرهابي في العراق وسوريا، من اندحارات وهزائم عسكرية العامين الماضيين، تسمع في القارة الأفريقية بشكل عام، وفي منطقة الساحل بنوع خاص، ولم يكن غريباً أو عجيباً أن تعلن جماعات إرهابية متعددة، مثل «بوكو حرام» وحركة الشباب وغيرهما، ولاءها لـ«داعش»، وزعيمها المغدور أبي بكر البغدادي.
وتبدو فرنسا، فعلاً وقولاً، عازمة على التصدي للإرهاب القائم والآتي في القارة السمراء، وقد يرجع البعض السبب إلى أن فرنسا تحاول أن تحافظ على مكاسبها التاريخية السياسية أو الاقتصادية في القارة التي تتكالب عليها اليوم الأقطاب الكبرى، من واشنطن إلى موسكو، مروراً ببكين، ولا تود باريس أن تخرج خالية الوفاض من قسمة الغرماء الأفريقية، أي أنه تموضع عسكري بهدف سياسي أو اقتصادي، وفي كل الأحوال لا يهم التوجه، إنما المهم حساب الحصاد، وما تخططه الجمهورية الفرنسية لمواجهة طاعون القرن الحادي والعشرين.
في حديثها المطول مع صحيفة «لوجورنال دو ديمانش» الفرنسية، كانت وزيرة الجيوش الفرنسية، فلورانس بارلي، تشير إلى أن فرنسا تقود جهوداً أوروبية لتشكيل قوة عسكرية لمحاربة تنظيمي «داعش» و«القاعدة» في منطقة الساحل الأفريقي، وأن هناك خطوات جديدة في الطريق تهدف إلى تعزيز المعركة ضد العناصر الإرهابية هناك، وإن طال زمن الصراع أو المواجهة.
ما الذي يجعل فرنسا تتحرك على هذا النحو الجاد الحازم في توجهها نحو الساحل الأفريقي؟
المؤكد أن تدهور الأوضاع في الساحل الأفريقي، وبنوع خاص المثلث الحدودي بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو، قد أزعج الأوروبيين أيما إزعاج، لا سيما أن هذا التدهور يفتح الأبواب لهجرات غير شرعية لسواحل أوروبا، حكماً سوف يتسرب في الوسط منها عناصر إرهابية تنوي إلحاق الأذى بالقارة الأوروبية ومواطنيها.
يكاد المتابع للشأن الإرهابي في الساحل الأفريقي يقطع بأن فرنسا تقود عملية «برخان 2»، وقد بدأت «برخان 1» منذ اندلاع أولى شرارات الأزمة الأمنية في منطقة الساحل، فقد التزمت فرنسا التزاماً حاراً من أجل كبح جماح التهديد الإرهابي.
بدأت العملية في يناير (كانون الثاني) 2013، حين تدخلت فرنسا في شمال مالي، عبر عملية «سيرفال»، بغية منع الجماعات الإرهابية التابعة لتنظيم القاعدة من السيطرة على البلاد.
والثابت أنه منذ ذلك الحين، توحدت العمليات الفرنسية التي تضم زهاء 4500 جندي تحت اسم عملية «برخان». وتعمل القوات الفرنسية في هذا الإطار على نحو وثيق مع القوات المسلحة في منطقة الساحل.
ويمكن للمرء توقع «برخان 2»، من خلال تحليل وتفكيك تصريحات وزيرة الجيوش الفرنسية بارلي التي عدت أن دول الساحل الأفريقي تقع على أبواب أوروبا. وعليه، فإن المرحلة المقبلة من المواجهة لن تكون فرنسية فقط، بل الهدف منها إشراك بقية دول أوروبا في مالي بقيادة عملية «برخان 2»، في إطار وحدة مشتركة تدعى «تاكوبا»، بغية مواكبة القوات المسلحة المالية.
ولعل المتابع لتصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون العام الحالي يرى أن الرجل يكاد ينزع إلى ما مضي في طريقه جنرال فرنسا الأشهر شارل ديغول، ذاك الذي اهتم كثيراً بوحدة أوروبا والأوروبيين بأكثر من التحالف مع الأميركيين أو الآسيويين.
ماكرون الذي أطلق صيحة تكوين جيش أوروبي مستقل هو نفسه الذي تحدث مؤخراً عما أطلق عليه «الموت السريري» لحلف الناتو. وعليه، يبقى من الطبيعي أن تكون خطط فرنسا هادفة إلى جمع شمل الأوروبيين للدفاع عن القارة، وعدم انتظار القوة الأميركية الأفريقية (أفريكوم) للدفاع عن القارة الأوروبية.
هذه الرؤية تؤكدها تصريحات الوزيرة بارلي التي أشارت إلى أن فرنسا تبذل الجهود الكبيرة من أجل أن يكون هناك أوروبيون أكثر في الصفوف الأولى مع فرنسا ودول الساحل. وقد أعلنت الوزيرة الفرنسية بالفعل أن «التشيكيين والبلجيكيين والإستونيين قد استجابوا أولاً، كما أن آخرين حكماً سينضمون إلى عملية (تاكوبا) عندما تصادق برلمانات بلادهم على انتشارهم مع القوات الفرنسية».
لا تبدو مسألة قيادة فرنسا لتحالف أوروبي ضد الإرهاب مسألة مرحباً بها بالمطلق في الداخل الفرنسي، لا سيما أن الخسائر التي تكمن دونها عاماً بعد الآخر في منطقة الساحل قد فتحت باب النقاش واسعاً في الداخل الفرنسي، فقد قتل هناك العشرات من الجنود منذ عام 2013، مما جعل بعض الأصوات تتساءل عن نجاعة تلك العملية، وفرصها في الحد من خطورة التنظيمات الإرهابية، وقد وصل النقاش إلى وسائل الإعلام الفرنسية المختلفة.
غير أنه، على الجانب الآخر، ترتفع أصوات المسؤولين الفرنسيين، لا سيما من الجنرالات والعسكريين، الذين يقارنون بين الأكلاف والخسائر من باب المواجهة، وما يمكن أن يصيب فرنسا وبقية دول أوروبا حال صمت الأوروبيين وجلوسهم مستكينين لا يفعلون شيئاً. فساعتها، ستكون الأراضي الأوروبية من أدناها إلى أقصاها أراضي شاسعة متروكة من الدول، وستصبح ملاجئ لمجموعات إرهابية تابعة لـ«داعش» و«القاعدة».
ما حظوظ نجاحات مثل هذا التحالف الأوروبي الجديد؟
يمكن القول إن هناك فرصة جيدة لأن يفعل التحالف الفرنسي الأوروبي الجديد حضوره، في مواجهة الإرهاب المتغلغل في أفريقيا، لا سيما أن الهدف يخدم عموم الأوروبيين، فتوفير الأمن والاستقرار في الجانب الآخر من الأطلسي ينعكس حتماً برداً وسلاماً على بقية عموم أوروبا.
ولم يكن الإعلان الفرنسي الأخير هو نقطة البداية في عملية «برخان 2» أو «تاكوبا»، فقد سبق أن أعلن رئيس الجمهورية الفرنسية، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، بمعية رئيس بوركينا فاسو السيد روش كابوريه، وهو الرئيس الحالي للمجموعة الخماسية لمنطقة الساحل، إبان مؤتمر قمة مجموعة الدول السبع في بياريتز، إنشاء الشراكة من أجل الأمن والاستقرار في منطقة الساحل.
وترمي هذه الشراكة مع بلدان المنطقة إلى تعزيز فعالية الجهود المبذولة في مجالي الدفاع والأمن الداخلي، وإلى تحسين سبل تنسيق دعم الإصلاحات الضرورية في هذين المجالين، وتمثل ضرورة المساءلة مقوماً من مقومات هذه الشراكة.
ولا يخلو المشهد الفرنسي من براغماتية مستنيرة، إن جاز التعبير، فالفرنسيون لن يقبلوا أن يستنزفوا طويلاً في دفاعهم عن الأمن الأوروبي، في حين تبقى بقية دول أوروبا في مقاعد المتفرجين ليس أكثر، وربما لمح الفرنسيون مؤخراً من طرف خفي إلى فكرة الانسحاب الكامل الشامل، إن لم تسارع بقية دول القارة الأوروبية في إظهار رغبة حقيقية في تفعيل شراكة استراتيجية تستنقذ دول الساحل الأفريقي من الوقوع لقمة سائغة في فم الجماعات الإرهابية، في منطقة باتت الأنسب ليتخذها الإرهابيون مخزناً استراتيجياً ومنطقة حشد لهم، وفي مقدمة تلك الجماعات مجموعات إرهابية تابعة لتنظيم القاعدة تجتمع تحت راية جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين»، وأخرى تابعة لتنظيم داعش على غرار التنظيم الإرهابي في الصحراء الكبرى، التي تقوم بتنفيذ كثير من الهجمات ضد القوات المسلحة في منطقة الساحل، والقوات الدولية التي تدعمها، والتي تضم بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الإبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي، المكلفة بدعم تنفيذ اتفاق السلام المنبثق عن عملية الجزائر العاصمة، ودعم جهود إرساء الاستقرار التي تبذلها السلطات المالية في وسط البلاد.
ولعل كارثة ما يجري في منطقة الساحل الأفريقي، ودول المجموعة الخماسية بنوع خاص، غير موصولة فقط بالجماعات الراديكالية على اختلاف تسمياتها وانتماءاتها، فهناك مجموعات أخرى مهددة للأمن والسلام الأوروبيين، جماعات من قبيل تجار المخدرات والأسلحة، وكذا مهربو البشر، وتهريب المهاجرين غير الشرعيين، وهذا هاجس رهيب بدوره بالنسبة لعموم الأوروبيين.
على أن علامة استفهام تبقى قلقه محيرة بالنسبة لباريس وقصر الإليزيه اليوم، وهي تلك المرتبطة بالإرادة الأوروبية التي تعاني من حالة تفسخ وتباعد غير مسبوقة، تبدت في خلافات ألمانية فرنسية بنوع خاص تجاه فكرة استمرار الناتو، وطرح الجيش الأوروبي الموحد.
باختصار غير مخل: هل دعم الأوروبيين كافة لعملية «برخان 2» أمر مقطوع به أم أن هناك دولاً أوروبية أخرى سوف تبدي تحفظات على فكرة المساهمة في تلك العمليات، خوفاً من أن تستعلن فرنسا القوة الضاربة الأوروبية في القارة الأفريقية من جديد، مما يعني عودة سطوتها التي كانت لها قديماً في زمن الاحتلال العسكري لتلك الدول، الأمر الذي ربما ينتقص من نفوذ دول أخرى بعينها تصارع اليوم لتقود دفة أوروبا، في ظل حالة الانسحاب من الاتحاد التي تمثلها بريطانيا، والمخاوف من أن تلحقها دول أخرى؟
مهما يكن من أمر الجواب، فإن تصاعد العمليات الإرهابية في الفترة الأخيرة، أو حدوث عمليات جديدة ضد أهداف أوروبية في القارة الأفريقية، وجريان المقدرات بأي أعمال إرهابية على تراب الدول الأوروبية، ربما يؤكدان الحاجة الحتمية لتعزيز توجهات فرنسا، وشراكة بقية دول أوروبا، ويبدو واضحاً أيضاً أن بعضاً من دول أفريقيا استشرفت مخاوف جمة من تعاظم الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي، مثل تشاد التي وافقت على تعبئة مزيد من الجيوش في المثلث الحدودي الهش مع النيجر وبوركينا فاسو.