«لماذا مات هؤلاء؟»... معدلات الوفيات تثير الشكوك في أرقام ضحايا «كورونا»

نقل جثمان أحد ضحايا كورونا في بيرو (أ. ف.ب)
نقل جثمان أحد ضحايا كورونا في بيرو (أ. ف.ب)
TT

«لماذا مات هؤلاء؟»... معدلات الوفيات تثير الشكوك في أرقام ضحايا «كورونا»

نقل جثمان أحد ضحايا كورونا في بيرو (أ. ف.ب)
نقل جثمان أحد ضحايا كورونا في بيرو (أ. ف.ب)

يُطرح تساؤل عن الحصيلة الحقيقية لوباء كوفيد - 19 في العالم، ففي حين تتخطى المحصلة الإجمالية الرسمية عتبة ثلاثمائة ألف وفاة، تشي مقارنة أعداد الوفيات بتلك المسجلة في السنوات السابقة بكلفة بشرية أكبر بكثير، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية.
في إيطاليا، تشير الحصيلة الرسمية للوباء إلى وفاة 12 ألفا و428 شخصا بين 20 فبراير (شباط) و31 مارس (آذار) لكن خلال الفترة عينها، لاحظت السلطات 25 ألفا و354 حالة وفاة إضافية مقارنة مع المعدل المسجل في السنوات الخمس الأخيرة.
هنا السؤال: هل هذه الوفيات الـ12900 «غير محددة الأسباب» هي لأشخاص قضوا جراء كوفيد - 19 من دون إثبات إصابتهم بدقة؟
في الولايات المتحدة، يبدو الفارق لافتا أكثر، ففي بيانات شهر مارس (آذار) الذي كانت فيه البلاد محيدة نسبيا عن التبعات الكارثية لفيروس «كورونا» المستجد، تصل الهوة بين الحصيلة الرسمية لوفيات كوفيد - 19 (1890) والوفيات الزائدة مقارنة مع معدل السنوات الماضية (6000) إلى ما يزيد عن ثلاثة أضعاف.
وماذا أيضا عن الـ3706 وفيات إضافية خلال الفترة عينها في ألمانيا، أحد أقل بلدان أوروبا تضررا بالوباء؟ تعزو الأرقام الرسمية وفاة 2218 من هؤلاء إلى الإصابة بفيروس «كورونا»، ما الذي تسبب إذاً بـ1488 حالة وفاة إضافية مقارنة مع العام الماضي؟
أما في فرنسا فقد كانت حصيلة الوفيات من كوفيد - 19 بين الأول من مارس (آذار) و27 أبريل (نيسان) 2020 (23291) قريبة جدا من حصيلة الوفيات الزائدة مقارنة مع 2019 (24116).
وتشير الأستاذة الجامعة إيفون دويل مديرة الصحة العامة الإنجليزية إلى أن الأعداد الزائدة من الوفيات خلال فترة معينة تشكل المؤشر الأفضل لتحديد أثر فيروس «كورونا»، أقله في البلدان التي تنشر بيانات موثوقا بها.
وتقول: «سنعلم حقا إلى أي مدى تضررنا كما أن هذا الأمر يشكل وحدة قياس قابلة للمقارنة على المستوى الدولي».
وفي المقابل، يرى خبراء آخرون أن معدل الزيادة في الوفيات لا يتيح سريعا تحديد الأفضل والأسوأ بين الدول في إحصاء ضحايا كوفيد - 19.
ورغم وجود شبهات قوية في هذا الإطار، يستحيل التأكيد على أن هذه الوفيات الإضافية المسجلة بعشرات الآلاف مرتبطة حكما بحالات لمصابين بفيروس «كورونا» غير مسجلة في الإحصاءات الرسمية.
ويلفت مدير مركز الطوارئ الصحية في وزارة الصحة الإسبانية، فرناندو سيمون، إلى أن «هذه زيادات إحصائية يتعين لاحقا ربطها بسبب ولا يمكننا تحديد سبب هذا الارتفاع».
ويقول ميشال غيو، مدير البحوث في المعهد الوطني الفرنسي للدراسات السكانية إن «هذه الزيادة في الوفيات متصلة بالأزمة برمّتها، قد يكون هناك آثار غير مباشرة كمثل ازدياد مسببات الوفيات الأخرى لأننا ندرك أن الناس باتوا يُقبلون بدرجة أقل على طلب العلاج».
وتعتبر السلطات الصحية والإحصائية الإيطالية أن الازدياد في الوفيات قد يكون مرتبطا بمرضى كوفيد - 19 لم تُرصد إصابتهم بالفيروس، ولكن أيضا بآخرين توفوا بسبب استنفاد القدرة الاستيعابية للنظام الطبي، غير أن هذا العامل يبقى ضعيفا نسبيا بحسب غيو الذي يقول إن الازدياد في الوفيات «يحيط أيضا بالأثر المباشر للفيروس».
وبحسب بيانات من 24 بلدا أوروبيا جمعها علماء أوبئة دنماركيون من مشروع «يورومومو»، سجل مستوى أقصى واضح في الوفيات في أوروبا اعتبارا من مارس (آذار) 2020 مقارنة مع السنوات السابقة، وقد تخطت الأرقام الحصيلة الرسمية لفيروس «كورونا» في هذه البلدان.
ويوضح منسق مشروع «يورومومو» لاسه فيسترغارد: «لا شيء آخر يمكنه تفسير هذه الزيادة في الوفيات، لم نشهد أي ثوران بركاني أو زلزال في أوروبا... لو حصل ذلك في يناير (كانون الثاني)، لكان ممكنا أن نعزو ذلك إلى الإنفلونزا الموسمية، لكن الوضع ليس كذلك».
وقد كان الارتفاع في معدل الوفيات أكبر في المناطق الأكثر تضررا جراء كوفيد - 19: إذ سجلت باريس أو منطقة غواياس الإكوادورية تضاعفا في هذا المعدل، حتى أن الارتفاع وصل إلى 568 في المائة في بيرغامو أبرز مراكز تفشي الوباء في إيطاليا.
ويستخدم الإحصائيون الدنماركيون في مشروع «يورومومو» أيضا مؤشرا آخر يسمى المتغير المتوسط المختزل ويشكل أداة أكثر دقة من المقارنة البسيطة للأرقام.
وخلص هؤلاء إلى أن إسبانيا وإيطاليا وفرنسا وبريطانيا سجلوا «ازديادا كبيرا جدا» في الوفيات خلال شهري مارس (آذار) وأبريل (نيسان) فيما البلدان الأقل تضررا بالوباء مثل النرويج وفنلندا لم تسجل «أي زيادة».
ويذكّر فيسترغارد بأن «هذه النتائج لا تقدم سوى صورة أولى عن الوضع»، داعيا إلى انتظار البيانات النهائية بعد القضاء على الوباء.
وتبقى إشكالية مرتبطة بالبلدان الكثيرة التي لا تقدم بيانات شفافة بالكامل عن الموضوع.
وعلى سبيل المثال، لا يمكن التعويل على حصيلة موثوق بها لضحايا كوفيد - 19 في إيران، رغم أنها من أولى البلدان التي أصابها الوباء في فبراير (شباط)، بما أن السلطات لم تنشر أي أرقام عن عدد الوفيات الإجمالي في البلاد منذ ديسمبر (كانون الأول) 2019.
وفي روسيا حيث تشير الأرقام الرسمية إلى عدد قليل من الوفيات، روى شهود أخيرا عن تسجيل وفيات كثيرة على أنها ناجمة عن «التهاب رئوي» رغم إثبات إصابتهم بفيروس «كورونا».
أما في الصين مهد الوباء، فلا يزال الجدل دائرا بشأن الحصيلة الحقيقية للوباء. ويعتبر خبراء كثر منذ منتصف الشهر الفائت أن السلطات في بكين لم تكشف عن العدد الفعلي لضحايا الوباء بالاستناد خصوصا إلى العدد الكبير غير الاعتيادي للعائلات التي أتت لأخذ رماد ذويهم المتوفين إثر بدء رفع تدابير الحجر في ووهان.


مقالات ذات صلة

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

شمال افريقيا «الصحة» المصرية تنفي رصد أمراض فيروسية أو متحورات مستحدثة (أرشيفية - مديرية الصحة والسكان بالقليوبية)

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

نفت وزارة الصحة المصرية رصد أي أمراض بكتيرية أو فيروسية أو متحورات مستحدثة مجهولة من فيروس «كورونا».

محمد عجم (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أظهر المسح الجديد تراجعاً في عدد الأطفال الصغار المسجلين في الدور التعليمية ما قبل سن الالتحاق بالمدارس في أميركا من جراء إغلاق الكثير من المدارس في ذروة جائحة كورونا (متداولة)

مسح جديد يرصد تأثير جائحة «كورونا» على أسلوب حياة الأميركيين

أظهر مسح أميركي تراجع عدد الأجداد الذين يعيشون مع أحفادهم ويعتنون بهم، وانخفاض عدد الأطفال الصغار الذين يذهبون إلى الدور التعليمية في أميركا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».