«عشم» الأدباء بديمقراطية الكويت يغري بحرية الكتابة

سيف الرقابة وصدمة المنع.. «ضارة نافعة» يتمناها كثيرون

من معرض الكتاب 39
من معرض الكتاب 39
TT

«عشم» الأدباء بديمقراطية الكويت يغري بحرية الكتابة

من معرض الكتاب 39
من معرض الكتاب 39

من عام إلى آخر، تعود قضية الرقابة وتقفز إلى واجهة الأحداث في الكويت، تزامنا مع معرض الكتاب الذي يفتتح سنويا في أواخر شهر نوفمبر (تشرين الثاني).
بداية، يطرح السؤال التالي: لماذا التركيز على الرقابة في الكويت، في الوقت الذي تنتشر فيه الرقابة في كل الدول العربية؟ بل إن الحرية ليست مطلقة حتى في الغرب. الإجابة هنا تكمن في النظرة السائدة عن الكويت كدولة تأصلت فيها الديمقراطية تاريخيا. بالتالي فإن هذا المد من الحرية يغري الكتاب والشعراء وكتاب المقالات على فتح نوافذ الرأي على اتساعها، وحتى في انتقاد الرقابة هناك حرية كبيرة، حيث تقام ندوات تصل إلى حد الهجوم الشرس على الرقابة نفسها، بل يصل الأمر إلى ما هو أكثر من ذلك. فقد يتعرض وزير الإعلام إلى مساءلة أمام مجلس الأمة، ولا يحول الدعم الذي تتلقاه الجمعيات الأهلية من الحكومة دون قيام هذه الجمعيات بعقد ندوات ضد الرقابة الصادرة عن جهة حكومية أصلا، بما في ذلك ندوة عقدتها رابطة الأدباء الكويتيين مثلا، مستبقة افتتاح معرض الكتاب، جرى فيها حديث عن رواية ممنوعة بعنوان «ذكريات ضالة» للكاتب عبد الله البصيص. من بوابة هذه الرواية، دخلت الرابطة إلى قضية الرقابة بشكل عام.
هذا العام، وفي المعرض التاسع والثلاثين للكتاب، بلغ الحديث عن الرقابة أشده، فقد جرى منع الكثير من الكتب، من ضمنها روايات ودواوين شعر. وربما همس بعض من منعت كتبهم قائلين: «رب ضارة نافعة»، فالروائي عبد الوهاب حمادي، الذي منعت روايته «لا تقصص رؤياك»، قال إنه حقق مبيعات كبيرة خارج المعرض، علما بأن روايته كانت موجودة في معرض الشارقة للكتاب. وكلتا الروايتين، اللتين جرى التحدث عنهما في ندوة رابطة الأدباء، يشترك في كونهما صادرتين عن دار النشر نفسها، كما أنهما تتناولان مواضيع تتعلق بالساحة الكويتية الداخلية.
ولكن الأمر، من حيث الموضوع، مختلف بالنسبة إلى رواية أخرى تم منعها، وهي رواية للكاتبة دلع المفتي، بعنوان «رائحة التانغو»، التي سبق وعرضت في معرض الشارقة أيضا، وبشرت مؤلفتها قراءها بعرضها في معرض الكويت، لكنها فوجئت بمنعها، فكتبت في زاويتها الأسبوعية في صحيفة «القبس»: «(رائحة التانغو) ليست رواية تكفيرية، ولا هي إباحية، ولا هي طائفية، ولا عنصرية، ولا تحض على الفتنة، ولا تزرع الفرقة، بل على العكس تماما، هي رواية مجتمع بكل محاسنه ومساوئه، من خلال امرأة، بل وأقول إن معظم ما ورد في الرواية أكتبه أنا وغيري من الكتاب في مقالاتنا الصحافية في كل الصحف الكويتية يوميا، بل إن ما جاء فيها نشاهده يوميا في المسلسلات الخليجية والعربية على شاشاتنا، وإن أردنا الصدق، بعض المسلسلات والأفلام تعرض أمورا أكثر جرأة وتحررا مما ورد في الرواية».
في المقابل، وبلفتة موضوعية، أبدت الرقابة موقفا أقل تعسفا، بحيث عادت وأفسحت مجموعة قصصية للكاتب شريف صالح، بعنوان «بيضة على الشاطئ»، بعد فترة من حجزها، وهي مجموعة فائزة بجائزة في دبي، صدرت عن دار نشر سعودية.
أمام هذه المعمعة، أطل المجلس الوطني للثقافة والآداب - وهو الجهة المنظمة للمعرض - في مؤتمر صحافي ليبعد «الكرة» عن ملعبه ويلقيها في ملعب وزارة الإعلام، فقد نقل عن لسان الأمين العام المساعد لقطاع الثقافة في المجلس، بدر الدويش، قوله: «المجلس غير معني بالرقابة على الكتب، وإن الأمر يختص به قطاع الرقابة في وزارة الإعلام. فالمجلس لا تحكمه آيديولوجية معينة لكنه منفتح على جميع الثقافات».
واللافت أنه على الرغم من ذلك يشهد المعرض حضورا لافتا، حيث تشارك فيه أكثر من 520 دارا للنشر، عربية وأجنبية.



أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر
TT

أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر، شارك فيها نحو 40 شاعراً ومجموعة من النقاد والباحثين، في الدورة التاسعة لمهرجان الشعر العربي، الذي يقيمه بيت الشعر بالأقصر، تحت رعاية الشيح سلطان القاسمي، حاكم الشارقة، وبالتعاون بين وزارة الثقافة المصرية ودائرة الثقافة بالشارقة، وبحضور رئيسها الشاعر عبد الله العويس، ومحمد القصير مدير إدارة الشئون الثقافية بالدائرة.

نجح المؤتمر في أن يصنع فضاء شعرياً متنوعاً وحميمياً، على طاولته التقت أشكال وأصوات شعرية مختلفة، فكان لافتاً أن يتجاور في الأمسيات الشعرية الشعر العمودي التقليدي مع شعر التفعيلة وقصيدة النثر وشعر العامية، وأن يتبارى الجميع بصيغ جمالية عدة، وتنويع تدفقها وطرائق تشكلها على مستويي الشكل والمضمون؛ إعلاء من قيمة الشعر بوصفه فن الحياة الأول وحارس ذاكرتها وروحها.

لقد ارتفع الشعر فوق التضاد، وحفظ لكل شكلٍ ما يميزه ويخصه، فتآلف المتلقي مع الإيقاع الصاخب والنبرة الخطابية المباشرة التي سادت أغلب قصائد الشعر العمودي، وفي الوقت نفسه كان ثمة تآلف مع حالة التوتر والقلق الوجودي التي سادت أيضاً أغلب قصائد شعر التفعيلة والنثر، وهو قلق مفتوح على الذات الشعرية، والتي تبدو بمثابة مرآة تنعكس عليها مشاعرها وانفعالاتها بالأشياء، ورؤيتها للعالم والواقع المعيش.

وحرص المهرجان على تقديم مجموعة من الشاعرات والشعراء الشباب، وأعطاهم مساحة رحبة في الحضور والمشاركة بجوار الشعراء المخضرمين، وكشف معظمهم عن موهبة مبشّرة وهمٍّ حقيقي بالشعر. وهو الهدف الذي أشار إليه رئيس المهرجان ومدير بيت الشعر بالأقصر، الشاعر حسين القباحي، في حفل الافتتاح، مؤكداً أن اكتشاف هؤلاء الشعراء يمثل أملاً وحلماً جميلاً، يأتي في صدارة استراتيجية بيت الشعر، وأن تقديمهم في المهرجان بمثابة تتويج لهذا الاكتشاف.

واستعرض القباحي حصاد الدورات الثماني السابقة للمهرجان، ما حققته وما واجهها من عثرات، وتحدّث عن الموقع الإلكتروني الجديد للبيت، مشيراً إلى أن الموقع جرى تحديثه وتطويره بشكل عملي، وأصبح من السهولة مطالعة كثير من الفعاليات والأنشطة المستمرة على مدار العام، مؤكداً أن الموقع في طرحه الحديث يُسهّل على المستخدمين الحصول على المعلومة المراد البحث عنها، ولا سيما فيما يتعلق بالأمسيات والنصوص الشعرية. وناشد القباحي الشعراء المشاركين في المهرجان بضرورة إرسال نصوصهم لتحميلها على الموقع، مشدداً على أن حضورهم سيثري الموقع ويشكل عتبة مهمة للحوار البنّاء.

وتحت عنوان «تلاقي الأجناس الأدبية في القصيدة العربية المعاصرة»، جاءت الجلسة النقدية المصاحبة للمهرجان بمثابة مباراة شيقة في الدرس المنهجي للشعر والإطلالة عليه من زوايا ورؤى جمالية وفكرية متنوعة، بمشاركة أربعة من النقاد الأكاديميين هم: الدكتور حسين حمودة، والدكتورة كاميليا عبد الفتاح، والدكتور محمد سليم شوشة، والدكتورة نانسي إبراهيم، وأدارها الدكتور محمد النوبي. شهدت الجلسة تفاعلاً حياً من الحضور، برز في بعض التعليقات حول فكرة التلاقي نفسها، وشكل العلاقة التي تنتجها، وهل هي علاقة طارئة عابرة أم حوار ممتد، يلعب على جدلية (الاتصال / الانفصال) بمعناها الأدبي؛ اتصال السرد والمسرح والدراما وارتباطها بالشعر من جانب، كذلك الفن التشكيلي والسينما وإيقاع المشهد واللقطة، والموسيقي، وخاصة مع كثرة وسائط التعبير والمستجدّات المعاصرة التي طرأت على الكتابة الشعرية، ولا سيما في ظل التطور التكنولوجي الهائل، والذي أصبح يعزز قوة الذكاء الاصطناعي، ويهدد ذاتية الإبداع الأدبي والشعري من جانب آخر.

وأشارت الدكتورة نانسي إبراهيم إلى أن الدراما الشعرية تتعدى فكرة الحكاية التقليدية البسيطة، وأصبحت تتجه نحو الدراما المسرحية بكل عناصرها المستحدثة لتخاطب القارئ على مستويين بمزج جنسين أدبيين الشعر والمسرح، حيث تتخطى فكرة «المكان» بوصفه خلفية للأحداث، ليصبح جزءاً من الفعل الشعري، مضيفاً بُعداً وظيفياً ديناميكياً للنص الشعري.

وطرح الدكتور محمد شوشة، من خلال التفاعل مع نص للشاعر صلاح اللقاني، تصوراً حول الدوافع والمنابع الأولى لامتزاج الفنون الأدبية وتداخلها، محاولاً مقاربة سؤال مركزي عن تشكّل هذه الظاهرة ودوافعها ومحركاتها العميقة، مؤكداً أنها ترتبط بمراحل اللاوعي الأدبي، والعقل الباطن أكثر من كونها اختياراً أو قصداً لأسلوب فني، وحاول، من خلال الورقة التي أَعدَّها، مقاربة هذه الظاهرة في أبعادها النفسية وجذورها الذهنية، في إطار طرح المدرسة الإدراكية في النقد الأدبي، وتصوراتها عن جذور اللغة عند الإنسان وطريقة عمل الذهن، كما حاول الباحث أن يقدم استبصاراً أعمق بما يحدث في عملية الإبداع الشعري وما وراءها من إجراءات كامنة في الذهن البشري.

وركز الدكتور حسين حمودة، في مداخلته، على التمثيل بتجربة الشاعر الفلسطيني محمود درويش، ومن خلال هذا التمثيل، في قصائد درويش رأى أنها تعبّر عن ثلاثة أطوار مرّ بها شعره، مشيراً إلى أن ظاهرة «الأنواع الأدبية في الشعر» يمكن أن تتنوع على مستوى درجة حضورها، وعلى مستوى ملامحها الجمالية، عند شاعر واحد، عبر مراحل المسيرة التي قطعها، موضحاً: «مما يعني، ضِمناً، أن هذه الظاهرة قابلة لأن تتنوع وتتباين معالمها من شاعر لآخر، وربما من قصيدة لأخرى».

ورصدت الدكتورة كاميليا عبد الفتاح فكرة تلاقي الأجناس الأدبية تاريخياً، وأشارت، من خلال الاستعانة بسِجلّ تاريخ الأدب العربي، إلى أن حدوث ظاهرة التداخل بين الشعر وجنس القصة وقع منذ العصر الجاهلي، بما تشهد به المعلقات التي تميزت بثرائها الأسلوبي «في مجال السردية الشعرية». ولفتت إلى أن هذا التداخل طال القصيدة العربية المعاصرة في اتجاهيها الواقعي والحداثي، مبررة ذلك «بأن الشعراء وجدوا في البنية القصصية المساحة الكافية لاستيعاب خبراتهم الإنسانية». واستندت الدكتورة كاميليا، في مجال التطبيق، إلى إحدى قصائد الشاعر أمل دنقل، القائمة على تعدد الأصوات بين الذات الشعرية والجوقة، ما يشي بسردية الحكاية في بناء الحدث وتناميه شعرياً على مستويي المكان والزمان.

شهد المهرجان حفل توقيع ستة دواوين شعرية من إصدارات دائرة الثقافة في الشارقة للشعراء: أحمد عايد، ومصطفى جوهر، وشمس المولى، ومصطفى أبو هلال، وطارق محمود، ومحمد طايل، ولعب تنوع أمكنة انعقاد الندوات الشعرية دوراً مهماً في جذب الجمهور للشعر وإكسابه أرضاً جديدة، فعُقدت الندوات بكلية الفنون الجميلة في الأقصر، مصاحبة لافتتاح معرض تشكيلي حاشد بعنوان «خيوط الظل»، شارك فيه خمسون طالباً وطالبة. وكشف المعرض عن مواهب واعدة لكثيرين منهم، وكان لافتاً أيضاً اسم «الأصبوحة الشعرية» الذي أطلقه المهرجان على الندوات الشعرية التي تقام في الفترة الصباحية، ومنها ندوة بمزرعة ريفية شديدة البساطة والجمال، وجاءت أمسية حفل ختام المهرجان في أحضان معبد الأقصر وحضارة الأجداد، والتي امتزج فيها الشعر بالأغنيات الوطنية الراسخة، أداها بعذوبة وحماس كوكبة من المطربين والمطربات الشباب؛ تتويجاً لعرس شعري امتزجت فيه، على مدار أربعة أيام، محبة الشعر بمحبة الحياة.