(تحليل إخباري): هل تقطف أميركا في سوريا ثمار «الضغط الأقصى»؟

(تحليل إخباري): هل تقطف أميركا في سوريا ثمار «الضغط الأقصى»؟
TT

(تحليل إخباري): هل تقطف أميركا في سوريا ثمار «الضغط الأقصى»؟

(تحليل إخباري): هل تقطف أميركا في سوريا ثمار «الضغط الأقصى»؟

يتبادل الأميركيون والروس على المسرح السوري، التفاهمات وتسجيل النقاط، من دون تغيير جوهري، كأن كلا منهما يراهن على تراجع الآخر، هناك اعتقاد في واشنطن، بظهور ثلاث إشارات - توترات تدل على بدء نجاح المقاربة الأميركية وسياسة «الضغط الأقصى» و«صندوق العزلة» على دمشق.
«الصبر الاستراتيجي»، كان مفتاحا أساسيا لرهان الجانبين على الوقت. واشنطن، تعتقد أن كلفة استمرار الحرب بغياب الإعمار وتناقض أجندات اللاعبين ستدفع موسكو إلى قبول تسوية و«تغيير سلوك النظام». وموسكو تعتقد أن فيض آثار الحرب إلى الجوار وأوروبا وحلفاء أميركا، سيدفع واشنطن إلى قبول الأمر الواقع و«شرعية النظام».
بين هذا وذاك، لا يفوت الطرفان فرصة جمع الأوراق وتسجيل النقاط في كل مناسبة. آخر الاختبارات، كان «كورونا». إذ لم يشغل انتشار الوباء وقفزات إصاباته في أميركا وروسيا واقترابه من البيت الأبيض والكرملين، الطرفين عن «تسييس» هذا الملف مع رفض علني لـ«تسييسه».
بادرت موسكو، مدعومة بمواقف بكين ودمشق وغيرهما، إلى اعتبار العقوبات الأميركية والأوروبية الداء وراء الوباء: العقوبات، تمنع تدفق المساعدات الإنسانية والأدوات الطبية وهي التي تزيد من معاناة السوريين. والحل روسيا، برفع «العقوبات الظالمة» وتشجيع الدول على المساهمة في إعمار سوريا وإعادتها إلى الجامعة العربية. فهذا العلاج الروسي، هو الوصفة أيضاً لوقف تدفق اللاجئين إلى أوروبا والتعاون لمحاربة الإرهاب.
يذهب المفاوضون الروس في جلساتهم مع الأميركيين والأوروبيين، إلى القول، بأن «فك العزلة عن النظام، يساهم في استقرار أوروبا وخدمة مصالحها». بالتالي، يجب أن يصطف الغرب في الضفة الروسية في علاقته مع دمشق في ملفات أخرى، تخص موضوع السلاح الكيماوي والعملية السياسية والمحاسبة والإعمار. كما يعني ذلك روسيا، الانسحاب الأميركي من شرق الفرات وتفكيك قاعدة التنف ودفع الأكراد إلى حضن دمشق.
في المقابل، تقف واشنطن في الضفة الأخرى من المعادلة. لا تزال هي متمسكة بفرض «الضغط الأقصى» على دمشق. لكن الجديد، قيام أميركا والاتحاد الأوروبي بحملة علاقات عامة منسقة لشرح أهداف العقوبات الاقتصادية. بروكسل أصدرت قبل أيام وثيقة معايير وإرشادات تقديم المساعدات والأدوات الطبية، للقول بأنها مستثناة من العقوبات الاقتصادية بما يعني أنها لا تساهم في عرقلة معالجة تفشي «كورونا».
لا ترمي هذه الوثيقة، للقول بتجميد العقوبات، بل بالعكس. إن صدور هذه الإرشادات، يمهد لقيام الاتحاد الأوروبي بداية الشهر المقبل بتمديد العقوبات الاقتصادية التي تضم ٢٧٧ شخصا و٧١ كيانا، إضافة إلى صدور موقف سياسي يربط المساهمة بإعمار سوريا بالحل السياسي خلال انعقاد مؤتمر المانحين في ٣٠ يونيو (حزيران). تماما، كما أن الوثيقة الأميركية المشابهة التي صدرت من وزارة الخزانة، كانت بمثابة تمهيد لبدء تنفيذ «قانون قيصر» منتصف الشهر المقبل الذي يفرض عقوبات غير مسبوقة ضد أي جهة تساهم في إعمار سوريا. ويحاجج الأوروبيون والأميركيون أنهم قدموا خلال تسع سنوات من الحرب، حوالى ٣٠ مليار دولار أميركي، قيمة مساعدات إنسانية إلى سوريا.
وباعتبار أن بعض الدول الأوروبية، مثل قبرص وهنغاريا واليونان إلى حد ما، خرجت عن الإجماع الأوروبي وأرسلت إشارات تطبيع دبلوماسي نحو دمشق، بعثت واشنطن رسائل بضرورة «عدم التذبذب» للحفاظ على وحدة الصف وإحكام عزل دمشق للضغط على موسكو، باستعمال أدوات الضغط المتوفرة، وتشمل: العقوبات الاقتصادية، العزلة السياسية، منع إعمار سوريا، الوجود العسكري شرق البلاد، دعم الغارات الإسرائيلية ضد مواقع إيرانية، دعم الوجود العسكري التركي في إدلب، إثارة ملف السلاح الكيماوي في لاهاي وفي مجلس الأمن الدولي بعد اتهام دمشق رسميا باستعماله في ريف حماة، والاستمرار في رفع لواء المساءلة عن جرائم الحرب.
عليه، يرى مسؤولون أميركيون ثلاث إشارات لنجاح مقاربة «الضغط الأقصى»، هي: الأول، بدء إيران بسحب تكتيكي لميلشيات غير سورية، كانت مقيمة في البلاد. الثاني، ظهور رامي مخلوف ابن خال الرئيس بشار الأسد وحديث عن توتر في دمشق جراء الأزمة الاقتصادية. الثالث، تبادل الحملات والانتقادات الإعلامية بين وسائل إعلام مقربة من مراكز القرار في دمشق وموسكو.
لا شك، أن اختبار هذه المؤشرات، رهن التفاوض المحتمل بين الأميركيين والروس لمعرفة ما إذا كانت جدية تعكس تغييرا في الاتجاه لعقد صفقة مع قرب انتهاء ولاية الرئيس دونالد ترمب... أو أنها جولة أخرى من شراء الوقت عبر بيع «وهم تغيير المواقف».



«توترات القرن الأفريقي»... كيف يمكن احتواء التصعيد؟

ضابط شرطة صومالي يقف في حراسة احتجاجات ضد صفقة ميناء إثيوبيا - أرض الصومال بمقديشو - (أرشيفية - رويترز)
ضابط شرطة صومالي يقف في حراسة احتجاجات ضد صفقة ميناء إثيوبيا - أرض الصومال بمقديشو - (أرشيفية - رويترز)
TT

«توترات القرن الأفريقي»... كيف يمكن احتواء التصعيد؟

ضابط شرطة صومالي يقف في حراسة احتجاجات ضد صفقة ميناء إثيوبيا - أرض الصومال بمقديشو - (أرشيفية - رويترز)
ضابط شرطة صومالي يقف في حراسة احتجاجات ضد صفقة ميناء إثيوبيا - أرض الصومال بمقديشو - (أرشيفية - رويترز)

تصاعد منحنى التوترات في القرن الأفريقي وسط سجالات بين الصومال وإثيوبيا وهجوم إعلامي يتجدد من أديس أبابا تجاه الوجود المصري في مقديشو، مع مخاوف من تصعيد غير محسوب وتساؤلات بشأن إمكانية احتواء ذلك المنسوب المزداد من الخلافات بتلك المنطقة التي تعد رئة رئيسية للبحر الأحمر وأفريقيا.

خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، يرون أن «التصعيد سيكون سيد الموقف الفترة المقبلة»، خصوصاً مع تمسك مقديشو بخروج قوات حفظ السلام الإثيوبية من أراضيها وتشبث أديس أبابا بمساعيها للاتفاق مع إقليم الصومال الانفصالي، لإيجاد منفذ بحري البحر الأحمر رغم رفض مقديشو والقاهرة، فضلاً عن تواصل الانتقادات الإثيوبية الرسمية للقاهرة بشأن تعاونها العسكري مع الصومال.

وتوقعوا سيناريوهين أولهما الصدام مع إثيوبيا، والثاني لجوء أديس أبابا لحلول دبلوماسية مع ازدياد الضغوط عليها بعدّها أحد أسباب التصعيد الرئيسية في المنطقة.

وقدّم وزير الخارجية الصومالي أحمد معلم فقي، الاثنين، «شرحاً للتلفزيون الحكومي حول العلاقات المتوترة بين مقديشو وأديس أبابا»، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الصومالية الرسمية للبلاد، التي قالت إن أديس أبابا «انتهكت في 1 يناير (كانون الثاني) العام الحالي، السيادة الداخلية للدولة عقب إبرامها مذكرة تفاهم باطلة مع إدارة أرض الصومال».

وزير الخارجية والتعاون الدولي الصومالي (وكالة الأنباء الرسمية)

ولم تتمكن أديس أبابا من تنفيذ الاتفاق غير الشرعي الذي ألغاه البرلمان الصومالي، كما أن الصومال نجح دبلوماسياً في الحفاظ على سيادة البلاد واستقلال أراضيه، عبر القنوات المفتوحة في كل الاجتماعات بالمحافل الدولية، وفق تقدير أحمد معلم فقي.

وبشأن مستقبل العلاقات الدبلوماسية للبلدين، أشار فقي إلى أن «العلاقات لم تصل إلى طريق مسدودة، فسفارة الدولة مفتوحة وتعمل هناك، بينما تعمل سفارة أديس أبابا هنا في مقديشو، والسفير الإثيوبي حالياً يوجد في بلاده، بيد أن طاقم سفارته موجود، كما أن طاقمنا لا يزال موجوداً هناك».

وكشف فقي في مقابلة متلفزة الأحد، أن الحكومة الصومالية ستتخذ إجراءات سريعة لنقل السفارة الإثيوبية إلى موقع جديد خارج القصر الرئاسي في المستقبل القريب.

وفي أبريل (نيسان) 2024، طرد الصومال السفير الإثيوبي، واستدعى مبعوثه من أديس أبابا، قبل أن تعلن وزارة الخارجية الصومالية أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، في إفادة، أنها طلبت من المستشار الثاني في سفارة إثيوبيا لدى الصومال، مغادرة البلاد في غضون 72 ساعة، واتهمته بممارسة «أنشطة لا تتفق مع دوره الدبلوماسي، وتشكل خرقاً لاتفاقية (فيينا) للعلاقات الدبلوماسية الصادرة عام 1961».

وتدهورت العلاقات بين الصومال وإثيوبيا، إثر توقيع الأخيرة مذكرة تفاهم مع إقليم (أرض الصومال) الانفصالي بداية العام الحالي، تسمح لها باستخدام سواحل المنطقة على البحر الأحمر لأغراض تجارية وعسكرية، وسط رفض من الحكومة الصومالية ودول الجامعة العربية، لا سيما مصر، التي تشهد علاقاتها مع أديس أبابا توتراً بسبب تعثر مفاوضات سد النهضة الإثيوبي.

وفي مواجهة تلك التحركات، حشد الصومال، دعماً دولياً وإقليمياً، لمواقفه، ضد المساعي الإثيوبية، وأبرم بروتوكول تعاون عسكري مع مصر، وفي أغسطس (آب) الماضي، أرسلت بموجبه القاهرة مساعدات عسكرية إلى مقديشو.

إثيوبيا هي الأخرى تواصل الدفاع عن اتفاقها مع إقليم أرض الصومال، وقال رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، أواخر أكتوبر الماضي، إن بلاده تسعى للوصول السلمي إلى البحر الأحمر، وتتمسك بموقف واضح بشأن هذه القضية.

وعادت وكالة الأنباء الإثيوبية، السبت، للتأكيد على هذا الأمر، ونقلت عن نائب المدير التنفيذي لمعهد الشؤون الخارجية عبده زينبي، قوله إن سعي إثيوبيا للوصول إلى البحر أمر بالغ الأهمية، لافتاً إلى أن الحكومة تعمل بشكل وثيق للغاية مع جميع الجهات الفاعلة الإقليمية لضمان ذلك.

وبتقدير مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير صلاح حليمة، فإن «تلك التوترات تزيد من حدة السخونة في منطقة القرن الأفريقي»، لافتاً إلى أن «إثيوبيا تتحمل زيادة منسوب التوتر منذ توقيع اتفاقية مع إقليم انفصالي مخالفة للقانون الدولي ومهددة لسيادة الصومال».

وبرأي الخبير في الشؤون الأفريقية، مدير مركز دراسات شرق أفريقيا في نيروبي، الدكتور عبد الله أحمد إبراهيم، فإن «كلا الطرفين (الصومال وإثيوبيا) لا ينوي خفض التصعيد، بل كلاهما يتجه إلى التصعيد والتوترات بينهما مرشحة للتصاعد»، لافتاً إلى أن «كل المحاولات التي تمت الشهور الأخيرة للوساطة، سواء كانت تركية أو أفريقية، لم تفعل شيئاً يذكر لخفض التصعيد».

وبشيء من التفاصيل، يوضح الخبير السوداني في الشؤون الأفريقية، عبد الناصر الحاج، أن «إقدام الصومال على طرد دبلوماسي إثيوبي رفيع من أراضيه تحت مبررات التدخل في الشؤون الداخلية، يأتي متزامناً مع طبيعة التحركات الرسمية التي تنتهجها مقديشو بشأن التشاور والإعداد لاستبدال بعثة لحفظ السلام في الصومال، تكون أكثر قبولاً وترحيباً عند مقديشو، بالحالية».

ومن المعلوم أن مقديشو «لا تريد قوات إثيوبية ضمن بعثة حفظ السلام الأفريقية» داخل أراضيها، تحت أي اسم بعد مساعيها لإنشاء منفذ بحري مقابل الاعتراف بإقليم انفصالي، لذلك ارتفع صوت الصومال عالياً خلال الفترة الأخيرة مطالباً الاتحاد الأفريقي بضرورة عدم إشراك قوات إثيوبية ضمن البعثة الجديدة التي من المقرر أن تتولى مهامها بحلول عام 2025م»، وفق الحاج.

ولم يتوقف موقف أديس أبابا عند التمسك بمواقفها التي ترفضها مقديشو، بل واصلت مهاجمة وجود القاهرة بالصومال، ونقلت وكالة الأنباء الإثيوبية الرسمية عن الباحث الإثيوبي يعقوب أرسانو، الأحد، دعوته إلى «ضرورة تقييم دور مصر في الصومال ووجودها الذي قد يؤدي إلى تصعيد عدم الاستقرار في جميع أنحاء منطقة القرن الأفريقي»، متحدثاً عن أن «القاهرة تورطت في الصومال كقوة مزعزعة للاستقرار».

ووفقاً ليعقوب، فإن «نفوذ مصر في الصومال ربما يكون جزءاً من استراتيجية أوسع لإضعاف إثيوبيا»، لافتاً إلى أنه «إذا فشلت مصر في فرض سيطرتها، فقد تقع الأسلحة بأيدي الجماعات الإرهابية، ما يشكل تهديدات فورية لكل من الصومال وإثيوبيا»، عادّاً أن «السماح لمصر بكسب النفوذ قد يؤدي إلى توتر العلاقات بين إثيوبيا والصومال، وسيقوض أمن واستقرار الصومال على وجه الخصوص».

ويعدّ الدكتور عبد الله أحمد إبراهيم، الهجوم الإثيوبي تجاه القاهرة نتيجة أن «أديس أبابا تفهم جيداً خطورة دور المصري إذا دعمت الصومال، لذا فهي تحاول وقف دور مصري داعم للصومال، لذلك ربما يكون ما يثار بالإعلام الإثيوبي فقط للتضليل».

ويستبعد أن «تصل الأمور إلى حرب بين إثيوبيا والصومال أو إثيوبيا ومصر»، لافتاً إلى أن «انتخابات أرض الصومال في هذا الشهر سيكون لها دور في مستقبل مذكرة التفاهم، خصوصاً إذا فاز عبد الرحمن عرو أمام الرئيس الحالي موسى بيحي عبدي بالانتخابات الرئاسية المقررة في 13 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، فيتوقع أن يقوم بإلغاء مذكرة التفاهم لقربه من الصومال».

ويرجع الخبير السوداني، عبد الناصر الحاج، الموقف الإثيوبي تجاه مصر، إلى أنه «منذ توقيع القاهرة ومقديشو على اتفاقية أمنية في أغسطس (آب) الماضي، باتت تجتاح أديس أبابا مخاوف كبيرة من تشكيل حلف عسكري استخباراتي جديد في منطقة القرن الأفريقي يجمع مصر والصومال وإريتريا، وهي ذات الدول الثلاث التي تجري علاقة إثيوبيا بهم على نحو متوتر وقابل للانفجار».

ويرى السفير حليمة أن «احترام إثيوبيا للقوانين وعدم اللجوء لتصرفات أحادية وسياسة فرض الأمر الواقع، السبيل الوحيد لاحتواء أي تصعيد بمنطقة القرن الأفريقي»، مضيفاً أن «هذا يحتاج إيجاد حلول لملف سد النهضة ووقف مساعي إبرام الاتفاقية مع إقليم أرض الصومال، وبدء علاقات قائمة على الاحترام والتعاون مع دول منطقة القرن الأفريقي».