هل ينقذ عطار اليونيسكو والمؤتمرات ما تسببت به الحرب من كارثة على الآثار السورية؟

مع الكارثة التي حلّت بالآثار السورية نتيجة الحرب التي تشهدها البلاد منذ 3 سنوات والتنقيب السري في مواقع تاريخية سورية مهمة من قبل لصوص ومافيات الآثار المحلية والإقليمية والدولية، قامت منظمة اليونيسكو باستحداث مكتب في مقرها ببيروت لحماية التراث الثقافي السوري. المكتب، مدعوما بتمويل من الاتحاد الأوروبي بمبلغ مليونين ونصف مليون يورو، كُلّفَ بحماية التراث السوري ونشر الوعي وحشد طاقات المجتمع الدولي وإقامة الدورات التدريبية للعاملين في مديرية الآثار والمتاحف السورية.
يوضح الدكتور مأمون عبد الكريم مدير عام الآثار والمتاحف السورية لـ«الشرق الأوسط» أن عددا من المنظمات الدولية، إلى جانب اليونيسكو، مثل إيكونومس ومنظمة الترميم وحماية الأوابد الأثرية العالمية (كروم) ومنظمة المتاحف العالمية إيكوم والمركز الإقليمي للتراث العالمي في البحرين، كل هذه المؤسسات العالمية تقدم خبراتها لحماية الآثار والمتاحف السورية.
وفي هذا السياق تستضيف العاصمة اللبنانية بيروت بدءا من اليوم وحتى يوم 7 ديسمبر (كانون الأول) المقبل دورة تدريبية بتمويل من المركز الإقليمي للتراث العربي في البحرين وبرعاية اليونيسكو ومركز الشارقة التابع لمنظمة إيكوم في مقر اليونيسكو في بيروت، وسيشارك فيها مجموعة من الخبراء الدوليين لتدريب 25 خبيرا أثريا من مختلف المحافظات السورية حول كيفية التعامل مع الأزمة. كذلك تستضيف العاصمة اليابانية طوكيو يوم 21 فبراير (شباط) المقبل وعلى مدى يومين مؤتمرا كبيرا حول الآثار السورية بدعم ورعاية من الحكومة اليابانية وتنظيم جامعة طوكيو وعلماء الآثار اليابانيين العاملين في سوريا.
وخلال حديثه يشير عبد الكريم إلى مجموعة لقاءات في روما تنظم بنشاط واسع من قبل الأكاديمي الأثري الإيطالي باولو ماتييه (مكتشف مملكة إبلا التاريخية في شمال غربي سوريا) ونائب رئيس الوزراء وزير الثقافة الإيطالي السابق بريجستو روتيني صاحب مبادرة «الضحية المنسية» التي أطلت منذ فبراير 2014 لتسليط الأضواء وتنبيه العالم للتراث الثقافي السوري وكيفية التعاطي مع حمايته.
وبالنسبة للقطع الأثرية المفقودة يقول عبد الكريم إن بعضها قد أعيد للدولة، ويضرب المثل بلبنان التي أعادت 93 قطعة أثرية في الفترة من أواخر عام 2013 وحتى نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي. وأضاف: «منذ بداية العام الحالي استعدنا 6 آلاف قطعة أثرية بالتعاون مع الجهات المختصة، كانت معدة للتهريب قبل أن تُهرب خارج الحدود السورية، ولكن قد يكون منها قطع مزورة نتحقق منها».
«المتاحف هي الوجه الوردي للقصة» يستطرد عبد الكريم: «في ظل الأزمة السورية المستمرة منذ 3 سنوات ونصف السنة، ونأمل أن تبقى كذلك، وإلا فستكون كارثة للتراث السوري. أقول لك بصدق إن 99 في المائة من مقتنيات المتاحف السورية بخير، حيث قمنا بإخفاء القطع وحمايتها في أماكن أخرى آمنة. ورغم بعض السرقات في متحف الرقة ومتحف دير عطية للتقاليد الشعبية، وبعض القطع الصغيرة هنا وهناك، لدينا 400 ألف قطعة أثرية مقابل نحو ألفي قطعة أثرية سرقت من أسلحة تقليدية ومن سيراميك وفخاريات هي قطع مهمة بنهاية المطاف، ولكنها تشكل 1 في المائة فقط من المقتنيات المتحفية». ويستكمل: «المصيبة العظمى للآثار السورية تمّثلت بالدمار الذي لحق نتيجة نشاط لصوص وعصابات الآثار والمافيات المحلية والإقليمية والعالمية في مواقع أثرية مفصلية بتاريخ سوريا، كدير الزور والرقة وريف حلب ودرعا. من جانبنا نعوّل في هذه المواقع على المجتمع الأهلي المحيط بالمكان ليلعب دوره في الدفاع عن تراثه الثقافي ونعوّل على المجتمع الدولي في أن يغلق الحدود في مواجهة السرقة، وأن يصدر قرار من مجلس الأمن، حيث هناك مساع حثيثة من اليونيسكو في هذا المجال منذ مايو (أيار) الماضي على غرار ما حدث في العراق لمحاربة الاتجار بالآثار السورية».
أما أكثر الأماكن الأثرية تضررا، حسب ما يشرح عبد الكريم، فهي تلك التي تضررت وبشكل ممنهج بسبب التنقيب السري، مثل موقع أفاميا (غرب مدينة حماه) في سهل الغاب الذي يعود للعصر الروماني الهلينستي البيزنطي: «هناك ألف حفرية سريّة لحقت بموقع أفاميا، لم تبق بقعة هناك إلا وتم التنقيب فيها بطريقة إجرامية. وكذلك موقع دورا أوروبوس من العصر الهلينستي البارسي الروماني في دير الزور على نهر الفرات تعرض للتدمير الكبير بسبب التنقيب السري، وموقع ماري الذي يعود لـ5 آلاف عام تقريبا، وموقع إبلا وموقع حمام التركمان في محافظة الرقة». يتنهد عبد الكريم ويضرب مثلا للأساليب المستخدمة قائلا: «لقد استخدم اللصوص البلدوزر في التنقيب السري بموقع تل عجاجة، وهو موقع آشوري مهم في جنوب مدينة الحسكة (شمال شرقي سوريا). وفي وادي اليرموك في درعا (جنوب سوريا) شارك مئات الأشخاص بالتنقيب السري، مثل تل الأشعري وتل شهاب وغيرهما، ولكن في المقابل هناك مواقع أثرية في مناطق ساخنة تمت حمايتها من قبل المجتمع الأهلي».