مستوردو الأدوية السودانيون يحذرون من انهيار القطاع

فروق أسعار الدولار تهدد حياة المواطنين

بعض الأدوية الضرورية اختفت من أرفف الصيدليات نتيجة توقف عمليات الاستيراد (أ.ف.ب)
بعض الأدوية الضرورية اختفت من أرفف الصيدليات نتيجة توقف عمليات الاستيراد (أ.ف.ب)
TT

مستوردو الأدوية السودانيون يحذرون من انهيار القطاع

بعض الأدوية الضرورية اختفت من أرفف الصيدليات نتيجة توقف عمليات الاستيراد (أ.ف.ب)
بعض الأدوية الضرورية اختفت من أرفف الصيدليات نتيجة توقف عمليات الاستيراد (أ.ف.ب)

حذر مستوردو الأدوية في السودان من انهيار كامل لقطاع الدواء في البلاد، نتيجة عدم توفر النقد الأجنبي اللازم للاستيراد. كما حذرت لجنة صيادلة السودان المركزية مما وصفته بفداحة حجم الكارثة المقبلة، والتي بدت ملامحها شاخصة في أرفُف الصيدليات التي تعكس ندرة العديد من أصناف الأدوية بما في ذلك المنقذة للحياة، نتيجة ضعف الاستيراد في الربع الأول من العام الحالي وإحجام عدد من الشركات عن الاستيراد، وتوقف محتمل لمصانع الأدوية المحلية.
ويستورد السودان نحو 60 في المائة من الدواء من الخارج، ويباع الدواء وفق تسعيرة ملزمة يحددها المجلس القومي للأدوية والسموم (مؤسسة حكومية). وعزت غرفة مستوردي الأدوية في بيان، أزمة شح الدواء إلى تراجع الحكومة عن القرار الخاص بتخصيص نسبة 10 في المائة من حصائل الصادر غير البترولية لاستيراد الأدوية دون وضع آلية جديدة لتوفير موارد النقد الأجنبي لعملية الاستيراد، وأوضحت أن جملة الاستيراد بلغ منذ بداية العام ٢٠٢٠ تسعة ملايين دولار فقط تمثل حوالي ٩ في المائة من الحاجة الحقيقية والتي تقدر بنحو (١٠٠) مليون دولار في نفس الفترة من الأعوام السابقة، وأشارت إلى أن هذه الفجوة الهائلة يتكبدها المواطن في البحث عن أدوية قد يجدها آمنة وفعالة أو لا بسبب الأدوية المهربة غير معروفة المصدر.
وعقدت الحكومة اجتماعات متوالية مع مستوردي ومصنعي الأدوية لضمان توفير الدعم اللازم لاستيراد وتصنيع وتوفير الأدوية حتى لا يحدث أي انقطاع يؤثر على الوضع الصحي، وترأس وزير الصناعة والتجارة مدني عباس مدني، اجتماعا ضم كل الجهات المعنية بالدواء واتفق فيه على معالجات على المدى المتوسط والطويل، بما يؤدي لحل المشكلة بشكل كامل، وتضمنت المقترحات الحكومية توفير الطاقة للمصانع الوطنية، وتأجيل أجل سداد قروض المصانع على البنوك، والمساعدة في توفير المواد الخام لمصانع الدواء.
ويعاني السودان من أزمة حادة في الدواء بسبب عدم توفر المواد الخام التي تستورد من الخارج للمصانع الوطنية وارتفاع تكاليف الإنتاج، بالإضافة إلى تأثر عمليات استيراد الأدوية نتيجة شح موارد النقد الأجنبي، أدت إلى ندرة في الدواء وارتفاع أسعاره. وقال الصيدلاني عبد القادر أحمد، صاحب صيدلية بأم درمان، لـ«الشرق الأوسط»، إن بعض أسعار الأدوية ارتفعت نسبتها من (90 - 200) في المائة، مشيرا إلى أن بعض الأدوية المنقذة للحياة اختفت من أرفف الصيدلية نتيجة توقف عمليات الاستيراد، وقال إن ارتفاع سعر الدولار في السوق الموازي إلى 130 جنيها، مع عدم توفير بنك السودان العملات الأجنبية للاستيراد زاد من معاناة مستوردي الأدوية الذين يلجأون لشراء الدولار من السوق السوداء لتغطية حاجة الاستهلاك من الدواء.
والأسبوع الماضي، أعلن وزير الصحة السوداني أكرم علي التوم، عن انعدام عدد من الأدوية بالبلاد وقال إن الأدوية المتوفرة بالبلاد لا تكفي لمدة أسبوعين، وأوضح في تصريحات صحافية، أن الأدوية سيتم توفيرها بالتواصل مع الشركاء الحكوميين في وزارة المالية وبنك السودان والمصانع المحلية والشركات المستوردة وأضاف: «سنعمل على توفير الأدوية».
واستورد السودان خلال الربع الأخير من العام 2019 أدوية بقيمة 367 مليون دولار، بزيادة بلغت نحو 47 مليون دولار مقارنة بعام 2018. بحسب بيان لنقطة التجارة الخارجية في السودان للعام 2019.
وقالت غرفة مستوردي الأدوية، إن استئناف استيراد الدواء بحاجة إلى توفير نحو 25 مليون دولار شهريا، وسداد الديون المستحقة للشركات الخارجية على الشركات المحلية المستوردة للأدوية وقدرها 60 مليون دولار، والتي تراكمت بسبب عدم توفر العملة الأجنبية بالسعر الرسمي في زمن استحقاق السداد، في وقت تبيع فيه شركات الأدوية بتسعيرة الدولة التي تعتمد السعر الرسمي فقط للدولار المحدد بـ55 جنيها، بينما يبلغ سعره في السوق الموازي نحو 130 جنيها للدولار الواحد.
وشهدت صناعة الدواء تطورا كبيرا في السودان مؤخرا، وأصبحت المصانع المحلية تنتج كل المضادات الحيوية وبعض الأدوية المنقذة للحياة، وبلغ عدد أنواع الأدوية المنتجة محليا أكثر من 363 نوع من الأدوية، تغطي نحو 40 في المائة من حاجة السودان.
ولحل مشكلة الدواء في البلاد، أعلنت وزارة الصناعة والتجارة السودانية، عن شروعها في وضع خطة لتطوير الصناعة الدوائية بالبلاد لتحقيق الاكتفاء الذاتي. ويوجد بالسودان نحو 27 مصنعا لإنتاج الدواء، العامل منها نحو 19 مصنعا فقط، وتعمل بنصف طاقتها، وتغطي حوالي 45 في المائة من استهلاك البلاد من الدواء خاصة من أدوية المضادات الحيوية وأدوية الضغط والسكري. وتحتاج مصانع الدواء المحلية إلى نحو 10 مليون دولار شهريا لتغطية استيراد المواد الخام. وتعاني مصانع الدواء المحلية من هيمنة قطاع استيراد الدواء على موارد النقد الأجنبي المخصص للدواء دون أن تستفيد منه المصانع الوطنية.
وأعلن المجلس القومي للأدوية والسموم قبل أسبوعين تسعيرة جديدة للأدوية بزيادة بلغت نحو 100 في المائة، للإيفاء بتكاليف صناعة الدواء المنتج محليا، ولكن تدخل وزير الصحة السوداني، الذي قام بإلغاء التسعيرة الجديدة للأدوية المصنعة محليا لأن الوقت غير مناسب لرفع الأسعار سيما وأن المواطنين يواجهون أزمة اقتصادية.



 «موديز» ترفع التصنيف الائتماني للسعودية بفضل جهود تنويع الاقتصاد

مشهد من العاصمة السعودية وتظهر فيه ناطحات السحاب في مركز الملك عبد الله المالي (كافد) (رويترز)
مشهد من العاصمة السعودية وتظهر فيه ناطحات السحاب في مركز الملك عبد الله المالي (كافد) (رويترز)
TT

 «موديز» ترفع التصنيف الائتماني للسعودية بفضل جهود تنويع الاقتصاد

مشهد من العاصمة السعودية وتظهر فيه ناطحات السحاب في مركز الملك عبد الله المالي (كافد) (رويترز)
مشهد من العاصمة السعودية وتظهر فيه ناطحات السحاب في مركز الملك عبد الله المالي (كافد) (رويترز)

رفعت وكالة التصنيفات الائتمانية «موديز» تصنيفها للسعودية بالعملتين المحلية والأجنبية عند «إيه إيه 3» (Aa3) من «إيه 1» مع نظرة مستقبلية «مستقرة»، وذلك نظراً لتقدم المملكة المستمر في التنويع الاقتصادي والنمو المتصاعد لقطاعها غير النفطي.

هذا التصنيف الذي يعني أن الدولة ذات جودة عالية ومخاطر ائتمانية منخفضة للغاية، هو رابع أعلى تصنيف لـ«موديز»، ويتجاوز تصنيفات وكالتي «فيتش» و«ستاندرد آند بورز».

وقالت «موديز» في تقريرها إن رفعها لتصنيف المملكة الائتماني، مع نظرة مستقبلية «مستقرة»، يأتي نتيجة لتقدمها المستمر في التنوع الاقتصادي، والنمو المتصاعد للقطاع غير النفطي في المملكة، والذي، مع مرور الوقت، سيقلل ارتباط تطورات سوق النفط باقتصادها وماليتها العامة.

ترتيب أولويات الإنفاق ورفع كفاءته

وأشادت «موديز» بالتخطيط المالي الذي اتخذته الحكومة السعودية في إطار الحيّز المالي، والتزامها بترتيب أولويات الإنفاق ورفع كفاءته، بالإضافة إلى الجهود المستمرة التي تبذلها ومواصلتها استثمار المـوارد الماليـة المتاحـة لتنويـع القاعـدة الاقتصاديـة عـن طريـق الإنفـاق التحولي؛ مما يدعم التنمية المستدامة للاقتصاد غير النفطي في المملكة، والحفاظ على مركز مالي قوي.

وقالت «موديز» إن عملية «إعادة معايرة وإعادة ترتيب أولويات مشاريع التنويع -التي ستتم مراجعتها بشكل دوري- ستوفر بيئة أكثر ملاءمة للتنمية المستدامة للاقتصاد غير الهيدروكربوني في المملكة، وتساعد في الحفاظ على القوة النسبية لموازنة الدولة»، مشيرة إلى أن الاستثمارات والاستهلاك الخاص يدعمان النمو في القطاع الخاص غير النفطي، ومتوقعةً أن تبقى النفقات الاستثمارية والاستثمارات المحلية لـ«صندوق الاستثمارات العامة» مرتفعة نسبياً خلال السنوات المقبلة.

شعار «موديز» خارج المقر الرئيسي للشركة في مانهاتن الولايات المتحدة (رويترز)

وقد وضّحت الوكالة في تقريرها استنادها على هذا التخطيط والالتزام في توقعها لعجز مالي مستقر نسبياً والذي من الممكن أن يصل إلى ما يقرب من 2 - 3 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي.

وسجل الناتج المحلي الإجمالي للمملكة نمواً بمعدل 2.8 في المائة على أساس سنوي في الربع الثالث من العام الحالي، مدعوماً بنمو القطاع غير النفطي الذي نما بواقع 4.2 في المائة، وفقاً لبيانات الهيئة العامة للإحصاء السعودية الصادرة الشهر الماضي.

زخم نمو الاقتصاد غير النفطي

وتوقعت «موديز» أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي للقطاع الخاص بالسعودية بنسبة تتراوح بين 4 - 5 في المائة في السنوات المقبلة، والتي تعتبر من بين أعلى المعدلات في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، معتبرةً أنه دلالة على استمرار التقدم في التنوع الاقتصادي الذي سيقلل ارتباط اقتصاد المملكة بتطورات أسواق النفط.

وكان وزير المالية، محمد الجدعان، قال في منتدى «مبادرة مستقبل الاستثمار» الشهر الماضي إن القطاع غير النفطي بات يشكل 52 في المائة من الاقتصاد بفضل «رؤية 2030».

وقال وزير الاقتصاد فيصل الإبراهيم إنه «منذ إطلاق رؤية المملكة 2030 نما اقتصادنا غير النفطي بنسبة 20 في المائة، وشهدنا زيادة بنسبة 70 في المائة في الاستثمار الخاص في القطاعات غير النفطية، ومهد ذلك للانفتاح والمشاركات الكثيرة مع الأعمال والشركات والمستثمرين».

وأشارت «موديز» إلى أن التقدم في التنويع الاقتصادي إلى جانب الإصلاحات المالية السابقة كل ذلك أدى إلى وصول «الاقتصاد والمالية الحكومية في السعودية إلى وضع أقوى يسمح لهما بتحمل صدمة كبيرة في أسعار النفط مقارنة بعام 2015».

وتوقعت «موديز» أن يكون نمو الاستهلاك الخاص «قوياً»، حيث يتضمن تصميم العديد من المشاريع الجارية، بما في ذلك تلك الضخمة «مراحل تسويق من شأنها تعزيز القدرة على جانب العرض في قطاع الخدمات، وخاصة في مجالات الضيافة والترفيه والتسلية وتجارة التجزئة والمطاعم».

وبحسب تقرير «موديز»، تشير النظرة المستقبلية «المستقرة» إلى توازن المخاطر المتعلقة بالتصنيف على المستوى العالي، مشيرة إلى أن «المزيد من التقدم في مشاريع التنويع الكبيرة قد يستقطب القطاع الخاص ويُحفّز تطوير القطاعات غير الهيدروكربونية بوتيرة أسرع مما نفترضه حالياً».

النفط

تفترض «موديز» بلوغ متوسط ​​سعر النفط 75 دولاراً للبرميل في 2025، و70 دولاراً في الفترة 2026 - 2027، بانخفاض عن متوسط ​​يبلغ نحو 82 - 83 دولاراً للبرميل في 2023 - 2024.

وترجح وكالة التصنيف تمكّن السعودية من العودة لزيادة إنتاج النفط تدريجياً بدءاً من 2025، بما يتماشى مع الإعلان الأخير لمنظمة البلدان المصدرة للنفط وحلفائها «أوبك بلس».

وترى «موديز» أن «التوترات الجيوسياسية المتصاعدة في المنطقة، والتي لها تأثير محدود على السعودية حتى الآن، لن تتصاعد إلى صراع عسكري واسع النطاق بين إسرائيل وإيران مع آثار جانبية قد تؤثر على قدرة المملكة على تصدير النفط أو إعاقة استثمارات القطاع الخاص التي تدعم زخم التنويع». وأشارت في الوقت نفسه إلى أن الصراع الجيوسياسي المستمر في المنطقة يمثل «خطراً على التطورات الاقتصادية على المدى القريب».

تصنيفات سابقة

تجدر الإشارة إلى أن المملكة حصلت خلال العامين الحالي والماضي على عدد من الترقيات في تصنيفها الائتماني من الوكالات العالمية، والتي تأتي انعكاساً لاستمرار جهـود المملكـة نحـو التحـول الاقتصـادي فـي ظـل الإصلاحـات الهيكليـة المتبعـة، وتبنـّي سياسـات ماليـة تسـاهم فـي المحافظـة علـى الاستدامة الماليـة وتعزز كفـاءة التخطيـط المالي وقوة ومتانة المركز المالي للمملكة. ​

ففي سبتمبر (أيلول)، عدلت «ستاندرد آند بورز» توقعاتها للمملكة العربية السعودية من «مستقرة» إلى «إيجابية» على خلفية توقعات النمو القوي غير النفطي والمرونة الاقتصادية. وقالت إن هذه الخطوة تعكس التوقعات بأن تؤدي الإصلاحات والاستثمارات واسعة النطاق التي تنفذها الحكومة السعودية إلى تعزيز تنمية الاقتصاد غير النفطي مع الحفاظ على استدامة المالية العامة.

وفي فبراير (شباط) الماضي، أكدت وكالة «فيتش» تصنيفها الائتماني للمملكة عند «إيه +» مع نظرة مستقبلية «مستقرة».