ثلاث حزم أمام وزراء الخارجية الأوروبيين لمواجهة ضم الضفة

الانقسامات تعيق موقفاً موحداً في اجتماع الجمعة

مستوطنة إسرائيلية في الضفة الغربية (أرشيفية - أ.ف.ب)
مستوطنة إسرائيلية في الضفة الغربية (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

ثلاث حزم أمام وزراء الخارجية الأوروبيين لمواجهة ضم الضفة

مستوطنة إسرائيلية في الضفة الغربية (أرشيفية - أ.ف.ب)
مستوطنة إسرائيلية في الضفة الغربية (أرشيفية - أ.ف.ب)

من بين الحجج التي ترفعها الأطراف الأوروبية الرافضة لعملية ضم إسرائيل مناطق واسعة من الضفة الغربية، وفق خطة «صفقة القرن» الأميركية، ثمة اثنتان رئيسيتان تصرّ عليهما هذه الأطراف، وفق ما أشارت إليه مصادر دبلوماسية في العاصمة الفرنسية. الأولى أن السكوت على الضمّ ينزع الصدقية عن السياسة الأوروبية الخارجية كلها، ويفقدها جديتها، ويبين أن الاتحاد الأوروبي الذي يقدم نفسه على المسرح العالمي مجموعة متمسكة بالقانون الدولي، يكيل بمكيالين، ويواجه في اجتماعه، الجمعة، 3 حزم لمواجهة ضم الضفة.
وفي مواجهة التناقض الداخلي، كيف يُفهم أن الاتحاد فرض عقوبات على روسيا لضمها شبه جزيرة القرم، وهو يرفض التخلي عنها حتى اليوم، رغم أنها بدأت في العام 2014. وفي الوقت نفسه يغض الطرف عن ضم ما يعادل ثلث الضفة الغربية ويقضي على احتمال قيام دولة فلسطينية، ويُطيح «المحددات» الدولية المتوافق عليها لحل سلمي ونهائي للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي؟ والحجة الثانية أن عملية الضم ستكون لها تبعات خطيرة على المنطقة، وستشعل بقوة بؤرة توتر قائمة، ويمكن أن تكون لها تداعيات على أوروبا نفسها، التي هي ليست بحاجة لتحديات جديدة، وسوف تخدم «الدعاية» الإيرانية، ويمكن أن تفضي كذلك إلى إطلاق موجة إرهاب جديدة، فيما إرهاب «داعش» لم تنطفئ جذوته بعد.
ترى هذه المصادر أن هناك «إجماعاً أوروبياً» على هذه القراءة، ووعياً كافياً للتحديات والتبعات والأخطار، بما في ذلك من قبل الدول القريبة من إسرائيل تقليدياً. إلا أن الخلافات تطفو على السطح عند البحث في ما يتعين على الاتحاد أن يقوم به، قبل أن يتحول الضم إلى «أمر واقع»، كما حصل في موضوع القدس، بحيث سيكون من الصعب، بل من المستحيل، الرجوع عنه. ولهذا السبب، فإن دولاً أوروبية كثيرة تريد خطوات وقرارات واضحة من وزراء خارجية الاتحاد الـ27 الذين سيعقدون اليوم اجتماعاً عن بعد، للنظر في هذه المسألة المتفجرة. لكن التشخيص شيء، والانتقال منه إلى إقرار خطوات عملية عقابية واستباقية شيء آخر. والسبب الأول في ذلك أن الاتحاد يعمل على قاعدة الإجماع، ما يعني أن دولة أو عدة دول قادرة على شلّ السياسة الخارجية الموحدة للاتحاد، بحيث لا يترك المجال مفتوحاً إلا لخطوات أحادية التي ستكون بالضرورة ضعيفة التأثير.
وكشفت صحيفة «لوموند» الفرنسية المستقلة وجود «ورقة» داخلية من ثلاث صفحات، أعدها قسم «العمل الخارجي الأوروبي» ووقّعتها ممثلة الاتحاد الأوروبي لـ«الشرق الأوسط»، سوزانا تيرستال. وتعد «الورقة» خلاصة للمناقشات غير الرسمية التي جرت على ثلاث دفعات منذ ثلاثة أشهر بين الجهات المعنية. وتشير الورقة إلى أن الدول الأعضاء «تفتقر لإرادة فرض عقوبات على إسرائيل، إذا أقدمت على عملية الضم». كذلك يفيد التقرير عن وجود انقسامات حول «الطريقة» التي يتعين على الاتحاد التعامل بها مع إسرائيل، فيما عدة دول، بينها المجر وتشيكيا وبلغاريا وبولندا، تعمد إلى ربط الرد بـ«كيفية إتمام عملية الضم وعلاقة ذلك بالقانون الدولي»، علماً بأن هذا القانون واضح وقاطع، ولا يحتمل التأويل. وفي السياق عينه، ثمة دول أوروبية تدعو أن يقدم الجانب الفلسطيني «مقترحات مضادة» للخطة الأميركية، إما عن سذاجة، أو عن سوء نية، ما يبين إضاعة الوقت أو التهرب من المسؤولية أو الخوف من إغضاب واشنطن. وبخصوص النقطة الأخيرة، تفيد هذه المصادر بأن الإدارة الأميركية تبدو اليوم «منقسمة على نفسها»، بين من يدعو الرئيس دونالد ترمب إلى التروي، وبين من يدفع إلى الإسراع في عملية الضم والاستفادة من الأشهر الخمسة المتبقية له في البيت الأبيض لفرض الأمر الواقع الجديد. والحجة الرئيسية لدعاة التريث أن تنفيذ الضم «سيعيق الخطط الأميركية الهادفة إلى إعادة رسم صيغة المنطقة وموقع إسرائيل داخلها». ويتسلح هؤلاء بمواقف مسؤولين عسكريين وأمنيين إسرائيليين سابقين ينبهون لخطورة القيام بعمل كهذا، ويقللون من «الفائدة» المترتبة عليه؛ خصوصاً أن المناطق المنوي ضمها خاضعة تماماً لإسرائيل التي لن تكسب شيئاً من ضمها اليوم. يضاف إلى ذلك كل، أن الخطوة الإسرائيلية، في حال إتمامها ستحرج مصر والأردن اللتين وقعتا اتفاقية سلام مع إسرائيل، ويمكن أن تقضي على جهود إسرائيل في التقرب من عدد آخر من الدول العربية. وأخيراً، فإن إسرائيل يمكن أن تُلاحق أمام المحكمة الجنائية الدولية.
ما المتاح أمام الأوروبيين في ظل انقساماتهم العميقة إزاء الخطوات الممكنة للرد على عملية الضم، علماً بأن لا دولة واحدة لوّحت بالاعتراف الجماعي أو الفردي بالدولة الفلسطينية؟
ثمة ثلاث حزم يتم العمل عليها، وسيكون للوزراء اليوم التعبير عن رأيهم فيها، أولها إعادة النظر بوتيرة تنفيذ اتفاقية الشراكة بين إسرائيل والاتحاد. وثانيها فرض التمييز الواضح بين البضائع الواردة من إسرائيل وتلك المنتجة في المستوطنات، وهو ما بدأت بعض الدول الأوروبية العمل به من غير دول أخرى. أما الحزمة الثالثة فتتناول إعادة النظر ببرامج التعاون العلمي والبحثي والطلابي بين الطرفين. وثمة خيار من طبيعة مختلفة، بحسب «الورقة» الأوروبية، ويقوم على وقف تمويل مؤسسات السلطة الفلسطينية، إذا تبين للأوروبيين أن حل الدولتين قد تبخر، وبذلك «ستحمل إسرائيل كامل مسؤولية حقوق الفلسطينيين في القدس والضفة الغربية»، في إشارة غير مباشرة إلى حلّ السلطة، وهو أحد الخيارات التي يهدد بها الجانب الفلسطيني.



هل يشغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة العربية؟

مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
TT

هل يشغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة العربية؟

مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)

تزامناً مع الاستعداد لزيارة وفد من جامعة الدول العربية إلى دمشق خلال أيام، أثيرت تساؤلات بشأن ما إذا كان قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع سيشغل مقعد بلاده في اجتماعات الجامعة المقبلة.

وأعلن الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، السفير حسام زكي، في تصريحات متلفزة مساء الأحد، أنه «سيزور العاصمة السورية دمشق خلال أيام على رأس وفد من الأمانة العامة للجامعة لعقد لقاءات من الإدارة السورية الجديدة وأطراف أخرى؛ بهدف إعداد تقرير يقدم للأمين العام، أحمد أبو الغيط، وللدول الأعضاء بشأن طبيعة التغيرات في سوريا».

وكانت «الشرق الأوسط» كشفت قبل أيام عن عزم وفد من الجامعة على زيارة دمشق بهدف «فتح قناة اتصال مع السلطات الجديدة، والاستماع لرؤيتها»، وفقاً لما صرح به مصدر دبلوماسي عربي مطلع آنذاك.

وخلال تصريحاته، عبر شاشة «القاهرة والناس»، أوضح زكي أنه «قبل نحو ثلاثة أيام تواصلت الجامعة العربية مع الإدارة السورية الجديدة لترتيب الزيارة المرتقبة».

وبينما أشار زكي إلى أن البعض قد يرى أن الجامعة العربية تأخرت في التواصل مع الإدارة السورية الجديدة، أكد أن «الجامعة ليست غائبة عن دمشق، وإنما تتخذ مواقفها بناءً على قياس مواقف جميع الدول الأعضاء»، لافتاً إلى أنه «منذ سقوط نظام بشار الأسد لم يحدث سوى اجتماع واحد للجنة الاتصال العربية المعنية بسوريا منتصف الشهر الماضي».

وأوضح الأمين العام المساعد أن «الجامعة العربية طلبت بعد ذلك بأسبوع اجتماعاً مع الإدارة السورية الجديدة»، وقال: «نقدّر الضغط الكبير على الإدارة الجديدة، وربما عدم وجود خبرات أو أفكار كافية لملاحقة مثل هذه الطلبات».

وعقدت لجنة الاتصال الوزارية العربية المعنية بسوريا اجتماعاً بمدينة العقبة الأردنية، في 14 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أكدت خلاله الوقوف إلى جانب الشعب السوري في هذه المرحلة الانتقالية.

وحول الهدف من الزيارة، قال زكي: «هناك دول عربية تواصلت مع الإدارة الجديدة، لكن باقي أعضاء الجامعة الـ22 من حقهم معرفة وفهم ما يحدث، لا سيما أنه ليس لدى الجميع القدرة أو الرغبة في التواصل». وأضاف أن «الزيارة أيضاً ستتيح الفرصة للجانب السوري لطرح رؤيته للوضع الحالي والمستقبل».

ولن تقتصر زيارة وفد الجامعة إلى سوريا على لقاء الإدارة الجديدة، بل ستمتد لأطراف أخرى فصَّلها زكي بقوله: «سنلتقي أي أطراف من المجتمع المدني والقيادات الدينية والسياسية». لكنه في الوقت نفسه نفى إمكانية لقاء «قسد»، وقال «(قسد) وضعها مختلف، كما أنها بعيدة عن العاصمة، حيث ستقتصر الزيارة على دمشق».

ومنذ إطاحة نظام بشار الأسد، في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تسعى الإدارة السورية الجديدة إلى طمأنة الدول العربية والمجتمع الدولي. وفي هذا السياق، تواصلت دول عربية عدة مع الإدارة الجديدة، سواء عبر زيارات رسمية أو وفود برلمانية واستخباراتية أو اتصالات هاتفية.

وهو ما وصفه رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور محمد عز العرب، بـ«الانفتاح العربي». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «اختيار وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني للسعودية أولى محطاته الخارجية يعدّ تأكيداً على رغبة دمشق في تعميق علاقتها العربية، لا سيما مع حاجتها إلى دعمها من أجل رفع العقوبات عن البلاد وإعادة إعمارها».

وأكد عز العرب أن «زيارة وفد الجامعة العربية المرتقبة إلى دمشق ستعمّق العلاقات العربية - السورية، في سياق انفتاح متبادل بين الجانبين».

واتفق معه أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور أحمد يوسف أحمد، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الجامعة العربية تتحرك بما يتلاءم مع توجهات أعضائها أو على الأقل الدول الوازنة فيها».

هذا الانفتاح العربي يأتي إيماناً بأن «سوريا دولة كبيرة ومهمة»، بحسب الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، الذي قال: «سوريا تحتاج إلى كل الدعم العربي السياسي والمادي»، مضيفاً: «قد يكون الوضع غير مرضٍ للبعض، ويمكن تفهم هذا، لكن الشأن السوري أمر مرتبط بالسوريين أنفسهم إلى أن يبدأ في التأثير على دول قريبة».

وأضاف: «سوريا تمر بمرحلة جديدة، لكتابة التاريخ بأيدي مواطنيها، وعلى الدول العربية مدّ يد العون لها».

وبشأن شغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة، قال زكي إن «القرار بيد الدول العربية وليس الأمانة العامة»، موضحاً أنه «لو كانت سوريا غير ممثلة ومقعدها شاغر كان من الممكن بحث عودتها الآن وربما وضع بعض المطالب لتحقيق ذلك».

وأضاف: «الواقع يقول إن سوريا موجودة في الجامعة وتشغل مقعدها، أما من يمثلها في هذا المقعد فهو أمر سوري في الأساس. عند تغيير الحكم في أي دولة يمثل الحكم الجديد بلده في المنظمة». لكن زكي أشار في الوقت نفسه إلى أن «هناك أموراً تتعلق بتمثيل شخص معين للدولة، وهنا قد يكون الأمر مرتبطاً بمجلس الأمن، حيث إن هناك قرارات تخصّ التنظيم الذي يرأسه الشرع لا بد من التعامل معها بشكل سريع وسلس».

وقال: «سوريا دولة كبيرة وما يحدث لها يعني العرب، ونظام الحكم الحالي غير النمطي قد لا يسهل الانفتاح عليه، لكن في النهاية دولة بهذه التركيبة لا يمكن أن تترك من جانب العرب».

وأقرّ مجلس وزراء الخارجية العرب في اجتماع طارئ عقد في القاهرة في 7 مايو (أيار) 2023 عودة سوريا لمقعدها بالجامعة، منهياً قراراً سابقاً بتعليق عضويتها صدر في نوفمبر (تشرين الثاني) 2011، بعد 8 أشهر من اندلاع الاحتجاجات في سوريا.

بدوره، قال الكاتب والباحث السياسي السوري، غسان يوسف، لـ«الشرق الأوسط» إن «الإدارة الحالية هي التي تقود العملية السياسية في سوريا، وهي سلطة الأمر الواقع، وأي اجتماع في الجامعة العربية سيحضره من يمثل هذه الإدارة لأنه ليس هناك بديل آخر الآن».

بينما أكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة إن «شغل الشرع لمقعد بلاده يتطلب اعترافاً من الجامعة العربية بالإدارة الجديدة، فالتواصل الذي حدث حتى الآن لا يعني بالضرورة اعترافاً به». وأشار إلى أن «الأمر قد يرتبط أيضاً بقرارات مجلس الأمن بهذا الشأن وما إذا كان سيسقط تكييف (الإرهاب) عن (هيئة تحرير الشام)».

لكن أحمد أشار إلى أن «الانفتاح العربي الحالي قد يحل المسألة، لا سيما مع وجود سوابق تاريخيّة اعترفت فيها الجامعة بحكم انتقالي كما حدث في العراق عام 2003».

وفي سبتمبر (أيلول) عام 2003 أعلنت الجامعة العربية، عقب اجتماع على مستوى وزراء الخارجية، الموافقة على شغل مجلس الحكم الانتقالي العراقي مقعد بلاده في الجامعة بصورة مؤقتة إلى حين قيام حكومة شرعية في بغداد.

وأعرب عز العرب عن اعتقاده أن «الفترة المقبلة ستشهد رفعاً للعقوبات الدولية عن سوريا، وتعزيزاً لشرعية الإدارة الجديدة».

وبينما أكد غسان يوسف أن «العقوبات لم ترفع عن سوريا حتى الآن»، أبدى تفاؤلاً بـ«إمكانية تغير الوضع مع عقد مؤتمر الحوار الوطني في سوريا الذي سيعطي مشروعية للحكومة».

وكانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف سابقاً باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت علاقتها به عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما أن قائدها أحمد الشرع، وكان وقتها يكنى «أبو محمد الجولاني» مدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.