بعد 55 يوماً من الحجر في المنازل وتوقف الدورة الاقتصادية والتربوية والاجتماعية، بدأ الفرنسيون أمس بالعودة التدريجية والجزئية إلى الحياة العادية، وسط مخاوف من موجة وبائية ثانية وعدم التزام المواطنين بالتدابير والإجراءات المطلوبة منهم.
ويوم أمس حذّر وزير الصحة أوليفيه فيران، الفرنسيين من أن عودة الوباء إلى الانتشار سيدفع الحكومة إلى «فرض حالة الحجر من جديد، وربما بشكل أقوى، وبحسب حالة تفشيه في المناطق». وبما أن الإقناع ليس كافياً دائماً لحفز السكان على الالتزام بالتعليمات، فإن الحكومة أقرت فرض غرامة 135 يورو على من يخالف الإجراءات الخاصة بارتداء الكمامات في وسائل النقل العمومية أو بموعد استخدامها، فضلاً عن المسافات التي يقطعها المواطنون بالقطار أو السيارة.
وأكد فيران أن الأجهزة الصحية جاهزة تماماً لإجراء ما لا يقل عن 700 ألف اختبار إصابة بفيروس «كوفيد 19» في الأسبوع، لمن تحوم حوله شبهات الإصابة به، وكذلك للأشخاص الذين تم الاحتكاك بهم وفرض العزل عليهم، سواء في المنزل أو في فنادق مخصصة لهذه الغاية. وكانت تحوم شكوك حول قدرة السلطات الصحية على إنجاز أمر كهذا، وأنها عاجزة عنه حتى اليوم، وكذلك حول تمكنها من توفير الكمامات بأنواعها بكميات كافية، للعاملين في القطاع الصحي وللمواطنين.
وأمس، عادت دورة الحياة لتدور ببطء مع دبيب النشاط في المؤسسات والشركات والمحلات الـ444 ألفاً التي أتيحت لها فرصة معاودة العمل، وفق القرارات الحكومية التي استبعدت منها المطاعم والمقاهي والمتاحف ودور السينما والمسارح... ولم يبدأ الأطفال والتلامذة بالعودة إلى مدارسهم أمس، بانتظار أن ينتهي القيمون عليها في القطاعين العام والخاص من اتخاذ الترتيبات الضرورية، خصوصاً بالنسبة للصغار. وفيما أكد وزير التربية جان ميشال بلانكيه أن «البقاء في المنزل يحمل مخاطر أكبر من الذهاب إلى المدرسة»، فإن وزارته تنتظر رجوع مليون طفل وتلميذ في المرحلة الابتدائية إلى المدارس في اليوم الأول (من أصل 6.5 مليون طفل وتلميذ).
وبدورهم، سيعود تلامذة المرحلة التكميلية إلى المدارس بعد أسبوع من الآن في «المناطق الخضراء» التي لا تضم باريس ومنطقتها، إضافة إلى 3 مناطق شمال وشرق فرنسا ما زال سريان الوباء فيها مرتفع المستوى.
وفي أي حال، فإن ما تخشاه السلطات هو وصول «موجة ثانية» من الوباء أو تفشي الموجة الراهنة مجدداً بسبب التخلي عن حالة الحجر.
ويرى خبراء الصحة والفيروسات أن الأجهزة الصحية تحتاج أسبوعين على الأقل لتتأكد من أمر كهذا. وتبدو السلطات كمن يسير على حبل مشدود، وهي حريصة على أمرين؛ إعادة تحريك دورة الحياة بكافة مناحيها، خصوصاً الاقتصادية منها، ولكن في الوقت عينه تجنب العودة مجدداً لفرض الحجر. وفي الأيام الأخيرة تراجعت أعداد الوفيات إلى عتبة 70 أو 80 وفاة. كذلك تراجع عدد المصابين الموجودين في أقسام العناية الفائقة إلى ما يزيد قليلاً على 2700 بعد أن كان قد ضرب سابقاً أرقاماً قياسية (نحو 8 آلاف). لكن حصيلة الضحايا ستبقى علامة سوداء في سجل جهود مواجهة الوباء الذي قضى حتى مساء أول من أمس على 26380 شخصاً.
ويوم أمس، بدت باريس غريبة بعض الشيء رغم رفع الحجر، لمن اعتاد ضجيجها وازدحامها في بداية كل أسبوع. فحركة السيارات جاءت ضعيفة، وكذلك الأمر بالنسبة لمترو الأنفاق وقطارات الضواحي حيث كلفت الأجهزة الأمنية بالحرص على تنفيذ إجراءات التباعد بين الأشخاص وارتداء الكمامات وتجنب التلامس في الحافلات أو على الأرصفة. وكانت جادة الشانزليزيه شبه خالية، فلا سياح في فرنسا ولا فنادق تستقبلهم. وبقيت أماكن العبادة المختلفة شبه مقفرة، رغم أنها مفتوحة، ولكن القيام بالنشاطات الدينية ما زال ممنوعاً حتى أواخر الشهر الحالي وسط سخط من بعض مؤسسات المسلمين، وعلى رأسها مسجد باريس الكبير الذي يطالب المسؤولون عنه بتمكينهم من الصلاة الجماعية بمناسبة انتهاء شهر رمضان المبارك. وطيلة يوم أمس، تابع أركان الحكومة، وفي مقدمهم رئيسها إدوار فيليب، الوضع ساعة فساعة، فيما بكّر الرئيس إيمانويل ماكرون بتغريدة صباحية نبّه فيها أن الوباء «ما زال موجوداً» وأن مسؤولية الفرنسيين «التزام الحذر للمحافظة على الحياة».
يبقى أن حدود فرنسا ما زالت مغلقة بحجر أو من غير حجر إلا لأسباب قاهرة، فيما حدود الاتحاد الخارجية مقفلة إلى أجل غير مسمى. ويأمل المسؤولون الحدّ من الخسائر الاقتصادية والمالية وكبح جماح ارتفاع أرقام البطالة وإفلاس الشركات بالرهان على تحلي المواطنين بروح المسؤولية والحس المدني. ولكنه رهان يمكن أن يصيب أو يخطئ.
دورة الحياة في فرنسا تبدأ الدوران ببطء... ومخاوف من انتكاسات
دورة الحياة في فرنسا تبدأ الدوران ببطء... ومخاوف من انتكاسات
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة