هل يتحور فيروس «كورونا» ليصبح أكثر شراسة؟

نموذج لفيروس «كورونا» (أ.ف.ب)
نموذج لفيروس «كورونا» (أ.ف.ب)
TT

هل يتحور فيروس «كورونا» ليصبح أكثر شراسة؟

نموذج لفيروس «كورونا» (أ.ف.ب)
نموذج لفيروس «كورونا» (أ.ف.ب)

تزداد المخاوف مع انتشار فيروس «كورونا» المستجد في العالم، من احتمال أن يصبح أكثر خطورة أو قابلية للانتقال أو كليهما، ما قد يزيد من سوء الأزمة الصحية العالمية.
ووفقاً لصحيفة «غارديان» البريطانية، فإن جميع الفيروسات تتطور، ولا يعد «كورونا» المسبب لوباء «كوفيد– 19» استثناء. وتابعت الصحيفة بأن الطفرات تحدث عندما يتكاثر الفيروس داخل الخلايا، وتقع أخطاء في نسخ شفرته الجينية، فجينات الفيروس توجد في حمض نووي أحادي، وذلك على خلاف جينات البشر التي توجد في حمض نووي مزدوج. وأوضحت أن الطفرات تحدث للفيروسات بالصدفة طوال الوقت، ومعظمها يكون له تأثير ضئيل، وبعضها قد يعيق الفيروس، ولكن يمكن أن تمكّن بعض الطفرات الفيروس من أن يصبح أكثر انتشاراً وخطورة، عن طريق جعله أكثر كفاءة في إصابة الخلايا.
وتابعت «الغارديان» أن معدل الطفرات يعتبر مهماً؛ لأنه كلما أسرع الفيروس في التحور، صعب صنع لقاح مضاد له، مشيرة إلى أن الإنفلونزا الموسمية تتطور بسرعة كبيرة، ومن ثم فنحن بحاجة إلى لقاح مختلف كل عام. ولفتت إلى أن العلماء قاموا بتحليل 13000 عينة في بريطانيا لفيروس «كورونا» منذ منتصف مارس (آذار)، ووجدوا أن الفيروس مستقر، وطفراته تحدث مرتين في الشهر تقريباً. وقالت إن الشفرة الوراثية للفيروسات التاجية التي ينتمي لها «كورونا» تظهر أنها تنقسم إلى مجموعات أثناء انتشارها، وقد حدد باحثون في ألمانيا خلال أبريل (نيسان) 3 مجموعات أطلقوا عليها A وB وC.
ووفقاً لهذا التقسيم توجد المجموعات A وC غالباً لدى الأوروبيين والأميركيين، والمجموعة B هي الأكثر شيوعاً في شرق آسياً.
وأضافت الصحيفة أن هناك مجموعات أصغر، وهي التي يمكن للعلماء استخدامها للتوصل إلى مصادر العدوى، والتي تعود في النهاية إلى منطقة مثل مدينة ووهان الصينية التي ظهر بها الفيروس، أو إلى شمال إيطاليا.
وذكرت «الغارديان» أن عدد الطفرات التي حدثت لـ«كورونا» لفت انتباه العلماء؛ حيث درس باحثون في مدرسة لندن للصحة والطب الاستوائي 5000 من جينات الفيروس من جميع أنحاء العالم، واكتشفوا حدوث عديد من الطفرات التي قد تكون دليلاً على تكيف الفيروس مع البشر، وكان من بين تلك الطفرات طفرتان في البروتين الذي يستخدمه الفيروس لاختراق الخلايا.
وقال مارتن هيبرد، أستاذ الأمراض المعدية الناشئة، وكبير باحثي تلك الدراسة، والتي لم تتم مراجعتها بعد، إن تلك الدراسة تسلط الضوء على الحاجة إلى مراقبة عالمية للفيروس، وأن هذا سيكشف عما إذا كانت الطفرات الجديدة تساعد الفيروس على الانتشار، وما إذا كانت اللقاحات قد تحتاج إلى تعديل.
وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أن دراسة أولية لعلماء في جامعة «شيفيلد» البريطانية ومختبر «لوس ألاموس» في نيو مكسيكو الأميركية، خلصت إلى أن هناك طفرات حدثت في بروتين بالفيروس يساعده على الانتشار، ولكنها ذكرت أن علماء آخرين يعتقدون أنه من السابق لأوانه معرفة أي من الطفرات تساعد الفيروس على الانتشار.
ونقلت «الغارديان» عن البروفسور نيك لومان من جامعة «برمنغهام» قوله إن جميع الفيروسات التاجية متشابهة للغاية، والفيروسات التي تحدث بها طفرات معينة يمكن أن تنتشر في مناطق مختلفة لعدة أسباب، منها أن يجد الفيروس موطئ قدم أولاً. وتابع: «عدد الطفرات ليس مهماً، فنحن نتطلع لمعرفة أي من تلك الطفرات يغير سلوك الفيروس؛ خصوصاً أنه ليس لدينا أي دليل على ذلك».
واختتمت الصحيفة تقريرها بأن العلماء خلال معرفتهم مزيداً عن التركيب الجيني للفيروسات التاجية، سيكونون قادرين على تتبع الإصابات للتوصل إلى أصلها، ويمكن أن يكون ذلك مفيداً لتتبع الأمراض المتفشية وتحديد الإصابات المستوردة، ولكن المراقبة المكثفة للفيروس ستشير أيضاً إلى كيفية تحوره واكتسابه مقاومة للعقاقير واللقاحات.


مقالات ذات صلة

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)
صحتك امرأة تعاني من «كورونا طويل الأمد» في فلوريدا (رويترز)

دراسة: العلاج النفسي هو الوسيلة الوحيدة للتصدي لـ«كورونا طويل الأمد»

أكدت دراسة كندية أن «كورونا طويل الأمد» لا يمكن علاجه بنجاح إلا بتلقي علاج نفسي.

«الشرق الأوسط» (أوتاوا)
صحتك «كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

«كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

يؤثر على 6 : 11 % من المرضى

ماثيو سولان (كمبردج (ولاية ماساشوستس الأميركية))

«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)

يجيب معرض «الجمل عبر العصور»، الذي تستضيفه مدينة جدة غرب السعودية، عن كل التساؤلات لفهم هذا المخلوق وعلاقته الوطيدة بقاطني الجزيرة العربية في كل مفاصل الحياة منذ القدم، وكيف شكّل ثقافتهم في الإقامة والتّرحال، بل تجاوز ذلك في القيمة، فتساوى مع الماء في الوجود والحياة.

الأمير فيصل بن عبد الله والأمير سعود بن جلوي خلال افتتاح المعرض (الشرق الأوسط)

ويخبر المعرض، الذي يُنظَّم في «مركز الملك عبد العزيز الثقافي»، عبر مائة لوحة وصورة، ونقوش اكتُشفت في جبال السعودية وعلى الصخور، عن مراحل الجمل وتآلفه مع سكان الجزيرة الذين اعتمدوا عليه في جميع أعمالهم. كما يُخبر عن قيمته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لدى أولئك الذين يمتلكون أعداداً كبيرة منه سابقاً وحاضراً. وهذا الامتلاك لا يقف عند حدود المفاخرة؛ بل يُلامس حدود العشق والعلاقة الوطيدة بين المالك وإبله.

الجمل كان حاضراً في كل تفاصيل حياة سكان الجزيرة (الشرق الأوسط)

وتكشف جولة داخل المعرض، الذي انطلق الثلاثاء تحت رعاية الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة؛ وافتتحه نيابة عنه الأمير سعود بن عبد الله بن جلوي، محافظ جدة؛ بحضور الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»؛ وأمين محافظة جدة صالح التركي، عن تناغم المعروض من اللوحات والمجسّمات، وتقاطع الفنون الثلاثة: الرسم بمساراته، والتصوير الفوتوغرافي والأفلام، والمجسمات، لتصبح النُّسخة الثالثة من معرض «الجمل عبر العصور» مصدراً يُعتمد عليه لفهم تاريخ الجمل وارتباطه بالإنسان في الجزيرة العربية.

لوحة فنية متكاملة تحكي في جزئياتها عن الجمل وأهميته (الشرق الأوسط)

وفي لحظة، وأنت تتجوّل في ممرات المعرض، تعود بك عجلة الزمن إلى ما قبل ميلاد النبي عيسى عليه السلام، لتُشاهد صورة لعملة معدنية للملك الحارث الرابع؛ تاسع ملوك مملكة الأنباط في جنوب بلاد الشام، راكعاً أمام الجمل، مما يرمز إلى ارتباطه بالتجارة، وهي شهادة على الرّخاء الاقتصادي في تلك الحقبة. تُكمل جولتك فتقع عيناك على ختمِ العقيق المصنوع في العهد الساساني مع الجمل خلال القرنين الثالث والسابع.

ومن المفارقات الجميلة أن المعرض يقام بمنطقة «أبرق الرغامة» شرق مدينة جدة، التي كانت ممراً تاريخياً لطريق القوافل المتّجهة من جدة إلى مكة المكرمة. وزادت شهرة الموقع ومخزونه التاريخي بعد أن عسكر على أرضه الملك عبد العزيز - رحمه الله - مع رجاله للدخول إلى جدة في شهر جمادى الآخرة - ديسمبر (كانون الأول) من عام 1952، مما يُضيف للمعرض بُعداً تاريخياً آخر.

عملة معدنية تعود إلى عهد الملك الحارث الرابع راكعاً أمام الجمل (الشرق الأوسط)

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، قال الأمير فيصل بن عبد الله، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»: «للشركة رسالة تتمثّل في توصيل الثقافة والأصالة والتاريخ، التي يجهلها كثيرون، ويشكّل الجمل جزءاً من هذا التاريخ، و(ليان) لديها مشروعات أخرى تنبع جميعها من الأصالة وربط الأصل بالعصر»، لافتاً إلى أن هناك فيلماً وثائقياً يتحدّث عن أهداف الشركة.

ولم يستبعد الأمير فيصل أن يسافر المعرض إلى مدن عالمية عدّة لتوصيل الرسالة، كما لم يستبعد مشاركة مزيد من الفنانين، موضحاً أن المعرض مفتوح للمشاركات من جميع الفنانين المحليين والدوليين، مشدّداً على أن «ليان» تبني لمفهوم واسع وشامل.

نقوش تدلّ على أهمية الجمل منذ القدم (الشرق الأوسط)

وفي السياق، تحدّث محمد آل صبيح، مدير «جمعية الثقافة والفنون» في جدة، لـ«الشرق الأوسط» عن أهمية المعرض قائلاً: «له وقعٌ خاصٌ لدى السعوديين؛ لأهميته التاريخية في الرمز والتّراث»، موضحاً أن المعرض تنظّمه شركة «ليان الثقافية» بالشراكة مع «جمعية الثقافة والفنون» و«أمانة جدة»، ويحتوي أكثر من مائة عملٍ فنيّ بمقاييس عالمية، ويتنوع بمشاركة فنانين من داخل المملكة وخارجها.

وأضاف آل صبيح: «يُعلَن خلال المعرض عن نتائج (جائزة ضياء عزيز ضياء)، وهذا مما يميّزه» وتابع أن «هذه الجائزة أقيمت بمناسبة (عام الإبل)، وشارك فيها نحو 400 عمل فني، ورُشّح خلالها 38 عملاً للفوز بالجوائز، وتبلغ قيمتها مائة ألف ريالٍ؛ منها 50 ألفاً لصاحب المركز الأول».

الختم الساساني مع الجمل من القرنين الثالث والسابع (الشرق الأوسط)

وبالعودة إلى تاريخ الجمل، فهو محفور في ثقافة العرب وإرثهم، ولطالما تغنّوا به شعراً ونثراً، بل تجاوز الجمل ذلك ليكون مصدراً للحكمة والأمثال لديهم؛ ومنها: «لا ناقة لي في الأمر ولا جمل»، وهو دلالة على أن قائله لا يرغب في الدخول بموضوع لا يهمّه. كما قالت العرب: «جاءوا على بكرة أبيهم» وهو مثل يضربه العرب للدلالة على مجيء القوم مجتمعين؛ لأن البِكرة، كما يُقال، معناها الفتيّة من إناث الإبل. كذلك: «ما هكذا تُورَد الإبل» ويُضرب هذا المثل لمن يُقوم بمهمة دون حذق أو إتقان.

زائرة تتأمل لوحات تحكي تاريخ الجمل (الشرق الأوسط)

وذُكرت الإبل والجمال في «القرآن الكريم» أكثر من مرة لتوضيح أهميتها وقيمتها، كما في قوله: «أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ» (سورة الغاشية - 17). وكذلك: «وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ» (سورة النحل - 6)... وجميع الآيات تُدلّل على عظمة الخالق، وكيف لهذا المخلوق القدرة على توفير جميع احتياجات الإنسان من طعام وماء، والتنقل لمسافات طويلة، وتحت أصعب الظروف.