رواية لوالد رئيس الوزراء البريطاني تنبأت بفيروس قاتل

ستانلي جونسون كتبها قبل 40 عاماً ويسعى إلى إعادة نشرها

ستانلي جونسون
ستانلي جونسون
TT

رواية لوالد رئيس الوزراء البريطاني تنبأت بفيروس قاتل

ستانلي جونسون
ستانلي جونسون

من السهل أن نتبين لِمَ يمكنها أن تكون رواية لزمننا: فيها فيروس غامض وقاتل، عالم أوبئة بطل، بحث محموم عن لقاح ونشاط سياسي ضبابي ومراوغ. وفيها أيضاً قرد أخضر.
لكن ما إذا كان الوقت مناسباً لستانلي جونسون، والد بوريس جونسون، لكي يطالب بإعادة إصدار لروايته التي نُشرت قبل 40 عاماً، فهذه مسألة أخرى.
ومع ذلك فإن الناشرين البريطانيين مدعوون إلى النظر في إعادة إصدار رواية جونسون الأكبر المثيرة التي صدرت عام 1982.
اعتمد الكتاب، الذي نفدت طبعته منذ فترة طويلة على انتشار مرض حقيقي في ألمانيا أواخر ستينات القرن الماضي. وقد أنكر جونسون أنه ينتهز الفرص حين طالب بتوفير روايته مرة أخرى. يقول: «أنا كاتب محترف. هل من الآن الانتهازية أن يكتب الصحافيون والصحف عن فيروس (كورونا)؟». أشار إلى أعماله المثيرة السابقة التي تصدت أيضاً لقضايا معاصرة، آخرها كتابه «كومبرومات» الذي يروي قصة تأثير روسي ماكر على السياسات الغربية.
قال جونسون إن في روايته توجساً بالمستقبل، وذلك في أن الحبكة كانت مدفوعة بحاجة ملحّة إلى العثور على لقاح. «لا أعتقد أن الرواية تشطح في الخيال. انظر ما الذي يحدث الآن».
الرواية مغامرة بيئية وطبية متسارعة الأحداث وتشمل تجارة حيوانات غير مشروعة، ومديري شركات أدوية فاسدين، و«كي جي بي» والرئيس الأميركي المستميت في تحقيق الانتصار.
في قصة جونسون؛ نيويورك مساوية لووهان، والفيروس ينطلق من حديقة حيوان حي البرونكس. نتيجة لذلك يمنع بقية العالم السفر بالطائرات من الولايات المتحدة. الشخوص الرئيسة مشغولة بمحاولات يائسة لملاحقة جيل نادر من القردة الخضراء لأنها مصدر الفيروس.
بعض الحبكات أقل واقعية من بعض. أحدها يتصل برئيس برازيلي لمنظمة الصحة العالمية ومساعده، وهو روسي خبيث يستعمل نظارة بعدسة واحدة ويتحدث إنجليزية الطبقة الأرستقراطية، يسافر إلى الكونغو ليشرف شخصياً على القضاء على القردة المسؤولة عن الفيروس – أو هكذا يظنون.
يقول جونسون إن في روايته دروساً يمكن الإفادة منها لأنه يرى أن جهوداً أكبر يجب بذلها الآن لتتبع مصدر الجائحة الحالية.
يقول جونسون: «بدلاً من التركيز على سوق ووهان (الرطب) على الناس أن يبحثوا عن انطلاقة محتملة للفيروس من حيوان استُعمل في مختبر أبحاث سري في ووهان». كلامه يذكّر بادّعاء دونالد ترمب غير المثبت بأنه رأى دليلاً على أن الفيروس جاء من معهد ووهان لعلم الفيروسات.
وأضاف: «عندئذٍ بالطبع سيبدأ السباق للعثور على المكان الذي أتى منه الحيوان أو مجموعة الحيوانات لكي يمكن تطوير لقاح ينقذ العالم في وقت قياسي».
النداء الموجّه من مندوب جونسون الأدبي، جوناثان لويد من وكالة «كيرتس براون»، للناشرين البريطانيين يحثهم على شراء ما يصفه بأنه «عمل مثير وذكي وتنبؤي على نحو مرهق للأعصاب».
يقول النداء: «حين تموت شابة من مدينة نيويورك بشكل غامض بعد رحلة إلى أوروبا، يحدد أبرز المختصين بالأوبئة، لوويل كابلان، سبب الوفاة بأنها فيروس ماربورغ –سلالة قاتلة ظهرت مرة واحدة عبر التاريخ. يتتبع كابلان المرض بإصرار يضعه على طريق من التساؤلات يمتد من مختبرات ألمانية إلى غابات في وسط أفريقيا».
لويد «يبحث عن ناشر يمكنه الاستثمار في الفرصة الرائعة التي يوفرها سجل حياة ستانلي ويجعل من هذه الرواية الملحّة والمبهجة متاحة لجمهوره الواسع، في وقت يبدو ذلك تنبؤياً على نحو مخيف»، كما يقول.
يصف النداء جونسون بأنه «مشجع ممتاز ولا يكلّ» ويتضمن الأمل أن الناشرين «يمكنهم الموافقة على أن هذه فرصة مثيرة لاستعادة هذا الكتاب بالطباعة مرة أخرى (أولاً في شكل كتاب إلكتروني)».
نُشر الكتاب في الولايات المتحدة تحت عنوان «الفيروس» لكن سيتضح إن كان الناشرون البريطانيون سيهتمون به.
يقول جونسون إن «أمازون» تتقاضى 57 دولاراً للطبعة الورقية الغلاف، «وهذا يشجع أكثر على إصدار نسخة جديدة الآن»، كما قال: «إنني أتمنى أن يحدث ذلك... لقد استمتعت كثيراً بكتابته».
المراجعات التي نُشرت عن الكتاب قليلة ومختلطة. ما كُتب عنه في «غود ريدز» يتراوح بين الثناء على «الأحداث الشديدة السرعة» إلى ردود الفعل الأقل توهجاً: «وصلت إلى ثلث الكتاب قبل أن أبدأ بالانزعاج من غبائه فأتوقف».
غير أن قارئاً آخر في ذلك الموقع لاحظ عام 2015 أن نبوءة الكتاب محتملة الوقوع: «الشيء المخيف حقاً أنه لأننا نعيش في عالم مخيف يمكنني تصور كل أحداثه وقد وقعت». كما ذكر الكاتب أنه تلقى نسخة مباشرة من المؤلف.

اقتباس من الرواية
كان الدكتور لوويل كابلان، رئيس مكتب علم الأوبئة في المركز الوطني للسيطرة على المرض في أتلانتا، جورجيا، يُجري اتصالاً هاتفياً باليابان. بدا قلقاً. كان قلقاً. أزاح إلى الخلف خصلة شعر رمادية سقطت على جبينه وانحنى إلى الأمام بينما كان يتحدث وكانت الطاقة المكبوتة واضحة على كل خطوط جسده.
«أوكي»، كان يصرخ في الهاتف. «إنه يختلف عن أ - برازيل، لكن هل يمكن أن يكون جائحة؟ ذلك هو السؤال».
ترجّته: «لوويل لا تذهب. ليس الآن. أريدك الليلة».
مارسا الحب في سرير نحاسي مظلل وعالي الأركان كانت ستيفاني قد اشترته من محل يبيع الأشياء العتيقة على شارع «لي هاليس» حين جاءت إلى باريس لأول مرة. بات كابلان تلك الليلة.
تناولا فطورهما في السرير. ثم دفعا الصينية بعيداً ومارسا الحب مرة أخرى. لم يعد الإلحاح الذي كان في المساء السابق قائماً. كان الأمر كما لو أن نهراً تفجر من خلال سد. الآن، بعد اضطراب، عاد الماء يجري بسلاسة مرة أخرى.
كانت ردة فعل الرئيس، بمجرد أن أُخبر عن الأزمة، سريعة. «لماذا بالله عليكم ليس لدينا لقاح؟ أنتم أيها الناس» – كان يخاطب اجتماعاً طارئاً للمسؤولين الفيدراليين ومسؤولي الولاية عن الصحة. «هناك لقاح ضد الحصبة والإنفلونزا والسعال الديكي وحتى البرد اللعين. لماذا إذاً تفتقرون إلى لقاح ضد ماربورغ ما دام أخطر مرض عرفه الإنسان؟».

- نُشر هذا المقال في جريدة «الغارديان» بتاريخ 1/5/2020



قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية
TT

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

كانت الأراضي الفلسطينية طوال آلاف السنين مقراً وممراً للعديد من الحضارات العريقة التي تركت وراءها آلاف المواقع الأثريّة ذات الأهميّة الفائقة، ليس في تاريخ المنطقة فحسب، بل ومُجمل التجربة البشرية. وقد أصبحت المواقع بمحض القوة بعد قيام الدولة العبرية عام 1948 خاضعة لسلطة دائرة الآثار الإسرائيلية، التي لا تدخر وسعاً في السعي لتلفيق تاريخ عبراني لهذه البلاد، وإخفاء ما من شأنه أن يتعارض مع سرديات الحركة الاستعماريّة الصهيونيّة عنها.

على أن أراضي الضفة الغربيّة التي احتُلَتْ عام 1967 وتحتوى على ما لا يَقِلُّ عن 6 آلاف موقع أثَري ظلّت قانونياً خارج اختصاص دائرة الآثار الإسرائيلية، بينما تمّ بعد اتفاق أوسلو بين الدولة العبريّة ومنظمة التحرير الفلسطينية في 1995 تقاسم المنطقة لناحية اللقى والحفريات بشكل عشوائيّ بين السلطة الفلسطينية ووحدة الآثار في الإدارة المدنية الإسرائيلية، وفق تقسيمات الأراضي الثلاث المعتمدة للحكم والأمن (أ- سلطة فلسطينية، باء: سيطرة مدنية فلسطينية وسيطرة أمنية مشتركة مع الجانب الإسرائيلي، ج: سيطرة إسرائيلية تامة).

ويبدو أن غلبة التيار اليميني المتطرّف على السلطة في الدّولة العبريّة تدفع الآن باتجاه تعديل قانون الآثار الإسرائيلي لعام 1978 وقانون سلطة الآثار لعام 1989 بغرض تمديد صلاحية سلطة الآثار لتشمل مجمل الأراضي الفلسطينية المحتلّة عام 1967، بينما سيكون، حال إقراره، انتهاكاً سافراً للقانون الدّولي الذي يحظر على سلطات الاحتلال القيام بأنشطة تتعلق بالآثار ما لم تتعلق بشكل مباشر باحتياجات السكان المحليين (في هذه الحالة السكان الفلسطينيين).

ولحظت مصادر في الأرض الفلسطينية المحتلّة بأن الأوضاع الأمنيّة في الضفة الغربيّة تدهورت بشكل ملحوظ منذ بدء الحرب على غزة في أكتوبر (تشرين الأول) من العام 2023، وكثّفت السلطات الإسرائيليّة من توسعها الاستيطاني بشكل غير مسبوق منذ ثلاثة عقود، ورفعت من وتيرة هجماتها على بؤر المقاومة، وأطلقت يد المستوطنين اليهود كي يعيثوا فساداً في القرى والبلدات العربيّة تسبب بهجرة آلاف الفلسطينيين من بيوتهم، مما يشير إلى تكامل الجهد العسكري والاستيطاني مع التعديلات القانونية المزمعة لتحضير الأرضية المناسبة لتنفيذ النيات المبيتة بتهويد مجمل أراضي فلسطين التاريخيّة.

ويأتي مشروع القانون الذي قدمه عضو الكنيست عن حزب الليكود اليميني أميت هاليفي، في أعقاب حملة استمرت خمس سنوات من قبل رؤساء المجالس الإقليمية للمستوطنين ومنظمات مثل «حراس الخلود» المتخصصة في الحفاظ على ما يزعم بأنه تراث يهودي من انتهاكات مزعومة على أيدي العرب الفلسطينيين. وتردد الحملة أكاذيب مفادها أن ثمة مواقع في الضفة الغربية لها أهمية أساسية بالنسبة إلى ما أسمته «التراث اليهودي»، وخلقت انطباعاً بوجود «حالة طوارئ أثرية» تستدعي تدخل الدّولة لمنع الفلسطينيين من «نهب وتدمير آثار المواقع اليهودية ومحاولاتهم المتعمدة لإنكار الجذور اليهودية في الأرض» – على حد تعبيرهم.

وكانت اللجنة التشريعية الحكوميّة قد وافقت على التعديل المقترح لقانون الآثار، وأرسلته للكنيست الإسرائيلي (البرلمان) لمراجعته من قبل لجنة التعليم والثقافة والرياضة التي عقدت اجتماعها في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وذلك تحضيراً لعرضه بالقراءة الأولى و«التصويت» في الكنيست بكامل هيئته خلال وقت قريب.

وبينما اكتفت السلطة الفلسطينية والدول العربيّة بالصمت في مواجهة هذه الاندفاعة لتعديل القانون، حذرّت جهات إسرائيلية عدة من خطورة تسييس علم الآثار في سياق الصراع الصهيوني الفلسطيني، واعتبرت منظمة «إيميك شافيه» غير الحكومية على لسان رئيسها التنفيذي ألون عراد أن «تطبيق قانون إسرائيلي على أراضي الضفة الغربية المحتلة يرقى إلى مستوى الضم الرسمي»، وحذَّر في حديث صحافيّ من «عواقب، ومزيد من العزل لمجتمع علماء الآثار الإسرائيليين في حالة فرض عقوبات دوليّة عليهم بسبب تعديل القانون»، كما أكدت جمعيّة الآثار الإسرائيليّة أنها تعارض مشروع القانون «لأن غايته ليست النهوض بعلم الآثار، بل لتعزيز أجندة سياسية، وقد يتسبب ذلك في ضرر كبير لممارسة علم الآثار في إسرائيل بسبب التجاوز على القانون الدولي المتعلق بالأنشطة الأثرية في الضفة الغربية»، ولا سيّما قرار محكمة العدل الدولية في التاسع عشر من يوليو (تموز) الماضي، الذي جدَّد التأكيد على أن وجود إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة برمته غير قانوني، وطالب الدّولة العبريّة بـ«إزالة مستوطناتها في الضفة الغربية والقدس الشرقية في أقرب وقت ممكن»، وألزمت سلطة الاحتلال بتقديم تعويضات كاملة للفلسطينيين بما في ذلك إعادة «جميع الممتلكات الثقافية والأصول المأخوذة من الفلسطينيين ومؤسساتهم».

وتشير الخبرة التاريخيّة مع سلطة الآثار الإسرائيلية إلى أن الحكومة تقوم لدى إعلان السلطة منطقة ما موقعاً تاريخيّاً بفرض حماية عسكريّة عليها، مما قد يتطلّب إخلاء السكان أو فرض قيود على تحركاتهم وإقامة بنية تحتية أمنية لدعم الحفريات، وتمنع تالياً الفلسطينيين أصحاب الأرض من تطويرها لأي استخدام آخر، الأمر الذي يعني في النهاية منع التنمية عنها، وتهجير سكانها وتهويدها لمصلحة الكيان العبريّ، لا سيّما وأن الضفة الغربيّة تحديداً تضم آلاف المواقع المسجلة، مما يجعل كل تلك الأراضي بمثابة موقع أثري ضخم مستهدف.

وتبرر الحكومة الإسرائيلية الحاليّة دعمها مشروع القانون للجهات الأُممية عبر تبني ادعاءات منظمات ومجالس مستوطني الضفة الغربيّة بأن الفلسطينيين يضرون بالمواقع ويفتقرون إلى الوسائل التقنية والكوادر اللازمة للحفاظ عليها، هذا في وقت قامت به قوات الجيش الإسرائيلي بتدمير مئات المواقع الأثريّة في قطاع غزة الفلسطيني المحتل عبر استهدافها مباشرة، مما يعني فقدانها إلى الأبد.

لن يمكن بالطبع للفلسطينيين وحدهم التصدي لهذا التغوّل على الآثار في فلسطين، مما يفرض على وزارات الثقافة ودوائر الآثار والجامعات في العالم العربيّ وكل الجهات الأممية المعنية بالحفاظ على التراث الإنساني ضرورة التدخل وفرض الضغوط للحيلولة دون تعديل الوضع القانوني للأراضي المحتلة بأي شكل، ومنع تهويد تراث هذا البلد المغرِق في عراقته.