اختزل الانتقال الإجباري نحو العمل عن بُعد أو العمل من المنزل، سنوات طويلة من عمر التحوّل الحتمي الذي كان يتنبأ به الاقتصاديون للعقود المقبلة، بعد أن استيقظ العالم فجأة ووجد نفسه مجبراً على إكمال أعماله من المنزل بهذا النمط بسبب كوفيد 19. في ظل توقعات بأن سوق العمل لن يعود كما كان في سابق عهده.
ومع حال هذا الارتباك العالمي، تعلو أصوات متفائلة بأن يسهم تصدر نمط العمل عن بُعد في تقليل نفقات التشغيل بشكل كبير، بحيث لا يكون هناك حاجة لمقرات العمل وما يتبعها من فواتير كهرباء ومياه وخدمات مساندة، لتركز الشركات على تسخير جهودها في قطف ثمار إنتاجية موظفيها في العمل عن بُعد بأقل تكاليف ممكنة.
يرى خالد الشنيبر مستشار موارد بشرية وكاتب اقتصادي، أنّ استراتيجية التوظيف المستقبلية ستتغير بشكل جذري وستعتمد على دمج بعض الوظائف حتى تكون هناك أدوار مرنة يمكن القيام بها عن بعد. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «حتى المسميات الوظيفية ستتجدد بمسميات مستحدثة، والتغيير الجذري لغالبية الوظائف سنجده في تداخل مهام جديدة من وظائف أخرى، وهذا الأمر لا ينحصر فقط على الوظائف بالقطاع الخاص». وأضاف أنّ المتضرر الأكبر في الفترة القادمة هم ذوو المهارات المتوسطة والمنخفضة، مشيراً إلى أنّ سوق العمل سيشهد تقليصاً للأجور المتوقعة للخريجين الجدد بشكل عام مقارنة بالسنوات السابقة مع ارتفاع الأجور في وظائف أخرى يصعب تحويلها للعمل عن بعد.
وعن العمل المرن بجميع أشكاله يقول الشنيبر إنّه سيواصل الانتعاش خلال الفترة القادمة وسيعتبر نموذجاً سائداً، والأمر الإيجابي فيما يخص العمل المرن أن وزارة الموارد البشرية خطت خطوات رائعة في هذا الجانب منذ فترة سابقة ما يعزز من نجاح تطبيقه على أرض الواقع. وتابع: «ليس تشاؤماً، لكن من المهم أن نكون مستعدين لسنوات قادمة قد تشهد تخوفاً أكبر من انتشار الأوبئة».
أمّا الخبير الاقتصادي الدكتور سالم باعجاجة فقال: «كثير من المؤسسات والشركات التي تضررت من توقف العمل في فترة الحظر استمرت بالعمل عبر الإنترنت وكانت تنجز أعمالها بيسر وسهولة، وبعد فك الحظر الكلي استمر العمل عبر الإنترنت إضافة إلى العمل المكتبي». وأضاف خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» أنّ الكثير من الأعمال تحتاج إلى ممارسة فعلية داخل مكان العمل ويصعب إنجازها عبر الإنترنت، متوقعاً أن تستغني الشركات أو المؤسسات التي تستطيع إنجاز أعمالها عبر الإنترنت عن بعض موظفيها، ما سيؤثر على الحياة المعيشية للموظفين المستغنى عنهم.
ويتفق معه الدكتور فاروق الخطيب أستاذ الاقتصاد بجامعة الملك عبد العزيز في جدة، الذي قال إن «عدداً قليلاً جداً من المؤسسات السعودية لم تتأثر، وثبت من التجربة أهمية الإنترنت وتعليم الموظفين العمل من بعد، وهذا يتطلب أعداد استراتيجية مناسبة حتى نستمر إلى الأفضل».
يذكر أن وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية السعودية أطلقت هذا الأسبوع تنظيم «العمل المرن»، الذي يستهدف السعوديين ذكوراً وإناثاً، كما يستهدف المنشآت في نشاطات القطاع الخاص كافة. ويسعى إلى إيجاد فُرص وظيفية للباحثين عن عمل، وتوفير وظائف للعاملين الراغبين بزيادة دخلهم، وذلك من خلال تنظيم تعاقدي مرن يكون فيه الأجر على أساس العمل بالساعة، ويحفظ حقوق الطرفين بتوثيق عقود العمل إلكترونياً.
ومن المتوقع أن يسهم التنظيم الجديد في استحداث نوعية جديدة من الوظائف للباحثين عن عمل وزيادة فرصهم في الحصول على وظيفة مرنة، لتمكينهم من الانخراط في سوق العمل ورفع مهاراتهم وخبراتهم تمهيداً لتحويلهم إلى موظفين دائمين، كما سيعمل على خفض نسبة العمالة الوافدة المخالفة التي يستخدمها اقتصاد الظل، مع رفع نسبة مشاركة المواطنين.
الانتقال للعمل عن بُعد يختصر سنوات من جهود «التحوّل الرقمي»
الانتقال للعمل عن بُعد يختصر سنوات من جهود «التحوّل الرقمي»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة