خطة إنفاق بـ200 مليون دولار يومياً من صندوق الثروة لتغطية عجز الميزانية الروسية

خطة إنفاق بـ200 مليون دولار يومياً من صندوق الثروة لتغطية عجز الميزانية الروسية
TT

خطة إنفاق بـ200 مليون دولار يومياً من صندوق الثروة لتغطية عجز الميزانية الروسية

خطة إنفاق بـ200 مليون دولار يومياً من صندوق الثروة لتغطية عجز الميزانية الروسية

مع بقاء سعر النفط في السوق العالمية، أدنى من المعتمد في الميزانية الفيدرالية، قررت الحكومة الروسية بدء عمليات بيع يومية للعملات الصعبة في السوق المحلية بنحو 200 مليون دولار يوميا، ضمن خطة إنفاق من صندوق الثروة الوطني، تقوم على شراء وزارة المالية الروبل من السوق، وتحويل المبالغ التي تشتريها للتعويض عن عجز الإيرادات النفطية في الميزانية.
ومن شأن هذه الخطة أن توفر عامل دعم للروبل، لكونها تبدو بمثابة عملية تدخل دائم في السوق من جانب السلطات المالية. في الوقت الذي بدأت فيه التحضيرات لاستعادة الاقتصاد نشاطه في مرحلة «ما بعد كورونا»، وكان هذا الموضوع رئيسيا خلال اجتماع عقده القائم بأعمال رئيس الوزراء الروسي مع كبار رجال الأعمال، جرى خلاله بحث الخطوات والآليات الواجب اتخاذها في هذا المجال.
وزارة المالية الروسية، أعلنت في بيان نشرته نهاية الأسبوع على موقعها الرسمي، عزمها على ضخ عملات صعبة في السوق تقدر بنحو 2.6 مليار دولار، خلال الأسابيع الثلاثة القادمة، وذلك في إطار ما يبدو أنها خطة شهرية لشراء الروبل من السوق المحلية، وتحويله لصالح الميزانية الفيدرالية، بهدف تعويضها عن الإيرادات النفطية «المفقودة»؛ نظرا لبقاء سعر البرميل في الأسواق العالمية، أدنى من السعر المعتمد في الميزانية الروسية.
وقالت الوزارة في بيانها إن «حجم الإيرادات النفطية التي يتوقع ألا تحصل عليها الميزانية الفيدرالية، نظراً لانخفاض السعر الفعلي عن السعر المعتمد، قد تصل خلال شهر مايو (أيار) الحالي حتى 190.1 مليار روبل (نحو 2.26 مليار دولار)». مشيرة إلى «انحراف الإيرادات النفطية للميزانية خلال شهر أبريل (نيسان) الماضي، ناقص 3 مليارات روبل»، وبالتالي أعلنت عزمها على بيع عملات صعبة بقيمة تعادل 193.1 مليار روبل في السوق المحلية، خلال الفترة من 13 مايو الحالي، وحتى 4 يونيو (حزيران) المقبل، بواقع نحو 200 مليون دولار يومياً.
وهذه ليست المرة الأولى، خلال الفترة الماضية، التي تضطر فيها وزارة المالية لشراء الروبل من السوق للتعويض عن عجز الإيرادات النفطية، وقامت قبل ذلك، في مارس (آذار) الماضي، ومن ثم في أبريل، بأكثر من عملية شراء، لكن كانت تلك عمليات مستقلة. إلا أنها المرة الأولى التي يُعلن فيها عن خطة «مشتريات» شهرية للروبل من السوق، يبدو أنها جاءت، ضمن الظرف الحالي في أسواق النفط العالمية، بديلة عن خطة مشتريات شهرية «عكسية» اعتمدتها وزارة المالية منذ مطلع 2017، بعد أن ارتفعت أسعار النفط على خلفية توقيع اتفاق «أوبك+» في نهاية 2016.
وبموجب تلك الخطة كانت الوزارة تخصص فائض الإيرادات النفطية (الزيادة في سعر البرميل في السوق عن سعره في الميزانية) لشراء العملات الصعبة من السوق المحلية، وادخارها في صندوق الثروة الوطني. وأعلنت حينها أن الهدف من هذه العمليات توفير مدخرات لإنفاقها في حال تراجع سعر البرميل عالميا أدنى من السعر في الميزانية، وهو ما تقوم به حاليا. إلا أن الحكومة تنفق من تلك المدخرات على مهام أخرى غير التعويض عن عجز الإيرادات النفطية. ولا تتوفر حاليا بيانات دقيقة حول حجم ما تبقى في الصندوق.
إلى ذلك، ترأس أندريه بيلاأوسوف، الذي تم تعينه قائما بأعمال رئيس الوزراء منذ الإعلان عن إصابة ميخائيل ميشوستين بفايروس كورونا، اجتماعا نهاية الأسبوع الماضي، بين اللجنة الحكومية للتنمية الاقتصادية وأعضاء المكتب التنفيذي لاتحاد الصناعيين ورجال الأعمال، ركز الجانبان خلاله على بحث تدابير الدعم لضمان استعادة الاقتصاد نشاطه بعد انتهاء جائحة كورونا. وقالت صحيفة «آر بي كا» الروسية، نقلا عن مصادر من داخل الاجتماع، إن الحكومة، وبناء على توجيهات في الرئيس فلاديمير بوتين، تقوم بوضع خطة «تطبيع النشاط الاقتصادي والأعمال بعد إلغاء «قيود كورونا»، ويشارك اتحاد الصناعيين ورجال الأعمال في صياغة تلك الخطة. وأضاف المصدر أن المجتمعين بحثوا نتائج تدابير الدعم التي أقرتها الحكومة في وقت سابقا، ومبادرات حول العمل في المرحلة القادمة، بينها تدابير لدعم الطلب المحلي والصادرات الروسية، وضمان استمرار عمل المؤسسات الصناعية، والاستقرار المالي. واتفق المجتمعون على تشكيل فريق عمل مشترك من الحكومة واتحاد الصناعيين لصياغة خطة العمل للمرحلة القادمة. وتم تكليف مكسيم ريشيتنيكوف، وزير التنمية الاقتصادية برئاسة فريق العمل.



ترمب يدرس خصخصة خدمة البريد وسط خسائر مالية ضخمة

يقوم أحد عمال البريد الأميركي بتفريغ الطرود من شاحنته في مانهاتن أثناء تفشي فيروس كورونا (رويترز)
يقوم أحد عمال البريد الأميركي بتفريغ الطرود من شاحنته في مانهاتن أثناء تفشي فيروس كورونا (رويترز)
TT

ترمب يدرس خصخصة خدمة البريد وسط خسائر مالية ضخمة

يقوم أحد عمال البريد الأميركي بتفريغ الطرود من شاحنته في مانهاتن أثناء تفشي فيروس كورونا (رويترز)
يقوم أحد عمال البريد الأميركي بتفريغ الطرود من شاحنته في مانهاتن أثناء تفشي فيروس كورونا (رويترز)

يبدي الرئيس المنتخب دونالد ترمب اهتماماً بالغاً بخصخصة خدمة البريد الأميركية في الأسابيع الأخيرة، وهي خطوة قد تُحْدث تغييرات جذرية في سلاسل الشحن الاستهلاكي وتوريد الأعمال، وربما تؤدي إلى مغادرة مئات الآلاف من العمال الفيدراليين للحكومة.

ووفقاً لثلاثة مصادر مطلعة، ناقش ترمب رغبته في إصلاح الخدمة البريدية خلال اجتماعاته مع هاوارد لوتنيك، مرشحه لمنصب وزير التجارة والرئيس المشارك لفريق انتقاله الرئاسي. كما أشار أحد المصادر إلى أن ترمب جمع، في وقت سابق من هذا الشهر، مجموعة من مسؤولي الانتقال للاستماع إلى آرائهم بشأن خصخصة مكتب البريد، وفق ما ذكرت صحيفة «واشنطن بوست».

وأكد الأشخاص الذين طلبوا عدم الكشف عن هويتهم نظراً للطبيعة الحساسة للمحادثات، أن ترمب أشار إلى الخسائر المالية السنوية لمكتب البريد، مشدداً على أن الحكومة لا ينبغي أن تتحمل عبء دعمه. ورغم أن خطط ترمب المحددة لإصلاح الخدمة البريدية لم تكن واضحة في البداية، فإن علاقته المتوترة مع وكالة البريد الوطنية تعود إلى عام 2019، حيث حاول حينها إجبار الوكالة على تسليم كثير من الوظائف الحيوية، بما في ذلك تحديد الأسعار، وقرارات الموظفين، والعلاقات العمالية، وإدارة العلاقات مع أكبر عملائها، إلى وزارة الخزانة.

وقال كيسي موليغان، الذي شغل منصب كبير الاقتصاديين في إدارة ترمب الأولى: «الحكومة بطيئة جداً في تبنِّي أساليب جديدة، حيث لا تزال الأمور مرتبطة بعقود من الزمن في تنفيذ المهام. هناك كثير من خدمات البريد الأخرى التي نشأت في السبعينات والتي تؤدي وظائفها بشكل أفضل بكثير مع زيادة الأحجام، وخفض التكاليف. لم نتمكن من إتمام المهمة في فترتنا الأولى، ولكن يجب أن نتممها الآن».

وتُعد خدمة البريد الأميركية واحدة من أقدم الوكالات الحكومية، حيث تأسست عام 1775 في عهد بنيامين فرنكلين، وتم تعزيزها من خلال التسليم المجاني للمناطق الريفية في أوائل القرن العشرين، ثم أصبحت وكالة مكتفية ذاتياً مالياً في عام 1970 بهدف «ربط الأمة معاً» عبر البريد. وعلى الرغم من التحديات المالية التي يفرضها صعود الإنترنت، فإن الخدمة البريدية تظل واحدة من أكثر الوكالات الفيدرالية شعبية لدى الأميركيين، وفقاً لدراسة أجراها مركز «بيو» للأبحاث عام 2024.

ومع مطالبات الجمهوريين في الكونغرس وآخرين في فلك ترمب بخفض التكاليف الفيدرالية، أصبحت الخدمة البريدية هدفاً رئيسياً. وأفاد شخصان آخران مطلعان على الأمر بأن أعضاء «وزارة كفاءة الحكومة»، وهي لجنة غير حكومية يقودها رواد الأعمال في مجال التكنولوجيا إيلون ماسك وفيفيك راماسوامي، أجروا أيضاً محادثات أولية بشأن تغييرات كبيرة في الخدمة البريدية.

وفي العام المالي المنتهي في 30 سبتمبر (أيلول)، تكبدت الخدمة البريدية خسائر بلغت 9.5 مليار دولار، بسبب انخفاض حجم البريد وتباطؤ أعمال شحن الطرود، على الرغم من الاستثمارات الكبيرة في المرافق والمعدات الحديثة. وتواجه الوكالة التزامات تقدّر بنحو 80 مليار دولار، وفقاً لتقريرها المالي السنوي.

من شأن تقليص الخدمات البريدية أن يغير بشكل جذري صناعة التجارة الإلكترونية التي تقدر قيمتها بتريليون دولار، ما يؤثر في الشركات الصغيرة والمستهلكين في المناطق الريفية الذين يعتمدون على الوكالة بشكل كبير. وتُعد «أمازون»، أكبر عميل للخدمة البريدية، من بين أكبر المستفيدين، حيث تستخدم الخدمة البريدية لتوصيل «الميل الأخير» بين مراكز التوزيع الضخمة والمنازل والشركات. كما أن «التزام الخدمة الشاملة» للوكالة، الذي يتطلب منها تسليم البريد أو الطرود بغض النظر عن المسافة أو الجوانب المالية، يجعلها غالباً الناقل الوحيد الذي يخدم المناطق النائية في البلاد.

وقد تؤدي محاولة خصخصة هذه الوكالة الفيدرالية البارزة إلى رد فعل سياسي عنيف، خصوصاً من قبل الجمهوريين الذين يمثلون المناطق الريفية التي تخدمها الوكالة بشكل غير متناسب. على سبيل المثال، غالباً ما يستدعي المسؤولون الفيدراليون من ولاية ألاسكا المسؤولين التنفيذيين في البريد للوقوف على أهمية الخدمة البريدية لاقتصاد الولاية.

وفي رده على الاستفسارات حول خصخصة الوكالة، قال متحدث باسم الخدمة البريدية إن خطة التحديث التي وضعتها الوكالة على مدى 10 سنوات أدت إلى خفض 45 مليون ساعة عمل في السنوات الثلاث الماضية، كما قللت من الإنفاق على النقل بمقدار 2 مليار دولار. وأضاف المتحدث في بيان أن الوكالة تسعى أيضاً للحصول على موافقة تنظيمية لتعديل جداول معالجة البريد، وتسليمه لتتوافق بشكل أكبر مع ممارسات القطاع الخاص.

كثيراً ما كانت علاقة ترمب مع وكالة البريد الأميركية متوترة، فقد سخر منها في مناسبات عدة، واصفاً إياها في المكتب البيضاوي بأنها «مزحة»، وفي منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، وصفها بأنها «صبي التوصيل» لشركة «أمازون».

وفي الأيام الأولى لجائحة فيروس «كورونا»، هدد ترمب بحرمان الخدمة البريدية من المساعدات الطارئة ما لم توافق على مضاعفة أسعار الطرود 4 مرات. كما أذن وزير خزانته، ستيفن منوشين، بمنح قرض للوكالة فقط مقابل الحصول على وصول إلى عقودها السرية مع كبار عملائها.

وقبيل انتخابات عام 2020، ادعى ترمب أن الخدمة البريدية غير قادرة على تسهيل التصويت بالبريد، في وقت كانت فيه الوكالة قد مُنعت من الوصول إلى التمويل الطارئ الذي كان يحظره. ومع ذلك، في النهاية، تمكنت الخدمة البريدية من تسليم 97.9 في المائة من بطاقات الاقتراع إلى مسؤولي الانتخابات في غضون 3 أيام فقط.

وعند عودته إلى منصبه، قد يكون لدى ترمب خيارات عدة لممارسة السيطرة على وكالة البريد، رغم أنه قد لا يمتلك السلطة لخصخصتها بشكل أحادي. حالياً، هناك 3 مقاعد شاغرة في مجلس إدارة الوكالة المكون من 9 أعضاء. ومن بين الأعضاء الحاليين، هناك 3 جمهوريين، اثنان منهم تم تعيينهما من قبل ترمب. ولدى بايدن 3 مرشحين معلقين، لكن من غير المرجح أن يتم تأكيدهم من قبل مجلس الشيوخ قبل تنصيب ترمب.

ومن المحتمل أن يتطلب تقليص «التزام الخدمة الشاملة» بشكل كبير - وهو التوجيه الذي أوصى به المسؤولون خلال فترة ولاية ترمب الأولى - قانوناً من الكونغرس. وإذا تم إقرار هذا التشريع، فإن الخدمة البريدية ستكون ملزمة على الفور تقريباً بتقليص خدمات التوصيل إلى المناطق غير المربحة وتقليص عدد موظفيها، الذين يقدَّر عددهم بنحو 650 ألف موظف.

وقد تؤدي محاولات قطع وصول الوكالة إلى القروض من وزارة الخزانة، كما حاولت إدارة ترمب في السابق، إلى خنق الخدمة البريدية بسرعة، ما يعوق قدرتها على دفع رواتب موظفيها بشكل دوري وتمويل صيانة مرافقها ومعداتها. وقال بول ستيدلر، الذي يدرس الخدمة البريدية وسلاسل التوريد في معهد ليكسينغتون اليميني الوسطي: «في النهاية، ستحتاج الخدمة البريدية إلى المال والمساعدة، أو ستضطر إلى اتخاذ تدابير قاسية وجذرية لتحقيق التوازن المالي في الأمد القريب. وهذا يمنح البيت الأبيض والكونغرس قوة هائلة وحرية كبيرة في هذا السياق».

وقد حذر الديمقراطيون بالفعل من التخفيضات المحتملة في خدمة البريد. وقال النائب جيري كونولي (ديمقراطي من فرجينيا)، أحد الداعمين الرئيسيين للوكالة: «مع مزيد من الفرص أمامهم، قد يركزون على خصخصة الوكالة، وأعتقد أن هذا هو الخوف الأكبر. قد يكون لذلك عواقب وخيمة، لأن القطاع الخاص يعتمد على الربحية في المقام الأول».

كما انتقدت النائبة مارغوري تايلور غرين (جمهورية من جورجيا)، رئيسة اللجنة الفرعية للرقابة في مجلس النواب، الخدمة البريدية في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، وكتبت: «هذا ما يحدث عندما تصبح الكيانات الحكومية ضخمة، وسوء الإدارة، وغير خاضعة للمساءلة».

وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، تعرضت الوكالة لانتقادات شديدة، حيث خضع المدير العام للبريد، لويس ديغوي، لاستجواب حاد من الجمهوريين في جلسة استماع يوم الثلاثاء. وحذر رئيس لجنة الرقابة في مجلس النواب، جيمس كومر (جمهوري من كنتاكي)، ديغوي من أن الكونغرس في العام المقبل قد يسعى لإصلاح الخدمة البريدية.

وسأل الجمهوريون مراراً وتكراراً عن استعادة التمويل لأسطول الشاحنات الكهربائية الجديد للوكالة، والخسائر المالية المتزايدة، وعن الإجراءات التنفيذية التي قد يتخذها ترمب لإخضاع الخدمة.

وقال كومر: «انتهت أيام عمليات الإنقاذ والمساعدات. الشعب الأميركي تحدث بصوت عالٍ وواضح. أنا قلق بشأن الأموال التي تم تخصيصها للمركبات الكهربائية، والتي قد يجري استردادها. أعتقد أن هناك كثيراً من المجالات التي ستشهد إصلاحات كبيرة في السنوات الأربع المقبلة... هناك كثير من الأفكار التي قد تشهد تغييرات كبيرة، وإن لم تكن مفيدة بالضرورة لخدمة البريد».