تصاعد أزمة الحسابات المصرفية للأسرى الفلسطينيين

أشتية يرفض التهديدات الإسرائيلية للبنوك المخالفة

أحد البنوك في أريحا بالضفة الغربية وقد بدا على بابه أثر حريق (رويترز)
أحد البنوك في أريحا بالضفة الغربية وقد بدا على بابه أثر حريق (رويترز)
TT

تصاعد أزمة الحسابات المصرفية للأسرى الفلسطينيين

أحد البنوك في أريحا بالضفة الغربية وقد بدا على بابه أثر حريق (رويترز)
أحد البنوك في أريحا بالضفة الغربية وقد بدا على بابه أثر حريق (رويترز)

أثارت استجابة بنوك عاملة في الأراضي الفلسطينية لتهديدات إسرائيل وتجميدها حسابات أسرى فلسطينين، أزمة جديدة فلسطينية - فلسطينية، وأخرى مع إسرائيل، وتسببت في بعض الفوضى مع إطلاق غاضبين النار على بعض البنوك في الضفة الغربية. وأعلن رئيس الوزراء الفلسطيني محمد أشتية أنه تم الاتفاق مع البنوك على تجميد أي إجراء بخصوص حسابات الأسرى لديها، عقب التهديد الإسرائيلي باتخاذ إجراءات بحق هذه البنوك. وأضاف أشتية أن الاتفاق جاء بعد اتصالات أجراها مع إدارات البنوك وسلطة النقد.
وتابع أن اللجنة التي تم تشكيلها لدراسة الأزمة والمكونة من سلطة النقد وهيئة شؤون الأسرى والمحررين وجمعية البنوك ووزارة المالية، ستجتمع وتقدم توصياتها خلال أيام، وعلى ضوء هذه التوصيات سيكون هناك موقف موحد من جميع الأطراف بخصوص التهديد الإسرائيلي ضد البنوك التي تقدم خدماتها لذوي الأسرى والشهداء. وأعلن رئيس الوزراء الفلسطيني أنه وبناء على الاتفاق فإن عائلات الأسرى تستطيع تفعيل حساباتها البنكية ابتداء من الأحد (اليوم)، كما سيناقش مجلس الوزراء هذه القضية في جلسته المقبلة.
وأكد أشتية في بيان رفض التهديدات الإسرائيلية للبنوك بشأن مخصصات الأسرى والشهداء، قائلاً: «إننا لن نخضع لها، وسنجد حلولاً تحفظ حقوق الأسرى والشهداء وتحمي البنوك من بطش الاحتلال وأي إجراءات قضائية ضدها». وجاء بيان أشتية بعد كثير من الاتهامات للبنوك بالخضوع للتهديدات الإسرائيلية، ما تسبب في حالة غضب واسعة طالت السلطة الفلسطينية، وأدت إلى إطلاق نار على بنوك في أكثر من منطقة.
وترافق ذلك مع عاصفة انتقادات وغضب واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي خلفت خلافات حادة حول ما سماه البعض «التنازلات» التي قدمتها السلطة الفلسطينية لإسرائيل. وكانت البنوك قد جمدت حسابات الأسرى لديها بعد تحذير إسرائيلي من أن التعامل مع رواتب الأسرى الفلسطينيين إجراء محظور. وجاء التحذير على خلفية قانون جديد وقعه القائد العسكري لجيش الاحتلال في الضفة الغربية، الذي يعتبر بموجبه رواتب الأسرى أموالاً محظورة تجب مصادرتها، ودخل هذا القانون الجديد حيز التنفيذ في وقت سابق من الشهر الجاري.
وجرى تحذير البنوك من التعاون مع السلطة الفلسطينية في صرف رواتب الأسرى «حتى لا يتحولوا لشركاء في المخالفة»، حسب وجهة النظر الإسرائيلية. ويدور الحديث عن مبلغ (نحو 11.5 مليون دولار) شهرياً تصرفها السلطة الفلسطينية كرواتب شهرية لأسر الأسرى. وكانت إسرائيل قد بدأت في فبراير (شباط) من العام الماضي، بخصم المبلغ من أموال العوائد الضريبية التي تحولها إسرائيل إلى السلطة الفلسطينية، وهو إجراء رفضته السلطة الفلسطينية متعهدة بمواصلة دفع رواتب الأسرى.
ودافعت رابطة البنوك في فلسطين عن إغلاق الحسابات بأنه يهدف إلى حماية أصول الأسرى من المصادرة والدفاع عن البنوك وموظفيها من عقوبات إسرائيلية. ودعت الرابطة السلطة الفلسطينية إلى إيجاد طريقة أخرى لتقديم المدفوعات للأسرى. لكن سلطة النقد رفضت ذلك، وقالت إن مبادرة بعض البنوك بإغلاق الحسابات تجنباً لتبعات تهديد سلطات الاحتلال تمت دون التقيد بقوانينها وتعليماتها التي توجب إعلامها مسبقاً، وإنها ستعالج هذا الأمر.
وأضافت أن حقوق أسر الأسرى والمحررين محفوظة لدى البنوك، وأنها ستنسق مع الحكومة حول ضمان استمرارية تلقيهم لمستحقاتهم. وشددت سلطة النقد على أن اللجنة المشكلة بقرار من رئيس الوزراء باشرت العمل على تحليل المخاطر التي تلحق بمستحقات ذوي الأسرى وانعكاسات الأمر العسكري الإسرائيلي على البنوك العاملة.
لكنها استنكرت أيضاً «الاعتداءات غير المسؤولة على فروع البنوك والهجمة غير المبررة عليها» من قبل بعض الفلسطينيين، مؤكدة وقوفها لحماية الجهاز المصرفي. وطالبت سلطة النقد الجميع بالتعامل بحكمة بالغة وبشكل يضمن عدم إقدام الاحتلال على مصادرة أموال من البنوك كما حدث سابقاً في عام 2004.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.