أحاديث التسوية تشعل صراع أجنحة داخل القيادات الحوثية

TT

أحاديث التسوية تشعل صراع أجنحة داخل القيادات الحوثية

مع كل تحرك أممي لتحقيق التسوية في اليمن تشتعل المنافسة بين الأجنحة التي تقود الحوثيين كمجموعات ومكوناتها الجهوية، لتعكس حالة الانقسام الذي تعيشه هذه الجماعة وحرصها على استمرار الحرب لتجنب الصراع كما يبين ذلك تاريخ الصراع بين دعاة الإمامة في المناطق الواقعة إلى شمال العاصمة صنعاء.
وإذ بات من المعلوم أن القيادة الفعلية لميليشيا الحوثي تحتكرها محافظة صعدة في الجوانب السياسية والعسكرية والأمنية، فإن ذلك لم يكن كافيا لغياب الصراع وزيادة التطلعات مع أي خطوة للحل السياسي، وزاد ظهور هذا الصراع بعد مقتل صالح الصماد رئيس ما يسمى المجلس السياسي الأعلى وهو السلطة الشكلية للحكم في مناطق سيطرة الحوثيين.
وإذ حسم زعيم الميليشيا الأمر ودفع بمدير مكتبه السابق مهدي المشاط إلى الموقع الأول في المجلس، فإن ذلك لم يؤد لاحتواء التنافس الحاد بين الجناح الذي يتزعمه عمه عبد الكريم الحوثي الذي يشغل حاليا موقع وزير الداخلية في الحكومة غير المعترف بها، بعد أن أزيح من موقعه كمشرف على العاصمة ومتحكم بعائداتها الضخمة وما فيها من شركات وعقارات وممتلكات لخصوم الجماعة جرت السيطرة عليها، فيما يقود الجناح الآخر محمد علي الحوثي رئيس ما كانت تسمى اللجنة الثورية العليا التي حكمت تلك المناطق عقب الانقلاب مباشرة وقبل تشكيل ما يسمى المجلس السياسي.
ومع أن اللجنة الثورية لم تكن تمتلك السلطة الفعلية في مناطق سيطرة الحوثيين لأن ما يعرف بالمشرفين هم أصحاب القرار الفعلي ويتم تعيينهم مباشرة من زعيم الميليشيا، لكن الإطاحة بهذه اللجنة ومن ثم حلها ومحاولة إبعاد قادة الفريقين إلى مجلس الشورى الذي يعرف في اليمن بأنه مجلس التقاعد المبكر فشلت فاضطر زعيم الميليشيا لتعيين زعيم الجناح الأول وزيرا للداخلية والثاني عضوا في المجلس السياسي الأعلى.
ولأن محمد علي الحوثي أظهر مرونة كبيرة في التعامل مع المنظمات الأممية، ومع من ينتقدون فساد المشرفين وحاول الظهور باعتباره صاحب الكلمة الأقوى في المجلس، فإن حدة الصراع ما تزال تشكل كابحا أمام مساعيه لتصدر المشهد.
وعقب الدعوة التي وجهها الأمين العام للأمم المتحدة لوقف لإطلاق النار وتوحيد الجهود لمواجهة فيروس كورونا المستجد برز محمد الحوثي ليتولى تمثيل الميليشيا في المناقشات مع المبعوث الأممي مارتن غريفيث وعقد معه عدة لقاءات غير مباشرة توجها بتسليم ما قال إنها خطتهم للحل الشامل، واستمر في تصدر المشهد حتى الأسبوع الماضي حيث عاد عبد السلام فليته الشهير باسم محمد عبد السلام والذي أصبح واحدا من القيادات التي تدير شركات تجارة النفط إلى جانب شبكة متعددة من وسائل الإعلام والقنوات الفضائية، إلى جانب أنه رئيس مجلس إدارة قنوات المسيرة التي تبث من الضاحية الجنوبية في العاصمة اللبنانية.
وبعد لقاءين افتراضيين مع سفراء الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن خرج عبد السلام والذي عادة ما يمثل الجناح المتطرف وشديد الالتزام بتعليمات «حزب الله» اللبناني ليقول إنهم ناقشوا القضايا السياسية والإنسانية في اليمن مع سفراء الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، ولم ينس الحديث عن «حرصنا على السلام»، مستندا إلى ما سماها مبادرات آخرها الرؤية السياسية وقبلها المبادرة الرئاسية، لكن أهم ما جاء في تعليقه هو «الحرص على استمرار النقاش مع المبعوث الأممي من أجل وقف الحرب».
وعقب تلك التصريحات الإيجابية ظهر محمد علي الحوثي ليقلل من أهمية ما دار مع منافسيه وقال: «رغم الأخذ والرد عبر مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة فإننا لم نلمس الجدية الحقيقية التي تثبت الرغبة في إنهاء الحرب ورفع الرقابة على تهريب الأسلحة». وأضاف: «كل ما يحصل تقديم مقترحات شكلية لا تمس جوهر القضية ولا تقدم حلولا واقعية لجائحة كورونا المستجدة، فكيف بحرب امتدت لسنوات»، وتبعه في ذلك حسين العزي نائب وزير خارجية الحكومة التي لا يعترف بها أحد إذ بدا متعنتا وكانت مهمته هي إيصاد الطريق أمام حديث للحل السياسي فقال إنه «عندما يلج الجمل في سم الخياط والدجاجة تبيض أقراصا من الذهب والدماء التي في العروق تجمد حينئذ يمكن لهادي أن يعود».
وإذا كان العزي واحدا من القيادات الحوثية التي أجرت محادثات مباشرة مع التحالف فهو أحد الأطراف التي شاركت في إبرام اتفاق ظهران الجنوب أثناء محادثات السلام في الكويت عام 2016، فإن موقفه الذي يأتي قبل لقاء مرتقب بين المبعوث الأممي وقائد الميليشيا يعكس مستوى الصراع في أوساط القيادات الحوثية التي تدرك أن أي وقف للحرب سيؤدي بالضرورة إلى صراع داخلي على المكاسب السياسية والمناصب والنفوذ والحفاظ على المصالح الكبيرة التي أوجدها اقتصاد الحرب.
والى جانب ذلك، فإن احتكار المتحدرين من محافظة صعدة لكل المواقع المهمة والأساسية في تشكيلة الميليشيا السياسية والعسكرية تثير حنق المنتمين للجماعة في صنعاء تحديدا والذين يوصفون بسكان (الطيرمانة) وهي أعلى غرفة في البنايات في صنعاء وتستخدم لجلسات القات، كتعبير عن مستوى الرفاهية التي يعيشها هؤلاء في مقابل القادمين من الجبال.


مقالات ذات صلة

بن مبارك: الالتزامات الدولية تجاه اليمن تشمل المجالات الأمنية والدفاعية

خاص رئيس الوزراء اليمني أحمد عوض بن مبارك خلال لقاء سابق مع السفيرة البريطانية لدى اليمن (سبأ)

بن مبارك: الالتزامات الدولية تجاه اليمن تشمل المجالات الأمنية والدفاعية

قال رئيس الوزراء اليمني إن الالتزامات الدولية تجاه اليمن لن تقتصر على الجوانب السياسية والاقتصادية، بل ستشمل أيضاً المجالات الأمنية والدفاعية.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
الخليج نزع فريق «مسام» في محافظة عدن 154 ذخيرة غير منفجرة (واس)

مشروع «مسام» ينتزع 732 لغماً في اليمن خلال أسبوع

تمكّن مشروع «مسام» لتطهير الأراضي اليمنية من الألغام، خلال الأسبوع الثالث من شهر يناير (كانون الثاني) الحالي، من انتزاع 732 لغماً.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
المشرق العربي لقاء سابق بين رئيس الوزراء اليمني والسفيرة البريطانية لدى اليمن (سبأ)

«اجتماع نيويورك»... نحو شراكة استراتيجية بين اليمن والمجتمع الدولي

تأمل الحكومة اليمنية تأسيس شراكة حقيقية مع المجتمع الدولي، وحشد الدعم السياسي والاقتصادي لخططها الإصلاحية، وجوانب الدعم الدولية المطلوبة لإسناد الحكومة.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي عضو في فريق يمني لمكافحة الألغام خلال حملة توعوية بمحافظة الحديدة (أ.ف.ب)

93 يمنياً في الحديدة ضحايا ألغام الحوثيين خلال عام

كشفت بعثة الأمم المتحدة لتنفيذ اتفاق ستوكهولم الخاص بالحديدة ومنظمتان حقوقيتان في مأرب عن سقوط أكثر من 150 ضحية للألغام خلال العامين الماضيين.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي  فعالية حوثية في صعدة التي تشهد حملة اختطافات واسعة لسكان تتهمم الجماعة بالتجسس (إعلام حوثي)

تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

بينما تفرج الجماعة الحوثية عن عدد من المختطفين في سجونها، تختطف مئات آخرين بتهمة التخابر وتبث اعترافات مزعومة لخلية تجسسية.

وضاح الجليل (عدن)

الأمم المتحدة تطالب بإغاثة 10 ملايين يمني

الاستجابة الأممية في 2025 تركز على إغاثة قرابة 4 ملايين نازح يمني (الأمم المتحدة)
الاستجابة الأممية في 2025 تركز على إغاثة قرابة 4 ملايين نازح يمني (الأمم المتحدة)
TT

الأمم المتحدة تطالب بإغاثة 10 ملايين يمني

الاستجابة الأممية في 2025 تركز على إغاثة قرابة 4 ملايين نازح يمني (الأمم المتحدة)
الاستجابة الأممية في 2025 تركز على إغاثة قرابة 4 ملايين نازح يمني (الأمم المتحدة)

بالتزامن مع تحذيرها من تفاقم الأزمة الإنسانية، ووصول أعداد المحتاجين للمساعدات العاجلة إلى أكثر من 19 مليون شخص، أطلقت الأمم المتحدة وشركاؤها خطة الاستجابة للاحتياجات الإنسانية في اليمن للعام الحالي لمساعدة أكثر من 10 ملايين محتاج.

ويأتي ذلك في ظل تراجع حاد للعملة اليمنية، إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق، بعد تجاوز سعر الدولار 2160 ريالاً في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، التي عجزت عن سداد رواتب الموظفين منذ 4 أشهر، بعد أكثر من عامين من تسبب الجماعة الحوثية في توقف تصدير النفط، واشتداد أزمات الخدمات العامة، وانقطاع الكهرباء في عدن حيث العاصمة المؤقتة للبلاد لأكثر من نصف اليوم.

ودعت الأمم المتحدة المجتمع الدولي والمانحين إلى توفير مبلغ 2.47 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية لليمن للعام الحالي، لتلبية الاحتياجات الإنسانية العاجلة لأكثر من 19.5 مليون شخص.

وجاءت الدعوة على لسان جوليان هارنيس، منسق الشؤون الإنسانية في اليمن، الذي طالب بتقديم الدعم اللازم لضمان الوصول إلى الفئات الأكثر ضعفاً وتقديم المساعدات المنقذة للحياة لـ10.5 مليون شخص، مشيراً إلى أن الجهود السابقة خلال العام الماضي، شملت أكثر من 8 ملايين شخص بدعم تجاوز 1.4 مليار دولار.

نصف الأطفال اليمنيين يعانون من سوء تغذية وتعدّ النساء والفتيات من الفئات الأكثر ضعفاً (الأمم المتحدة)

وشدَّد هاريس على أن الاحتياجات خلال العام الحالي تتطلب استجابة أوسع وأكثر شمولية لتحقيق الاستقرار وبناء قدرة المجتمعات على الصمود، منوهاً بأن تدهور الأوضاع الاقتصادية، والظروف المناخية القاسية، والتطورات العسكرية الإقليمية أسهمت في مضاعفة الاحتياجات الإنسانية.

ويواجه نصف السكان تقريباً انعداماً حاداً في الأمن الغذائي، ويعيش أكثر من 13 مليون شخص في ظل نقص حاد في مياه الشرب النظيفة، بينما تعمل 40 في المائة من المرافق الصحية بشكل جزئي أو لا تعمل.

وكانت الأمم المتحدة طالبت العام الماضي بـ2.7 مليار دولار لخطة الاستجابة الإنسانية، لكنها لم تحصل سوى على تعهدات ضئيلة، ما تسبب في عجز كبير في تلبية احتياجات المستهدفين.

تناقض الاحتياجات والمطالب

ويؤكد جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أرقام الاحتياجات الإنسانية التي تعلن عنها الأمم المتحدة ووكالاتها والمنظمات الدولية، لكنه يشير إلى التناقض بين ما تعلن عنه من احتياجات ومساعيها للحصول على تمويل لتلبية تلك الاحتياجات، إلى جانب عدم قدرتها على الوصول إلى المستهدفين بسبب نقص المعلومات والبيانات، بالإضافة إلى التغيرات الديموغرافية الحاصلة بفعل النزوح.

استمرار الصراع ترك اليمنيين في حالة احتياج دائم للمساعدات (الأمم المتحدة)

وفي تصريحه لـ«الشرق الأوسط» أعرب بلفقيه عن مخاوفه من عدم إمكانية الحصول على المبالغ المطلوبة لصالح الاستجابة الإنسانية بسبب سوء الترويج للأزمة الإنسانية في اليمن لدى المانحين، لافتاً إلى أن طرق تعامل المنظمات الدولية والأممية في الإغاثة لم تتغير منذ عام 2015، رغم فشلها في تلبية احتياجات اليمنيين، وإنهاء الأزمة الإنسانية أو الحد منها.

وقبيل إطلاقها خطة الاستجابة الإنسانية للعام الحالي، حذّرت الأمم المتحدة، من اشتداد الأزمة الإنسانية في اليمن، بعد تجاوز أعداد المحتاجين إلى مساعدات إنسانية هذا العام 19.5 مليون شخص، بزيادة قدرها 1.3 مليون شخص مقارنة بالعام الماضي، مبدية قلقها على الأطفال الذين يعانون من سوء تغذية، وعلى الفئات الأكثر تهميشاً من بينهم، مثل النساء والفتيات والنازحين البالغ عددهم 4.8 مليون شخص.

وقالت نائبة رئيس مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، جويس مسويا، أمام مجلس الأمن الدولي إنّ اليمنيين ما زالوا يواجهون أزمة خطرة على الصعيدين الإنساني وحماية المدنيين، مشيرة إلى أن تقديرات النداء الإنساني للعام الحالي الذي يجري إعداده، كشفت عن تفاقم الأزمة.

وباء الكوليرا عاد للتفشي في اليمن بالتزامن مع ضعف القطاع الصحي (رويترز)

ووفق حديث مسويا، فإنّ نحو 17 مليون يمني، أي ما يقدر بنصف سكان البلاد، لا يستطيعون تلبية احتياجاتهم الغذائية الأساسية، وما يقرب من نصف الأطفال دون سنّ الخامسة يعانون من تأخر خَطرٍ في النمو بسبب سوء التغذية، مع انتشار مروّع لوباء الكوليرا، بينما يعاني النظام الصحي من ضغوط شديدة.

انهيار العملة

وواصلت العملة اليمنية تراجعها إلى أدنى المستويات، وتجاوز سعر العملات الأجنبية المتداولة في البلاد 2160 ريالاً للدولار الواحد، و565 ريالاً أمام الريال السعودي، بعد أن ظلت تتراجع منذ منتصف العام الماضي، وهي الفترة التي شهدت تراجع الحكومة اليمنية عن قراراتها بفرض حصار على البنوك التجارية المتواطئة مع الجماعة الحوثية.

ويرجع الخبراء الاقتصاديون اليمنيون هذا الانهيار المتواصل للعملة إلى الممارسات الحوثية ضد الأنشطة الاقتصادية الحكومية، مثل الاعتداء على مواني تصدير النفط الخام ومنع تصديره، وإجبار الشركات التجارية على الاستيراد عبر ميناء الحديدة الخاضع للجماعة، إلى جانب المضاربة غير المشروعة بالعملة، وسياسات الإنفاق الحكومية غير المضبوطة وتفشي الفساد.

العملة اليمنية واصلت تدهورها الحاد خلال الأشهر الستة الماضية (رويترز)

ويقدر الباحث الاقتصادي اليمني فارس النجار الفجوة التمويلية لأعمال الإغاثة والاستجابة الإنسانية، بأكثر من 3 مليارات دولار، ويقول إن تراكمات هذا العجز خلال السنوات الماضية أوصل نسبة تغطية الاحتياجات الإنسانية في البلاد إلى 52 في المائة.

ولمح النجار في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى تضرر الاقتصاد اليمني بفعل أزمة البحر الأحمر وما سببته من تحول طرق التجارة العالمية أو ارتفاع تكاليف الشحن والتأمين، مع عدم بروز إمكانية لتحسن اقتصادي دون توقف الجماعة الحوثية عن ممارساتها أو إلزامها بالكف عنها، بالتوازي مع إجراءات داخلية لتحسين الإيرادات.

استهداف الحوثيين للسفن التجارية في البحر الأحمر ضاعف من تدهور الاقتصاد اليمني (أ.ف.ب)

وحثّ النجار الحكومة اليمنية على اتباع سياسات تزيد من كفاءة تحصيل الإيرادات المحلية، وتخفيف فاتورة الاستيراد، ومن ذلك تشجيع الأنشطة الزراعية والسمكية وتوفير فرص عمل جديدة في هذين القطاعين اللذين يشكلان ما نسبته 30 في المائة من حجم القوى العاملة في الريف، وتشجيع زراعة عدد من المحاصيل الضرورية.

يشار إلى أن انهيار العملة المحلية وعجز الحكومة عن توفير الموارد تسبب في توقف رواتب الموظفين العموميين منذ 4 أشهر، إلى جانب توقف كثير من الخدمات العامة الضرورية، ومن ذلك انقطاع الكهرباء في العاصمة المؤقتة عدن لمدد متفاوتة تصل إلى 14 ساعة يومياً.