تسبب القصف العشوائي، الذي استهدف أمس المناطق المأهولة بالمدنيين في العاصمة الليبية، في وقوع عدد من القتلى والجرحى، وأرغم مئات المواطنين على هجر منازلهم والمبيت في الشوارع والطرقات، باحثين عن مأوى جديد، وهو الأمر الذي دفع البعثة الأممية لدى ليبيا إلى اعتبار أن هذه الهجمات «قد ترقى إلى جرائم حرب».
وقالت عملية «بركان الغضب»، التابعة لحكومة «الوفاق»، صباح أمس، إن أحياء سكنية في محيط مطار معيتيقة ومنطقة باب غشير في العاصمة «تعرضت للقصف بأكثر من 80 صاروخاً، ما تسبب في مقتل مواطنين وعدد من الإصابات»، دون الكشف عن أعدادهم. واتهمت العملية في بيانها أمس قوات «الجيش الوطني» بقصف المدنيين. لكن المتحدث باسم الجيش، اللواء أحمد المسماري نفى بشكل قاطع استهدافها.
وفي مشهد مأساوي خرجت مجموعة من الأسر من بلدة أبو سليم (جنوب العاصمة) إلى الشوارع المجاورة لمساكنهم، أمس، بعد أن تضررت بيوتهم جراء قصفها بقذائف الهاون والغراد. ونقلت وسائل إعلام محلية عن رب أسرة أنه ترك خلفه كل ما يملك، واصطحب عائلته مهرولا إلى الشارع دون أن يعرف إلى أين سيذهب بالتحديد. لكنه قال: «سنبحث عن أي بناية بعيدة تقي أسرتي من الموت، نحن نموت كل لحظة بسبب القصف، الذي لم نشهده منذ بداية الحرب».
وقضى في المعارك الدائرة بطرابلس أكثر من 575 مدنياً، على الأقل، و44 عنصراً طبياً، بالإضافة إلى 13500 جريح. بينما تتزايد أعداد النازحين يومياً وفقاً لوزارة شؤون النازحين والمهجرين التابعة لحكومة «الوفاق»، التي قدرتها الشهر الماضي بأكثر من 345 ألف مواطن، معظمهم من النساء والأطفال، وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة، والذين أصبحوا يقيمون الآن ما بين مراكز الإيواء والبنايات المهجورة.
وجددت البعثة الأممية لدى ليبيا بشدة إدانتها للهجمات المتزايدة على المناطق المأهولة بالمدنيين في طرابلس، بما في ذلك ما وصفته بـ«القصف المروع» أول من أمس على حي زاوية الدهماني بطرابلس، بالقرب من السفارة التركية، ومقر إقامة السفير الإيطالي، مما أسفر عن مقتل مدنيين اثنين وإصابة 3 آخرين.
وأكدت البعثة في بيان لها مساء أول من أمس، مواصلتها «توثيق الانتهاكات بغية مشاركتها، عند الاقتضاء، مع فريق الخبراء والمحكمة الجنائية الدولية»، معبرة عن «انزعاجها الشديد من تكثيف الهجمات العشوائية، في وقت يستحق فيه الليبيون قضاء شهر رمضان المبارك بسلام، وفي وقت يتصدون فيه لجائحة فيروس (كورونا)».
وقالت البعثة: إن هذه «الأعمال المدانة تمثل تحدياً مباشرا لمبادرات القيادات الليبية، التي دعت إلى إنهاء الاقتتال الذي طال أمده، واستئناف الحوار السياسي»، مشيرة إلى أن تزايد الهجمات العشوائية منذ مطلع الشهر الجاري، أدى إلى سقوط العديد من الضحايا المدنيين، وإلحاق أضرار بالمنازل والممتلكات المدنية الأخرى. مشيرة إلى أنه خلال الفترة الممتدة من مطلع الشهر الجاري إلى الثامن منه قُتل ما لا يقل عن 15 مدنياً، وأصيب 50 آخرون، حسبما أفادت التقارير التي اطلعت عليها البعثة، التي قالت أيضا إن هذه الهجمات تظهر «تجاهلاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وقد ترقى إلى جرائم حرب».
وطالبت البعثة جميع أطراف النزاع باحترام التزاماتها بموجب القانون الدولي الإنساني، بما في ذلك الامتثال لمبادئ التمييز والتناسب، والتحوط في الهجوم لمنع وقوع إصابات في صفوف المدنيين، مجددة التأكيد على أنه ستتم محاسبة مرتكبي الجرائم المنصوص عليها في القانون الدولي. وسبق للمتحدث باسم وزارة الصحة بحكومة «الوفاق» أمين الهاشمي، القول إن عدد القتلى الإجمالي منذ الأربعاء الماضي وصل إلى 15. هم 13 مدنياً وشرطيان، وأكثر من 50 جريحاً من المدنيين، مشيراً إلى أن «القصف تسبب في أضرار مادية كبيرة خصوصاً في بلدتي أبو سليم وتاجوراء (في شرق العاصمة)».
ونفى الهاشمي صحة نبأ وفاة أسرة ليبية مكونة من أربعة أشخاص مساء أول من أمس، خلال تناولهم إفطار رمضان، وقال: «اتضح أن بلاغا كاذبا وصل إلى دار الرحمة بمستشفى طرابلس الجامعي حول وفاة العائلة في منطقة عين زارة، وبعد التواصل مع كل المستشفيات الميدانية في المنطقة اتضح أن الخبر عار عن الصحة». من جهته، أفاد أسامة علي، المتحدث باسم جهاز الإسعاف والطوارئ الليبي، بمقتل مدني وجرح آخرين جراء سقوط عدة قذائف صباح أمس على منطقة باب بن غشير في طرابلس. وطالب علي في تصريح صحافي سكان مناطق باب بن غشير وأبو سليم وسوق الجمعة بالابتعاد عن الشرفات ومحاولة البقاء في المنزل، وعدم التسبب في تجمعات تجنبا لزيادة أعداد المصابين.
ولم يعلن المتحدث باسم جهاز الإسعاف عن أعداد المصابين الذين نقلوا لمستشفى الحوادث، وأظهرت مقاطع فيديو أعمدة دخان تتصاعد من داخل أسوار مطار معيتيقة بطرابلس، فيما يبدو أنه قصف آخر قد طال المكان.
سكان طرابلس يبيتون في العراء
البعثة الأممية {منزعجة} من تكثيف الهجمات على العاصمة الليبية
سكان طرابلس يبيتون في العراء
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة