يتوقع عدد من المراقبين في الجزائر تغييراً فيما يسمى «عقيدة الجيش» التي ترتكز أساساً على أنه لا يحق للجيش أن يشارك في أي عمليات عسكرية خارج حدود البلاد، حتى لو كانت في إطار حفظ السلام. وظل هذا المبدأ «مقدساً» عند المسؤولين المدنيين والعسكريين وقطاع واسع من الجزائريين، إلى أن جاءت مسودة تعديل الدستور مؤخراً لتقترح تغييراً جذرياً حول أدوار الجيش، وهو ما خلق حال من الجدل والتساؤلات داخل بعض الأوساط السياسية في الجزائر.
وفي مشروع تعديل الدستور الذي سلمته الرئاسة الجزائرية الخميس الماضي للأحزاب والشخصيات السياسية والمجتمع المدني بـ«غرض الإثراء والمناقشة»، تم اقتراح تعديل المادة (29) من الدستور الحالي، المتعلقة بدور الجيش، التي تتمثل في رفع الحظر عن مشاركة قواته في مهام عسكرية خارج البلاد.
ويعد هذا الاقتراح بالنسبة لمتتبعين أهم ما تضمنته مسودة التعديلات الدستورية، قياساً إلى دور الجيش في ترتيب شؤون نظام الحكم، حيث رأى بعضهم في ذلك «تغييراً في عقيدة راسخة داخل المؤسسة العسكرية» لم يجرؤ أحد على خلخلتها.
وفي هذا السياق، قال الإعلامي المحلل السياسي أحسن خلاص لـ«الشرق الأوسط» إن «الجزائر ذات موقع جغرافي مهم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وترأس مجلس السلم والأمن الأفريقي، لكن ليس لها دور اقتصادي مهم تؤديه على الصعيد الدولي، فضلاً عن تراجع دورها العربي، وفي إطار الأمم المتحدة».
وأوضح خلاص أن الجزائر «سعت في السابق إلى تصدير تجربتها في المصالحة الوطنية (مشروع سياسي طرح عام 2006 يهدف إلى حقن الدماء التي سالت خلال فترة الاقتتال مع الإرهاب)، واشتغلت على قضية مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف على الصعيد الدولي في عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، لكن برحيله عن الحكم لم تعد تملك أدوات تسمح لها بأداء دور خارج حدودها، فلجأت إلى دسترة المشاركة العسكرية في إطار المنظمات الإقليمية والدولية».
وتابع خلاص موضحاً أن الدستور الحالي والدساتير السابقة «لم تكن تمنع تدخله (الجيش)، ولكنها لم تكن تبيحه بنص، ولذا لم يجرؤ حتى بوتفليقة على المبادرة بذلك. ويبدو لي أن السلطة تريد أن تضع مسوغاً دستورياً لدور دولي جديد».
وبخلاف ما يراه بعض الملاحظين، يذكر خلاص أن الأمر لا يتعلق بعقيدة الجيش، بقدر ما هو مرتبط بـ«مقاربة جديدة للمشاركة في مشروعات وقضايا دولية».
يشار إلى أن جيش الجزائر قد خاض 3 حروب منذ استقلال البلاد عام 1963، حيث وقعت اشتباكات مسلحة مع المغرب بسبب نزاع حدودي، وعامي 1967 و1973 في إطار المواجهتين العسكريتين العربيتين ضد إسرائيل. أما سياسياً، فكانت له الكلمة الفاصلة في اختيار رؤساء البلاد، رغم الحرص الذي تبديه قيادته لنفي تدخله في شؤون الحكم المدني.
وتفيد مصادر على صلة بالتعديل الدستوري بأن السلطة الجديدة، برئاسة عبد المجيد تبون، تسعى لإعادة صياغة الجيش وفق تصوَر خاص بها. وأكدت المصادر ذاتها أن المسعى يكمّل تغييرات في المناصب الكبيرة تمت في الأسابيع الماضية في وزارة الدفاع، وجهازي الأمن الداخلي والخارجي، علماً بأن الرئيس بوتفليقة كان قد أحدث تغييرات عميقة في الجيش خلال 20 سنة من الحكم، أهمها إلحاق المخابرات العسكرية بالرئاسة، بعدما كانت تابعة للجيش، غير أنها عادت إلى ما كانت عليه في الأيام الأخيرة لحكمه.
وتقول ديباجة مسودة الدستور الجديد إن «الجيش الوطني الشعبي هو سليل جيش التحرير الوطني»، وأشادت بـ«اعتزاز الشعب الجزائري بجيشه الذي يدين له بالعرفان على ما بذله في سبيل الحفاظ على البلاد من كل خطر خارجي، وعلى مساهمته الجوهرية في حماية المواطنين والمؤسسات والممتلكات من آفة الإرهاب، وهو ما ساهم في تعزيز اللحمة الوطنية، وفي ترسيخ روح التضامن بين الشعب وجيشه»، مؤكدة «سهر الدولة على احترافية الجيش الوطني الشعبي، وعلى عصرنته بالصورة التي تجعله يمتلك القدرات المطلوبة للحفاظ على الاستقلال الوطني، والدفاع عن السيادة الوطنية ووحدة البلاد وحرمتها الترابية، وحماية مجالها البري والجوي والبحري».
جدل في الجزائر حول مسعى تغيير عقيدة الجيش
بعد أن اقترحت مسودة الدستور مشاركته في عمليات خارج الحدود
جدل في الجزائر حول مسعى تغيير عقيدة الجيش
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة