باريس تحث الحكومة العراقية للعمل من أجل «المصلحة العليا»

أكدت في بيان حرصها على الشراكة مع عراق «متمتع بالسيادة»

TT

باريس تحث الحكومة العراقية للعمل من أجل «المصلحة العليا»

لم تشذ ردة الفعل الفرنسية عن الردود العربية والدولية المرحبة بنيل رئيس الحكومة العراقي مصطفى الكاظمي، ووزارته، ثقة البرلمان. وسارعت وزارة الخارجية إلى إصدار بيان تهنئة وترحيب. لكنها حرصت على تضمينه مجموعة من الرسائل للرجل الذي تعرفه الحكومة الفرنسية جيداً، إذ أفادت تقارير صحافية بأن الرئيس إيمانويل ماكرون، استقبله، مرتين، «دون تحديد التواريخ»، وأن الكاظمي مد يد المساعدة للطرف الفرنسي عند نقل مجموعة فرنسية من مقاتلي «داعش» من أيدي «قوات سوريا الديمقراطية»، وتسليمهم إلى القضاء العراقي، العام الماضي، عندما كان يشغل منصب مدير المخابرات العراقية. وبشكل عام، يحظى الأخير بصورة إيجابية لدى المسؤولين الفرنسيين لكونه «جديداً»، وجاء من خارج الطبقة السياسية التي تعاقب مسؤولوها على العاصمة الفرنسية منذ عام 2003.
وفي بيانها الصادر ليل الخميس - الجمعة، شددت باريس على حرصها على «مواكبة رئيس الحكومة في عملية القيام بالإصلاحات الضرورية للاستجابة للمطالب التي عبر عنها الشعب العراقي». وفي انتقاد مبطن للطبقة السياسية العراقية، التي اعتبرت أوساط فرنسية أنها «عملت دائماً لتحقيق مصالحها الخاصة الفردية أو الفئوية»، حثت الخارجية الفرنسية «الحكومة والمؤسسات العراقية على العمل من أجل المصلحة العليا للوطن وللشعب العراقي». وتتضمن هذه الفقرة كذلك تلميحات إلى ضرورة أن تتصرف الحكومة الجديدة بوحي المصلحة العراقية وحدها بعيداً عن الضغوطات الخارجية التي تمارس على السلطات في بغداد؛ أكان ذلك من إيران أو من الولايات المتحدة الأميركية. وتعي باريس، وفق مصادر دبلوماسية في العاصمة الفرنسية، «دقة المرحلة الراهنة في العراق، حيث إن الحكومة تسير على حبل مشدود، ويتعين عليها الحرص على التوازن بين حليفين (واشنطن وطهران) هما في حالة نزاع بما في ذلك على الأراضي العراقية، وحيث إن كلاً منهما يسعى للهيمنة على القرار العراقي». ووفق هذه المصادر، فإن المصلحة العراقية العليا، تكمن في تنويع العلاقات، بما في ذلك على الصعيد الأوروبي، للخروج من الإغلاق بين طرفين متنازعين. من هنا، يمكن أن تشكل باريس البوابة الواسعة لذلك.
تجدر الإشارة إلى أن فرنسا كانت طرفاً فاعلاً في الحرب على تنظيم «داعش» من خلال مشاركتها في التحالف الدولي، ومن خلال مساهمتها في تدريب القوات المسلحة العراقية. إلا أنها اضطرت مؤخراً إلى سحب وحداتها بسبب الخوف من وصول وباء «كورونا» إليها. وقالت باريس إنها عازمة على الاستمرار في الوقوف إلى جانب العراق في الحرب على «داعش»، الذي عاد في الأسابيع الأخيرة إلى القيام بعمليات عسكرية في عدة مناطق عراقية، ما يبين، وفق القراءة الفرنسية، أن التنظيم الإرهابي الذي دحر في العراق في عام 2017، «أعاد تنظيم قواه وأصبح في وضع يمكنه من تنفيذ عمليات عسكرية واسعة». وواضح بالنسبة للمسؤولين الفرنسيين أن «داعش» يستفيد على الأقل، من عاملين: الأول، انشغال العراق بتناحر أطرافه السياسية، وبمواجهة وباء «كوفيد - 19»، والثاني تراجع انخراط القوات الدولية في ملاحقة «داعش» بعد التأزيم الأميركي ـ الإيراني؛ الأمر الذي وفر مساحة تحرك إضافية للتنظيم الإرهابي.
أما على الصعيد العراقي الداخلي، فإن باريس تأمل تنظيم انتخابات نيابية «سريعاً»، وهو أحد المطالب التي رفعها الحراك الشعبي، ووعد رئيس الوزراء الجديد بتحقيقها، ولكن دون تحديد مواعيد واضحة. وإذ أكدت الخارجية الفرنسية أن باريس «مستمرة في العمل كشريك مع عراق متمتع بالسيادة»، فإنها أعربت عن «وقوفها إلى جانب العراقيين في التعامل مع الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية»، دون توفير مزيد من التفاصيل. وسبق لفرنسا أن وعدت بتنظيم مؤتمر دولي لصالح العراق، كما أنها عولت عليه من أجل التخلص من مشكلة جهادييها المعتقلين لدى أكراد سوريا، الذين لا ترغب بعودتهم إلى أراضيها. لكن آمالها على هذا الصعيد تبخرت، وانتهى الأمر ببغداد إلى رفض المقترحات الفرنسية بهذا الخصوص، بعد بروز معارضة داخلية لعملية من هذا النوع. وترتبط فرنسا بعلاقات جيدة مع أكراد العراق منذ تسعينيات القرن الماضي، وكانت أبواب الإليزيه دائماً مفتوحة بوجه المسؤولين الأكراد.
لا تنحصر مهمة الكاظمي في العثور على نقطة التوازن بين طهران وواشنطن، بل عليه مواجهة وضع سياسي وأمني واقتصادي بالغ التعقيد. ويبدو الجانب الأخير الأكثر تعقيداً بعد تراجع أسعار النفط الذي يمثل المصدر الطاغي للموازنة العراقية. من هنا حاجته لكل أنواع الدعم، منها الدعم الفرنسي في حال توافره حقيقة.



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».