الكاظمي... ومعضلة إخراج العراق من أزماته

أمام خلفية التنافر بين «الكتل الشيعية» والرئيس برهم صالح

الكاظمي...  ومعضلة إخراج العراق من أزماته
TT

الكاظمي... ومعضلة إخراج العراق من أزماته

الكاظمي...  ومعضلة إخراج العراق من أزماته

لم يكن سهلاً سباق المسافات الطويل نحو عراق يراد له أن يكون جديداً طِبقاً للشعار الذي رفعته ساحات التظاهر التي انطلقت منذ الأول من أكتوبر (تشرين الأول) من العام 2019 بدءاً من التحرير في بغداد إلى باقي الساحات في المحافظات الوسطى والجنوبية، وهو «نريد وطناً».
هذا السباق حاول كثيرون قطعه في أعقاب اضطرار عادل عبد المهدي إلى الاستقالة تحت ضغط المظاهرات وخيار المرجعية الدينية العليا في النجف، وخصوصاً المرجع الأعلى آية الله علي السيستاني. يومذاك كان الهدف من استقالة عبد المهدي هو تشكيل حكومة جديدة قادرة على التعامل مع الأزمة التي تكاد تكون الوحيدة آنذاك، وهي أزمة المظاهرات، وما بدأت تخلفه من تداعيات بدت مُحرجة لكل الطبقة السياسية العراقية التي حكمت البلاد منذ عام 2003 وإلى اليوم. غير أن النزاعات والخلافات بين أقطاب هذه الطبقة السياسية عاودت الظهور بقوة. وبسبب نظام المحاصصة العرقية والطائفية فإن مسار تشكيل الحكومة العراقية كان لا بد أن يمر بعدة مسارات، بدءاً من عملية الاختيار، فالترشيح والتكليف من قبل رئيس الجمهورية، طبقاً للدستور، ومن ثم التصويت داخل قبة البرلمان.
وهكذا، بعد استقالة عبد المهدي بدأ البحث عن البديل المناسب للمهمة القادمة، إلا أن الطبقة السياسية واجهت مشكلة المظاهرات التي كانت سرعان ما تعلن رفض أي مرشح يُطرح اسمه من قبل الكتل السياسية. ثم إن ساحات التظاهر نفسها لم تكن لها هي الأخرى، شأنها شأن القوى السياسية، صاحبة رؤى موحدة حيال المرشحين لهذا المنصب، الذي هو من حيث التمثيل الحصري من حصّة المكوّن الشيعي، والذي رسا في نهاية المطاف على مصطفى الكاظمي. وسيكون الآن على رئيس الحكومة الجديد، الآتي من جهاز المخابرات، أن يقود مهمة إخراج العراق من أزماته المتعددة، في ظل تنافر واضح بين كتل شيعية والرئيس برهم صالح.

بدأت لعبة «الكرّ والفرّ» بشأن مَن سيتمكن من الفوز باختيار رئيس الحكومة العراقية العتيدة تأخذ مسارات مختلفة ومعقّدة، وكان طرفاها الرئيسان في أول الأمر؛ الكتل السياسية، وخصوصاً الشيعية منها، والجسم الأساسي للمظاهرات، التي هي في الغالب مظاهرات لشبان أيضاً من شيعة المدن والمحافظات ذات الغالبية الشيعية. بيد أن هذا «الكرّ والفرّ» السياسي لم يؤدِّ إلى تغيير المعادلة إلا بقدر محدود، تمثل في إقالة الحكومة، ولكن من دون طرح البديل المقنع. وللعلم، كانت قد ظهرت مصطلحات مختلفة، في محاولة للخروج من الأزمة أو التخفيف من وطأتها، مثل «المجرَّب لا يجرَّب» أو «المرشح الجدلي»، وما إلى ذلك من مصطلحات ومفاهيم دخلت حيز الخطاب السياسي العراقي، في وقت تصاعدِ حدة المظاهرات، حتى بعد استقالة عادل عبد المهدي.
وفي حين كان المأمول أن تتوقف المظاهرات، على أمل أن تجد الطبقة السياسية الفرصة المناسبة لاختيار رئيس حكومة بديل لعبد المهدي، فإن المتظاهرين استمروا برفع شعار رفض عبد المهدي وبدلائه. بل كان كل اسم يجري ترشيحه للمنصب (الأهم سياسياً في العراق) كانت تُشاهد صورُه خلال اليوم التالي في ساحة التحرير، وهي إما تُحرق من قبل المتظاهرين وإما توضع عليها علامة «أكس». ومع ذلك، فإن الكتل السياسية ما كانت مستعدة لتقديم تنازلات جدية حيال ما يجري، بل إنها كانت تراهن على عامل الوقت في إنهاء المظاهرات.
الكاظمي والصدر

كان زعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر من بين أوائل الزعماء العراقيين الذين طرحوا اسم مصطفى الكاظمي، مدير جهاز المخابرات لمنصب رئاسة الوزراء. وجاء ذلك على شكل تغريدة له، أعلن فيها أنه يطرح، من دون أن يتبنى، أسماء كلٍ من مصطفى الكاظمي، والنائب المثير للجدل في البرلمان العراقي فائق الشيخ علي، والقاضي رحيم العكيلي.
رسالة الصدر وصلت بطرق مختلفة إلى الطبقة السياسية، وكذلك الشارع المتظاهر الذي تعامل معها من زوايا مختلفة. قسم منها ذهب إلى قبول محتواها، وقسم آخر رفضها من منطلق أن الشارع يبحث عن مستقلين تماماً.
القوى الشيعية، وبخاصة بعض أطراف تحالف «الفتح» و«دولة القانون» والفصائل المسلحة، لم تتعاطَ مع الخيار الذي طرحه الصدر فيما يتعلق بالكاظمي، وهو ما جعل الصدر لا يعاود تبني هذا المقترح، وإن كان قد بقي مضمراً لديه. وبالفعل، هذا ما ظهر أخيراً، حين جرى الاتفاق على الكاظمي بوصفه «مرشح الجميع»، إذ أعلنت كتلة «سائرون» التي يدعمها الصدر تأييدها له، وبالفعل صوّتت له داخل قبة البرلمان.
وفي هذا الصدد، يقول النائب عن كتلة «سائرون» برهان المعموري لـ«الشرق الأوسط» إن «موقف كتلة (سائرون) كان واضحاً منذ البداية وهو تخويل رئيس الوزراء المكلف اختيار كابينته الوزارية وفق المعايير الموضوعية التي تنطبق على الجميع دون استثناء». وبيّن أن «الهدف من وراء ذلك كان أن يشكل حكومة بعيدة عن المحاصصة، بحيث لا يُولد اختياره للمرشحين جدلاً، بل يكون المرشح كفؤاً ونزيهاً ومستقلاً بحيث يحظى بالمقبولية».
وأضاف المعموري أن «الأمر الآخر المهم الذي ركزنا عليه هو الانتخابات والتهيؤ لها بطريقة صحيحة». ورداً على سؤال بشأن مواقف الكتل السياسية، يقول المعموري، إن «مواقف بعض الكتل متغيرة، وهذا التغيير يأتي بحجة عدم القناعة بالمرشحين من جانب، ومن جانب آخر حفظ التوازن المكوناتي والقومي». وأردف موضحاً أن «هناك أمراً آخر، وهو أن هناك كتلاً لا تؤمن بالمستقلين، وبالتالي فإنها تبحث عن الاستحقاق الانتخابي». وبشأن حظوظ الكاظمي، يقول المعموري، إن «حظوظه هو الآخر متغيرة ومرتبطة عموماً بمدى التزامه باختيار الشخصيات، وطبقاً للمواصفات التي أشرنا إليها، وكذلك مدى تواصله مع الكتل السياسية لجهة التوافق على شخصيات مقبولة ولا توجد عليها مؤشرات».

أزمة مع صالح

في هذه الأثناء، لم يطل شهر العسل بين الرئيس الكردي للجمهورية الدكتور برهم صالح، وبين الكتل الشيعية الرئيسة، ربما باستثناء الزعيمين الشيعيين البارزين ورجلي الدين مقتدى الصدر زعيم «التيار الصدري» وعمار الحكيم زعيم «تيار الحكمة». فبعد انتخاب صالح رئيساً للجمهورية بطريقة بدت احتفالية داخل البرلمان، في مقابل المرشح الآخر الدكتور فؤاد حسين، الذي هو مرشح زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، بدأت العلاقة تأخذ مساراً أكثر تعقيداً عندما استقال عادل عبد المهدي.
والواقع أن للأزمة مقدماتها، فالشيعة يرون أن الرئيس برهم صالح «تمدد» كثيراً على مساحتهم في الحكم والسلطة. إلا أن ما فعله صالح هو أن منصب رئيس الجمهورية في عهده ما عاد شكلياً. ووفق كلام مصدر مقرب منه لـ«الشرق الأوسط» فإن «الرئيس صالح تصرف منذ أزمة استقالة رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي، ومن ثم سلسلة الأزمات التي لحقت ذلك، وفقاً للدستور الذي ينص في المادة 66 على أن السلطة التنفيذية الاتحادية تتكون من رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء، وتُمارس صلاحيتها بموجب الدستور والقانون». وتابع أن «رئيس الجمهورية ليست مهمته تطبيق المادة 76 من الدستور، التي تنص أن رئيس الجمهورية يكلف مرشح الكتلة الكبرى عدداً بتشكيل مجلس الوزراء خلال 15 يوماً. وبالتالي لا بد أن يكون للرئيس له رأي في مسار التكليف، علماً بأن إشكالية (الكتلة الكبرى) قائمة منذ التفسير الأول للمحكمة الاتحادية بشأنها خلال انتخابات 2010 وإلى اليوم». وأوضح المقرب من رئيس الجمهورية أن «التكليفين اللذين سبقا تكليف مصطفى الكاظمي - الذي كان خيار الرئيس المفضل منذ البداية - لم يكن هو السبب في ترشيح صاحبيهما... لا بالنسبة لمحمد توفيق علاوي، ولا عدنان الزرفي، ولا في الآليات، ولا في طريقة التكليف، بل كانت هناك تواقيع أو موافقات صادرة عن كثير من الكتل السياسية التي أعلن بعضها دعمه بشكل واضح لكلا المكلفين». وأشار المقرّب إلى أنه «لو جرى الأخذ بما طرحه رئيس الجمهورية منذ نحو 5 أشهر بشأن تكليف الكاظمي لما دخلنا في هذا النفق من الأزمة السياسية التي ترتب عليها كثير خلال الفترة الماضية؛ خصوصاً أن الجميع عاد ووقف إلى جانب الكاظمي».
في أي حال، على الرغم من تكليف الكاظمي وتمريره فجر الخميس الماضي عبر البرلمان بغالبية واضحة، فإن الأزمة بين صالح وعدد من القيادات الشيعية لم تنتهِ بعد. كما أنها لا تبدو وشيكة النهاية مع الكاظمي نفسه وقيادات أخرى من الوسط الشيعي نفسه، الذي لم يُخفِ رفضه للكاظمي، حتى بعد إعلان إيران ترحيبها به مرتين... مرة عند التكليف ومرة عند نيل الثقة.

حقيبتا
الدفاع والداخلية

صحيح أن 7 حقائب وزارية لا تزال شاغرة، لكن الحكومة المؤلفة من 22 وزيراً مرّ منها 15 حقيبة وزارية، تتصدرها «الدفاع» و«الداخلية»، علماً بأن هاتين الوزارتين كانتا الوزارتين الوحيدتين اللتين لم تمرا إلا بعد شهور من تشكيل الحكومة في كل الحكومات السابقة، ما بعد عام 2003. وفي إحدى الحكومات (عام 2010) بقيت وزارتا الدفاع والداخلية شاغرتين طوال مدة الدورة البرلمانية والحكومية، البالغة 4 سنوات، وكانتا تداران بالوكالة.
مع ذلك، فإنه طبقاً للطيف السياسي العراقي، ورغم حدة التأزم، بدا تمرير الحكومة أمراً طبيعياً. إذ قال السياسي العراقي المستقل عزت الشابندر لـ«الشرق الأوسط» في لقاء: «مع إيماني بما يسمى شرط استقلالية الحكومة، فإنه بدعة ساذجة في قاموس (التخبيص) السياسي في العراق، أو هو أحد أدوات جلد الذات من قبل الفاشلين، دون الإعلان عن فشلهم وتراجعهم... وبذلك يكون أحد أدوات النصب والاحتيال للاستيلاء على السلطة من جديد». وأضاف الشابندر: «أرى أن أحوج ما نكون إليه الآن هو ألا نهزأ بعقولنا ونحتال على الناس إلى حدّ الإسفاف، ونعي أن حقيقة استقلالية الوزير في الحكومة لا تنحصر في ألا يكون حزبياً أو سياسياً، بل تتعدى ذلك إلى ألا يكون مرشحاً من قبل حزب أو جهة سياسية». وتابع أن «الكابينة الوزارية لن تكون مستقلة إلا إذا كان أعضاؤها مستقلين، أو باختيار من قبل المكلف بتشكيل الحكومة، وهو ما يحاول عمله الأخ مصطفى الكاظمي».
ومن جهته، صرّح السياسي والنائب السابق حيدر الملا لـ«الشرق الأوسط» بأن «الكاظمي سيمرّ مع وجود خلافات هنا وهناك، لكنها في النهاية لن تشكل عائقاً أمام التصويت داخل قبة البرلمان، مهما كانت الاعتراضات، التي لم تعد أساسية، بقدر ما أنها تدخل في باب التفاصيل»، وهو ما تم فعلاً من خلال نيل الكاظمي ثقة البرلمان. وأردف الملا أن «المهم في الأمر أن القوى الرئيسية اتفقت على تمرير الكاظمي، وبالتالي لم تعد هناك صعوبات أساسية في طريقه يمكن أن تعرقل عملية التصويت».
وأما فرهاد علاء الدين، رئيس المجلس الاستشاري العراقي، فعلّق لـ«الشرق الأوسط» موضحاً أن «كل المؤشرات تذهب باتجاه تمرير الحكومة، لكن ليس كلها، إذ يمكن التصويت على 18 وزارة من أصل 21، مع بقاء وزارة المالية شاغرة حتى يحُسم الخلاف بشأن الوزارة والوزير معاً». ورداً على سؤال؛ كيف يمكن تصور المشهد السياسي القادم في العراق؟ وما إذا كانت الحكومة المقبلة قادرة على مواجهة التحديات، قال علاء الدين إن «المشهد سيكون معقداً جداً، ولا سيما أن الرئيس المكلف لا يملك عصا سحرية لحل الأزمات الحالية الخانقة».
وأضاف «أن الرئيس المكلف سيكون في موقع جيد للتصدي بمساعدة الدول الصديقة لتقديم المساعدة، كما أنه يريد أن يغير الواقع الحالي الاقتصادي من خلال إطلاق المبادرات. والأزمة الاقتصادية ستكون هي الحاكمة بشكل كبير، يليها الملف الأمني، حيث ستكون هناك تجاذبات وكسر إرادة في الأيام القليلة الأولى، ليختبر كل طرف الطرف الآخر من حيث النوايا والمصداقية».

سيرة ذاتية وسياسية في سطور

> ولد مصطفى الكاظمي في بغداد عام 1967. ولكن جذوره تعود إلى قضاء الشطرة في محافظة ذي قار (عاصمتها مدينة الناصرية)، ودرس القانون في العراق، قبل أن يعمل بالصحافة.
> اشتهر كاتباً لمقالات الرأي، ومديراً لتحرير قسم العراق في موقع «مونيتور» (باللغة الإنجليزية).
> عُرف بمناهضته حكم الرئيس السابق الراحل صدام حسين، من المنفى في إيران والسويد وبريطانيا.
> أدار من بغداد ولندن مؤسسة «الحوار الإنساني». ورغم أنه عاش سنوات في المنفى لم ينضم إلى أي من الأحزاب السياسية العراقية.
> بعد الغزو الأميركي عام 2003، عاد إلى العراق؛ حيث شارك في تأسيس «شبكة الإعلام العراقي»، جنباً إلى جنب مع عمله مديراً تنفيذياً لـ«مؤسسة الذاكرة العراقية»، وهي منظمة تأسست لغرض توثيق جرائم النظام السابق.
> عُيّن رئيساً لجهاز المخابرات الوطني العراقي في يونيو (حزيران) 2016. وكان هذا المنصب آخر منصب تولاه قبل أن تسند إليه رئاسة الحكومة.


مقالات ذات صلة

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

حصاد الأسبوع شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت

فاضل النشمي (بغداد)
حصاد الأسبوع ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة

راغدة بهنام ( برلين)
حصاد الأسبوع شيل

ألمانيا... الحزب الديمقراطي الحر «شريك الحكم» شبه الدائم

مع أن «الحزب الديمقراطي الحر»، الذي يعرف في ألمانيا بـ«الحزب الليبرالي»، حزب صغير نسبياً، مقارنةً بالقطبين الكبيرين «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (المحافظ)

«الشرق الأوسط» (برلين)
حصاد الأسبوع لقاء ترمب وبوتين على هامش "قمة العشرين" عام 2017 (آ ف ب)

موسكو تترقّب إدارة ترمب... وتركيزها على سوريا والعلاقة مع إيران

لم تُخفِ موسكو ارتياحها للهزيمة القاسية التي مُنيت بها الإدارة الديمقراطية في الولايات المتحدة. إذ في عهد الرئيس جو بايدن تدهورت العلاقات بين البلدين إلى أسوأ

رائد جبر (موسكو)
حصاد الأسبوع يأتي انتخاب «عرّو» في وقت حرج لإقليم أرض الصومال لا سيما مع تحديات استمرار رفض مقديشو توقيع الإقليم مذكرة تفاهم مع إثيوبيا

عبد الرحمن محمد عبد الله «عرّو»... دبلوماسي يقود «أرض الصومال» في «توقيت مصيري»

حياة مغلفة بـ«هم الاستقلال»، سواءً عن المستعمر القديم في السنوات الأولى، أو تشكيل «الدولة المستقلة» طوال فترتَي الشباب والشيخوخة، لم تثنِ عبد الرحمن محمد عبد

محمد الريس (القاهرة)

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
TT

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة اقتصادها المتدهور. رجل وصفه المستشار بأنه «أناني»، وشن عليه هجوماً شخصياً نادراً ما يصدر عن شولتس المعروف بتحفظه وهدوئه. ذلك الرجل كان وزير ماليته كريستيان ليندنر، زعيم «الحزب الديمقراطي الحر» الذي كان شريكاً في الحكومة الائتلافية الثلاثية منذ عام 2021، برئاسة «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (الاشتراكي)، ومشاركة حزب «الخضر». ولقد طرده شولتس من الحكومة بعد خلافات حول ميزانية سنة 2025، ما تسبب بخروج الوزراء المتبقين من «الحزب الديمقراطي الحر»، ليبقى المستشار يقود حكومة أقلية حتى إجراء الانتخابات المبكرة في 23 فبراير المقبل. ثم إن شولتس تعرض لانتقادات كثيرة لهجومه الشخصي على ليندنر، خاصة من المستشارة السابقة أنجيلا ميركل التي وصفته بأنه كان «خارجاً عن السيطرة». لكن مع ذلك، فإن الصورة التي رسمها المستشار عن وزيره قد تحمل شيئاً من الواقع؛ إذ خرجت انتقادات من أوساط الديمقراطيين الأحرار لليندنر و«تصرفه بشكل أحادي» في دفع المستشار لإقالته. وقبل ذلك طالته انتقادات بعدما أصبح «الوجه الأوحد» لـ«الحزب الديمقراطي الحر» إبان الانتخابات الماضية عام 2021 وقبلها عام 2017. ولعل الحزب تسامح مع تصرفات ليندنر «الأنانية» تلك لنجاحه بإعادة الحزب إلى الخارطة السياسية بعد انهياره تقريباً عام 2013 وفشله بدخول البرلمان للمرة الأولى في تاريخه. إلا أن مستقبل الرجل الذي أعاد حزبه إلى الحياة... هو نفسه في خطر. فهل يستمر ليندنر بالبناء على تاريخه حتى اليوم للنهوض مجدداً؟

قد يكون كريستيان ليندنر أصغر زعيم انتُخب ليرأس حزبه «الديمقراطي الحر»، عن عمر 34 سنة فقط عام 2013، بيد أنه لم يكن ناجحاً على الدوام. وبعكس حياته السياسية وصعوده السريع إلى القمة، فشل ليندنر في مشاريع أعمال أطلقها عندما كانت السياسة ما زالت هواية بالنسبة إليه. واعترف لاحقاً بإخفاقاته تلك، مستعيناً بعبارة «المشاكل هي مجرد فرص شائكة» لكي يدفع نفسه إلى الأمام.

وبين عامَي 1997 و2001 أسس شركات خاصة مع أصدقاء له، انتهت بالفشل آخرها شركة «موماكس» التي انهارت وأفلست بعد أقل من سنة على إطلاقها.

هذه «الإخفاقات» التي طبعت مغامراته التجارية وهو في مطلع العشرينات قد تكون دفعته للتوجه إلى السياسة بجدية أكبر. وبالفعل، نجح عام 2001 بدخول البرلمان المحلي في ولايته شمال الراين-وستفاليا وهو ابن 21 سنة ليغدو أصغر نائب يدخل برلمان الولاية. ولصغر سنه وقسمات وجهه الخجولة كسب ليندنر آنذاك لقب «بامبي» بين أعضاء الحزب نسبة للغزال الصغير عند «ديزني».

«بامبي» في «البوندستاغ»

في عام 2009، فاز ليندنر بمقعد في البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) ليعود عام 2012 إلى ولايته أميناً عاماً للحزب في الولاية ونائباً محلياً مرة أخرى.

وبعدها ساعدت إخفاقات الديمقراطيين الأحرار في الانتخابات العامة عام 2013 بتسليط الضوء على ليندنر، الشاب الكاريزماتي الطموح الذي وجد فرصة سانحة أمامه للصعود داخل الحزب. ويومذاك فشل الحزب بتخطي عتبة الـ5 في المائة من أصوات الناخبين التي يحددها القانون شرطاً لدخول «البوندتساغ». وعقد أعضاؤه اجتماعاً خاصاً لمناقشة النتائج الكارثية التي لم يسبق للحزب أن سجلها في تاريخه، وانتخب ليندنر، وهو في سن الـ34، زعيماً للحزب مكلفاً بتأهيله وإعادته للحياة... وبذلك بات أصغر زعيم ينتخب لـ«الحزب الديمقراطي الحر».

شاب أنيق وجذّاب

شكّل سن ليندنر وأناقته وشخصيته عاملاً جاذباً للناخبين الشباب خاصة. وقاد حملة مبنية على أساس جذب الشباب ونفض صورة الحزب القديم التقليدي عنه، كما ساعده حضوره على وسائل التواصل الاجتماعي في التواصل مع مستخدميها من الشباب وتقريبهم إلى الحزب.

وغالباً ما نُشرت له صور من حياته الشخصية على «إنستغرام»، منها صورة لإجازة مع فرانكا ليهفيلدت، زوجته الصحافية التي كانت تعمل في قناة «دي فيلت»، ولقد عقدا قرانهما وهو في الحكومة عام 2022 في حفل ضخم وباذخ بجزيرة سيلت حضره عدد كبير من السياسيين. وينتظر الزوجان مولودهما الأول في الربيع المقبل.

للعلم، كان ليندر متزوجاً قبل ذلك من صحافية أخرى كانت نائبة رئيس تحرير «دي فيلت» أيضاً، هي داغمار روزنفلت، التي تكبره سناً ولم ينجبا أطفالاً معاً. لكنهما ظلا متزوجين من 2011 وحتى 2018 عندما أعلن طلاقهما وكشف عن علاقته مع ليهفيلدت.

أيضاً، لا يخفي ليندنر حبه للسيارات السريعة، وكان قال غير مرة قبل دخوله الحكومة مع حزب «الخضر» بأنه يهوى السيارات القديمة ويملك سيارة بورشه قديمة ومعها يملك رخصة للسباقات. وبجانب هذه الهواية يحب اليخوت ويملك رخصة للإبحار الرياضي وأخرى للصيد.

صورة شبابية عصرية

هذه الصورة التي رسمها ليندنر لنفسه، صورة الرجل الأنيق الذي يهتم بمظهره (لدرجة أنه خضع لزرع شعر) ويمارس هوايات عصرية، ساعدته على اجتذاب ناخبين من الشباب خاصة، وجعلته ينجح بإعادة حزبه إلى البرلمان عام 2017 بحصوله على نسبة أصوات قاربت 11 في المائة.

في حينه دخل في مفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية مع المستشارة أنجيلا ميركل التي فاز حزبها بالانتخابات، وكانت تبحث عن شركاء للحكم إثر حصولها على 33 في المائة من الأصوات. وفعلاً، بدأت ميركل مفاوضات مع الديمقراطيين الأحرار و«الخضر»، لكن ليندنر انسحب فجأة من المفاوضات بعد 4 أسابيع، ليعلن: «أفضل عدم الحكم من الحكم بشكل خاطئ».

ليندنر كان يختلف آنذاك مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين قبل سنتين. ويومها واجه الانتقاد لتفويته على حزبه فرصة الحكم، وهي فرصة خشي بعض الحزبيين ألا تُتاح مُجدداً.

ائتلاف مع اليسار

غير أن الفرصة أتيحت مرة أخرى في الانتخابات التالية عام 2021 عندما حقق «الحزب الديمقراطي الحر» نتائج أفضل من الانتخابات السابقة، حاصلاً على نسبة 11.5 في المائة من الأصوات. ومع أن «الحزب الديمقراطي الحر» حزب وسطي ليبرالي يؤيد الحريات الاقتصادية، ويعدّ شريكاً طبيعياً لحزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (يمين معتدل)، قرر ليندنر عام 2021 الدخول في ائتلاف حاكم مع الاشتراكيين و«الخضر»؛ ذلك أن الأخير يعتبر نقيضاً فكرياً للديمقراطيين الأحرار الذين يرون سياساته البيئية مكلفة وكابحة للتقدم الاقتصادي.

وهكذا تسلم ليندنر إحدى أهم الوزرات؛ إذ عُيّن وزيراً للمالية وثاني نائب للمستشار. وحقق بذلك حلمه الذي غالباً ما كرره خلال الحملات الانتخابية بأنه يريد أن يصبح وزيراً للمالية، وحتى إنه عرّف نفسه في إحدى الحملات ممازحاً: «تعرّفوا على وزير ماليتكم المقبل!».

خلفيته العلمية والفكرية

اهتمام ليندنر بالسياسة الاقتصادية ينبع من اهتماماته منذ تخرّجه من الجامعة؛ حيث درس العلوم السياسية ثم القانون والفلسفة في جامعة بون المرموقة (واسمها الرسمي جامعة راينيشه فريدريش - فيلهامز).

ثم إنه لم ينضم فور مغادرته المدرسة للخدمة العسكرية التي كانت إجبارية آنذاك، وأجّلها للدراسة وإكمال مغامراته التجارية، لكنه عاد لاحقاً وانضم إلى جنود الاحتياط ووصل لرتبة رائد. ورغم فشل مغامراته التجارية، بقيت اهتماماته السياسية منصبّة على الجانب المالي، ومن هنا جاء طموحه بأن يصبح وزيراً للمالية في الحكومة الفيدرالية.

وفكرياً، يؤمن ليندنر وحزبه بتقليص الإنفاق العام وخفض الضرائب وفتح الأسواق أمام الشركات الخاصة. ودائماً عارض خططاً عدّها متطرفة يدعمها «الخضر» لاستثمارات أكبر في الطاقة النظيفة بحجة تكلفتها العالية وتأثيرها على الشركات والأعمال. وكانت المفارقة أنه تسلّم حكومة كانت مسؤولة عن تطبيق سياسات تروّج للطاقة البديلة وتزيد من النفقات الاجتماعية وترفع من الضرائب.

هذا الأمر كان صعباً عليه تقبّله. ورغم وجود اتفاق حكومي حدّدت الأحزاب الثلاثة على أساسه العمل خلال السنوات الأربع من عمرها، عانى عمل الحكومات من الخلافات منذ اليوم الأول. وطبعاً لم تساعد الحكومة الأزمات المتتالية التي اضطرت لمواجهتها وكانت لها تأثيرات مباشرة على الاقتصاد، بدءاً بجائحة كوفيد-19 إلى الحرب الأوكرانية.

ولذا كان شولتس غالباً ما يعقد خلوات مع ليندنر وزعيم «الخضر»، روبرت هابيك، ويطول النقاش لساعات بأمل التوصل لحلول وسط يمكن للحكومة أن تكمل فيها عملها. وفي النهاية، كان من أبرز نقاط الخلاف التي رفض ليندنر المساومة فيها هي ما يُعرف في ألمانيا بـ«مكابح الدَّين العام»؛ إذ يرفض الدستور الألماني الاستدانة إلا في حالات الطوارئ، ولقد استخدمت الحكومة كوفيد-19 كطارئ للتخلي عن «مكابح الدَّين العام»، وبالتالي، الاستدانة والإنفاق للمساعدة عجلة الاقتصاد.

وأراد شولتس تمديد العمل بحالة الطوارئ كي تتمكن حكومته من الاستدانة وتمويل الحرب في أوكرانيا من دون الاقتطاع من الخدمات العامة، لكن ليندنر رفض مقترحاً تخفيض الإنفاق العام في المقابل، الأمر الذي اعتبره شولتس «خطاً أحمر».

تهم وشكوك

وحقاً، اتُّهم ليندنر بعد طرده بأنه كان يخطط للانسحاب من الحكومة منذ فترة، وبأنه وضع خطة لذلك بعدما وجد أن حزبه منهار في استطلاعات الرأي وأن نسبة تأييده عادت لتنخفض إلى ما دون عتبة الـ5 في المائة.

أيضاً، كُشف بعد انهيار الحكومة عن «وثيقة داخلية» أعدّها ليندنر وتداولها مع نفر من المقرّبين منه داخل الحزب، تحضّر للانسحاب من الحكومة بانتظار الفرصة المناسبة. وقيل إنه بدأ يخشى البقاء في حكومة فقدت الكثير من شعبيتها بسبب المشاكل الاقتصادية وارتفاع التضخّم خلال السنوات الثلاث الماضية، ما أثر على القدرة الشرائية للألمان. وبناءً عليه، خطّط ليندنر للخروج منها قبل موعد الانتخابات واستخدام ذلك انتخابياً لإعادة رفع حظوظ حزبه الذي يبدو الأكثر تأثراً من الأحزاب المشاركة في الحكومة، بخسارة الأصوات. وطرحت «الوثيقة» التي كُشف عنها مشكلة أخرى بالنسبة لليندنر - داخل حزبه هذه المرة - فواجه اتهامات بالتفرّد بالقرارات وحتى دعوات لإقالته.

طامح لمواصلة القيادة

حتى الآن، يبدو كريستيان ليندنر مصراً على قيادة حزبه في انتخابات فبراير (شباط)، وما زال لم يفقد الأمل العودة حتى إلى الحكومة المقبلة وزيراً للمالية في حكومة يقودها زعيم الديمقراطيين المسيحيين، فريدريش ميرتز، الذي يتقدّم حزبه في استطلاعات الرأي ومن المرجح أن يتولى المستشارية. وللعلم، ميرتز نفسه أبدى انفتاحاً على ضم ليندنر إلى حكومته المحتملة، وشوهد الرجلان بعد أيام من إقالة ليندنر يتهامسان بتفاهم ظاهر داخل «البوندستاغ».

ولكن عودة ليندنر للحكومة ستتطلب منه بدايةً تخطي عقبتين: الأولى أن يبقى على رأس حزبه لقيادته للانتخابات. والثانية أن ينجح بإقناع الناخبين بمنح الحزب أصواتاً كافية لتخطي عتبة الـ5 في المائة الضرورية لدخول البرلمان.