يوميات الحرب الليبية (الحلقة السادسة): ميليشيات الإخوان تتجه جنوبا للسيطرة على حقول النفط

(«الشرق الأوسط») تقتحم خطوط النار وترصد يوميات الحرب الليبية

مسلحان من الغرفة الأمنية المشتركة التابعة للجيش الليبي من أبناء التبو عند المدخل الرئيسي لمدينة أوباري («الشرق الأوسط»)
مسلحان من الغرفة الأمنية المشتركة التابعة للجيش الليبي من أبناء التبو عند المدخل الرئيسي لمدينة أوباري («الشرق الأوسط»)
TT

يوميات الحرب الليبية (الحلقة السادسة): ميليشيات الإخوان تتجه جنوبا للسيطرة على حقول النفط

مسلحان من الغرفة الأمنية المشتركة التابعة للجيش الليبي من أبناء التبو عند المدخل الرئيسي لمدينة أوباري («الشرق الأوسط»)
مسلحان من الغرفة الأمنية المشتركة التابعة للجيش الليبي من أبناء التبو عند المدخل الرئيسي لمدينة أوباري («الشرق الأوسط»)

تظهر في هذه الصحراء الجنوبية القاحلة رايات سوداء ترفرف فوق سيارات الدفع الرباعي المزوَّدة بالمدافع. إنها مجموعة إضافية للمتطرفين جاءت عبر المنحدرات هاربة من شمال مالي، لتلتحق بباقي الجماعات المتشددة هنا. جماعات بدأت تنشط وتتحرك في حوض مرزق النفطي المهم، والذي يضم حقلي الفيل والشرارة، والواقع على بعد نحو 800 كيلومتر جنوب العاصمة الليبية.
وتطلق المجموعة المكونة من عدة مئات من الشبَّان المطاردين، اسم «أنصار الحق»، على نفسها. وهي، مثل مجموعات سبقتها إلى هنا، تتكون من خليط من الليبيين والماليين والجزائريين والنيجيريين والتشاديين وغيرهم.

يقول أحد القادة المحليين في مدينة أوباري إن «جماعات المتطرفين هذه أصبحت في الأسابيع الأخيرة تتلقى إمدادات من جماعة الإخوان المسلمين المتمركزة في طرابلس»، مشيرا إلى أن إنتاج حقلي الفيل والشرارة يبلغ أكثر من نصف مليون برميل يوميا، أي ما يساوي ثلث إنتاج ليبيا، ويجري التصدير منهما إلى أوروبا. وفي المقابل تزعم جماعة الإخوان أنها لا علاقة لها بالمتطرفين، وأن من يعملون معها هم «شباب الثورة التي أسقطت القذافي، ومستمرون في الدفاع عنها من أنصار النظام السابق».
وفي المساء تجرأت 3 سيارات للمسلحين واقتربت من محطة البنزين الرئيسية في وسط المدينة التي يبلغ عدد سكانها عدة ألوف. وفي الجانب الآخر بدأ نحو 20 من جنود الجيش الليبي الذين يفتقرون للتسليح الجيد، الاستعداد لطردهم. إنها واحدة من بدايات المناوشات التي تتحول سريعا إلى حرب تستمر لعدة أيام ويقتل فيها العشرات، حيث بدأت ميليشيات الإخوان، كما يقول أحد القادة الأمنيين، في الاتجاه من طرابلس إلى الجنوب، للسيطرة على حقول النفط، كوسيلة جديدة من وسائل الضغط على أوروبا، قبل حلول موسم الشتاء البارد في الضفة الأخرى من البحر المتوسط، ضمن محاولات الجماعة إحراز مكاسب على الأرض، أمام المجتمع الدولي، وذلك في صراعها على السلطة بعد أشهر من خسارتها الانتخابات النيابية.
توقفت السيارات الثلاث جوار سور من الطين اتخذته ساترا. وبعد فترة من الترقب تقدمت واحدة منها مسافة 50 مترا في اتجاه محطة البنزين. كان فوقها مدفع عيار 14.5، و5 مُعمَّمِين ينظرون إلى الوراء، وواحد منهم فقط ينظر إلى الأمام؛ وجهٌ أسمرٌ ملثمٌ بقماش طمس التراب لونه من كثرة التجوال في الدروب المجاورة، على ما يبدو، بينما ماسورة كلاشينكوف تهتز بين يديه. وصاح مغمغما وهو يشهر سلاحه وأمر سائق الشاحنة التي كانت تملأ بنزينا من المحطة بالانصراف فورا. بالكاد تفهم من لغته العربية المهشَّمة بعض الهمهمات والإشارات التي توحي بأن الأمور لن تكون على ما يرام في بداية هذا النهار الحار.
ومن الجانب الآخر كان جنود الجيش السُّمر، وغالبيتهم من قبيلة «التبو»، ينتظرون اللحظة التي سيردون فيها على محاولة احتلال المحطة.. إنها تمثل، بالبنزين الذي يَفُوح منها، عصب الحياة لمركز المدينة الذي تنتشر حوله تجمعات سكنية يبلغ إجمالي من فيها نحو 30 ألف نسمة. ويعمل جنود الجيش هنا تحت إمرة ما يعرف بـ«قوات حرس المنشآت» و«الغرفة الأمنية المشتركة».. ومن بين هذه المنشآت شركات نفطية أجنبية. وكانت هذه القوات تضم جنودا من قبيلة «الزنتان» التي تتمركز في الشمال قرب طرابلس، لكن هؤلاء الجنود تركوا الحراسة هنا، وعادوا لقبيلتهم للدفاع عنها ضد هجمات «قوة فجر ليبيا» بقيادة الإخوان الذين سيطروا على العاصمة بعد معركة مطار طرابلس الشهيرة قبل شهرين.
وبعد تبادل لإطلاق الرصاص حول ساحة محطة بنزين أوباري، تمكنت نيران جنود الجيش من طرد المسلحين ومطاردتهم، حتى اختفوا وراء سحب التراب ناحية الجبال الغربية. لكن في الأيام التالية أعادت ميليشيات «أنصار الحق» الكرَّة بقوة أكبر من السابق. وتمكنت بتعزيزات من مجموعات موالية لتنظيم القاعدة، من جنسيات مختلفة، من السيطرة على مركز الشرطة الواقع وسط المدينة، ورفعت عليه راياتها السوداء. وبعد ذلك توجهت إلى حقل الشرارة النفطي، حيث جرت معركة جديدة هناك مع جنود «حراسة المنشآت».
ويقول الرائد عبد الله، من القوة التابعة للجيش، إن المثل المُتَّبع لدى رجال حروب العصابات هو أنك إذا كنت تريد أن تضرب في الغرب فعليك أن تصنع ضجيجا في الشرق، وإن هذا تقريبا هو ما يجري الآن من جانب تحالف الميليشيات في هذه البلاد التي تعمها الفوضى منذ سقوط نظام معمر القذافي في أواخر 2011. فبينما يبدو الضجيج في الشمال، من خلال الحرب المستعرة بين الجيش والمتطرفين في بنغازي وطرابلس ودرنة، تجري في الجنوب عمليات تحالف على يد جماعة الإخوان مع مقاتلين متشددين هاربين من بلادهم، بهدف السيطرة على حقول النفط «من أجل خنق أوروبا والضغط عليها في موسم الشتاء الذي بدأ يطرق الأبواب، حتى تغيِّر موقفها المؤيد للبرلمان المُنتخب والحكومة المنبثقة عنه والجيش الذي يستعد لطرد الميليشيات من طرابلس».
وتُعد منطقة الجنوب الليبي مهمة لعدة دول لأسباب أمنية واقتصادية، وجرى التنافس على هذه الحقول، إضافة لحقول في الشرق، بين القوى المتصارعة في ليبيا العام الماضي، مما أدى إلى غلق أغلبها عدة مرات ونتج عن ذلك خسائر بمليارات الدولارات. ويقول الرائد عبد الله إن أغلب القيادات الخطرة في تنظيم القاعدة، من شمال ووسط أفريقيا، ومنها حركة «أزواد» المالية وحركة «بوكو حرام» النيجيرية، أصبحت تستوطن هنا، وتدور بقوافل من سيارات الدفع الرباعي عبر الطرق والدروب وتتخذ من الجبال مقرات لها. وأصبحت أخيرا تحصل على الدعم مما يعرف بـ«القوة الثالثة (تابعة لقوة فجر ليبيا)» المتمركزة في سبها، على بعد نحو 200 كيلومتر إلى الشمال الشرقي من مدينة «أوباري»، ويوجد على الطريق السريع بينهما العديد من القرى الصحراوية الصغيرة.
ويضيف: «لهذا يمكن أن ترى بين وقت وآخر، طائرات دون طيار بعضها يبدو فرنسيا، يحوم حول تخوم مدن أوباري ومرزق وأم الأرانب». ويزيد قائلا: «أعتقد أن هذا الطيران يقوم فقط بالتصوير والرصد لقوافل المتطرفين.. لم نرَ أي عملية قصف لمواقع المتطرفين وقوافلهم. وتمكنت مجموعات المتشددين في الجنوب من تحقيق مكاسب عديدة، ربما يندر أن تتحقق لأي جماعة متطرفة أخرى خارج ليبيا، من بينها السيطرة على مطارات عسكرية مثل مطار تمنهند ومطار سبها. إضافة إلى تحوُّل مناطق بأكملها هنا إلى أوكار وبؤر لقيادات موالية لتنظيم القاعدة، مثل الجزائري مختار بلمختار، والليبي عبد الوهاب قائد، شقيق أبو يحيى، الذي قتل قبل عامين في باكستان، وكان الرجل الثاني في التنظيم بعد أيمن الظواهري».
وتعرف الميليشيات التي تهيمن عليها جماعة الإخوان باسم «قوة فجر ليبيا»، وهي محسوبة على مدينة مصراتة، ليس لأن كل مصراتة تقف وراء هذه القوة، ولكن لأن أغلبية القيادات الإخوانية المتشددة التي تتزعمها تنتمي أساسا للمدينة الواقعة على بعد نحو 200 كيلومتر إلى الشرق من العاصمة طرابلس. وبدأت الحرب المفتوحة بين الفرقاء الليبيين عقب إسقاط الناخبين للنواب المتطرفين في انتخابات البرلمان التي جرت منتصف هذا العام. وعلى هذا قام 3 على الأقل من قادة الإخوان في كل من مصراتة وطرابلس وبنغازي بجمع كل التيارات المتشددة في سلَّة واحدة لخوض حرب «حياة أو موت» ضد التيار المدني الذي تؤيده غالبية الشعب كما ظهر في الاقتراع الأخير على انتخاب المجلس النيابي الجديد.
ويقول المقدم عبد الفتاح سعيد، من قوة «عملية الكرامة» إلى يقودها اللواء المتقاعد خليفة حفتر ضد المتطرفين، وتتخذ من منطقة الرجمة قرب بنغازي مقرا لها، إن تحالف المتشددين، في شمال البلاد، كان قويا، و.. «كان يحسب له حساب، حتى مطلع شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، حيث تمكن منذ ذلك الوقت من السيطرة على مدن بنغازي، وطرابلس، وكذا سيطر على مدينة درنة، لكنه تعرض لخلخلة لسببين، الأول: الخلافات الداخلية بين عدد من قادته، والثاني: رفض المجتمع الدولي الاعتراف بالميليشيات وتصنيف بعضها كتنظيمات إرهابية، ولهذا بدأت جماعة الإخوان (من خلال «قوة فجر ليبيا») تبحث عن تعضيد لتحالفاتها من أجل الحفاظ على ولاء الميليشيات التي تقودها، على الصعيد الداخلي، ومن أجل إيجاد وسائل للضغط على أوروبا والمجتمع الدولي».
ويضيف: «من هنا اتَّجه الإخوان إلى الجنوب لتنشيط خلايا الإرهابيين الدوليين المختبئين هناك، وللسيطرة على حقول النفط، وهذا أمر نعلم أن الكثير من قادة مصراتة المعتدلين لا يوافقون عليه لأنه يزيد نيران الحرب الداخلية بين الليبيين التي ينبغي أن تتوقف، وأن تستبدل بالحوار».
ويقول القادة العسكريون إن التفكير في السيطرة على الحقول الغنية بالنفط في الجنوب، والتي تعمل فيها شركات إيطالية وإسبانية، داعب خيال المتطرفين في العاصمة حين كانوا ما زالوا يتحكمون في البرلمان السابق وفي مقدرات الدولة الليبية، وأن «هذه الفكرة بدأت تتشكل بعد أن أغلقت جماعة مسلحة في إجدابيا (جماعة الجضران التي تدعو إلى الحكم الفيدرالي)، حقول النفط المهمة في شرق البلاد، وأوقفت تصدير ربع النفط الليبي للخارج تقريبا». وحين بدأ البرلمان السابق إرسال ميليشيات مسلحة إلى الجنوب، تصدت لها قوات حراسة المنشآت والغرفة الأمنية الرافضة لحكم المتطرفين والموالية لـ«عملية الكرامة» التي كانت قد بدأت منذ مطلع هذا العام، مما تسبب في وقوع معارك عنيفة استخدمت فيها القذائف الصاروخية.
ووفقا لمصادر استخباراتية ليبية، كانت جماعة الإخوان، وهي في الحكم، على وشك استخدام طائرات عسكرية لقصف «قوات حراسة المنشآت» و«مواقع الغرفة الأمنية» في الجنوب التي ينتمي أغلب منتسبيها العسكريين لقبيلة التبو، إلا أن «هذا الأمر، الذي جرى في شهر أبريل (نيسان) الماضي أدى لـ(خلاف طفيف) بين فرنسا، التي لديها علاقات حسنة مع قيادات التبو، وإنجلترا التي يبدو أنها تحتفظ بقنوات اتصال مع الإخوان.. نتج عن هذا الخلاف، وفقا للمصادر نفسها، اتفاق الدولتين (فرنسا وإنجلترا) على تحذير السلطات الليبية السابقة من مغبة قصف مواقع التبو بالطيران».
ومن المعروف أن فرنسا وتحالفا أفريقيا يقومون منذ أكثر من سنة بشن حرب شعواء ضد المتطرفين الموالين لـ«القاعدة» في شمال مالي، بعد أن هاجموا مقار شركات ومقار حكومية هناك، مما أدى إلى فرار مئات المقاتلين منهم، على دفعات، إلى مدن الجنوب الليبي، ومنها مدينة غات، التي تبعد عن مدينة أوباري من الغرب، أي ناحية الحدود الجزائرية، بنحو 300 كيلومتر. ويقول أحد القادة المحليين بمدينة مرزق، الواقعة على مسافة 150 كيلومترا جنوب سبها، وعلى بعد نحو 200 كيلومتر جنوب شرقي أوباري، إن «المتطرفين الذين نزحوا من شمال مالي وجنوب الجزائر، ومن النيجر وتشاد أيضا، أصبحوا موزعين بين بلدات جنوب ليبيا ويعيشون بين الناس، ويحصلون على دعم كبير من سلاح وإمدادات، وعددهم كبير؛ قرابة الألف.. الجنوب كله تقريبا أصبح خارج نطاق الدولة».
ويشير هذا القائد المحلي الذي طلب عدم تعريفه حتى لا يتعرض للانتقام من المتطرفين: «جاء هؤلاء الناس إلى هنا.. مرة يطلقون على أنفسهم (أنصار الحق) ومرة (أنصار الدين)، وغالبية جنسياتهم من طوارق مالي، ومعروفون أيضا باسم (حركة الأزواد). وبعد أن وقع عليهم الضغط من الجزائر ومن فرنسا ومن مالي، العام الماضي، دخلوا علينا. والصحراء هنا واسعة.. دخلوا علينا عن طريق الحدود الهشة مع الجزائر والنيجر. ولهذا السبب هناك طائرات أجنبية دون طيار تدور مرة فوق مرزق ومرة فوق أوباري لمراقبة تحركات هذه الجماعات».
ويقول عدد من شهود العيان إن المتطرفين بدأوا ينشطون في الجنوب بعد أن بدأت تصلهم إمدادات من جماعة الإخوان، وأن بلمختار فرَّ إلى هنا أيضا، ويتنقل بين مناطق وادي عتبة وأوباري في المناطق الجبلية، كما أنه يدور بحُرِّية، مع أتباعه، في الصحراء بسيارات دفع رباعي عليها أعلام سوداء لتنظيم القاعدة، وذلك بعد أن كان يقيم في الجبال قرب بلدة غات القريبة من المثلث الحدودي بين النيجر والجزائر وليبيا.
ويضيف أحد رجال الأمن في مدينة أوباري: «في البداية كان عدد هؤلاء المتطرفين من أتباع (أنصار الحق)، صغيرا، لكن بمرور الوقت ازداد بشكل كبير. ربما أكثر من ألف مسلح». ووفقا لمعلومات أخرى فإن بلمختار يقود جماعته هنا وأصبح لا يخفي تحركاته، ويعمل على زيادة تنسيق الهجمات على البلدات المجاورة للحقول النفطية، لكسر شوكة «قوة حرس المنشآت» و«الغرفة الأمنية» التابعة للجيش، وله خطوط سير معروفة، بسياراته وعتاده، ويتردد في بعض الأحيان على خط السير الواقع بين مرزق وأوباري، والمعروف بطريق وادي عتبة - السبيطات.
وتعرف منطقة السبيطات الموجودة على بعد نحو 30 كيلومترا إلى الشمال الغربي من مدينة مرزق بأنها منطقة أبو يحيى الليبي الذي قتل في باكستان، ومنطقة شقيقه المتشدد الذي كان يشغل في البرلمان الإخواني السابق رئاسة لجنة إدارة الأزمات. ويقول أحد أبناء قبيلة الطوارق التي ينتمي إليها هذان الرجلان، إن المنطقة برمتها تحولت إلى وكر للمتطرفين.. «هذه المنطقة أصبح ينتشر فيها الإسلاميون على طول 200 كيلومتر، من مدينة مرزق حتى تصل لمدينة أوباري». ويضيف أن «(أنصار الحق)، أغلبهم شباب من الطوارق، من قبيلتنا، لكنهم انضموا للمتشددين وهم مع بلمختار، ويقيمون في الجبال، ويهبطون للحصول على التموين وعلى حاجاتهم، من المدن القريبة منهم، ثم يعودون للجبال مرة أخرى. وعددهم يقترب من الألف فعلا».
وفي الأيام الأخيرة توجهت نحو 85 سيارة مسلحة (دفع رباعي) من المجموعات المتطرفة التابعة لجماعة الإخوان، من مدينة سرت في الشمال، لتقديم الدعم للمتشددين في الجنوب. ويقول مصدر عسكري إن هذه الجماعات أصبحت، في الحقيقة، تستخدم مطار «تمنهند» العسكري الموجود قرب سبها، و«حولوه قاعدة لهم لإيصال باقي الإمدادات للجنوب، من أسلحة وعتاد، سواء من داخل ليبيا أو حتى من خارجها»، مشيرا إلى أن «هذا المطار يعد من المطارات الاستراتيجية، ولو تمكن الجيش الوطني من السيطرة عليه فإنه سيتمكن من ضرب أرتال المتشددين، ويُفشل مخططات الإخوان تجاه حقول النفط وتجاه مدينتي غات وأوباري وغيرهما.. هذا المطار الذي يحتوي أيضا على إمكانات للتصنيع الحربي، هو، في الحقيقة، بمثابة قاعدة عسكرية خطرة على ليبيا وعلى دول الجوار».
وعن حجم قوات الجيش التي يمكن أن تتصدى لوجود المتطرفين في الجنوب، يقول أحد القادة المحليين إنها تتكون من جنود غير محترفين غالبيتهم من قبيلة التبو، وإن كانوا يتلقون مساعدات غير مباشرة من قبيلتي المقارحة والقذاذفة الذين لا يريدون الظهور في الصورة «حتى لا يشيع الإخوان أن الحرب في الجنوب تدور بين الثوار وأنصار القذافي»، و.. «القذاذفة موجودون لكنهم لا يحبون الظهور على السطح لأنهم ضد الإسلاميين ولو شاركوا في المعارك ضدهم سيقوم الإخوان باستغلال هذا ويطلقون على الحرب أنها حرب ضد أزلام النظام السابق وعلم القذافي الأخضر»، مشيرا إلى أن «المتطرفين في الجنوب لا يمكن أن تقول إنهم يسيطرون على مساحات واسعة، ولكن المشكلة في البؤر الكثيرة التي أصبحوا يقيمونها هنا».
وتقول المعلومات العسكرية إن متطرفي الجنوب أصبح تحت أيديهم في الأيام الأخيرة «مدرعات حربية، وصواريخ»، لكن أحد قادة الجيش يجيب موضحا أنه «من السهل دحر تلك الميليشيات في حال توفر العتاد مثل ذخيرة الهاون 120 مم، والصواريخ الحرارية، والقذائف المضادة للدروع. كنا نقول إن فرنسا ربما تدخل ليبيا من أجل القبض على بلمختار لكنها لا يبدو أنها ستفعل ذلك». وفي السياق نفسه تحاول القبائل الجنوبية كالطوارق والتبو، مقاومة الانجرار إلى الاقتتال القبلي. وأعلن أعيان التبو قبل يومين أن ما يحدث في أوباري ليس اقتتاﻻ بين قبيلتين ولكنه بين قبيلة التبو وجماعة أنصار الحق الهاربة من شمال مالي.
وقبل أيام قليلة زاد ضغط المتطرفين للسيطرة على حقل الشرارة.. «هجموا على الحقل وسرقوا مجموعة سيارات»، مما دفع آمر حراسة المنشآت إلى إصدار قرار بمغادرة العاملين المدنيين، وإيقاف الإنتاج إلى حين تحسن الظروف الأمنية بالمنطقة».
ويقول يوسف غالي، وهو إعلامي من مدينة مرزق، إن قوات أنصار الحق استغلت فرصة تخلي عناصر الزنتان عن مواقعهم في حراسة المنشآت النفطية في الجنوب، وطلبت من القوات المتبقية (أغلبهم من التبو) إخلاء حقل الشرارة النفطي حتى تتولى هي حراسته، ومن ثمَّ نشبت معركة بين الطرفين.. إلا أن عددا من عقلاء المنطقة، من الطوارق والتبو، تدخلوا للفصل بين القوتين، وقرروا أن من يحق له حراسة الحقل لا بد أن يكون معه تكليف رسمي من الدولة، بحراسة المنشآت وأبناء التبو ليس لديهم مانع من ترك الحقل لجماعة أنصار الحق، بشرط وجود قرار بذلك من الجهات الرسمية (أي من البرلمان المعادي أصلا للمتطرفين).
وبعد أيام من هذا الاتفاق والتهدئة، قامت مجموعة «أنصار الحق» بدعم من جماعات متطرفة أخرى، مجددا بمحاولة لشل مدينة أوباري وإخضاعها لسلطتها، فقامت بمنع بيع الوقود في شوارع المدينة بالقوة، سواء في محطات البنزين أو في السوق السوداء. وفي عصر اليوم التالي أعلن أحد تجار التبو رفضه الانصياع لأوامر الجماعة، فوقعت مشادات استغلها المتطرفون في إدخال آليات مسلحة وسيطروا بالفعل على محطة الوقود الرئيسية. وفي الصباح الباكر، أي عندما حضر أعضاء الغرفة الأمنية المشتركة، لفتح المحطة، تصدى لهم عناصر أنصار الحق، وأمروهم بعدم الاقتراب منها، قائلين إنها أصبحت تحت حمايتهم. وفي هذه الأثناء، وحين كان أعضاء الغرفة الأمنية يتناقشون مع زملائهم حول حل القضية، توجهت مجموعة من «أنصار الحق» إلى مقر قسم الشرطة وكتبت عليه «فجر ليبيا» وشعارات أخرى مؤيدة لجماعة الإخوان. ويقول يوسف غالي: «حينها أدرك أعضاء الغرفة الأمنية أن هناك يدا خفية تريد السيطرة على أوباري».
وبدأت معركة جديدة لتحرير مركز شرطة المدينة من المتطرفين.. وتقدم جنود «القوة الأمنية» وحاصروا عناصر جماعة أنصار الحق داخل المركز، وبعد 4 ساعات من الاشتباكات جرى تحرير المبنى وقتل في هذه المعركة 4 من المتطرفين، وشخص واحد من «الغرفة الأمنية»، وعلى أثر ذلك بدأت الاشتباكات الكبيرة بين الطرفين في كل أنحاء المدينة، لعدة أيام. وفي محاولة لخلق فتنة قبلية، أطلق أحد أنصار الجماعة المتطرفة قذيفة هاون على ضاحية جكوي، التي يقطنها التبو، فرد التبو بقصف ضاحية تيلاقين التي يقطنها الطوارق، بالهاون.
وبعد ذلك تمركزت كتيبة تينري التي يرأسها متشددون إسلاميون، على سطح جبل تيندا المشرف على أوباري، وبدأوا في قصف المدينة بالكامل. وخلَّفت المعارك 8 قتلى من التشكيلات المسلحة للتبو (تابعة للجيش)، و28 جريحا بجروح متفاوتة، جرى نقلهم بطائرة من حقل الفيل النفطي، للعلاج في طبرق في الشمال. ولا توجد إحصاءات دقيقة عن عدد قتلى كتائب المتشددين. بينما كان عدد الأسرى من «الغرفة الأمنية» 14 مقاتلا بينهم 12 جرى إطلاق سراحهم واثنان ظلا مفقودين، إلا أنه عُثر على أحدهما، فيما بعد، مقتولا. وكان أسرى «أنصار الحق» 26 شخصا جرى إطلاقهم فيما بعد، حيث جرى توقع هدنة تنص على وقف إطلاق النار وإخلاء التشكيلات المسلحة داخل المدينة وسرعة علاج الجرحى وتبادل الأسرى بين الطرفين. لكن هذا النوع من التهدئة، كسابقيه، لم يصمد طويلا بسبب النشاط الدائب للجماعات المتطرفة متباينة الجنسيات، في حوض مرزق النفطي.
وفي الوقت الحالي يوجد ما يسمى «القوة الثالثة» لحماية الجنوب، وهي قوة مُشكَّلة، كما يقول قادة الجيش الوطني الليبي، من «قوات فجر ليبيا» بقيادة الإخوان، وتقوم بدعم كتيبة «أنصار الحق» وباقي تجمعات المتطرفين بمن فيهم الأجانب، بالعتاد والذخائر، وإمدادهم بالمساعدات الطبية، ونقل جرحاهم الذين يشاركون في القتال للسيطرة على حقول النفط، إلى منطقة الشاطئ الواقعة بعد سبها، بالسيارات المجهزة، ومن ثم إلى مطار معيتيقة الذي يسيطر عليه متطرفو الإخوان قرب طرابلس.
ويضخ حقلا الشرارة والفيل، من خلال أنابيب نفطية تأتي من أوباري ومرزق، وتخترق الصحراء، وتصب في مصفاة مليتة الموجودة في الشمال قرب مدينة الزاوية، ومن ثم يجري نقله عبر البحر المتوسط إلى إيطاليا فأوروبا. وينتج حقل الشرارة نحو 400 ألف برميل في اليوم، وتمتلك أصول الحقل المؤسسة الوطنية للنفط التي أصبحت تابعة للبرلمان الجديد، وتشاركها في الاستحواذ على أصول الحقل شركات توتال الفرنسية، وريبسول الإسبانية، و«أو إم في». النمساوية. أما حقل الفيل النفطي فيبلغ إنتاجه اليومي نحو 125 ألف برميل، وتستحوذ شركة إيني الإيطالية على حصة منه مع مؤسسة النفط الليبية.

يوميات الحرب الليبية (الحلقة الخامسة) خريطة ولاءات القبائل في الصراع مع المتطرفين
يوميات الحرب الليبية (الحلقة الرابعة): مقتل قيادات مهمة في أنصار الشريعة بينهم جزائريون ومصريون في معركة «جسر بنينة الأول»
يوميات الحرب الليبية (الحلقة الثالثة): زعيم «إمارة درنة» يتحصن بضاحية «لميس التركية» ويستخدم طيور الكناري لمراقبة هجمات الجيش
يوميات الحرب الليبية (2): «إخوان» ليبيا أسسوا جهاز مخابرات في طبرق.. وسعوا لاغتيال نواب من البرلمان الجديد ترصد خط النار بين مصراتة وبنغازي
يوميات الحرب الليبية (الحلقة الأولى): عناصر الأمن أكثر من المسافرين على حدود ليبيا.. وتحذير من «بوابات» للمتطرفين


اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.