إصرار «الجنائية الدولية» على تسلم سيف القذافي يقسّم الليبيين

بنسودا اعتبرت ما يحدث للمدنيين في طرابلس «جريمة حرب»

TT

إصرار «الجنائية الدولية» على تسلم سيف القذافي يقسّم الليبيين

تباينت ردود الفعل في الأوساط الليبية حول تقرير فاتو بنسودا، المدعية العامة بالمحكمة الجنائية الدولية، الذي رفعته إلى مجلس الأمن الدولي، واعتبرت فيه تعمّد قصف المواطنين بالعاصمة طرابلس «جريمة حرب»، كما تطرق إلى ضرورة تسليم سيف الإسلام القذافي، والقيادي بالنظام السابق التهامي خالد، بالإضافة إلى محمود الورفلي القائد بـ«الجيش الوطني».
وقالت عملية «بركان الغضب»، التابعة لحكومة «الوفاق»، وسكان مدنيون، أمس، إن قوات «الجيش الوطني» قصفت منازل المدنيين بشكل عشوائي، لكن قوات «الجيش الوطني» نفت ذلك، وقالت إن قوات «الوفاق» هي المتسبب الأول وراء القذائف الصاروخية التي تسقط على أحياء العاصمة.
وفي تقريرها مساء أول من أمس، علّقت المدعية العامة بالمحكمة الجنائية الدولية على ذلك، بقولها إن استهداف المواطنين غير المندمجين في الحرب بشكل مباشر «يعد جريمة حرب» بحسب نظام روما الأساسي، الذي يحظر أيضا «أي اعتداء مقصود ومباشر على المستشفيات، وغيرها من المقار والمواقع التي يحميها القانون الدولي، مثل المؤسسات الدينية والتعليمية».
وتحدثت بنسودا عن «الاعتقالات التعسفية وإساءة معاملة المهاجرين واللاجئين، الذين يعبرون الأراضي الليبية»، وقالت إن «مكتبها يواصل تخصيص الموارد للتحقيق في هذه القضايا». وطالبت مجدداً السلطات الليبية بتسليم سيف الإسلام القذافي، والقيادي بـ«الجيش الوطني» محمود الورفلّي، الذي تتهمه بقتل 33 شخصا، والتهامي خالد، أحد المسؤولين السابقين بالنظام السابق، وقالت إن «الإجراءات ضد القذافي الابن في المحاكم الليبية ليست نهائية، أخذاً بعين الاعتبار أن محاكمته كانت غيابية. وإذا سلم القذافي نفسه، أو اعتقل فإن القانون المحلي ينصّ على إعادة محاكمته، وإذا حكم عليه بالإعدام للمرة الثانية فستكون مراجعة محكمة النقض الليبية إلزامية». مشيرة إلى أن مذكرة اعتقال التهامي والورفلّي لم تُنفذ إلى الآن.
وقال وسام الورفلي، الذي يعمل خبيراً قضائياً بوزارة العدل بشرق البلاد، إن «ليبيا ليست عضواً في المحكمة الجنائية الدولية، ولم توقع على الانضمام إليها، ولذلك لا يحق لها أن تطالب بتسليم أشخاص سبق أن تمت مساءلتهم ومحاكمتهم في بلدانهم».
وأضاف الورفلي لـ«الشرق الأوسط» أنه طبقاً لقانون العفو العام، الذي بمقتضاه تم إطلاق سراح القذافي، فإن القضاء الليبي «هو صاحب الاختصاص الأصيل في محاكمة المواطنين... وبنسودا لم تكن منصفة في المطالبة بمن هم أكثر إجراماً في ليبيا».
بدوره، استنكر أحد مشايخ قبيلة الصيعان موقف المحكمة الجنائية بشأن مطالبتها بمحاكمة سيف الإسلام القذافي، وقال إن «القضاء الليبي سبق أن برأ (الدكتور) سيف من أي تهمة، إلى جانب تمتعه بقانون العفو العام، الذي صدّق عليه مجلس النواب المنتخب، وبالتالي ليس هناك ما يبرر هذه الترصد، سوى المصالح والعداء لأسرة (القائد) الذي اغتاله حلف الناتو». متابعاً: «لا بد أن تكف هذه الجهات يدها عن بلادنا (...) الليبيون يستطيعون إدارة شؤون بلادهم، دون وصايا من أطراف خارجية».
وبينما رحب مواطنون من مدن غرب البلاد بطلب المحكمة الدولية باعتقال الورفلي، والكشف عن مصير عضو مجلس النواب سهام سرقيوة، عبّر آخرون بشرق ليبيا عن رفضهم لتسليم الورفلي إلى أي جهة دولية، مؤكدين أنه «تمت محاكمته من قبل القضاء العسكري الليبي».
وكانت سرقيوة قد خطفت من منازلها على أيد مسلحين في مدينة بنغازي في 17 من يوليو (تموز) 2019 بعد ساعات من وصولها إلى بنغازي قادمة من القاهرة.
كما رأت المحكمة الجنائية الدولية في تقريرها أن «الاعتقال التعسفي في ليبيا ينتشر دون إجراءات قضائية، ودون الاستناد إلى دلائل قانونية، ويُحرم الموقوفون من تمثيل قانوني، ويتعرّضون لخطر سوء المعاملة، بما في ذلك القتل والتعذيب والاغتصاب، وغيرها من أشكال العنف الجنسي. ويموت معتقلون بسبب التعذيب، أو بسبب عدم وجود الرعاية الصحية الكافية وفي الوقت المناسب لإسعافهم».
وقالت بنسودا إن «هذه الجرائم تحدث في كثير من السجون في جميع أنحاء ليبيا، مثل سجن الكويفية وقرنادة في شرق ليبيا، وسجن معيتيقة في طرابلس، الذي تديره ما تسمى قوة الردع الخاصة التابعة لوزارة الداخلية في حكومة (الوفاق)». مبرزة أن معتقلين سابقين في ليبيا تحدثوا «عن أساليب تعذيب وحشية، وتعرّض رجال ونساء وأطفال للاغتصاب والعنف الجنسي»، مما يستلزم «إجراء إصلاحات جادة وعاجلة في كثير من سجون ليبيا».



الإرياني يتهم الحوثي بالعيش في «غيبوبة سياسية» غداة تهديده المنادين بسيناريو سوريا

زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
TT

الإرياني يتهم الحوثي بالعيش في «غيبوبة سياسية» غداة تهديده المنادين بسيناريو سوريا

زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)
زعيم الحوثيين ظهر في أحدث خطبه متشنجاً وحاول طمأنة أتباعه (إ.ب.أ)

تعليقاً على الخطبة الأخيرة لزعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، والتي حاول فيها ترهيب اليمنيين من الانتفاضة ضد انقلاب جماعته على غرار ما حدث في سوريا، بشّر وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني باقتراب ساعة الخلاص من طغيان الانقلابيين في بلاده، وقال إن تلك الخطبة تؤكد أن الرجل «يعيش حالة من الغيبوبة السياسية، ولا يرى ما يحدث حوله».

وكان الحوثي حاول في أحدث خطبه، الخميس الماضي، أن يطمئن جماعته بأن الوضع في اليمن يختلف عن الوضع السوري، مراهناً على التسليح الإيراني، وعلى عدد المجندين الذين استقطبتهم جماعته خلال الأشهر الماضية تحت مزاعم محاربة أميركا وإسرائيل ومناصرة الفلسطينيين في غزة.

معمر الإرياني وزير الإعلام والثقافة والسياحة في الحكومة اليمنية (سبأ)

وقال الإرياني في تصريح رسمي: «إن المدعو عبد الملك الحوثي خرج من كهفه بخطاب باهت، مرتبك ومتشنج، في محاولة بائسة لترهيب اليمنيين، وتصوير ميليشياته الإيرانية كقوة لا تُقهر».

وأضاف أن تلك الخطبة «تؤكد مرة أخرى أن زعيم الميليشيا الحوثية يعيش حالة من الغيبوبة السياسية، لا يرى ما يحدث من حوله، ولا يدرك حجم الزلزال الذي ضرب المنطقة وأدى إلى سقوط المشروع التوسعي الإيراني، الذي سُخرت له على مدار أربعة عقود الإمكانات البشرية والسياسية والإعلامية والاقتصادية والعسكرية والدينية، وارتداداته القادمة على اليمن بكل تأكيد».

وأشار وزير الإعلام اليمني إلى أن الحوثي بدلاً من الاعتراف بأخطائه وخطاياه، والاعتذار والبحث عن مخرج له ولعصاباته، خرج ليهدد اليمنيين مجدداً بسفك دمائهم، مُكرراً مفردات التهديد والتخويف التي سبق أن استخدمها حسن نصر الله زعيم «حزب الله» ضد اللبنانيين والقوى السياسية اللبنانية.

وتساءل الإرياني بالقول: «ألم يردد حسن نصر الله، زعيم ميليشيا (حزب الله)، نفس الكلمات والوعيد؟ أين هو اليوم؟ وأين تلك (القوة العظيمة) التي وعد بها؟».

خطاب بائس

تحدث وزير الإعلام اليمني عن اقتراب ساعة الخلاص من الانقلاب، ووصف الخطاب الحوثي بـ«البائس»، وقال إنه يعكس واقعاً متجذراً في عقلية التطرف والعنف التي يُروج لها محور طهران، ويُظهر مدى تماهي الحوثي مع المشروع الإيراني المزعزع للأمن والاستقرار في المنطقة، وأضاف: «إن ما يمر به الحوثي اليوم هو مجرد صدى لما مر به نصر الله وغيره من زعماء الميليشيات المدعومة من إيران».

مسلح حوثي خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

ونوّه الإرياني إلى أن البعض كان ينتظر من زعيم الميليشيا الحوثية، بعد سقوط المحور الفارسي والهزيمة المُذلة لإيران في سوريا، التي كانت تمثل العمود الفقري لمشروعها التوسعي في المنطقة، و«حزب الله» خط دفاعها الأول، أن يخرج بخطاب عقلاني يعتذر فيه لليمنيين عن الانقلاب الذي أشعل نار الحرب، وعن نهر الدماء والدمار والخراب الذي خلّفه، وعن الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها بحقهم على مدى السنوات الماضية.

وتابع الوزير اليمني بالقول: «على عبد الملك الحوثي أن يعلم أن ساعة الخلاص قد اقتربت، فقد بات اليمنيون الذين عانوا الويلات منذ عقد من الزمان، وسُفكت دماؤهم ونهبت أموالهم، وهُتكت أعراضهم، وشهدوا بأم أعينهم أسوأ أنواع التعذيب والانتهاكات في المعتقلات السرية، أكثر إصراراً من أي وقت مضى على تحرير وطنهم من قبضة ميليشياته الفاشية، ولن يفوتوا هذه اللحظة التاريخية، وسيبذلون الغالي والنفيس لتحرير وطنهم والحفاظ على هويتهم الوطنية والعربية».

مفاجآت سارة

أكد الإرياني أن المستقبل يحمل النصر لليمنيين، وأن الأيام «حبلى بالمفاجآت السارة» - وفق تعبيره - وأن مصير الميليشيات الحوثية لن يكون مختلفاً عن باقي الميليشيات الإيرانية في المنطقة. وشدد الوزير على أن اليمن لن يكون إلا جزءاً من محيطه العربي، وسيظل يقاوم ويواجه الظلم والطغيان والتسلط حتى يستعيد حريته وسيادته، مهما كلف ذلك من تضحيات.

اليمنيون يأملون سقوطاً قريباً لانقلاب الجماعة الحوثية المدعومة من إيران (إ.ب.أ)

وأضاف الوزير بالقول: «الشعب اليمني، الذي دفع ولا يزال أثماناً باهظة في معركة البقاء، لن يتوانى عن دفع المزيد من التضحيات لإعادة وطنه حراً مستقلاً خالياً من النفوذ الإيراني التخريبي، وتحقيق النصر والتحرر والكرامة».

يشار إلى أن الأحداث المتسارعة في سوريا التي قادت إلى سقوط نظام بشار الأسد فتحت باب التطلّعات في اليمن نحو سيناريو مشابه يقود إلى إنهاء انقلاب الجماعة الحوثية المدعومة من إيران بأقل التكاليف، خصوصاً بعد الضربات التي تلقتها طهران في لبنان، وصولاً إلى طي صفحة هيمنتها على دمشق.