سنوات السينما: Vertigo‪ (‬1958‪)‬‬‬‬‬

كيم نوفاك وجيمس ستيوارت في «فرتيغو»
كيم نوفاك وجيمس ستيوارت في «فرتيغو»
TT

سنوات السينما: Vertigo‪ (‬1958‪)‬‬‬‬‬

كيم نوفاك وجيمس ستيوارت في «فرتيغو»
كيم نوفاك وجيمس ستيوارت في «فرتيغو»

Vertigo‪ (‬1958‪)‬‬‬‬‬ (تحفة)

واحد من «هيتشكوكيات» هيتشكوك هو لغز المرأة المفقودة. المرأة التي تظهر وتختفي كما الحال في «السيدة تختفي» (1938) أو تظهر ثم تختفي ثم تظهر في مكان آخر كما في «شمال شمالي غرب» (1959) أو التي يـُراد لها أن تختفي («غريبان في القطار» - 1951) أو تلك التي تـُقتل أمامنا بعد ظهورها بدقائق («سايكو» - 1960 و«فرنزي» - 1972) وماذا عن المرأة التي تعود، في مطلع الفيلم، بعد سنوات غياب كما في «طيور» (1963)؟
يفتح «فرتيغو»، الذي انتخبه أكثر من 150 ناقداً سينمائياً عالمياً الرقم الأول في قائمة أفضل أفلام التاريخ، بـ«كلوز أب» على وجه امرأة. الشفتان. العينان. النظرات المتوتّـرة. الوجه يبقى بلا تحديد للمشاعر التي تختفي وراءه. وبعد ذلك هناك خطوط دائرية تلتف حول نفسها تبدو كما لو كانت خارجة من وجه المرأة إلى وجه المشاهد. دوراناً يرمز للعنوان كما للحالة النفسية الغامضة التي سنراها.
هذه امرأة في أزمة، لكننا سنشاهد أن الأزمة من نصيب التحري سكوتي (جيمس ستيوارت) الذي - بعد مشهد تمهيدي رائع - اعتزل العمل البوليسي ولو أن هذا العمل لن يتركه بسلام. لقد طلب منه صديق قديم أن يقتفي أثر زوجته مادلين (كيم نوفاك) لأنه قلق عليها «لا تبدو سعيدة»، يقول له مفسراً بعض حالاتها. يوافق سكوتي على مضض من دون أن يعرف ما الذي سيحدث له بسبب هذه المهمة.
هي من الآن وصاعداً كل شيء في حياته. يلاحقها متسائلاً عما يعصف بها. لماذا هي وحيدة ومنعزلة. لمن تشتري الورود ولمن هو ذلك القبر الذي تضع الورود عليه. ذات يوم يتبعها وقد قادت سيارتها إلى «غولدن بريدج» (تقع الأحداث في مدينة سان فرانسيسكو) ويشاهدها وهي تقف عند حافة البحر ثم ترمي نفسها بغاية الانتحار.
يهرع إليها مشدوهاً بما هو أكثر من واجبه لإنقاذها. لقد وقع في مصيدة حبّها من دون أن يدرك أنها كانت تعلم بوجوده وأن كل حركاتها مخطط لها بما في ذلك تمثيلية انتحارها بإلقاء نفسها لاحقاً من برج الكنيسة.
بعد اعتقاده بأنها ماتت يعصف به الحزن، لكن فجأة ومن دون موعد يلتقي بمن تشبهها دون أن يدري أنها هي. الآن تدعي أنها امرأة أخرى. سكوتي يحاول أن يغيّر من شكلها وملابسها وزينتها لكي تصبح مادلين قبل أن تعترف له بأنها هي مادلين ذاتها وأنه كان ضمن لعبة صديقه الذي أراد التخلص من زوجته الحقيقية.
هنا علينا الرجوع إلى المشهد الأول من الفيلم لسكوتي وهو معلّق على حافّـة سطح بناية عالية خلال مطاردته لشخص آخر. حين يمد شرطي يصاحبه يده لكي يرفعه يهوى الشرطي ويبقى سكوتي معلقاً. كيف استطاع سكوتي النجاة وهو بالكاد قادر على الحفاظ على وضعه ذاك؟ هل مات أم أن ما نراه لم يحدث؟ هل نحن جزء من التوليفة وقد انطلت علينا النكتة الهيتشكوكية؟
يلعب الفيلم طبعاً في فوبيا الخوف من الارتفاعات الشاهقة. مشهد البداية يؤسس ذلك، ثم ها هو سكوتي يخفق في إنقاذ مادلين عندما تسبقه إلى أعلى البرج لأنه توقف عن الصعود وراءها بسبب خوفه، مما أتاح لها تمثيل سقوطها.
الخوف من المرتفعات الشاهقة شوهد في أفلام سابقة لهيتشكوك. في «شمال شمالي غرب» (1959) تقع المطاردة الأخيرة فوق جبل روشمور حيث تماثيل رؤساء أميركيين. وفي «مخرّب» (1942) تقع في أعلى تمثال الحريّة. في الفيلمين محاولة بطل الفيلم (غاري غرانت في الأول وروبرت كمينغز في الثاني) يتدليان من فوق نقطة شاهقة الارتفاع. لكن هذه التفعيلة في «ڤرتيغو» ليست مجرد مواقف نهائية… إنها بداية. مفتاح لغز لم يستطع أحد سوى هيتشكوك الإمساك به.


مقالات ذات صلة

فيصل الأحمري لـ«الشرق الأوسط»: لا أضع لنفسي قيوداً

يوميات الشرق فيصل الأحمري يرى أن التمثيل في السينما أكثر صعوبة من المنصات (الشرق الأوسط)

فيصل الأحمري لـ«الشرق الأوسط»: لا أضع لنفسي قيوداً

أكد الممثل السعودي فيصل الأحمري أنه لا يضع لنفسه قيوداً في الأدوار التي يسعى لتقديمها.

أحمد عدلي (القاهرة)
يوميات الشرق يتيح الفرصة لتبادل الأفكار وإجراء حواراتٍ مُلهمة تتناول حاضر ومستقبل صناعة السينما العربية والأفريقية والآسيوية والعالمية (واس)

«البحر الأحمر السينمائي» يربط 142 عارضاً بصناع الأفلام حول العالم

يربط مهرجان البحر الأحمر 142 عارضاً من 32 دولة هذا العام بصناع الأفلام حول العالم عبر برنامج «سوق البحر الأحمر» مقدماً مجموعة استثنائية من الأنشطة.

لقطة من فيلم «عيد الميلاد» (أ.ب)

فيلم «لاف أكتشلي» من أجواء عيد الميلاد أول عمل لريتشارد كيرتس

بعد عقدين على النجاح العالمي الذي حققه الفيلم الكوميدي الرومانسي «لاف أكتشلي» المتمحور حول عيد الميلاد، يحاول المخرج البريطاني ريتشارد كورتس تكرار هذا الإنجاز.

«الشرق الأوسط» (لندن)
سينما أغنييشكا هولاند (مهرجان ڤينيسيا)

أغنييشكا هولاند: لا أُجمّل الأحداث ولا أكذب

عد أكثر من سنة على عرضه في مهرجاني «ڤينيسيا» و«تورونتو»، وصل فيلم المخرجة البولندية أغنييشكا هولاند «حدود خضراء» إلى عروض خاصّة في متحف (MoMA) في نيويورك.

محمد رُضا (نيويورك)
يوميات الشرق من كواليس فيلم «المستريحة» (إنستغرام ليلى علوي)

أفلام مصرية جديدة تراهن على موسم «رأس السنة»

تُراهن أفلام مصرية جديدة على موسم «رأس السنة»، من خلال بدء طرحها في دور العرض قبيل نهاية العام الحالي (2024)، وأبرزها «الهنا اللي أنا فيه»، و«الحريفة 2».

داليا ماهر (القاهرة)

«مندوب الليل» لعلي الكلثمي يفوز في لوس أنجليس

 مندوب الليل (آسيا وورلد فيلم فيستيڤال)
مندوب الليل (آسيا وورلد فيلم فيستيڤال)
TT

«مندوب الليل» لعلي الكلثمي يفوز في لوس أنجليس

 مندوب الليل (آسيا وورلد فيلم فيستيڤال)
مندوب الليل (آسيا وورلد فيلم فيستيڤال)

في حين ينشغل الوسط السينمائي بـ«مهرجان القاهرة» وما قدّمه وما نتج عنه من جوائز أو أثمر عنه من نتائج وملاحظات، خرج مهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال» المقام في لوس أنجليس بمفاجأة رائعة ترفع من أهميّته غير المحسوبة في إعلامنا العربي ومنهج صنع الفيلم العربي عموماً.

يوم الخميس، أغلق المهرجان الآسيوي دورته الجديدة بإعلان فوز فيلم «مندوب الليل» بجائزته الكبرى. الفيلم هو أول أعمال المخرج السعودي علي الكلثمي، وعند الناقد كاتب هذه السطور، هو أفضل فيلم سعودي طويل خرج في الأشهر الاثني عشر الماضية.

حين رشّحته للمهرجان المذكور، اتصل بي رئيسه جورج شمشوم معبّراً عن دهشته: «أذهلتني جودة الفيلم حرفة وموضوعاً. كانت مفاجأة كبيرة لي بعدما سمعت عن كثيرٍ من الأفلام السعودية الجديدة، وكيف أنها باتت تُسهم في تغيير السائد والتقليدي. مع ذلك، فإن هذا الفيلم كان روعة».

لمن لم يسمع به من قبل أو سمِع به ولم يشاهده، «مندوب الليل» هو عن شاب (الجيد محمد الدوخي) يُطرد من عمله في شركة اتصالات هاتفية إثر مشادة بينه وبين مسؤوليه. والده مُعتل وشقيقته مطلّقة عادت لبيت أهلها مع طفلها. سيجد عملاً بصفته مندوب توصيل البيتزا. لكنه يكتشف طريقة أخرى للثراء وهي، سرقة مؤونة من الكحول المخبأة التي يبيعها أصحابها للأثرياء. بذلك يضع قدميه عند نقطة تحوّلٍ واعدة غير مدركٍ مغبّة ما قام به وكيف سيضع نفسه وأهله في خطر جسيم.

فوز ناصع

الفيلم ليس قصّة بوليسية، لكنه قصّة تشويقية، والتشويق فيه مُحكم. فيلم متقن كتابة وإخراجاً وتأليفاً وتصويراً وتمثيلاً ومصمم بدقة. مُعالج بدراية وفعّال في عرض التفاصيل بذكاء. وهو نتيجة رائعة لعملية لا بدّ استغرقت كثيراً من التّصميم المُسبق والتنفيذ.

لجانب هذا الفوز الناصع لا يجب أن ننسى أن العام الآيل إلى الرحيل خلال 40 يوماً من الآن، شهد اشتراك السينما السعودية في إحدى مسابقات مهرجان «كان» رسمياً لأول مرّة. الفيلم هو عملٌ جيّد آخر، لكن من وزن مختلف، عنوانه «نورة» ومخرجه هو الطموح توفيق الزايدي.

الاشتراك السعودي الرسمي في «مهرجان القاهرة» الذي يُنهي أعماله مساء الجمعة تَوزّع بين فيلمين هما، «ثقوب» لعبد المحسن الضبعان، و«فخر السويدي» لثلاثة مخرجين هم هشام فتحي وعبد الله بامجبور وأسامة صالح.

هذا الكم لا يوقف المد القادم: حديثٌ عن اشتراك سعودي مقبل في «مهرجان برلين» في فبراير (شباط) 2025، وتحضيرٌ مبكر لجعل الدورة المقبلة من «كان» مايو (أيار) تُنجز أكثر ممّا أنجزت الدورة الماضية من حضورٍ كمي ونوعي كبيرين.

محمود حميدة و«الفن السابع»

كُتب وتكريمات

بالنسبة لـ«مهرجان القاهرة»، هناك محاورٌ عدّة للحكم له أو عليه. هو واحد من المهرجانات العربية التي تقع في الربع الأخير من كل عام. هذا يصلح كمسافة زمنية تمنح المهرجان فرصة عمل لجمع وتجميع أفلام من كل حدبٍ وصوب، لكنه توقيت يحرمه من أن يكون منصّة انطلاق لأي غاية. لا يخرج فيلم من هنا ليجوب العالم. حتى الفيلم الذي يربح جائزة كبرى فإن حدود جائزته تنتهي مع إقلاع المخرج عائداً إلى بلده.

هذا ليس شأنه فقط، بل شأن كلّ المهرجانات العربية تقريباً باستثناء «مهرجان البحر الأحمر» ولو إلى حدٍ. هو أصبح محطة انطلاق، على الرغم من وجوده في هذا الرُّكن الزمني من السنة، وذلك لأنه حرص على عرض أفلام سعودية تستطيع الانطلاق منه والسفر كونها في الأساس جيدة وتستحق. عاملٌ آخر هو أن الغرب بات يعرف أن السعودية أصبحت لاعباً ثقافياً وفنياً واضحاً. ما عاد الرِّهان عليه، بل على ارتفاع شأنه مستقبلاً.

ما هو عبثي في كثير من المهرجانات العربية، أن تلك التي تُوزّع التكريمات والاحتفاءات باتت أمام مفترق طرق: لقد كُرّم معظم الحاضرين والذين كانوا حاضرين وقت تكريمهم. هناك آخرون يستحقون (كُتاب سيناريو، مديرو تصوير، مؤلفو موسيقى، ممثلون ونقاد ومؤرخون) لكن أحداً قلّما شعر بهم.

«فخر السويدي» (مهرجان القاهرة السينمائي)

على «مهرجان القاهرة» أن ينفض عنه الالتزام بالواجب لأنه واجب، وأن يبحث في طيّات السينمات العربية عمن يستحق «تكريمه» فعلاً.

ما هو لافت كذلك في «مهرجان القاهرة» أكثر من سواه، هو إصداره كتباً سينمائية. هذه عادة توقّفت عنها غالبية مهرجانات العالم الرئيسية منذ عقود، مدركة أن كتب الاحتفاء لم تعد تأتي بجديد يُضاف إلى ما صدر عن كلّ محتفى به.

يمكن للمهرجان المصري إصدار كتابٍ قيّم واحد عوض ثلاثة أو حتى اثنين.

خلال العام الحالي أصدر المهرجان كتاباً مميّزاً ومهمّاً من إعداد ناجي فوزي بعنوان «مختارات من الفن السابع». وكانت مجلة «الفن السابع» السينمائية الرائعة التي أسسها محمود حميدة في عام 1997 قد سدّت ثغرة كبيرة آنذاك في ثقافة الفيلم المطبوعة.

الكتابان الآخران هما «حلم عز» لرامي المتولّي و«سينما يسري نصر الله» لأحمد عزّت عامر. الأول لا يعدو عن بضع صفحات لممثل لم يختم بعد عقداً واحداً من شهرته، والثاني لمخرج يستحق كتاباً يحلّل أفلامه ما لها وما عليها. كتاب من المهرجان لأي مخرج أو سينمائي، يعني انحيازاً للإيجابيات فقط.

عدم إصدارها في الغرب لا يعني أنه قرار صائب، خصوصاً أن البديل لدينا يجب أن يكون مختلفاً وهناك كثير من الأفكار في هذا الشأن.