الشيف أنطونيو ميللينو.. سفير نكهات «أمالفي» إلى لندن

في جعبته حب إيطاليا ونجمتا «ميشلان»

الشيف أنطونيو ميللينو
الشيف أنطونيو ميللينو
TT

الشيف أنطونيو ميللينو.. سفير نكهات «أمالفي» إلى لندن

الشيف أنطونيو ميللينو
الشيف أنطونيو ميللينو

اعتدت على مقابلة طهاة عالميين، والشيء الذي يجمع بينهم هو حبهم للطهي، وتأثرهم بأمهاتهم، وتحضير أطباقهم بحب.
ولو أن لكل منهم شخصيته وطريقته في الكلام أو عدم الكلام، فبعضهم متحدثون جيدون يعشقون التكلم عن الطهي والمطبخ، والبعض الآخر لا يمكنهم إلا الطهي والوجود في المطبخ، فتجد الحديث معهم صعبا ومملا.
ولكن وخلال مقابلتي الشيف الإيطالي أنطونيو ميللينو تعرفت إلى فئة جديدة من الطهاة، فئة مجنونة وعفوية وتسمي الأشياء باسمها ولا تخاف التحدي في عقر دار المنافسة.
الشيف ميللينو هو بالأصل من مدينة نابولي، ويملك مطعم «كواترو باسي» في «ماسا لوبرينزي» عند ساحل أمالفي الساحر في إيطاليا، حصل على نجمتي «ميشلان» للتميز، ولا يزال يحافظ عليهما بفخر وامتنان.
انتقل إلى لندن نهاية الصيف الماضي بعد افتتاح مطعمه «كواترو باسي لندن»، الذي أخذ من «دوفر ستريت» في منطقة مايفير عنوانا أنيقا له.
الشيف أنطونيو لا يشبه الطهاة العاديين، فهو أقرب لأن يكون عازفا موسيقيا، أو مؤلفا موسيقيا، فخصلات شعره الأبيض غير المنتظمة تعكس جنونه، فهو أشبه بالموسيقار الإيطالي ماسيمو فيديلي.. صوته عال يصدح في أرجاء مطعمه الراقي والواسع.. ابتسامته عريضة، ويشهق بحبه لإيطاليا وأطباقها، ولا أحد يستطيع أن يلومه على هذا الولع.
في بداية حديثنا تكلمنا عن نقلته إلى لندن، فشرح بأن هناك رجل أعمال روسيًّا من الزبائن الدائمين في مطعمه في ساحل أمالفي أقنعه بالمجيء إلى لندن، والاستثمار معه في مشروع جديد، وكانت النتيجة افتتاح المطعم في لندن، وقال ميللينو إن لندن قريبة من إيطاليا جغرافيا، وهذا ما ساعده على قبول العرض، لأنه لا يستطيع التخلي عن الطهي بمنتجات جيدة من إيطاليا، ومسافة البلدين تساعد على استيراد المنتجات مثل زيت الزيتون والطماطم وحتى الملح 3 مرات في الأسبوع من مزارع خاصة في إيطاليا.
ووصف لندن بالمدينة الكبيرة الصغيرة، لأن زبائنه عبارة عن مجموعة من محبي الطعام الجيد وبعضهم كأن يأتي من لندن عبر اليخوت إلى ساحل أمالفي لتذوق أطباقه، واليوم أصبح بإمكانهم المجيء إلى فرعه اللندني طيلة فترة الشتاء، لأن الفرع الأساسي في أمالفي يغلق أبوابه طيلة هذا الموسم، وعندما يعاد افتتاح «كواترو باسي» في أمالفي في الصيف سيتنقل ميللينو ما بين لندن والساحل الإيطالي.

* المنافسة

* وعن المنافسة مع باقي العناوين الإيطالية المخصصة للذواقة في لندن، رد ميللينو بأن المنافسة لا توجد في قاموسه، لأنه يعتبر أن لكل مطعم رواده ولكل طاه أسلوبه، وأن لندن عاصمة الذواقة ولا حاجة للمنافسة، إنما يجب التركيز على التنويع.
وعن نجمتي «ميشلان» اللتين في جعبته، قال ميللينو إنه يشعر بالفخر، خاصة أن حصوله على النجمتين كان بسبب عمله الدؤوب، فهو لم يسعَ إليهما، إنما يسعى للحفاظ عليهما لأنها مسؤولية مهمة تجاه اسمه وزبائنه.

* بداية ميللينو

* بدأ ميللينو كانت في مطعم صغير بمنطقة نابولي، وكان متخصصا في تحضير البيتزا، واشتهر في ذلك المحل الصغير، لينتقل بعدها إلى فرنسا وإسبانيا لاكتساب الخبرة. وبحسب خبرته، فإن مطعم البيتزا يجب أن يقدم البيتزا فقط لا غير، ويعتقد أن فلسفته في الطهي هي التفريق بين البيتزا وباقي الأطباق الإيطالية الأخرى، لأنه يرى أن البيتزا لها تقنيتها في التحضير ويجب أن تحضر بعناية كبرى.
وبلكنة إيطالية واضحة مفعمة بالحيوية، اعترف ميللينو بأن البيتزا في نابولي هي الأفضل في العالم كله.
وعن تنقله بين لندن وساحل أمالفي، قال ميللينو إن ابنيه (طاهيان أيضا) سيقومان بتولي المطبخ في مطعمه بلندن خلال فترة وجوده في إيطاليا.

* والدته مثله الأعلى

* وأخبرنا ميللينو عن والدته التي كانت المثل الأعلى بالنسبة له في مجال الطهي، وكانت طاهية بارعة، تعلم منها الكثير منذ أن كان في سن الرابعة عشرة، ولا يزال يحافظ على كثير من وصفاتها ويطورها في مطعمه. وأخبرنا كيف كانت تقوم والدته بتحضير الأطباق للمصطافين الإيطاليين الذين كانوا يقضون فترة إجازاتهم الصيفية في ربوع نابولي والساحل الإيطالي، وتأثر كثيرا بطريقة تحضيرها الأطباق، ولا يزال يحتفظ بالكثير من وصفاتها الخاصة.
يعمل في مطمعه في لندن 20 عاملا، ويتولى الشيف أليساندرو المطبخ إلى جانبه.
وعن المطابخ المفضلة لديه، يقول إن المطبخ الفرنسي رائع، ولو أن أطباقه دسمة، ولكن الطهاة الفرنسيين يسعون حاليا إلى التقليل من استخدام الدهن المفرط فيها، وقارن المطبخ الفرنسي بالمطبخ الإيطالي، مشيرا إلى أن هذا الأخير يعتمد على القلب والحب في تحضيره، في حين أن المطبخ الفرنسي يعتمد على طريقة التقديم والتقنية الخاصة به.
وعن تجربته اللندنية لفتني قوله: «أنا أعمل بكل جهدي لنجاح مطعمي في لندن، فأنا لست رجل أعمال، ومهمتي الطهي وتقديم الأفضل، يبقى علينا العمل بجد والانتظار».

* أطباق ميللينو

* عن أطباقه، يقول ميللينو إنه يغير لائحة الطعام في مطعمه بحسب المواسم، وحاليا يكثر من استخدام الكمأة السوداء التي تعتبر من فصيلة الفطر غالي الثمن الذي يصعب وجوده، وهو في موسمه الأفضل الآن، ويستعمله في أطباق الباستا، كما شدد ميللينو على الأطباق البسيطة المليئة بالنكهات، فبرأيه أن الأطباق الإيطالية يتحتم أن تكون بسيطة ومفعمة بالمذاق الجيد، ويجب عدم الخلط في المنتجات فيها للحفاظ على المكونات.
وعن رأيه في «المطبخ الجزيئي»Molecular Cuisine السائد في فرنسا وبعض مطاعم لندن والعالم، رد الشيف ميللينو بعنف قائلا: «هذا هراء، واستخفاف بالمطبخ والطهي، وهذا النوع من الطهي مؤقت، ونوع من الموضة، وسيأتي يوم يتوقف فيه»، غير أن رأيه كان أقل حدة عندما سألناه عن مطبخ «الفيوجن» Fusion أو «الخليط»، فقال: «أنا مع هذا النوع من المطبخ ما دام الطاهي يملك ذائقة صائبة ويعرف كيف يمزج بين النكهات، وإلا فإن الـ(فيوجن/ الخلط) يتحول إلى (كونفيوجين/ تخبط) Confusion».



«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
TT

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)

من غزة إلى القاهرة انتقل مطعم «أبو حصيرة» الفلسطيني حاملاً معه لمساته في الطهي المعتمد على التتبيلة الخاصة، وتنوع أطباقه التي تبدأ من زبدية الجمبري والكاليماري إلى الفسيخ بطريقة مختلفة.

وتعتبر سلسلة المطاعم التي تحمل اسم عائلته «أبو حصيرة» والمنتشرة بمحاذاة شاطئ غزة هي الأقدم في الأراضي الفلسطينية، لكن بسبب ظروف الحرب اتجه بعض أفراد العائلة إلى مصر؛ لتأسيس مطعم يحمل الاسم العريق نفسه، وينقل أطباق السمك الحارة المميزة إلى فضاء جديد هو مدينة القاهرة، وفق أحمد فرحان أحد مؤسسي المطعم.

«صينية السمك من البحر إلى المائدة»، عنوان إحدى الأكلات التي يقدمها المطعم، وهي مكونة من سمك الـ«دنيس» في الفرن بالخضراوات مثل البقدونس والبندورة والبصل والثوم والتوابل، وإلى جانب هذه الصينية تضم لائحة الطعام أطباق أسماك ومقبلات منوعة، تعتمد على وصفات قديمة وتقليدية من المطبخ الفلسطيني. وتهتم بالنكهة وطريقة التقديم على السواء، مع إضفاء بعض السمات العصرية والإضافات التي تناسب الزبون المصري والعربي عموماً؛ حيث بات المطعم وجهة لمحبي الأكلات البحرية على الطريقة الفلسطينية.

على رأس قائمة أطباقه السمك المشوي بتتبيلة خاصة، وزبدية الجمبري بصوص البندورة والتوابل وحبات القريدس، وزبدية الجمبري المضاف إليها الكاليماري، والسمك المقلي بدقة الفلفل الأخضر أو الأحمر مع الثوم والكمون والليمون، وفيليه كريمة مع الجبن، وستيك، وجمبري بصوص الليمون والثوم، وجمبري بالكريمة، وصيادية السمك بالأرز والبصل والتوابل.

فضلاً عن قائمة طواجن السمك المطهو في الفخار، يقدم المطعم قائمة متنوعة من شوربات السي فود ومنها شوربة فواكه البحر، وشوربة الكريمة.

يصف محمد منير أبو حصيرة، مدير المطعم، مذاق الطعام الفلسطيني لـ«الشرق الأوسط»، قائلاً: «هو أذكى نكهة يمكن أن تستمتع بها، ومن لم يتناول هذا الطعام فقد فاته الكثير؛ فالمطبخ الفلسطيني هو أحد المطابخ الشرقية الغنية في منطقة بلاد الشام، وقد أدى التنوع الحضاري على مر التاريخ إلى إثراء نكهته وطرق طبخه وتقديمه».

أطباق سي فود متنوعة يقدمها أبو حصيرة مع لمسات تناسب الذوق المصري (الشرق الأوسط)

وأضاف أبو حصيرة: «وفي مجال المأكولات البحرية يبرز اسم عائلتنا التي تتميز بباع طويل ومميز في عالم الأسماك. إننا نتوارثه على مر العصور، منذ بداية القرن الماضي، ونصون تراثنا الغذائي ونعتبر ذلك جزءاً من رسالتنا».

«تُعد طرق طهي الأسماك على الطريقة الغزاوية خصوصاً حالة متفردة؛ لأنها تعتمد على المذاق الحار المميز، وخلطات من التوابل، والاحتفاء بالطحينة، مثل استخدامها عند القلي، إضافة إلى جودة المكونات؛ حيث اعتدنا على استخدام الأسماك الطازجة من البحر المتوسط المعروفة»، وفق أبو حصيرة.

وتحدث عن أنهم يأتون بالتوابل من الأردن «لأنها من أهم ما يميز طعامنا؛ لخلطتها وتركيبتها المختلفة، وقوتها التي تعزز مذاق أطباقنا».

صينية أسماك غزوية يقدمها أبو حصيرة في مصر (الشرق الأوسط)

لاقت أطباق المطعم ترحيباً كبيراً من جانب المصريين، وساعد على ذلك أنهم يتمتعون بذائقة طعام عالية، ويقدرون الوصفات الجيدة، والأسماك الطازجة، «فنحن نوفر لهم طاولة أسماك يختارون منها ما يريدون أثناء دخول المطعم».

ولا يقل أهمية عن ذلك أنهم يحبون تجربة المذاقات الجديدة، ومن أكثر الأطباق التي يفضلونها زبدية الجمبري والكاليماري، ولكنهم يفضلونها بالسمسم أو الكاجو، أو خليط المكسرات، وليس الصنوبر كما اعتادت عائلة أبو حصيرة تقديمها في مطاعمها في غزة.

كما انجذب المصريون إلى طواجن السي فود التي يعشقونها، بالإضافة إلى السردين على الطريقة الفلسطينية، والمفاجأة ولعهم بالخبز الفلسطيني الذي نقدمه، والمختلف عن خبز الردة المنتشر في مصر، حسب أبو حصيرة، وقال: «يتميز خبزنا بأنه سميك ومشبع، وأصبح بعض الزبائن يطلبون إرساله إلى منازلهم بمفرده أحياناً لتناوله مع وجبات منزلية من فرط تعلقهم به، ونلبي لهم طلبهم حسب مدير المطعم».

تحتل المقبلات مكانة كبيرة في المطبخ الفلسطيني، وهي من الأطباق المفضلة لدى عشاقه؛ ولذلك حرص المطعم على تقديمها لزبائنه، مثل السلطة بالبندورة المفرومة والبصل والفلفل الأخضر الحار وعين جرادة (بذور الشبت) والليمون، وسلطة الخضراوات بالطحينة، وبقدونسية بضمة بقدونس والليمون والثوم والطحينة وزيت الزيتون.

ويتوقع أبو حصيرة أن يغير الفسيخ الذي سيقدمونه مفهوم المتذوق المصري، ويقول: «طريقة الفسيخ الفلسطيني وتحضيره وتقديمه تختلف عن أي نوع آخر منه؛ حيث يتم نقعه في الماء، ثم يتبل بالدقة والتوابل، ومن ثم قليه في الزيت على النار».

لا يحتل المطعم مساحة ضخمة كتلك التي اعتادت عائلة «أبو حصيرة» أن تتميز بها مطاعمها، لكن سيتحقق ذلك قريباً، حسب مدير المطعم الذي قال: «نخطط لإقامة مطعم آخر كبير، في مكان حيوي بالقاهرة، مثل التجمع الخامس، أو الشيخ زايد».