توقعت المفوضية الأوروبية، أمس (الأربعاء)، حدوث ركود «تاريخي» في الاتحاد الأوروبي هذا العام، بعد تفشي وباء «كوفيد - 19» على نطاق واسع مخلفاً آثاراً على الاقتصاد، وذلك رغم استجابة سريعة وشاملة؛ سواء على صعيد التكتل الموحد أو على المستوى الوطني للتعامل مع الوباء، الذي شكّل صدمة كبرى للاقتصادات العالمية والاقتصاد الأوروبي، مع عواقب اقتصادية واجتماعية شديدة للغاية.
وأكد المفوض الأوروبي للاقتصاد باولو جنتيلوني أن «أوروبا تواجه صدمة اقتصادية غير مسبوقة منذ الكساد الكبير»، الذي حدث في 1929. وتتوقع المفوضية انخفاضاً قياسياً في إجمالي الناتج الداخلي بنسبة 7.7 في المائة في منطقة اليورو، ثم انتعاشاً بنسبة 6.3 في المائة في عام 2021.
وتشكل هذه الكارثة ضغطاً على بروكسل لتقديم خطة تهدف إلى تحفيز النمو الاقتصادي الأوروبي. ولكن ثمة انقسام بين الأوروبيين حول الحلول الواجب اعتمادها. وقال جنتيلوني: «نبذل جهداً كبيراً. هذا ليس عملاً سهلاً... أتوقع ولادة الخطة في الأسابيع المقبلة، وأنا واثق أن الدول الأعضاء ستوافق عليها في يونيو (حزيران)».
وأضاف أن «عمق الركود وقوة الانتعاش سيكونان متفاوتين بحسب البلدان، تبعاً لسرعة رفع تدابير العزل، وأهمية الخدمات في كل اقتصاد، مثل السياحة والموارد المالية لكل دولة».
ولاحظ جينتيلوني أن توقعات المفوضية انطلقت من مبدأ أن الدول بدأت بالرفع التدريجي للحظر، مع ملاحظة إمكانية عدم الحصول على لقاحات سريعاً، أو ظهور موجة ثانية للوباء في الخريف والعودة إلى إجراءات حظر جديدة.
ومن جهته، قال فالديس دومبروفيسكيس نائب رئيس المفوضية الأوروبية، إنه في هذه المرحلة يمكن فقط رسمياً تحديد حجم وخطورة صدمة الوباء للاقتصادات الأوروبية، في حين أن التداعيات الفورية ستكون أشد بكثير بالنسبة للاقتصاد العالمي من الأزمة المالية، مضيفاً: «كما أن عمق التأثير سيعتمد على تطور الوباء وقدرتنا على استئناف النشاط الاقتصادي بأمان، والانتعاش بعد ذلك».
وتوقع المسؤول الأوروبي أن تشهد جميع دول الاتحاد ركوداً هذا العام، ولكن الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء وافقوا على تدابير استثنائية للتخفيف من التأثير «وسيعتمد الانتعاش الاقتصادي الجماعي على الاستجابات القوية والمنسقة على مستوى الاتحاد وعلى المستوى الوطني، لأننا سنكون أقوى عندما نكون معاً».
وكما كان متوقّعاً، فإن الدول التي ستسجل أسوأ ركود لها هذا العام، بحسب المفوضية، هي بحسب التسلسل اليونان (- 9.7 في المائة) وإيطاليا (- 9.5 في المائة) وإسبانيا (- 9.4 في المائة)، البلدان الأكثر اعتماداً على قطاع السياحة.
وأقر جنتيلوني بأن «علينا القيام بعمل شاق ليتمكن هذا القطاع من الصمود في الصيف».
وتعتزم المفوضية الأوروبية أن تطرح الأسبوع المقبل خطة خاصة بالسياحة، مع خطوط عريضة تتناول الشروط الصحية في الأماكن التي يقصدها من يمضون عطلهم.
وفرنسا الدولة السياحية والصناعية ليست أفضل حالاً، إذ يتوقع أن يسجل اقتصادها انكماشاً بنسبة 8.2 في المائة في 2020. ثم انتعاشاً نسبته 7.4 في المائة في النشاط في عام 2021.
أما الاقتصاد الرائد في منطقة اليورو، ألمانيا التي تعتمد بشكل كبير على صادراتها، فستشهد انخفاضاً في إجمالي الناتج المحلي بنسبة 6.5 في المائة في 2020، وهولندا بنسبة 6.8 في المائة، وفقاً لتوقعات الربيع للمفوضية الأوروبية.
ونتيجة هذا الركود التاريخي، يُتوقع أن يرتفع العجز العام في كل الدول الأعضاء في منطقة اليورو، وأن تزداد ديونها بشكل كبير في 2020 قبل تحسن الوضع في 2021.
لكن الدول التي كانت هشّة قبل الأزمة ستعاني من التبعات أكثر من غيرها؛ فإيطاليا الدولة التي فجعت بأكبر عدد من الوفيات بفيروس «كورونا المستجد» في منطقة اليورو، ويثير الوضع فيها قلق شركائها الأوروبيين، ستشهد ارتفاعاً هائلاً في دينها العام ليبلغ 158.9 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في 2020، مقابل 134.8 في المائة في 2019.
وبين الدول الـ19 الأعضاء في منطقة اليورو، وحدها اليونان تعاني من وضع أسوأ بدين عام بلغ 196.4 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي في 2020.
أما العجز العام لإيطاليا، ثالث اقتصادات منطقة اليورو، فيُتوقع أن يكون الأكبر بين الدول الـ19، وأن يبلغ 11.1 في المائة هذه السنة.
وتفيد توقعات المفوضية بأن يرتفع دين فرنسا بشكل كبير ليصل إلى 116.5 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي هذا العام، قبل أن ينخفض قليلاً إلى 111.9 في المائة في 2021، وقد بلغت 98.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2019. أما العجز العام فيتوقع أن يبلغ 3 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي في 2019. ويرتفع إلى مستوى «غير مسبوق» في 2020، إلى 9.9 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي.
وقالت المفوضية الأوروبية إن هذا العجز يمكن أن يبلغ 4.0 في المائة في 2021 «إذا لم تتغير السياسات، وإذا افترضنا أن الإجراءات لمكافحة الوباء لن تُطبّق سوى في 2020».
وحتى ألمانيا وهولندا، الصارمتان جداً في الموازنات في الأوقات العادية، تخلتا هذه السنة عن تشددهما لمساعدة الشركات على تجاوز امتحان العزل.
لذلك، سيبلغ العجز العام في ألمانيا 7 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي هذه السنة، بعد فائض نسبته 1.4 في المائة في 2019. لكن في 2021 يُتوقع أن يتراجع هذا العجز إلى 1.5 في المائة. أما في هولندا فيفترض أن يبلغ العجز العام 6.3 في المائة من إجمالي الناتج الداخلي في 2020، بعدما كان الفائض نسبته 1.7 في المائة في 2019. وسيتراجع إلى 3.5 في المائة في 2021.
• مبيعات التجزئة لأدنى مستوى على الإطلاق
في غضون ذلك، أظهرت بيانات رسمية، أمس (الأربعاء)، تراجع مبيعات التجزئة بمنطقة العملة الأوروبية الموحدة (اليورو) إلى أدنى مستوى على الإطلاق، تحت ضغط تداعيات فيروس «كورونا» السلبية التي قوضت معدلات الاستهلاك والطلب.
ووفقاً للبيانات الصادرة عن مكتب الإحصاءات الأوروبي «يوروستات» سجّلت مبيعات التجزئة بمنطقة اليورو انخفاضاً بنسبة 11.2 في المائة خلال شهر مارس (آذار)، مقابل 0.6 في المائة في شهر فبراير (شباط)، وهو ما يُعدّ أكبر تراجع شهري لها منذ بدء رصد السجلات في عام 1999.
أما على أساس سنوي، فقد تراجعت مبيعات التجزئة في منطقة اليورو بنحو 9.2 في المائة خلال مارس الماضي مقابل الفترة نفسها من العام الماضي.
ركود تاريخي يحاصر أوروبا
خطة تحفيز خلال أسابيع... لكن الطريق صعب
ركود تاريخي يحاصر أوروبا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة