«الليرة المنهارة» تستنزف احتياطيات «المركزي} التركي

التهمت القروض الداخلية... واللجوء إلى صندوق النقد قد يكون نهاية حتمية

تواصل الحكومة التركية الاقتراض في محاولة لإنقاذ الليرة من الانهيار (أ.ف.ب)
تواصل الحكومة التركية الاقتراض في محاولة لإنقاذ الليرة من الانهيار (أ.ف.ب)
TT

«الليرة المنهارة» تستنزف احتياطيات «المركزي} التركي

تواصل الحكومة التركية الاقتراض في محاولة لإنقاذ الليرة من الانهيار (أ.ف.ب)
تواصل الحكومة التركية الاقتراض في محاولة لإنقاذ الليرة من الانهيار (أ.ف.ب)

اقترضت الحكومة التركية مبلغ 2 مليار و750 مليون دولار خلال يومين في إطار جهودها لوقف تدهور الليرة، التي تدنى سعر صرفها في تعاملات أمس (الأربعاء) إلى مستوى 7.16 ليرة للدولار، مقتربة من المستوى الذي هبطت إليه خلال أزمتها في منتصف أغسطس (آب) 2018 حيث سجل سعر الدولار 7.25 ليرة.
وقالت وزارة الخزانة والمالية التركية، في بيان أمس، إنها اقترضت 11 مليار ليرة (نحو 1.5 مليار دولار) من الأسواق المحلية، من خلال مزادين، حيث تم في المزاد الأول بيع سندات كوبونات ثابتة نصف سنوية بمبلغ مليار دولار تمت تسويتها أمس وتستحق في 4 مايو (أيار) 2022. وبلغ إجمالي المناقصة 16 مليار ليرة (2.3 مليار دولار) بمعدل قبول 45.6 في المائة.
وأضافت أنه تم في المزاد الثاني إعادة فتح سندات حكومية نصف سنوية مجدولة بحسب مؤشر أسعار المستهلك لمدة خمس سنوات، بإجمالي 3.8 مليار ليرة تركية (نحو 537 مليون دولار)، تمت تسويتها أمس وتستحق بتاريخ 29 يناير (كانون الثاني) 2025. وبلغ إجمالي المناقصة في المزاد 7.9 مليار ليرة تركية (1.1 مليار دولار) بنسبة قبول 48 في المائة.
وكانت الوزارة أعلنت أول من أمس اقتراض مبلغ 8.8 مليار ليرة تركية (1.25 مليار دولار) من الأسواق المحلية، ليصل إجمالي ما تم اقتراضه في يومين 2 مليار و750 مليون دولار.
وقالت، في بيان، إنها ستعقد 24 مزاد سندات وبيعاً مباشراً لشهادات الإيجار لاقتراض 89 مليار ليرة تركية (12.7 مليار دولار) من الأسواق المحلية في الفترة من مايو (أيار) إلى يوليو (تموز) المقبلين.
وتسارعت وتيرة ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الليرة التركية عقب خفض البنك المركزي التركي سعر الفائدة الرئيسي 100 نقطة أساس الأسبوع قبل الماضي بهدف التخفيف من حدة التأثير السلبي لتفشي فيروس كورونا على الاقتصاد التركي، وسجل الدولار مستوى أعلى من سبع ليرات بعد مرور 20 شهراً على بلوغه أعلى مستوياته أمام الليرة في أغسطس (آب) 2018.
وأرجعت وكالة «بلومبرغ» الأميركية سبب الهبوط الأخير لليرة التركية إلى إعلان بيانات الوظائف الأميركية الإيجابي الذي أدى إلى زيادة الطلب على الدولار، وبالتالي ارتفاعه مقابل العملات الأخرى، مما انعكس على بعض العملات من بينها الليرة التركية والروبية الهندية.
ويتوقع خبراء، بناء على تجربة سابقة تخطى فيها الدولار حاجز الست ليرات، استمرار هبوط سعر الليرة ليشكل عتبة جديدة مستقرة. ورأى الخبراء أن السياسات المالية والنقدية ذات الدوافع السياسية للحكومة التركية أضعفت اقتصادها، حتى قبل أن يضربه فيروس كورونا. وأنه بدلاً من تغيير المسار لمعالجة حالة الطوارئ الناجمة عن الوباء، تواصل حكومة الرئيس رجب طيب إردوغان إهدار احتياطيات العملات الأجنبية للدفاع عن قيمة الليرة المتهاوية. ويعتقد اقتصاديون أن صندوق النقد الدولي، الذي كان هدفاً لانتقادات إردوغان لفترة طويلة، قد يكون الخيار الوحيد لتركيا حيث تتطلع إلى معالجة صعوباتها. وفي 9 أبريل (نيسان) الماضي، قالت مديرة الصندوق، كريستالينا غورغييفا، إن صندوق النقد الدولي يتعامل بشكل بناء مع جميع الدول الأعضاء، بما في ذلك تركيا، وفي مواجهة الأزمة الاقتصادية العالمية الناجمة عن فيروس كورونا، يعطي صندوق النقد الدولي الأولوية للإنفاق على الرعاية الصحية ويخلق خيارات تمويل جديدة للحد من البطالة والإفلاس. وأنهت تركيا سداد ديونها لصندوق النقد الدولي 23.5 مليار دولار في عام 2013. واعتاد إردوغان، منذ ذلك الحين، على وصف الصندوق بأنه «أداة النظام المالي القمعي للغرب».
وفي 13 أبريل (نيسان) الماضي، جدد إردوغان رفضه بشكل قاطع صندوق النقد الدولي كخيار للخروج من الأزمة الراهنة، قائلاً: «تركيا لن تنحني لبرنامج صندوق النقد الدولي أو أي جهة». لكن الديون ليست قضية، فوزارة الخزانة والمالية التركية تقترض بحرية من المصادر المحلية والدولية. وانتهت تركيا من إجراءات الحصول على قرض سريع بقيمة 100 مليون دولار من البنك الدولي قبل أسبوع، وسيساعد هذا القرض وزارة الصحة التركية فيما يتعلق بتعاملها مع أزمة وباء كورونا، لكنه صغير مقارنة بالتمويل الذي ستحتاجه تركيا للتعافي اقتصادياً من الأزمة.
ولاحظ نيكولاس دانفورث، الخبير في صندوق مارشال الألماني، تردد إردوغان في فرض إجراءات أكثر صرامة في الداخل بسبب تفشي كورونا، وأرجع ذلك إلى أنه قلق للغاية بشأن التداعيات السياسية للأزمة اقتصادية. ومع ذلك، يمنحه الوباء غطاءً سياسياً للأزمة التي كانت في طريقها إلى تركيا بالفعل، ويمكن لذلك أن يجعل حتى بعض الإجراءات غير المستساغة، مثل الذهاب إلى صندوق النقد الدولي أكثر تقبلاً.
وحاولت حكومة إردوغان الاستعاضة بنظام مقايضة العملات عن قروض صندوق النقد الدولي، لأنه يستخدم الحوافز كضمانات بدلاً عن الشروط التي يكرهها الرئيس التركي المرتبطة باتفاقيات قروض صندوق النقد الدولي. ويرجح خبراء ألا تغير الحكومة سياسات الاقتصاد الكلي، محذرين من أن نظام مقايضة العملات لا يعتبر حلاً سحرياً لمشاكلها الاقتصادية.
وأوضح الخبراء أن ما يضاعف من مشاكل تركيا الاقتصادية انسحاب الغالبية العظمى من المستثمرين الأجانب من تركيا بعد أزمة العملة في 2018، عندما أصبحوا غير مرتاحين لضعف سياسات الاقتصاد الكلي، ودون رأس المال الأجنبي، من الصعب أن نرى كيف ستمول إدارة إردوغان الفجوة المالية الضخمة التي من شبه المؤكد أن تحدثها أزمة وباء كورونا الحالية. واعتبروا أن تسهيلاً ائتمانياً احتياطياً لصندوق النقد الدولي بتمويل يتراوح بين 60 و80 مليار دولار مقابل تغيير جوهري في السياسة، والشفافية، والمساءلة، هو الخيار الوحيد الذي من شأنه أن يوفر متنفساً طويل الأجل للاقتصاد التركي. ولا يوجد خيار آخر، بعد أن حاول إردوغان الحصول على أموال من الصين وروسيا والاتحاد الأوروبي، لكن الأمر جاء بنتائج عكسية.
ويسود اعتقاد في الأسواق المالية بأن البنك المركزي التركي يعمل فارغاً حيث ينفد صافي احتياطيات النقد الأجنبي، ورغم استخدام الاحتياطيات التي يملكها لدعم الليرة، فإن العملة ما زالت تتراجع بسرعة كبيرة تبدو خارج السيطرة.



الصيرفة الإسلامية تتجاوز 4 تريليونات دولار من الأصول المالية

أمين عام المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية الدكتور عبد الإله بلعتيق (الشرق الأوسط)
أمين عام المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية الدكتور عبد الإله بلعتيق (الشرق الأوسط)
TT

الصيرفة الإسلامية تتجاوز 4 تريليونات دولار من الأصول المالية

أمين عام المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية الدكتور عبد الإله بلعتيق (الشرق الأوسط)
أمين عام المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية الدكتور عبد الإله بلعتيق (الشرق الأوسط)

كشف الأمين العام للمجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية، الدكتور عبد الإله بلعتيق، لـ«الشرق الأوسط»، عن بلوغ حجم الصيرفة الإسلامية حالياً أكثر من 4 تريليونات دولار من الأصول المالية، مع حصة كبيرة تأتي من دول الخليج، خصوصاً السعودية، والكويت، والإمارات، إضافة إلى ماليزيا، موضحاً أن هذا التفاوت يعكس مدى اختلاف السياسات الاقتصادية والبنية التحتية لكل دولة، وأيضاً مستوى التوعية المالية بالأنظمة المصرفية الإسلامية.

جاء ذلك مع عقد المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية - المظلة الرسمية للصناعة المالية الإسلامية- اللقاء الاستراتيجي الثاني للاقتصاد الإسلامي بعنوان: «الابتكار المستدام في المالية الإسلامية: تحقيق مقاصد الشريعة في تطوير المنتجات» في جدة (غرب السعودية).

وركَّز اللقاء على أهمية تبني استراتيجيات عملية تُسهم في مواجهة التحديات الراهنة في القطاع المالي، مع تحقيق التوازن بين الأهداف الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، الأمر الذي يُسهم في تعزيز دور المؤسسات المالية الإسلامية في دعم الاقتصاد الإسلامي، وتحقيق مقاصد الشريعة، مع ضمان المرونة والنمو، في ظل التغييرات الاقتصادية والتكنولوجية المتسارعة.

إجمالي الأصول عالمياً

وبيّن بلعتيق أن الاهتمام بالصيرفة الإسلامية بدأ بشكل ملحوظ بعد الأزمة المالية العالمية (2007-2009). ففي عام 2010، وصلت أصول الصيرفة الإسلامية عالمياً إلى نحو تريليون دولار، ما جذب انتباه عدد من المسؤولين والمنظمات الدولية وصناديق التمويل.

وبحلول عام 2023، تجاوز حجم أصول الصيرفة الإسلامية 4 أضعاف هذا الرقم، ما يشير إلى نمو ملحوظ في أقل من 13 عاماً، حتى مع الأزمات المالية المتعاقبة، مثل أزمة ما قبل جائحة «كورونا»، وفق بلعتيق.

ولفت إلى أهمية الصيرفة الإسلامية في المجتمعات، من ناحية دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة؛ حيث تلعب البنوك الإسلامية دوراً حيوياً في دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، ما يُعزز الاقتصاد المحلي، ويخلق فرص عمل جديدة.

معدلات النمو

وأوضح بلعتيق أنه على مدى السنوات الخمس الماضية، حققت البنوك الإسلامية نمواً يفوق نظيراتها التقليدية في معظم الدول، خصوصاً تلك التي تنشط فيها المؤسسات الأعضاء.

وقال إن مساهمة الصيرفة الإسلامية في الناتج المحلي الإجمالي تختلف بشكل كبير بين الدول الإسلامية، وذلك بسبب اختلاف حجم الاقتصادات والبنية التحتية المالية، ومدى تقبُّل كل دولة للنظام المصرفي الإسلامي.

وأكد بلعتيق أن السعودية من كُبرى الدول في الصيرفة الإسلامية، وذلك بسبب قوة اقتصادها وحجم البنوك الإسلامية الكبيرة فيها، مثل مصرف «الراجحي»، والبنك «الأهلي السعودي» (الذي تحوَّل إلى بنك إسلامي بالكامل). وتسهم الصيرفة الإسلامية بنسبة كبيرة في القطاع المالي السعودي.

وأوضح أن الإمارات والكويت تتمتعان بقطاع مصرفي إسلامي متطور ومهم، مع وجود بنوك إسلامية رائدة، مثل بنك «دبي» الإسلامي في الإمارات، فيما تُعدّ ماليزيا من الدول الرائدة في تطوير البنية التحتية والتشريعية في هذا المجال، ولديها تجربة ناجحة على المستوى الدولي.

ولكن حجم الصيرفة الإسلامية مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي يظل أقل من السعودية، أما تركيا فرغم قوة الاقتصاد التركي، فإن نسبة الصيرفة الإسلامية فيه لا تتجاوز 6-7 في المائة، مرجعاً السبب إلى هيمنة البنوك التقليدية وتأخر نمو القطاع الإسلامي نسبياً، وفق بلعتيق.

الحوكمة في المصارف الإسلامية

وذكر الأمين العام للمجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية، أن معايير الحوكمة الرشيدة، سواء الإدارية أو الشرعية، تُعد جزءاً أساسياً من عمل المؤسسات المالية الإسلامية، وهي ملزمة باتباع معايير تفرضها غالباً القوانين المحلية أو هيئات الرقابة الشرعية، وهذا لضمان توافق العمليات المالية مع مبادئ الشريعة الإسلامية.

وأفاد بأن معظم الدول التي تحتضن مؤسسات مالية إسلامية تفرض وجود هيئات شرعية داخل المصارف، وهي تراجع المنتجات والخدمات للتأكد من توافقها مع الأحكام.

واستطرد: «المصارف الإسلامية تلتزم بهيكل حوكمة مزدوج، يشمل الإدارية التقليدية، إضافة إلى الحوكمة الشرعية، مشيراً إلى أن هذا النظام يضفي عليها التزاماً أخلاقياً قوياً، خصوصاً فيما يتعلق بالشفافية والمسؤولية الاجتماعية».

وشدّد بلعتيق على أن التطوير المستمر في الحوكمة، خصوصاً مع دمج الابتكار والاستدامة، يسهم في رفع كفاءة المصارف الإسلامية وزيادة موثوقيتها عالمياً، كما يُعزز من دورها في تقديم تمويل أخلاقي يتوافق مع مقاصد الشريعة.

وشهدت الجلسة الافتتاحية كلمة رئيسة خاصة من نائب رئيس مجلس الإدارة الأول في المجلس العام، ومحافظ بنك «فيصل الإسلامي المصري» عبد الحميد أبو موسى، موضحاً: «تظل الصناعة المالية الإسلامية راسخة في مبادئها الأساسية التي وجهت التمويل الإسلامي عبر الأجيال، وبصفتنا قادة في هذه الصناعة، فإننا ندرك الفرص التي يقدمها الابتكار ومبادرات الاستدامة في توسيع قدرتنا على خدمة احتياجات المجتمع، مع تحقيق مقاصد الشريعة. ومن خلال هذه المنصة التعاونية، نلتزم بتطوير حلول مالية تُحافظ على مبادئنا الشرعية الأساسية مع معالجة التحديات المعاصرة، بما في ذلك التنمية المستدامة».

وتضمنت الجلسة الافتتاحية أيضاً كلمات خاصة من الدكتور محمد مصطفى شعيب، مدير إدارة البحوث والدراسات والموسوعات والترجمة والطباعة في مجمع الفقه الإسلامي الدولي.

وشهد اللقاء الاستراتيجي جلستين حواريتين. في الجلسة الأولى، ناقش الرئيس التنفيذي لشركة «صالحين للاستشارات الشرعية» في ماليزيا البروفسور أحسن لحساسنة، العلاقة بين مقاصد الشريعة الإسلامية والممارسات المالية المستدامة.

وفي الجلسة الثانية، شارك المدير العام بالإنابة لمعهد البنك الإسلامي للتنمية، الدكتور سامي سويلم، والمدير العام للبنك العربي الإسلامي الدولي في الأردن إياد العسلي، في نقاشات تفاعلية حول ابتكار المنتجات المستدامة، بدءاً من المفاهيم النظرية وصولاً إلى التطبيق العملي والمنتج الأخير للعميل، مع عرض أفضل الممارسات في تطوير المنتجات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية.