كوريا الجنوبية: كيم لم يخضع لجراحة بالقلب

واشنطن وسيول تقتربان من الاتفاق على تقاسم تكاليف الدفاع

TT

كوريا الجنوبية: كيم لم يخضع لجراحة بالقلب

ما زالت صحة الزعيم الكوري الشمالي موضعاً للتكهنات الدولية، حتى بعد أن قطعت بيونغ يانغ الشك باليقين ونشرت صوراً له السبت الماضي وهو يفتتح مصنعاً ويتجول وسيجارته بيده، بعد أن قيل إنه خضع لجراحة بالقلب. ونقلت وكالة {رويترز} عن جهاز المخابرات الكوري الجنوبي انه لا توجد مؤشرات على أن كيم جونغ أون خضع لجراحة في القلب عندما اختفى من وسائل الإعلام الرسمية لمدة ثلاثة أسابيع، لكنه قلّص نشاطه العام بسبب مخاوف متعلقة بفيروس «كورونا».
ونقلت وكالة «يونهاب» الكورية الجنوبية للأنباء عن الجهاز الوطني قوله في جلسة أمام النواب إن الزعيم الكوري الشمالي ظهر علناً 17 مرة هذا العام حتى الآن، وهو أقل عدد مرات ظهوره، ويرجع ذلك لتركيزه على الشؤون الداخلية وتأثير فيروس «كورونا».
وذكرت وسائل الإعلام الرسمية في كوريا الشمالية يوم السبت أن كيم حضر الانتهاء من تشييد مصنع للأسمدة، وهو أول تقرير عن ظهوره علناً منذ 11 أبريل (نيسان). وأثار غيابه عاصفة من التكهنات عن صحته ومكانه. ولكن وسائل الإعلام في بيونغ يانغ ذكرت السبت الماضي، أن كيم حضر مراسم افتتاح مصنع أسمدة، ونشرت صور لكيم وهو يبتسم ويتحدث مع المسؤولين. كما لم تستبعد وكالة الاستخبارات احتمالية تفشي فيروس «كورونا» في كوريا الشمالية.
وقال موقع إخباري كوري جنوبي إن كيم يتعافى من إجراء طبي خاص بالقلب والأوعية الدموية، بينما ذكرت قناة (سي إن إن) أن المسؤولين الأميركيين يتابعون معلومات عن أن حالته شديدة الخطورة بعدما خضع لجراحة. وقال أعضاء لجنة المخابرات بالبرلمان الكوري الجنوبي بعد اجتماع مع وكالة المخابرات الوطنية إن التقارير «لا أساس لها» من الصحة.
وقال النائب كيم بيونغ كي من الحزب الديمقراطي الحاكم، للصحافيين: «على أقل تقدير، كما نقلت عنه الوكالة الألمانية، خلصنا إلى أن كيم لم يخضع لجراحة أو إجراء طبي متعلق بالقلب». وكان عدم ظهور جونغ أون في الفعاليات السنوية للاحتفال بعيد ميلاد جده كيم إل سونغ في 15 أبريل الماضي، قد أثار تكهنات بشأن صحته. وقال كيم بيونغ - كي للصحافيين: «تقييم وكالة المخابرات الوطنية هو أنه لم يخضع على الأقل لأي إجراء طبي أو جراحة تتعلق بالقلب».
وتابع كيم بيونغ – كي: «يركز كيم جونغ أون على تعزيز شؤون داخلية مثل قوات الجيش واجتماعات الحزب الحاكم، وأدت المخاوف إزاء فيروس (كورونا) إلى تقليص نشاطه العام أكثر». وأضاف أن زيارة كيم لمصنع الأسمدة تهدف على ما يبدو لإظهار عزمه على تخفيف شح الطعام وبناء اقتصاد معتمد على الذات.
وفي سياق متصل، اتفقت وزيرة خارجية كوريا الجنوبية، كانغ كيونغ – وا، ونظيرها الأميركي مايك بومبيو، على مواصلة جهودهما الثنائية للتوصل بشكل سريع لاتفاق جديد لتقاسم تكاليف الدفاع، طبقاً لما ذكرته شبكة «كيه بي إس وورلد» الإذاعية الكورية الجنوبية، أمس (الأربعاء). وذكر مسؤول بارز بوزارة الخارجية أن كانغ وبومبيو تبادلا الآراء بشأن المفاوضات المطولة حول اتفاقية الإجراءات الخاصة، خلال محادثهما هاتفياً، أمس. غير أن وزيرة الخارجية الكورية الجنوبية أشارت إلى أن الاتفاق لا يزال عند المبدأ الأساسي فيما يتعلق بالجهود المتبادلة، وأن تقدماً ضئيلاً من المحتمل أن يتم إحرازه في القضية بعد المحادثات الأخيرة للوزيرين.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟