الروائي محمد ناجي يطوي «خافية قمر» ويرحل بعد صراع مع المرض

جعل الحياة أنشودة شعرية.. وموته في باريس أصاب الوسط الثقافي بالصدمة

ترك محمد ناجي إرثا أدبيا متميزا ونال «جائزة التفوق»  في مصر عام 2013 عن مجمل أعماله الروائية
ترك محمد ناجي إرثا أدبيا متميزا ونال «جائزة التفوق» في مصر عام 2013 عن مجمل أعماله الروائية
TT

الروائي محمد ناجي يطوي «خافية قمر» ويرحل بعد صراع مع المرض

ترك محمد ناجي إرثا أدبيا متميزا ونال «جائزة التفوق»  في مصر عام 2013 عن مجمل أعماله الروائية
ترك محمد ناجي إرثا أدبيا متميزا ونال «جائزة التفوق» في مصر عام 2013 عن مجمل أعماله الروائية

غيب الموت في مستشفى بوجون بالعاصمة الفرنسية باريس، الروائي المصري محمد ناجي، عن عمر يناهز 68 عاما، خلال فترة تعافيه من آثار جراحة زرع كبد أجراها الأسبوع الماضي، وغادر جثمانه، أمس، إلى القاهرة، حسب تصريحات قنصل مصر لدى باريس، السفيرة سيريناد جميل، ليتسلمه ابنه وابنته مع نخبة من أهله وأصدقائه.
وقالت جميل إن «القنصلية سارعت في إنهاء إجراءات نقل جثمان الروائي الراحل ليصل، أمس (الجمعة)، إلى القاهرة على رحلة مصر للطيران القادمة من العاصمة الفرنسية باريس، ومن المنتظر تشييع جنازته في مسقط رأسه مدينة سمنود بمحافظة الغربية وسط دلتا مصر.
ترك محمد ناجي إرثا أدبيا متميزا، تجسد في 7 أعمال روائية مطبوعة، وله رواية قيد الطبع، بالإضافة إلى ديوان شعر، وحصل ناجي على «جائزة التميز» من اتحاد كتاب مصر عام 2009، كما نال «جائزة التفوق» في مصر عام 2013 عن مجمل أعماله الروائية، وعمل فور تخرجه في كلية الآداب بجامعة القاهرة - قسم صحافة عام 1969، بـ«وكالة أنباء الشرق الأوسط»، ثم عمل بـ«وكالة أنباء الإمارات»، و«تلفزيون الإمارات»، والكثير من الصحف العربية.
وتلقت الحياة الثقافية في مصر نبأ رحيل محمد ناجي بالصدمة البالغة. ونعته وزارة الثقافة المصرية في بيان لها، وقال الدكتور جابر عصفور، وزير الثقافة، إنه ورؤساء قطاعات وهيئات الوزارة وجميع العاملين، ينعون الأديب والروائي الكبير محمد ناجي، الذي وافته المنية بباريس بعد صرع طويل مع المرض.
وتقدم الدكتور عصفور بخالص العزاء لأسرته وللمثقفين في مصر والوطن العربي، مشيرا إلى أن الأديب الراحل أثرى مكتبتنا العربية بالكثير من الروايات الهامة، ومنها: «العايقة بنت الزين»، «الأفندي»، «رجل أبله وامرأة تافهة»، وكانت آخر أعماله «تسابيح النسيان» التي كتبها أثناء علاجه بباريس. وذكر عصفور أن وزارة الثقافة ستتولى بالتعاون مع وزارة الدفاع نقل الجثمان من فرنسا إلى مصر.
كما نعى ناجي اتحاد كتاب مصر، مشيرا في بيان له أنه «من الكتاب المهمين الذين قدموا الكثير للأدب، وترك بصمته الخاصة فيه، إضافة إلى أنه عاش حياته واضحا في كل القرارات والمواقف الوطنية، ولم يفعل شيئا يخالف ضميره».
وقال الكاتب مصطفي القاضي إن «الروائي محمد ناجى، على المستوى الإنساني، كان من النماذج التي قل الزمان أن يجود بمثلها؛ إذ كان حريصا على الإنسانية، والوطنية، وعلى نبذ العنف، وانتشار الثقافة ودعمها، وكان ضد الفكر المتطرف، يؤمن بالديمقراطية وينفذها، حتى في أقصى لحظات مرضه، ظل محتفظا بداماثة الخلق، ومحبة البشر والحياة».
وعن اللحظات الأخيرة في حياة محمد ناجي، قالت الكاتبة ليلى حجازي القواس التي كانت معه بالمستشفى قبل رحيله بساعات، إن «ناجى كان متفائلا حتى آخر لحظة، وقال: أعايش مرضي بفرح وأصادقه كعابر سبيل».
وذكرت حجازي في اتصال هاتفي مع و«كالة أنباء الشرق الأوسط»، أن ناجى كان طموحا، وكان دائما مشغولا بما سيكتبه، حتى قبل أن يدخل غرفة العمليات، فكان يقول: «في دماغي كتابات كثيرة، فعلى سبيل المثال، لا يزال لدي حلم بأن أكتب رواية عن حرب أكتوبر (تشرين الأول)، وحرب الاستنزاف التي عايشتها فور تخرجي من الجامعة، وأرصد نبض قلب الجندي البسيط على الجبهة، في تلك اللحظة الحاسمة من التاريخ».
وأضاف ناجي: «يهمني أيضا أن أكتب عن تحولات المشاعر في المجتمع المصري، أكتب عن جيلنا وانكساراته الكبيرة، وأحلامه أيضا، جيل ابن نكسة، أنا مشغول الآن بكتابة رواية عن سمنود؛ بلدي، التي كانت عاصمة لمصر القديمة في أحد العصور الفرعونية الخصبة. يا أصدقائي، الأحلام كثيرة واللحظة نفسها التي أعيشها مليئة بتفاصيل كثيرة، أتمنى أن أجد الوقت لكي أكتبها».
وعن بصمة ناجي في فضاء الرواية قال الناقد الكبير المرحوم د. على الراعي عن رواية «خافية قمر» التي كتبها عام 1994: «هذه الرواية الفائقة الحسن قد صنعت من مادة الأحلام، ورضعت لبان الخيال، واستوت أمامنا خلقا فنيا جميلا نسعد به، ونعلي في تقديره من شأن مبدعه محمد ناجي.. أستاذ الفن الجميل».
وعن روايته «ليلة سفر» قال الدكتور صلاح فضل، إنها «شلال من الشجن والمودة واختلاط مشاعر الخطر بالألفة والرحيل بالوداع، يجعل من رواية محمد ناجي أنشودة شعرية رائقة للحياة والحب وتجاوز الآلام».
يذكر أن الهيئة المصرية العامة للكتاب قد أصدرت لناجي، أخيرا، الأعمال الكاملة، ومنها: «خافية قمر»، و«لحن الصباح»، و«مقامات عربية»، و«العايقة بنت الزين»، و«رجل أبله.. امرأة تافهة»، و«الأفندي»، و«ليلة سفر».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».